ج1 وح2. ةج3. وج4.وج5. كتاب : الفروق ج 1 2 3 4 5 .
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ يَسِّرْ بِرَحْمَتِكَ وَلَا تُعَسِّرْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَآلِهِ [ وَصَحْبِهِ ] أَجْمَعِينَ .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ جَمَالُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْمُظَفَّرِ أَسْعَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّيْسَابُورِيُّ الْكَرَابِيسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْتَقَطْتُهَا مِنْ الْكُتُبِ لَيْسَ فِيهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ إلَّا خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَسَمِعْتُ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ أَبَا الْعُلَا صَاعِدَ بْنَ مُحَمَّدٍ - أَنَارَ اللَّهُ بُرْهَانَهُ وَثَقَّلَ بِالْخَيْرَاتِ مِيزَانَهُ - أَظْهَرَ الْفُرْقَانَ بَيْنَهَا فَاسْتَحْسَنْتُهَا ، وَأَرَدْتُ أَنْ أُفْرِدَهَا لِيَسْهُلَ حِفْظُهَا ، وَاسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى إتْمَامِهَا ، فَنِعْمَ الْمُعِينُ ، وَنِعْمَ النَّصِيرُ .
كِتَابُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاة 1 - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا خَرَجَ الدُّودُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ؛ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ .
وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ لَمْ يُنْتَقَضْ .
الْفَرْقُ : أَنَّ الدُّودَ لَا يَخْلُو مِنْ قَلِيلِ بَلَّةٍ تَكُونُ مَعَهَا وَتَصْحَبُهَا ، وَتِلْكَ الْبَلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ ، وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ؛ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ .
وَأَمَّا فِي الْجُرْحِ فَالدُّودُ لَا يَخْلُو مِنْ قَلِيلِ بَلَّةٍ ، وَتِلْكَ الْبَلَّةُ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ ، وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ؛ لَمْ يُنْتَقَضْ الْوُضُوءُ .
وَلِأَنَّ الدُّودَ حَيَوَانٌ ، وَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْأَصْلِ ، وَالشَّيْءُ الطَّاهِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْجَبَ نَقْضَ الْوُضُوءِ ، كَالرِّيحِ .
وَإِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ؛ لَمْ يُوجِبْ نَقْضَ الْوُضُوءِ ، كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ .
وَفَرَّقَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ : بِأَنَّ الدُّودَ مِنْ الْجُرْحِ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ قِطْعَةٌ مِنْ اللَّحْمِ مِنْ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ سَيَلَانٍ [ مِنْ غَيْرِ ] السَّبِيلَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا فِي السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ النَّجَاسَةِ ، وَتِلْكَ النَّجَاسَةُ لَوْ خَرَجَتْ بِانْفِرَادِهَا أَوْجَبَتْ نَقْضَ الْوُضُوءِ ، فَكَذَلِكَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إذَا خَرَجَ .
2 - 2 - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي " النَّوَادِرِ : إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ ؛ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ .
وَإِذَا وَقَعَ الْبَوْلُ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَمْ يُنْتَقَضْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَصَبَةَ الْأَنْفِ يَلْحَقُهَا حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ ، وَيُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ ، فَهَذِهِ نَجَاسَةٌ سَالَتْ بِنَفْسِهَا إلَى طَاهِرٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَقَضَ بِهِ الْوُضُوءُ ، كَمَا لَوْ زَايَلَ الدَّمُ رَأْسَ الْجُرْحِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَصَبَةُ الذَّكَرِ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الْجَنَابَةِ ، وَلَا يُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ ، فَلَمْ تَصِلْ النَّجَاسَةُ إلَى مَوْضُوعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، فَلَمْ يُنْتَقَضْ الْوُضُوءُ بِهِ ، كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْعُرُوقِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " نَوَادِرِ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ " : إذَا مَسَحَ الرَّجُلُ خُفَّهُ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَرَّهَا عَلَى خُفِّهِ لَمْ يُجِزْهُ حَتَّى يُعِيدَهَا فِي الْمَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حِينَ أَزَالَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا فَذَلِكَ مَاءٌ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ ، فَجَعَلَ الْمَاءَ بِمُزَايَلَتِهِ الْمَوْضِعَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَسْحِ .
وَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَمَرَّهَا إلَى رُبْعِ رَأْسِهِ جَازَ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا .
وَلَوْ أَنَّهُ صَبَّ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَنَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ ثَانٍ جَازَ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ بِمُلَاقَاتِهِ مُسْتَعْمَلًا سَوَاءٌ كَانَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ فَالْمَاءُ الَّذِي عَلَيْهِ لَمْ يَصِلْ بِنَفْسِهِ إلَى رُبْعِ رَأْسِهِ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ مَدُّهَا إلَى رُبْعِ الرَّأْسِ ، وَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ ، كَمَا لَا يَجُوزُ مَدُّ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْيَدِ إلَى الْوَجْهِ وَالرِّجْلِ .
وَأَمَّا فِي الْمَسْحِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ [ فَإِنَّهُ ] بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ إلَى رُبْعِ رَأْسِهِ بِأَنْ يَنْحَدِرَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَمُرَّهَا عَلَيْهِ ، وَيَمُدَّهَا إلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ ، كَالْجُنُبِ إذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى عُضْوٍ ثُمَّ مَدَّهُ إلَى عُضْوٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
يُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ قِلَّةَ الْمَاءِ يَمْنَعُ سَيَلَانَهُ بِنَفْسِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَمْ يَكُنْ سَيَلَانُهُ مِنْ مُقْتَضَى وَصْفِهِ فَأُضِيفَ إلَى فَاعِلِهِ ، فَصَارَ هُوَ مُسْتَعْمَلًا لَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي ، كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعْمَلَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَاءِ أَوْجَبَتْ سَيَلَانَهُ بِنَفْسِهِ فَكَانَ سَيَلَانُهُ مِنْ مُقْتَضَى وَصْفِهِ فَلَا يُضَافُ
إلَيْهِ وَلَمْ يُعْطَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ .
وَلِهَذَا قُلْنَا : اتَّفَقْنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ ؛ حَلَّ .
وَلَوْ وَقَعَ عَلَى سِنَانِ الرُّمْحِ أَوْ فِي الْمَاءِ ؛ لَمْ يَحِلَّ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مُقْتَضَى رَمْيِهِ فَكَأَنَّهُ تَلِفَ بِالرَّمْيِ ، فَيُضَافُ مَوْتُهُ إلَى الرَّامِي ، وَمَوْتُهُ فِي وُقُوعِهِ .
وَوُقُوعُهُ عَلَى سِنَانِ الرُّمْحِ أَوْ فِي الْمَاءِ لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ الرَّمْيِ ؛ فَلَمْ يُضَفْ إلَى الرَّامِي ، فَكَأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ ثُمَّ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ .
وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ عَنْ بُرْءٍ لَزِمَهُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، كَمَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إذَا نَزَعَ الْخُفَّ بَعْدَ مَا مَسَحَ عَلَيْهِمَا .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْحَدَثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى شَدِّ الْجَبَائِرِ ، فَجَازَ لَهُ الْمُضِيُّ عَلَى صَلَاتِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجَبَائِرُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ أَوْ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ عَنْ بُرْءٍ ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ بِالْحَدَثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى السُّقُوطِ ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ فِي تَرْكِهِ مَا دَامَ لَابِسًا لِلْخُفَّيْنِ وَمَا دَامَتْ الْجَبَائِرُ عَلَى الْجُرْحِ فَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ أَوْ نَزَعَ الْخُفَّ لَزِمَهُ غَسْلُهُمَا بِمَعْنًى مُتَقَدِّمٍ عَلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْحَدَثُ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمُتَيَمِّمِ إذَا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ ، وَاسْتَأْنَفَ صَلَاتَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
5 - 5 - وَلِصَاحِبِ الْجُرْحِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ .
وَلَيْسَ لِلْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُقِيمًا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَعَادَ إلَى مَسْحِ مِثْلِهِ ، وَالطَّهَارَةُ لَا تُنْتَقَضُ إلَى طَهَارَةٍ مِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُلْنَا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَرَجَعَ إلَى الْوُضُوءِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُنْتَقَضَ الْمَسْحُ إلَى الْغَسْلِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ ، وَهَذَا جَائِزٌ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ .
6 - 6 - كَافِرٌ مَيِّتٌ غُسِّلَ ثُمَّ أُوقِعَ فِي مَاءٍ ؛ يُنَجِّسُهُ .
وَإِنْ غُسِّلَ مُسْلِمٌ مَيِّتٌ ثُمَّ أُوقِعَ فِي مَاءٍ ؛ لَمْ يُنَجِّسْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ الْكَافِرِ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ الْغُسْلِ وَعَدَمُهُ فِي حَقِّهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، فَصَارَ كَثَوْبٍ نَجِسٍ غُسِلَ ثُمَّ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ ، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إنَّهُ لَوْ صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ شَهِيدًا عَلَى ثَوْبِهِ دَمٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، فَجَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَهُ كَذَلِكَ هَذَا .
7 - 7 - قَالَ فِي الْأَصْلِ : إذَا كَانَ جُنُبًا وَلَا يَجِدُ مَاءً ، وَفِي الْمَسْجِدِ عَيْنُ مَاءٍ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقَعَ فِي الْعَيْنِ لِصِغَرِهَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَسْتَقِي بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ ، فَالتَّيَمُّمُ الَّذِي وَقَعَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ .
وَلَوْ تَيَمَّمَ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ جَازَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ السُّجُودَ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ، وَإِذَا وَقَعَ التَّيَمُّمُ لِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ جَازَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ ، كَمَا لَوْ وَقَعَ لِلتَّطَوُّعِ جَازَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلَا هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا فَلَمْ يَقَعْ التَّيَمُّمُ لِجِنْسِ الصَّلَاةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا لَمْ يَجُزْ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
8 - 8 - وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ ، إذَا كَانَ مُسَافِرًا ، رَاكِبًا إنْ شَاءَ ، وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَذَانَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ ، وَلَمْ يُشْرَعْ مَوْصُولًا بِالصَّلَاةِ ، وَالْإِعْلَامُ يَحْصُلُ إذَا كَانَ رَاكِبًا ، وَسُنَنُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا ، كَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ بِالنُّزُولِ لَا يُمْنَعُ جَوَازُهُ ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ رَاكِبًا فِي السَّفَرِ .
وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فَسُنَنُ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا فِي الْمِصْرِ كَذَلِكَ الْأَذَانُ .
وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَشُرِعَتْ مَوْصُولَةً بِالصَّلَاةِ ، فَإِذَا أَقَامَ رَاكِبًا أَدَّى إلَى الْفَصْلِ بَيْنَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الْإِقَامَةِ بِالنُّزُولِ ، وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، فَلَا يُقِيمُ رَاكِبًا .
9 - 9 - وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُسَافِرُ عَلَى الْإِقَامَةِ أَجْزَأَهُ ، وَإِنْ تَرَكَهَا كَانَ مُسِيئًا .
وَالْمُقِيمُ إذَا تَرَكَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ ، وَاكْتَفَى بِأَذَانِ النَّاسِ وَإِقَامَتِهِمْ لَا يَكُونُ مُسِيئًا .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ تَقُومُ بِهَا الْجَمَاعَةُ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا مَنْ يَقُومُ بِهَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَيِّتًا وَحْدَهُ فِي الْمَفَازَةِ فَعَلَيْهِ دَفْنُهُ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ ، وَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُقِيمُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ يَقُومُ بِهَا الْجَمَاعَةُ ، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا مَنْ يَقُومُ بِهَا ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُؤَذِّنُونَ فِي الْمَسَاجِدِ وَيُقِيمُونَ ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مَأْمُورًا بِهَا ، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَيِّتًا فِي الْمِصْرِ وَوَجَدَ مِنْ يُوَارِيهِ وَيَقُومُ بِتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِتَرْكِهِ آثِمًا كَذَلِكَ هَذَا .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ أَذَانَ الْمُؤَذِّنِ فِي الْمِصْرِ وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ وَلِإِخْبَارِ النَّاسِ ، لِأَنَّهُ أُمِرَ بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ ، وَإِذَا وَقَعَ لَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِعَادَةِ ، كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ ، وَلَا يَقَعُ لِجَمَاعَةٍ أُخْرَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمَرُونَ بِالْخُرُوجِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ ، فَلَا يَقَعُ لَهُمْ فَأُمِرُوا بِهِ .
وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَأَذَانُ أَهْلِ الْمِصْرِ لَمْ يَقَعْ لَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِصْرِ لِيُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَهُ احْتَاجَ إلَى فِعْلِهِ كَالْجَمَاعَةِ فِي الْمِصْرِ .
10 - 10 - وَإِذَا أَذَّنَتْ امْرَأَةٌ جَازَ ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ .
وَلَوْ أَذَّنَ السَّكْرَانُ أَوْ الْمَجْنُونُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعَادَ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ ، وَقَوْلُ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِعْلَامُ ؛ إذْ النَّاسُ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُمَا أَنْ يَأْتِيَا بِهِ عَلَى نَظْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ ، فَصَارَ كَأَذَانِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ .
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَأَذَانُهَا يَقَعُ بِهِ الْإِعْلَامُ ؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ أَنْ تَأْتِيَ بِالْحُرُوفِ عَلَى نَظْمِهَا وَتَرْتِيبِهَا ، وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَادَ فِي الْمَجْنُونِ وَلَا يُعَادَ فِي الْمَرْأَةِ ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ إلَى الْجُمُعَةِ وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ عَنْهَا فَجَازَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَذَانِ كَالصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ وَالْبَالِغِ .
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُمَا يُجَنَّبَانِ الْمَسْجِدَ فَصَارَا كَالصَّبِيِّ الصَّغِيرِ .
11 - 11 - وَيَقْضِي الْفَوَائِتَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَيُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ ، وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ .
وَلَا يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ، وَلَا يُصَلِّي الْمَنْذُورَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَقَضَاءَ الْفَوَائِتِ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا يَقِفُ عَلَى فِعْلِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْمَعُ الْآيَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَتَلْزَمُهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ ، كَذَلِكَ يَحْضُرُ الْجِنَازَةَ فَتَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهَا بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ جَازَ أَدَاؤُهَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَفَرْضِ الْوَقْتِ .
وَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالْمَنْذُورَةُ فَوُجُوبُهُمَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ ؛ إذْ لَوْلَا طَوَافُهُ وَنَذْرُهُ لَمَا لَزِمَهُ فَصَارَ كَوُجُوبِهِمَا بِشُرُوعِهِ فِيهِمَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْرَعَ فِي صَلَاةٍ مُتَطَوِّعًا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِتَجِبَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهَا فِيهِمَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ حَالَةَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَالِانْتِصَافِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَلَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ، وَالصَّلَاةُ إنَّمَا هِيَ أَرْكَانٌ مِثْلُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، فَابْتِدَاءُ الِافْتِتَاحِ لَيْسَ بِصَلَاةٍ ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَابْتِدَاءُ الصَّوْمِ صَوْمٌ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ هُوَ إلَّا الْإِمْسَاكُ فَوُجِدَ الْفِعْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ، فَجَازَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا وُجِدَ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ، وَالتَّكْبِيرُ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ ، فَانْعَقَدَتْ التَّحْرِيمَةُ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ .
وَأَمَّا الصَّوْمُ فَابْتِدَاءُ الْإِمْسَاكِ مِنْ الصَّوْمِ وَجُزْءٌ مِنْهُ ، فَوُجِدَ جُزْءٌ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِقَطْعِهِ ، فَإِذَا قَطَعَ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَائِهِ .
وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ قَوْلٌ ، فَقَدْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ بِقَوْلِهِ ، فَصَارَ كَإِيجَابِهِ بِالنُّذُورِ .
وَالشُّرُوعُ فِي الصَّوْمِ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ ، فَجَازَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ حُكْمُهُ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِإِبْطَالِهِ ، كَمَا لَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، فَارْتَجَعَ لَمْ يَضْمَنْ كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ لَمْ يَجُزْ الِاعْتِدَادُ بِذَلِكَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ .
وَلَوْ ذَكَرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ فَخَرَّ سَاجِدًا لَهَا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : إنِّي احْتَسَبْتُ بِذَلِكَ الرُّكُوعِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إتْمَامَ الرُّكُوعِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَإِتْمَامُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يُعْتَدُّ بِالِانْحِطَاطِ خُرُوجًا ، صَارَ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَجَازَ .
وَأَمَّا إذَا ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَإِتْمَامُ الرُّكُوعِ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَاجِبٌ ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يُعْتَدُّ بِذَهَابِهِ خُرُوجًا مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ لَجَعَلْنَاهُ مُتَمِّمًا لَهُ ، فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ ، وَأَدَاءُ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ ، فَلَا نَجْعَلُهُ خَارِجًا ، فَلَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ .
14 - 14 - الْفَتْحُ عَلَى الْإِمَامِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَيُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ .
وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ يُفْسِدُ الصَّلَاةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمُؤْتَمِّ ، فَإِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ قَصَدَ بِقِرَاءَتِهِ اسْتِصْلَاحَ صَلَاتِهِ ، فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَالْمُنْفَرِدِ إذَا قَرَأَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا فَتَحَ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ لَيْسَتْ بِقِرَاءَةٍ لَهُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُكْمِ صَلَاتِهِ وَجَعَلَهُ جَوَابًا لَهُ وَخَاطَبَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ تَعَلَّمَ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَذَلِكَ هَذَا .
15 - 15 - وَإِذَا مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْمَوْتِ أَوْ النَّارِ ، فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذَ وَاسْتَغْفَرَ ، وَهُوَ وَحْدَهُ فِي التَّطَوُّعِ ، فَذَلِكَ حَسَنٌ .
وَإِنْ كَانَ إمَامًا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كَانَ إمَامًا فَهُوَ فِيمَا يَقِفُ يُشَكِّكُ الْقَوْمَ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ أُرْتِجَ عَلَيْهِ ، فَيَفْتَحُونَ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ ، { وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمُعَاذٍ : صَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ } ، فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ وَحْدَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ عَلَى أَحَدٍ ، وَلَا إلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْكِيكِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ تَطَوُّعٌ ، وَالتَّدَبُّرُ تَطَوُّعٌ ، فَاسْتَوَيَا فَإِنْ شَاءَ وَقَفَ وَتَدَبَّرَ ، وَإِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ .
وَإِذَا صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ .
وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا فَقَدْ تَشَبَّهَ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَجَّهُونَ إلَى الصُّورَةِ ، وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ لَا يَجُوزُ ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } .
وَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُتَشَبِّهًا بِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ هَكَذَا وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ صَغَارًا وَمَذَلَّةً وَاسْتِخْفَافًا فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ وَطِئَ صَنَمًا بِقَدَمِهِ ، وَلَوْ فَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
17 - 17 - وَيَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ بِهِ ، وَلَا يُعِيدُهُ إذَا سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ .
وَلَوْ لَحِقَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ ، ثُمَّ نَامَ أَوْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ ، ثُمَّ انْتَبَهَ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ بِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ ، وَلَوْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ الْتَزَمَ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَمُتَابَعَتَهُ فِي مِقْدَارِ مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ ، وَأَوْجَبَ الِانْفِرَادَ بِالْبَاقِي بَعْدَ فَرَاغِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَأَدَّى رَكْعَةً لَمْ يَجُزْ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ ، وَسُجُودُ السَّهْوِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ ، فَإِذَا انْفَرَدَ الْمَسْبُوقُ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ ، صَارَ مُنْفَرِدًا فِي مَحَلٍّ الْتَزَمَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِيهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ نَوَى فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ الِانْفِرَادَ وَقَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ قَبْلَ قُعُودِ الْإِمَامِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللَّاحِقُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَقَدْ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ إمَامِهِ ، وَأَوْجَبَ أَنْ يَفْعَلَهَا كَمَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ ، وَلَمْ يُوجِبْ الِانْفِرَادَ بِشَيْءٍ ، وَالْإِمَامُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ كَذَلِكَ هُوَ يَجِبُ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي ، لَصَارَ مُنَاقِضًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
18 - 18 - يَقْرَأُ الْمَسْبُوقُ فِيمَا يَقْضِي .
وَلَا يَقْرَأُ اللَّاحِقُ .
فَرْقٌ لِأَنَّ اللَّاحِقَ مَجْعُولٌ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ، وَإِنَّمَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ إمَامِهِ ، وَلَوْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَقْرَأُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْبُوقُ ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَقْضِي مُنْفَرِدٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ ، وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ غَيْرِهِ ، وَالْمُنْفَرِدُ يَقْرَأُ فِي صَلَاتِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ .
19 - 19 - وَالْمَسْبُوقُ يُشَارِكُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ .
وَلَا يُتَابِعُهُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ وَتَلْبِيَةِ الْإِحْرَامِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَدْخُلُ فِي التَّحْرِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَحَلُّلٍ مِنْ بَعْدُ ، وَهُوَ قَدْ الْتَزَمَ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ فِي مِقْدَارِ مَا يُصَلِّي ، وَأَوْجَبَ الِانْفِرَادَ بِالْبَاقِي ، وَسُجُودُ السَّهْوِ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا شُرِعَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ خَارِجَ التَّحْرِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَلُّلِ مِنْ بَعْدُ ، وَهُوَ إنَّمَا الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي التَّحْرِيمَةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ مُتَابَعَتُهُ .
20 - 20 - وَعَلَى الْمَسْبُوقِ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا يَقْضِي ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيمَا صَلَّى ، وَلَا يَنْفَعُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَرَأَ هَذَا الْمُؤْتَمُّ فِيمَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَنْفَعْهُ ، وَيَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِي .
وَلَوْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقَامَ الْمُقِيمُ لِيَقْضِيَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَقْرَأُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَمْ يَقْتَدِ بِالْإِمَامِ فِيمَا تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ إمَّا فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ لَمْ يُعِدْ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، فَلَمْ يَقْتَدِ بِالْإِمَامِ فِي صَلَاةٍ تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ تَقَعْ قِرَاءَتُهُ لِلْمُؤْتَمِّ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْإِمَامُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَصَلَّى خَلْفَهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا يَقْضِي ، لِتَحْصُلَ لَهُ الْقِرَاءَةُ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ تَعَيَّنَ عَلَى الْإِمَامِ ، فَقَدْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِهِ فِي صَلَاةٍ تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ فِيهَا ، فَجُعِلَتْ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ ، فَحَصَلَتْ لَهُ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْبَاقِي .
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ : قُلْت لِلْقَاضِي الْإِمَامِ : فَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ ، وَاقْتَدَى بِهِ هَذَا الْمَسْبُوقُ ، فَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْإِمَامِ هَاهُنَا ، فَوَجَبَ أَلَّا تَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِي ، قَالَ : لَا رِوَايَةَ هَاهُنَا .
وَأَمَّا إذَا قَرَأَ هَذَا الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَنْفَعْهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ ، وَسُكُوتُهُ كَقِرَاءَتِهِ وَقِرَاءَتُهُ كَسُكُوتِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا حُكْمُهُ كَذَلِكَ
هَاهُنَا .
وَإِذَا كَانَ فِي الظُّهْرِ فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ وَطَالَ تَفَكُّرُهُ حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ ، فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ .
وَإِنْ شَكَّ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهُوَ فِي هَذِهِ ، وَشَغَلَهُ تَفَكُّرُهُ عَنْ السُّجُودِ أَوْ الرُّكُوعِ حَتَّى طَوَّلَهُ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ غَيَّرَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا بِمَا قَصَدَ بِهِ اسْتِصْلَاحَ هَذِهِ الصَّلَاةَ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ ، كَمَا لَوْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا تَفَكَّرَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ لَمْ يَقَعْ لِمَعْنًى قَصَدَ بِهِ اسْتِصْلَاحَ صَلَاتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ ، كَمَا لَوْ الْتَفَتَ سَاهِيًا .
22 - 22 - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا وَسَهَا فِيهِمَا ، فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَتَيْنِ وَسَهَا فِيهِمَا ، فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سَلَامَ الْعَمْدِ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ فِي التَّطَوُّعِ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ التَّطَوُّعِ تَقَعُ لِلرَّكْعَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَالسَّلَامُ شُرِعَ عَقِيبَ الرَّكْعَتَيْنِ فَوَقَعَ السَّلَامُ فِي مَحَلِّهِ ، وَسَلَامُ الْعَمْدِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ مُنِعَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَقَدْ قَارَنَ الْبِنَاءَ مَا يَمْنَعُهُ فَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَافِرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى الْإِقَامَةَ صَارَتْ التَّحْرِيمَةُ لِلْأَرْبَعِ وَلَزِمَتْهُ الرَّكْعَتَانِ الْأُخْرَيَانِ لِحَقِّ التَّحْرِيمَةِ ، فَصَارَ سَلَامُ الْعَمْدِ وَاقِعًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ ، فَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، بَنَى عَلَيْهِمَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ كَذَلِكَ هَذَا .
23 - 23 - اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ .
وَاقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَصِحُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ ابْتِدَاءً أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ انْتَقَلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ ، وَبِخُرُوجِ الْوَقْتِ اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ اسْتِقْرَارًا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَقِلْ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ الْمُقِيمِ ، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ أَبْلَغُ فِي إلْزَامِ الْإِتْمَامِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ ثُمَّ أَفْسَدَ الْمُقِيمُ صَلَاتَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ صَلَاةُ الْإِقَامَةِ ، وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ لَزِمَهُ صَلَاةُ الْإِقَامَةِ ، ثُمَّ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ ، فَلَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُقِيمِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ اسْتِقْرَارًا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ ، فَبَقِيَ فَرْضُهُ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ جَوَّزْنَا اقْتِدَاءَهُ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَجَوَّزْنَا أَنْ يَقْتَدِيَ مَنْ فَرْضُهُ رَكْعَتَانِ بِمَنْ فَرْضُهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، دَلِيلُهُ : مُصَلِّي الْفَجْرِ إذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الظُّهْرِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَقِلْ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِهِ ، فَصَارَ يَقْتَدِي مَنْ فَرْضُهُ أَرْبَعٌ بِمَنْ فَرْضُهُ رَكْعَتَانِ فَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ .
فَإِنْ قِيلَ :
إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَخَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ ، فَاسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مُقِيمًا ، فَإِنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ وَهُوَ فَرْضُ الْمُقِيمِينَ ، فَانْتَقَضَ قَوْلُكُمْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ الْمُقِيمِينَ .
الْجَوَابُ : أَنَّا قَدْ احْتَرَزْنَا وَقُلْنَا : مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ ابْتِدَاءً أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ ، وَهَذَا لَيْسَ بِابْتِدَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ فَلَا يَلْزَمُنَا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنْ فَرْضَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ ، فَبَقِيَ فَرْضُهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِينَ ، وَصَلَاةُ الْإِقَامَةِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى صَلَاةِ السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ وَهِيَ مَشْدُودَةٌ فَافْتَتَحَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ ثُمَّ سَارَتْ السَّفِينَةُ وَنَوَى السَّفَرَ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهَا صَلَاةَ السَّفَرِ وَإِنَّمَا يُتِمُّهَا أَرْبَعًا ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ ، دَلِيلُهُ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُقِيمُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْفَرْضِ يَجُوزُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى التَّطَوُّعِ ، وَهُوَ أَنْ يَفْتَتِحَ صَلَاةً يَظُنُّ أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ انْتَقَلَتْ تَطَوُّعًا ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ جَازَ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَيْهِ ، كَمُصَلِّي التَّطَوُّعِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : لَا يَبْنِي صَلَاةَ السَّفَرِ عَلَى صَلَاةِ الْإِقَامَةِ مَنْ عَقَدَ نَفْسَهُ ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ السَّفِينَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، فَلَا يَبْنِيهِ مَنْ عَقَدَ غَيْرَهُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْفَرْضِ عَلَى التَّطَوُّعِ .
وَيَبْنِي صَلَاةَ الْإِقَامَةِ عَلَى صَلَاةِ السَّفَرِ مَنْ عَقَدَ نَفْسَهُ ، فَجَازَ أَنْ يَبْنِيَهُ
مَنْ عَقَدَ غَيْرَهُ ، كَمَا يَجُوزُ بِنَاءُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْفَرْضِ .
24 - 24 - وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ وَقَدْ سَهَا ، فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا فَسَهَا أَيْضًا ، كَفَاهُ سَجْدَتَانِ لِسَهْوِهِ وَلِسَهْوِ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ ، فَاسْتَخْلَفَ فَقَرَأَ الثَّانِي تِلْكَ الْآيَةَ تَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جُبْرَانٌ لِلتَّحْرِيمَةِ ، وَالْأَوَّلُ قَدْ اسْتَخْلَفَ الثَّانِيَ فِي التَّحْرِيمَةِ ، فَقَامَ مَقَامَهُ وَصَارَ كَسَهْوِهِ وَهُوَ لَوْ سَهَا لَزِمَهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ، لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالتِّلَاوَةِ لَا لِحَقِّ التَّحْرِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ خَارِجَ التَّحْرِيمَةِ ، إنَّمَا يَتَدَاخَلُ بِالتَّكْرَارِ وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَسْبِقْ مِنْ الثَّانِي تِلَاوَةٌ فَجَازَ أَنْ تَلْزَمَهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى ، كَمَا لَوْ تَلَا آيَةً أُخْرَى .
25 - 25 - إذَا تَلَا التَّالِي آيَةَ السَّجْدَةِ مَرَّاتٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، وَالرَّاحِلَةُ تَسِيرُ كَفَاهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَإِنْ تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ لَزِمَهُ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ سَجْدَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ جَمَعَتْ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا فَجَعَلَهَا فِي الْحُكْمِ كَمَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ تَسِيرُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَيَكُونُ مُعِيدًا مُكَرِّرًا وَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَةٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَالتِّلَاوَةُ وُجِدَتْ فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَجْمَعُ حُكْمَ الْأَمَاكِنِ ، فَصَارَتْ كَالْمَجَالِسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَلَا يَكُونُ مُعِيدًا وَمُكَرِّرًا ؛ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ مُعِيدًا الشَّيْءَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ تَكْرَارًا ، لِمَا وُجِدَ مِنْهُ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ فِي مَجْلِسِهِ فَقَطْ ، فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى وَاحِدٍ .
26 - 26 - إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ وَسَمِعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَإِنْ سَجَدَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَانِهِ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ثُمَّ قَرَأَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ تِلْكَ السَّجْدَةَ ، فَعَلَى هَذَا لِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْجُدَهَا إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ، فَجُعِلَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُصَلِّي كَالْمَجْلِسَيْنِ .
وَلَوْ سَمِعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آيَةَ السَّجْدَةِ وَهُوَ عَلَى الدَّابَّةِ تَسِيرُ فَسَجَدَهَا ثُمَّ تَلَا ثَانِيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى ، فَجَعَلَ الْأَمَاكِنَ كَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَهُوَ غَيْرُ مُصَلٍّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُصَلِّيًا وَهُوَ مُحْدِثٌ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُ ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِمُصَلٍّ كَالنَّائِمِ ، فَقَدْ فَصَلَ بَيْنَ السَّمَاعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِقَطْعِ الصَّلَاةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مُصَلٍّ فِي حَالَةِ السَّيْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ مِنْ أَفْعَالِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهَا ، فَقَدْ سَمِعَ وَهُوَ مُصَلٍّ وَسَمِعَ ثَانِيًا وَهُوَ مُصَلٍّ تِلْكَ الصَّلَاةَ أَيْضًا ، فَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِمَا لَيْسَ بِصَلَاةٍ ، فَجَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ .
27 - 27 - الْوَاجِبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْوَقْتِ بَعْدَ الْفَائِتَةِ ، فَإِنْ صَلَّى صَلَاةَ الْوَقْتِ أَوَّلًا لَمْ يُجْزِهِ .
وَالْوَاجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَنْ يُصَلِّي صَلَاةَ الْوَقْتِ ثُمَّ الْفَائِتَةَ ، فَإِنْ صَلَّى الْفَائِتَةَ أَجْزَأَتْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَنَفَّلَ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا آخَرَ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَالنَّهْيُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ اقْتَضَى الْفَسَادَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ تَأْخِيرُ فَرْضِ الْوَقْتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ أَوْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ ، وَالنَّهْيُ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادُ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ .
28 - 28 - الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ مُضْجَعًا إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ .
وَأَمَّا تَوْجِيهُ الْمَيِّتِ فِي اللَّحْدِ ، وَالْمَرِيضِ الْمُحْتَضِرِ فَإِنَّهُ يُوَجَّهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ .
الْفَرْقُ وَمَدَارُهُمَا عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : { الْمَرِيضُ يُصَلِّي قَائِمًا إنْ اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلِيُصَلِّ قَاعِدًا ، يَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَاعِدًا صَلَّى مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ ، وَرِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : " يُصَلِّي الْمَرِيضُ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ يَلِي قَدَمَاهُ الْقِبْلَةَ " وَفِي الْمَيِّتِ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { يَا عَلِيُّ اسْتَقْبِلْ بِهِ الْقِبْلَةَ اسْتِقْبَالًا ، وَقُولُوا جَمِيعًا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَضَعُوهُ لِجَنْبِهِ وَلَا تَكُبُّوهُ لِوَجْهِهِ وَلَا تُلْقُوهُ لِظَهْرِهِ } .
وَوَجْهٌ آخَرُ : مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَرِيضَ يُؤْمَرُ بِالْإِيمَاءِ ، وَمَتَى أَوْمَأَ خَفَضَ رَأْسَهُ فَجَعَلَ وَجْهَهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ، وَالِانْحِرَافُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِبْلَةِ لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا حَالَةُ الِاحْتِضَارِ وَالدَّفْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَرَكَةِ ، وَقَدْ حَصَلَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ فَجَازَ .
وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ يَعْرِضُ لَهُ الصِّحَّةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْقُعُودِ فَمَتَى كَانَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ ، فَإِذَا قَعَدَ حَصَلَ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ فَجَازَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جَنْبِهِ مَادًّا رِجْلَيْهِ فَإِذَا قَعَدَ حَصَلَ مُتَوَجِّهًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِانْحِرَافِ إلَّا أَنْ يُوَجِّهَ رِجْلَيْهِ أَوَّلًا إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَقْعُدُ ، فَهَذِهِ حَالَةٌ تَقْرُبُ
إلَى الصِّحَّةِ وَالْقُعُودِ فَاعْتُبِرَ بِهِ .
وَأَمَّا الْمُحْتَضَرُ فَهَذِهِ حَالَةٌ تَقْرُبُ مِنْ الْمَوْتِ فَاعْتُبِرَ بِحَالَةِ الْمَوْتِ ، وَحَالَةِ الْقَتْلِ فِي الشَّاةِ تُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ ، لِأَنَّ اسْتِلْقَاءَهَا عَلَى ظَهْرِهَا أَشَقُّ عَلَيْهَا كَذَلِكَ هَذَا .
29 - 29 - الْمَيِّتُ إذَا وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَيْسَ بِهِ جُرْحٌ إلَّا أَنَّ الدَّمَ خَرَجَ مِنْ عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنَيْهِ لَا يُغَسَّلُ وَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ ذَكَرِهِ وَأَنْفِهِ وَدُبُرِهِ غُسِّلَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ ، فَكَانَ وُجُودُهُ دَلِيلًا عَلَى الضَّرْبِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عُلِمَ بِالضَّرْبِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَنْفُ وَالذَّكَرُ ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَضَرْبٍ ، فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ دَلِيلًا عَلَى الضَّرْبِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ .
إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ ، فَأَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ شَهِدَ الْخُطْبَةَ جُنُبًا فَأَمَرَ الْمَأْمُورُ رَجُلًا شَهِدَ الْخُطْبَةَ ، فَصَلَّى الْمَأْمُورُ الثَّانِي بِهِمْ أَجْزَأَهُ .
وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَمْ يَجُزْ أَمْرُهُ لِغَيْرِهِ جُنُبًا كَانَ أَوْ طَاهِرًا .
فَفَرْقٌ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ جُنُبًا وَشَهِدَ الْخُطْبَةَ ، وَبَيْنَ مَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاغْتِسَالَ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَاهِدًا فَتَوَضَّأَ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لَمْ يُمْنَعْ انْعِقَادُ الْإِمَامَةِ لَهُ ، فَصَارَ إمَامًا فَجَازَ أَمْرُهُ لِغَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ، لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُوجَدَ مِمَّنْ يُؤْمَرُ بِهَا لِتَنْعَقِدَ لَهُ الْإِمَامَةُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ تَنْعَقِدْ الْإِمَامَةُ لَهُ ، فَصَارَ يَأْمُرُ غَيْرَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِإِمَامٍ فَلَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ صَبِيًّا .
31 - 31 - وَإِذَا افْتَتَحَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ .
وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا أَدْرَكَ الْخُطْبَةَ انْعَقَدَتْ لَهُ الْجُمُعَةُ فَصَارَ الثَّانِي يَبْنِي عَلَى تَحْرِيمِهِ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا افْتَتَحَ وَلَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ وَالْخُطْبَةُ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِهَا ، وَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ لَمْ يَنْعَقِدْ ابْتِدَاؤُهَا لِلْجُمُعَةِ فَلَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا .
32 - 32 - وَمَنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ حَتَّى قَامَ لَمْ يَعُدْ .
وَإِنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ حَتَّى قَامَ عَادَ إلَى الْقُعُودِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ .
وَمَدَارُهُمَا عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَامَ مِنْ الثَّانِيَةِ إلَى الثَّالِثَةِ فَسُبِّحَ لَهُ فَلَمْ يَعُدْ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَامَ مِنْ الرَّابِعَةِ إلَى الْخَامِسَةِ فَسُبِّحَ لَهُ فَعَادَ .
وَالْفَرْقُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَرِيضَةٌ وَالْقُعُودَ سُنَّةٌ ، وَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ وَقَعَ قِيَامُهُ مُعْتَدًّا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَفْضُهُ وَالْعَوْدُ إلَى مَا قَبْلَهُ لِأَدَاءِ مَسْنُونٍ ، فَأُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى الصَّلَاةِ .
وَأَمَّا فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَالْقِيَامُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَالْقُعُودُ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ لَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ، وَالْقُعُودُ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَالْعَوْدُ إلَى أَدَاءِ الْمَفْرُوضِ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَيْسَ بِمَسْنُونٍ ، فَأَمْكَنَهُ رَفْضُهُ وَالْعَوْدُ إلَى مَا قَبْلَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَرْفُضَهُ وَيَعُودَ .
33 - 33 - وَإِنْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ، ثُمَّ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ وَيَقْرَأُ التَّشَهُّدَ .
وَإِنْ قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَقْرَأْ ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى أَدَاءِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ وَهُوَ السَّلَامُ ، فَإِذَا عَادَ إلَى الْقُعُودِ فَمَحَلُّ التَّشَهُّدِ بَاقٍ فَلَزِمَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَعْدَةُ فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ مَسْنُونٌ وَالْقِيَامَ مَفْرُوضٌ ، فَلَا يَلْزَمُ تَرْكُ الْمَفْرُوضِ لِأَدَاءِ الْمَسْنُونِ ؛ إذْ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى ، وَلَمْ يَتْرُكْ فَرْضًا حَتَّى يَلْزَمَهُ الْعَوْدُ إلَى الْقُعُودِ ، فَمَحَلُّ التَّشَهُّدِ قَدْ فَاتَ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ وَسَقَطَ كَمَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ، وَلَمْ يُسَبِّحْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ كَذَلِكَ هُنَا .
34 - 34 - إذَا تَلَا الْجُنُبُ آيَةَ السَّجْدَةِ أَوْ سَمِعَهَا لَزِمَهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ .
وَلَوْ تَلَتْهَا الْحَائِضُ لَمْ يَلْزَمْهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ ، وَالْجُنُبُ يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ ، فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَجْزَاؤُهُ وَيُؤَدِّيهِ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ كَمَا يُؤَدِّي الصَّلَاةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَائِضُ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا ، فَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا جُزْءٌ مِنْهَا ، وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يَلْزَمُهَا .
35 - 35 - لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّ النِّفَاسِ وَيَتَقَدَّرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلنِّفَاسِ عِلْمًا ظَاهِرًا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الرَّحِمِ ، وَهُوَ تَقَدُّمُ الْوَلَدِ عَلَيْهِ ، فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ لِوُجُودِ عِلْمِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ مَعَ الْحَيْضِ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الرَّحِمِ ، فَإِذَا امْتَدَّ فِي الْأَيَّامِ صَارَ الِامْتِدَادُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ دَمُ الْحَيْضِ الْمُعْتَادِ ، وَإِذَا لَمْ يَمْتَدَّ لَمْ يُوجَدْ دَلَالَتُهُ فَلَا يُجْعَلُ حَيْضًا ، كَمَا قُلْنَا فِي دَمِ الرُّعَافِ .
36 - 36 - لَا يَجُوزُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ .
وَيَجُوزُ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَخِفُّونَ بِهِ ، وَهُمْ إنَّمَا يَقْصِدُونَ الْمُصْحَفَ بِالِاسْتِخْفَافِ .
وَلَا يَقْصِدُونَ مَا دُونَهُ .
فَمُنِعَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْآيَةِ .
37 - 37 - ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي صَلَاةِ الْجَالِسِ إذَا تَشَهَّدَ فِي حَالَ الْقِيَامِ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ .
وَإِذَا قَرَأَ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ حَالَ الْقُعُودِ مَحَلُّ التَّشَهُّدِ ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَصَلَّى ثُمَّ تَشَهَّدَ قَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ ، فَإِذَا افْتَتَحَ قَاعِدًا أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَرَأَ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ ؛ لِأَنَّ حَالَ الْقُعُودِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةٍ كَامِلَةٍ فَلِئَلَّا يَكُونَ مَحَلًّا فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ أَوْلَى ، فَقَدْ قَرَأَ فِي مَوْضِعِ التَّشَهُّدِ فَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ .
38 - 38 - وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ لَهُ الْمُضِيُّ عَلَى صَلَاتِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ .
وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَوَضِّئًا فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَضِّئًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبِنَاءُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا ظَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ فَقَدْ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ انْصِرَافَ اسْتِيفَاءٍ لَا انْصِرَافَ رَفْضٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا ظَنَّهُ جَازَ لَهُ الْمُضِيُّ ، فَلَمْ يَعُدْ قَاصِدًا إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُمْنَعْ الْبِنَاءَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَلَمْ يَنْصَرِفْ انْصِرَافَ رَفْضٍ ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الصَّلَاةَ تَامَّةٌ ، وَلَوْ تَحَقَّقَ مَا ظَنَّهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ الرَّفْضَ لَمْ تَعُدْ مَرْفُوضَةً ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ سَاهِيًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ ، لِأَنَّهُ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ انْصِرَافَ رَفْضٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مَا ظَنَّهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ اسْتِقْبَالُهَا ، فَقَدْ نَوَى الرَّفْضَ مُقَارَنًا بِفِعْلٍ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ عَامِدًا .
39 - 39 - وَلَوْ ظَنَّ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ سَبْقَ الْحَدَثِ فَانْصَرَفَ لِيَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ الْحَدَثُ ، فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ .
وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْبِنَاءُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ بِقَاعَ الْمَسْجِدِ كُلَّهَا مَجْعُولَةٌ فِي الْحُكْمِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ كُلُّهَا مَحَلٌّ لِوَصْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِالْبَعْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَاقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَالصُّفُوفُ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِذَا كَانَتْ بِقَاعُ الْمَسْجِدِ كُلُّهَا مَحَلًّا لِوَصْلِ الصَّلَاةِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ صَارَتْ كَالْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَوْ كَانَ فِي مَحَلِّهِ وَتَحَقَّقَ أَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَسْبِقْهُ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِوَصْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِالْبَعْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى الْإِمَامَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ لَمْ يَجُزْ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِوَصْلِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِوَصْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِبَعْضٍ ، فَصَارَ كَالْبِقَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَمَاكِنِ الْمُتَبَاعِدَةِ فَيُمْنَعُ الْبِنَاءَ .
40 - 40 - إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ اقْتَدَى بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ ، وَنَوَى بِهِ قَضَاءَ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يُحْضِرْ نِيَّةً حَتَّى فَرَغَ جَازَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِمُصَلِّي الظُّهْرِ الْتَزَمَ تَحْرِيمَةَ ظُهْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَهَذَا الثَّانِي يُؤَدِّي تِلْكَ التَّحْرِيمَةَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ لَوْ جَاءَ وَاقْتَدَى بِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ فَإِذَا قَضَى خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ التَّحْرِيمَةِ جَازَ ، كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ الْأَوَّلِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّطَوُّعُ ، لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْمُتَطَوِّعِ الْتَزَمَ بِتَحْرِيمَةِ صَلَاتِهِ ، وَهَذَا الثَّانِي الَّذِي يُصَلِّي تَطَوُّعًا يُؤَدِّي صَلَاةً أُخْرَى غَيْرَ تِلْكَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِمَا مُخْتَلِفٌ ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالشُّرُوعِ ، وَشُرُوعُ هَذَا غَيْرُ شُرُوعِ ذَاكَ ، فَصَارَ كَفَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ أَحَدِهِمَا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي لِآخَرَ .
41 - 41 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا ، وَقَالَ الْآخَرُ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا ، ثُمَّ أَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ .
وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَقَالَ الْآخَرُ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ ، فَأَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَجْزَأَتْ صَلَاتُهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالنُّذُورِ ، وَنَذْرُ هَذَا غَيْرُ نَذْرِ ذَاكَ ، فَصَارَ كَالْفَرْضَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْجَبْتَ عَلَى نَفْسِكَ ، فَالْوُجُوبُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ عَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ الْآخَرُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَصَارَ كَالظُّهْرِ الْوَاحِدِ ، وَلَوْ اقْتَدَى مُصَلِّي الظُّهْرِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ جَازَ كَذَلِكَ هَذَا .
42 - 42 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا الظُّهْرَ فِي مَنَازِلِهِمَا ثُمَّ جَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى إمَامٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَدَخَلَ مَعَهُ فَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ ، فَإِنْ قَطَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، فَإِنْ أَمَّ أَحَدُ الْمَأْمُومِينَ صَاحِبَهُ فِيهِمَا أَجْزَأَتْهُ .
وَلَوْ دَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ قَطَعَا صَلَاتَهُمَا ثُمَّ أَمَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ يُرِيدَانِ قَضَاءَ مَا أَفْسَدَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ صَلَاتُهُ وَأَجْزَأَتْ عَنْ الْإِمَامِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ تَحْرِيمَةُ الظُّهْرِ ، وَالْإِمَامَانِ يُصَلِّيَانِ ظُهْرًا وَاحِدًا ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ ائْتَمَّ بِالْآخَرِ جَازَ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اقْتَدَيَا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّطَوُّعُ ، لِأَنَّ لِلْوُجُوبِ سَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالشُّرُوعِ ، وَشُرُوعُ هَذَا غَيْرُ شُرُوعِ ذَاكَ ، فَصَارَ كَالْفَرْضَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ أَحَدِهِمَا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْآخَرَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الزَّكَاةِ 43 - إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ : أَخَذَ الصَّدَقَةَ مُصَدِّقٌ آخَرُ وَحَلَفَ وَجَاءَ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ لَمْ يَجِئْ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ مُصَدِّقٌ غَيْرُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ صُدِّقَ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مُصَدِّقٌ آخَرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ قَالَ : دَفَعْتُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ يُصَدَّقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ حَصَلَ فِي يَدِهِ حُصُولَ أَمَانَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ ، فَهُوَ أَمِينٌ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى مَنْ جُعِلَ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ : رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودِعِ أَوْ إلَى وَلِيُّهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مُصَدِّقٌ آخَرُ ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقٌ آخَرُ فَقَدْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى مَنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ ، كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ : رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا يُصَدَّقُ ، كَذَا هَذَا .
44 - 44 - وَإِذَا ظَهَرَ الْخَوَارِجُ عَلَى بَلَدٍ فِيهِ أَهْلُ الْعَدْلِ ، فَأَخَذُوا مِنْهُمْ صَدَقَةَ أَمْوَالِهِمْ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ حَسِبَهَا لَهُمْ .
وَلَوْ مَرُّوا هُمْ عَلَى الْعَاشِرِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَغْيِ ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ الْعُشْرَ ، لَمْ يَحْسِبْ لَهُمْ عَاشِرَ أَهْلِ الْعَدْلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَهُمْ وَيَذُبَّ عَنْهُ وَعَنْ حَرِيمِهِمْ ، فَإِذَا لَمْ يَحْمِهِمْ حَتَّى غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِمْ فَهُوَ الَّذِي ضَيَّعَ حَقَّ نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِمْ ، كَمَا لَوْ أَقَامُوا حَدًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثَنِّيَ إقَامَتَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَاشِرُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِ عَرَّضَ حَقَّ الْفُقَرَاءِ لِلتَّلَفِ ، فَصَارَ جَانِيًا وَإِذَا جَنَى غَرِمَ .
45 - 45 - رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ، فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَمَاتَ ، سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ لَمْ تَبْطُلْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِهَا عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ نَقَلَهَا إلَى مَا يَثْبُتُ فِيهِ الْحَقُّ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ يَبْنِي عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مُتْلِفًا حَقَّ الْفُقَرَاءِ ، وَلَا نَاقِلًا فَقَامَ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ بَقِيَ الْأَوَّلُ وَتَلِفَ لَمْ يَضْمَنْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ ، لِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى مَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْحَقُّ الْأَوَّلُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ لَمْ يَبْنِ عَلَيْهِ ، فَصَارَ مُفَوِّتًا حَقَّ الْفُقَرَاءِ فَيَغْرَمُ ، كَمَا لَوْ وُهِبَهَا مِنْ إنْسَانٍ أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً .
46 - 46 - رَجُلٌ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ ، يَنْوِي أَنْ تَكُونُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ ، جَازَ عَنْ زَكَاةِ هَذَا الدَّيْنِ .
وَلَا يَجُوزُ عَنْ زَكَاةِ دَيْنٍ آخَرَ وَلَا عَنْ عَيْنٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَيْنَ أَكْمَلُ مِنْ الدَّيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّيْءَ يُشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُشْتَرَى بِالنَّقْدِ ، فَصَارَ مُؤَدِّيًا نَاقِصًا عَنْ كَامِلٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَبَقِيَ الْكَامِلُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً كَافِرَةً ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ ، فَأَعْتَقَ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْفَرْضِ ، وَبَقِيَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَدَّى عَنْ هَذَا الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى نَاقِصٌ وَالْمُؤَدَّى عَنْهُ نَاقِصٌ ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْمُؤَدَّى وَالْمُؤَدَّى عَنْهُ فَجَازَ ، كَأَدَاءِ الْعَيْنِ عَنْ الْعَيْنِ .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَيْنٍ آخَرَ ، لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَمْلِكَهُ غَيْرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَمْ يَجُزْ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَا عَلَيْهِ ، دَلِيلُهُ لَوْ دَبَّرَ عَبْدًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِهِ مِنْ غَيْرِ مَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَذَا .
47 - 47 - الْمُسْلِمُ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ مَرَّةً أَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ ، فَلَوْ مَرَّ بِذَلِكَ الْمَالِ ثَانِيًا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ لَوْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ فِي سَنَةٍ مَرَّاتٍ أَخَذَ مِنْهُ كُلَّ مَرَّةٍ عُشْرًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُسْلِمِ حَقُّ الْحَوْلِ وَهُوَ الزَّكَاةُ ، وَحَقُّ الْحَوْلِ إذَا أُخِذَ مَرَّةً لَا يُؤْخَذُ ثَانِيَةً ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ سَائِمَةٌ فَأَدَّى زَكَاتَهَا مَرَّةً فِي حَوْلٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ ، لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ حَقَّ الْحَوْلِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ ، وَإِنَّمَا الْمَأْخُوذُ مِنْهُ بِعَقْدِ الْأَمَانِ وَالْكَفِّ عَنْ تَغْنِيمِ مَا فِي يَدِهِ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَخْذًا جَدِيدًا .
48 - 48 - إذَا وَرِثَ مَالًا أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ لِلْخِدْمَةِ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ مَا لَمْ تُبَعْ .
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى الْقِنْيَةَ وَأَمْسَكَهَا فَصَارَتْ مِهْنَةً ، وَلَا تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ إذَا كَانَتْ لِلْخِدْمَةِ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَقَدْ نَوَى التِّجَارَةَ وَلَمْ يَفْعَلْهَا ، فَلَمْ يَبْطُلْ حُكْمُهَا ، فَتَبْقَى لِلْخِدْمَةِ وَلَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ ، كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا فَنَوَى السَّفَرَ ، وَلَمْ يُسَافِرْ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَيَبْقَى مُقِيمًا ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَوَى السَّفَرَ وَلَمْ يَخْرُجْ فَبَقِيَ عَلَى الْإِقَامَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى بِهَا الْخِدْمَةَ لِأَنَّهُ نَوَى الْخِدْمَةَ وَفَعَلَهَا ، فَيَبْطُلُ حُكْمُ مَا نَوَى قَبْلَهُ ، وَصَارَتْ لِلْخِدْمَةِ ، كَمَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ يَبْطُلُ حُكْمُ السَّفَرِ ، وَيَصِيرُ مُقِيمًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ السَّفَرَ وَالتِّجَارَةَ عَمَلٌ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْعَمَلُ لَا يُحْكَمُ بِهِ .
وَالْإِقَامَةُ وَالْمِهْنَةُ تَرْكُ الْعَمَلِ وَالتَّرْكُ يَحْصُلُ مَعَ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ ، فَكَذَلِكَ افْتَرَقَا .
49 - 49 - إذَا وَهَبَ الْإِنْسَانُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ ، سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ .
وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ ، فَارْتَجَعَ الْأَلْفَ مِنْهُ وَقَدْ كَانَ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فِي يَدَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي الْهِبَةِ تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِالْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ يُصَادِفُ عَيْنَهَا فَتَعَيَّنَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ فَتَعَيَّنَتْ عِنْدَ الرَّدِّ ، وَقَدْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي الْبَيْعِ لَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَقْدِ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ ، ثُمَّ تَصِيرُ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَدَاءِ ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الرَّدِّ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا عَيْنَهَا ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ دَرَاهِمَ مِثْلَهَا ، فَهَذَا دَيْنٌ لَحِقَهُ بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ عَلَيْهِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ ، وَإِذَا لَحِقَهُ دِينٌ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .
50 - 50 - يَجُوزُ دَفْعُ خُمْسِ الرِّكَازِ إلَى أَوْلَادِهِ .
وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْعُشْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الرِّكَازِ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مِلْكٌ فِيهِ ، وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ فِي عَيْنِهِ ، فَكَمَا أَخَذَهُ مُشْتَرَكًا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُ وَخُمْسُهُ لِلْفُقَرَاءِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا : هَذَا مَالٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مِلْكٌ فِيهِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِهِ فَيُؤْمَرُ بِقَطْعِهِ ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَى وَلَدِهِ جَازَ ، دَلِيلُهُ اللُّقَطَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُشْرُ وَالزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِلْكٌ فِي الْحَبِّ قَبْلَ الزَّرْعِ ، فَثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ ، فَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ الْمِلْكُ وَالْحَقُّ فِيهِ ، وَفِي بَابِ الْعُشْرِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَقَطْعِ الْحَقِّ عَنْهُ ، فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَقَدْ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ وَبَقِيَ الْحَقُّ لَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي مَالِ ابْنِهِ ، فَقَدْ فَعَلَ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يُجْزِهِ .
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْجَمِيعَ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ ، فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى وَلَدِهِ .
وَأَمَّا الْعُشْرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى وَلَدِهِ ، فَكَذَلِكَ افْتَرَقَا .
51 - 51 - وَإِذَا نَوَى بِالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ التِّجَارَةَ ، مِثْلَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى دَارٍ أَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَبْدٍ صَارَ لِلتِّجَارَةِ .
وَلَوْ وَرِثَ دَارًا وَنَوَى التِّجَارَةَ لَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُلْعَ وَالصُّلْحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ ؛ إذْ لَوْلَا عَقْدُهُ لَمَا مَلَكَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ كَانَ لِلتِّجَارَةِ ، كَالشِّرَاءِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ ، فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ ، كَانَ لِلتِّجَارَةِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِرْثُ ، لِأَنَّ الْإِرْثَ لَيْسَ بِسَبَبٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ مِنْ جِهَتِهِ ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمَوْرُوثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ صَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لِلْمِهْنَةِ فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
52 - 52 - وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ ، فَارْتَجَعَ مِنْهَا نِصْفَهَا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهَا الزَّكَاةُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرَضٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ، سَقَطَتْ زَكَاةُ نِصْفِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الْعَقْدِ تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْفَسْخِ وَالرَّدِّ وَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الرَّدِّ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا عَيْنَ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا مِثْلَهَا ، فَصَارَ كَدَيْنٍ لَحِقَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، وَلَوْ لَحِقَهَا دَيْنٌ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ ، كَذَلِكَ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُرُوض ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَتَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْفَسْخِ ، فَقَدْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا عَيْنَ تِلْكَ الْعُرُوضِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ سَقَطَ عَنْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ، وَلَوْ هَلَكَ نِصْفُهُ سَقَطَ عَنْهَا زَكَاةُ نِصْفِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
53 - 53 - الْمُضَارِبُ إذَا اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ طَعَامًا لِلْعَبِيدِ ، فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ .
وَلَوْ اشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ طَعَامًا لِعَبِيدِهِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُضَارِبَ مَأْمُورٌ بِالتِّجَارَةِ فَكَانَ مَا يَشْتَرِيهِ لِلتِّجَارَةِ ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ مَا يَشْتَرِيهِ لِلتِّجَارَةِ لَصَارَ مُخَالِفًا وَيَكُونُ ضَامِنًا ، فَإِذَا لَمْ نَجْعَلْهُ ضَامِنًا فَقَدْ جَعَلْنَا مَا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ ، وَإِذَا كَانَ مَأْمُورًا بِالتِّجَارَةِ فَكَانَ مَا يَشْتَرِيهِ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالتِّجَارَةِ ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِلتِّجَارَةِ وَلِغَيْرِهِ ، وَشِرَاؤُهُ يَصْلُحُ لَهُمَا جَمِيعًا ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ لِلْمِهْنَةِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ إلَى التِّجَارَةِ بِقَرِينَةٍ وَهِيَ النِّيَّةُ ، فَإِنْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ ، وَإِلَّا فَلَا .
54 - 54 - الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَنْوِي بِهَا التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ .
وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعُرُوضِ إلَّا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْمَالِ لِكَوْنِهِ مُعَرَّضًا لِلنَّمَاءِ ، وَالنَّمَاءُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ ، إمَّا السَّوْمُ أَوْ التِّجَارَةُ ، فَمَا لَمْ يَعْرِضْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ ، وَلَا يَكُونُ مُعَرَّضًا لَهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلنَّمَاءِ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيمَا شَاءَ لِيَحْصُلَ بِهِ الرِّبْحُ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا شَاءَ كُلَّ وَقْتٍ فَصَارَ كَالْمُعَدِّ بِالنِّيَّةِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ إلَى نَقْلِهِ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنْ نَوَى التِّجَارَةَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعُرُوضِ فَلَأَنْ تَجِبَ إذَا تَحَقَّقَ الْقَصْدُ انْتَقَلَ أَوْلَى وَأَحَقُّ .
55 - 55 - الصَّبَّاغُ إذَا اشْتَرَى الْعُصْفُرَ وَالزَّعْفَرَانَ لِيَصْبُغَ بِهِ ثِيَابَ النَّاسِ بِالْأُجْرَةِ ، وَالسَّمْنَ لِيَدْبَغَ بِهِ الْجِلْدَ ، فَحَال الْحَوْلُ عِنْدَهُ لَزِمَهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ .
وَالْقَصَّارُ إذَا اشْتَرَى الْأُشْنَانَ وَالصَّابُونَ وَالْحَطَبَ لِلتَّنُّورِ وَالْمِلْحَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّبْغَ مُعَدٌّ لِلِاعْتِيَاضِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَجْرِ يَكُونُ فِي الْحُكْمِ كَالْعِوَضِ عَنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ ، فَوَجَبَ الزَّكَاةُ فِيهَا كَالسِّلَعِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَصَّارُ ، لِأَنَّ الْأُشْنَانَ وَالصَّابُونَ لَا يُعَدُّ لِلِاعْتِيَاضِ عَنْ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ وَلَا يَقَعُ التَّسْلِيمُ فِي عَيْنِهَا إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ ، فَصَارَ كَأَدَاةِ الْقَصَّارِينَ مِنْ الْمِدَقَّةِ وَالْقِدْرِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَا زَكَاةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَقَعُ فِيهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
56 - 56 - عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ قَتَلَهُ عَبْدٌ آخَرُ خَطَأً فَدُفِعَ مَكَانَهُ فَالثَّانِي لِلتِّجَارَةِ .
وَلَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَصَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى عَبْدٍ وَعَرَضٍ فَلَيْسَ لِلتِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الْوَاجِبَ مَالٌ وَهُوَ الْقِيمَةُ ، فَصَارَ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِالثَّانِي .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَكُنْ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا عَنْ مَالِ التِّجَارَةِ ، فَلَمْ يَنْتَقِلْ حُكْمُ الْأَوَّلِ إلَيْهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْإِرْثِ ابْتِدَاءً ، فَلَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِالتِّجَارَةِ .
57 - 57 - هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ لَهُ مَالٌ نَوَى أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ عَنْهَا ، وَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ ، وَلَا تَحْضُرُهُ النِّيَّةُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ .
وَلَوْ أَخْرَجَ دَرَاهِمَ فَصَرَّهَا فِي كِنٍّ وَقَالَ : هَذَا مِنْ الزَّكَاةِ ، فَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ مِنْهَا وَلَا تَحْضُرُهُ النِّيَّةُ .
قَالَ : أَرْجُو أَنْ يُجْزِيَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ عَنْ الزَّكَاةِ شَرْطٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ إذَا فَرَّقَ الدَّفْعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا جَمَعَهَا فِي صُرَّةٍ ، لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا لِهَذِهِ الْجِهَةِ وَعَرَضَهَا لَهَا وَإِحْضَارُ النِّيَّةِ مَعَ كُلِّ جُزْءٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، فَمَتَى أَخَّرَهُ إلَى مَا عَرَضَهُ لَهُ وَقَعَ عَمَّا قَصَدَهُ .
هَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ ، فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ صَحَّ ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِ لِلْأُضْحِيَّةِ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لِهَذِهِ الْجِهَةِ ، فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ لَمْ يُجْزِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
58 - 58 - ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا لَا يَعْرِفُهُ مَالًا ، ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ سِنِينَ قَالَ : لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ .
وَإِنْ أَوْدَعَهُ رَجُلًا يَعْرِفُهُ فَنَسِيَهُ سِنِينَ ثُمَّ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَوْدَعَهُ إلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ارْتِجَاعِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَفَنَهُ فِي مَغَارَةٍ وَنَسِيَهُ .
وَإِذَا أَوْدَعَ إلَى مَنْ يَعْرِفُهُ فَهُوَ لَيْسَ بِمُضَيِّعٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَرْتَجِعَهُ مَتَى شَاءَ ، وَيَدُ الْمُودِعِ كَيَدِ الْمُودَعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي صُنْدُوقِهِ وَنَسِيَهُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ، كَذَا هَذَا .
59 - 59 - إذَا ادَّعَى الْمُسْلِمُ حِينَ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ أَنَّ حَوْلَهُ لَمْ يَتِمَّ ، أَوْ عَلَيْهِ دِينٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ ، أَوْ هَذَا مَالُ غَيْرِهِ ، أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ صُدِّقَ .
وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْمُسْلِمِ زَكَاةٌ ، وَالزَّكَاةُ لَا تَجِبُ إلَّا لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ يُقِرُّ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَالْمُصَدِّقُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْحَقَّ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، كَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُصَدِّقُ وَقَالَ : لَكَ سَوَائِمُ فَأَدِّ زَكَاتَهَا فَجَحَدَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الزَّكَاةِ ، فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ : مِنْ الْمِلْكِ وَحَوَلَانِ الْحَوْلِ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْكَفِّ عَنْ الْغَنِيمَةِ وَتَغْنِيمِ مَا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُجَازَاةِ ، وَالْمُكَافَأَةِ ، وَمَالُ غَيْرِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْأَمَانِ كَمَالِهِ ، وَكَوْنُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ يُوجِبُ نُقْصَانَ مِلْكِهِ ، وَالْحَرْبِيُّ نَاقِصُ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ ، فَلَا يُمْنَعُ جَوَازُ الْأَخْذِ مِنْهُ فَيُؤْخَذُ .
60 - 60 - إذَا قَالَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي فِي يَدِهِ مَمَالِيكُ لِلْعَاشِرِ : إنَّ هَذَا الْغُلَامَ وَلَدِي ، أَوْ هُوَ مُدَبَّرِي ، أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِي ، يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَقُّ .
وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - فِي الْحَرْبِيِّ إذَا قَالَ لِرِجَالٍ [ فِي ] يَدِهِ : وَهَؤُلَاءِ بَنِيَّ .
وَمِثْلُهُمْ لَا يُولَدُونَ لِمِثْلِهِ ، قَالَ : يُعْشَرُونَ وَيُعْتَقُونَ عَلَيْهِ وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ : هَذَا كَانَ عَبْدِي أَعْتَقْتُهُ ، أَوْ قَالَ : هَذَا مُدَبَّرِي لَا يُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : هَذَا وَلَدِي أَوْ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي ، وَالنَّسَبُ مِمَّا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يَصِحُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَثْبَتْنَا نَسَبَهُ مِنْهُ فِي الْحَالِ ، وَهُوَ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ بِدَعْوَاهُ فَنَفَّذْنَا دَعْوَاهُ ، فَصَارُوا وَلَدًا لَهُ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ .
وَإِذَا كَانَ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ النَّسَبِ ، فَصَارَ مُقِرًّا بِإِعْتَاقِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَعِتْقُهُ فِي دَارِ الْحَرَبِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا إلَّا أَنَّهُ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ فِي الْحَالِ فَنَفَّذْنَاهُ وَأَعْتَقْنَاهُ ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِمَالٍ لَهُ تَحَقَّقَ لَهُ مِلْكٌ الْآنَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْنَمُهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ : هَذَا ابْنِي ، أَوْ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي ، فَإِذَا أَنْفَذْنَا إقْرَارَهُ أَنْفَذْنَا اسْتِيلَاءً مِنْهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مِلْكٍ يَحْدُثُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَالِاسْتِيلَادُ الْمُتَقَدِّمُ يَسْرِي فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَحَقَّقَ لَهُ مِلْكٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِدُخُولِهِ ، فَقَدْ حَدَثَ ، لَهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ وَأَقَرَّ بِعِتْقٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ ،
فَلَوْ صَدَّقْنَاهُ لَنَفَّذْنَاهُ فِي مِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ ، وَالْعِتْقُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَسْرِي فِي الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ ، فَلَا يُنَفَّذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ ، فَبَقِيَ رَقِيقًا وَقْتَ الدُّخُولِ فَأُخِذَ مِنْهُ الْحَقُّ ، فَإِذَا لَمْ يُولَدْ لِمِثْلِهِ لَا يُنَفَّذُ اسْتِيلَادُهُ وَالْعِتْقُ أَيْضًا ، إلَّا أَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ عَلَيْهِ فَصَدَّقْنَاهُ فِي حَقِّهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ .
61 - 61 - إذَا اسْتَخْرَجَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ مَعْدِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ، كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا شَيْءَ لَهُ .
وَإِنْ عَمِلَ فِي الْمَعْدِنِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أُخِذَ مِنْهُ الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ لِعَقْدِ الْأَمَانِ الْتَزَمَ الْكَفَّ عَنْ أَخْذِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَيَدُ الْمُسْلِمِينَ ثَابِتَةٌ عَلَى الدَّارِ ، فَقَدْ أَخَذَ مَالًا مِمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَاسْتُرِدَّ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْ يَدِ مُسْلِمٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ ، لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، وَجَعَلَ مَا يَخْرُجُ عِمَالَةً لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لَهُمْ لِاسْتِصْلَاحِ قَنْطَرَةٍ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَذَلِكَ هَذَا .
62 - 62 - وَإِذَا دَفَنَ مَالَهُ فِي أَرْضِهِ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُهُ ، وَمَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ ثُمَّ وَجَدَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ دَفَنَهُ فِي بَيْتِهِ فَنَسِيَ مَوْضِعَهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ سِنِينَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ أَرْضَهُ لَيْسَتْ بِحِرْزٍ لَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهَا نِصَابًا لَمْ يُقْطَعْ ، فَصَارَ الْمَالُ خَارِجًا عَنْ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ، كَالْمَالِ الْمَنْصُوبِ وَالدَّيْنِ الْمَجْحُودِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَدْفُونُ فِي بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ حِرْزٌ لَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ نِصَابًا يُقْطَعُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَسِيَ فِي صُنْدُوقِهِ أَوْ جَيْبِهِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ هَذَا .
63 - 63 - إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ بِدَرَاهِمَ عَبْدًا وَلَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ ، لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدٍ كَانَ لِلتِّجَارَةِ كَانَ الثَّانِي لِلتِّجَارَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ لِلتِّجَارَةِ بَدَلُ مَالٍ لِلتِّجَارَةِ ، وَالْبَدَلُ يَسْرِي حُكْمُ الْأَصْلِ إلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَدَلَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَبَدَلَ مَالِ الشَّرِكَةِ وَبَدَلَ جَارِيَةِ الْمَهْنَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ ، فَصَارَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ ، وَالْأَوَّلُ لِلتِّجَارَةِ كَذَا الثَّانِي .
وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ فَلَيْسَتْ هِيَ مَالَ التِّجَارَةِ ؛ لِأَنَّ مَالَ التِّجَارَةِ إذَا أُعِدَّ لِلْمَهْنَةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ ، وَلَوْ اُتُّخِذَ مِنْ الدَّرَاهِمِ حُلِيٌّ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ، دَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالِ التِّجَارَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مَالُ الزَّكَاةِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَدَلَ مَالِ التِّجَارَةِ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ .
وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ ، فَالشِّرَاءُ لَا يَقَعُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ، لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّتِهِ ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا زَكَاةَ فِيهِ ، وَحُكْمُ بَدَلِهِ حُكْمُ أَصْلِهِ وَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصْلِ ، كَذَلِكَ فِي بَدَلِهِ .
64 - 64 - إذَا وَجَبَ فِي مَالِهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ ، فَأَدَّى ثَلَاثًا سِمَانًا تُسَاوِي أَرْبَعًا وَسَطًا جَازَ .
وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّتَانِ ، فَذَبَحَ وَاحِدًا مِنْهُمَا سَمِينًا يُسَاوِي وَسَطَيْنِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ الْخَلَّةِ وَدَفْعُ الْحَاجَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا وَجَبَتْ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ ، وَسَدُّ الْخَلَّةِ يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ السِّمَانِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْأَرْبَعِ الْأَوْسَاطِ فَجَازَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إرَاقَةُ الدَّمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِالْعَيْنِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يُجْزِهِ ، وَإِرَاقَةُ دَمَيْنِ لَا يَكُونُ مُعَادِلًا لِدَمٍ وَاحِدٍ ، فَمَعْنَى الِاثْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ فِي الْوَاحِدِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ رَجُلٌ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَتَيْنِ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً قِيمَتُهَا قِيمَةُ رَقَبَتَيْنِ وَسَطَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ كَذَلِكَ هَذَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الصَّوْمِ 65 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَفْطَرَتْ بِالْأَكْلِ مُتَعَمِّدَةً ، ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ مَرِضَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا ، وَلَوْ أَنَّهَا سَافَرَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيْضَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُؤْمَرُ بِهِ وَلَا تُنْهَى عَنْهُ ، فَعُرِفَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ آدَمِيٍّ ، أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا ، فَلَا تَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَتْ صَائِمَةً ثُمَّ أَفْطَرَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَافَرَتْ ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مِنْ فِعْلِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُؤْمَرَ بِهِ وَتُنْهَى عَنْهُ ، فَاتُّهِمَتْ فِي إنْشَائِهِ ، فَصَارَتْ بِقَصْدِ السَّفَرِ تُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ عَنْ نَفْسِهَا ، وَالسَّفَرُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَبَقِيَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا .
وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنْ فِي الْحَيْضِ لَا كَفَّارَةَ ، وَإِنْ فِي الْمَرَضِ الْكَفَّارَةُ .
66 - 66 - إذَا احْتَجَمَ الصَّائِمُ فَظَنَّ أَنَّ ذَاكَ أَفْسَدَ صَوْمَهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَتَأَوَّلْ الْخَبَرَ وَلَمْ يُفْتَ بِالْإِفْطَارِ ، وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ ذَاكَ يُفْطِرُهُ فَأَكَلَ بَعْدَ ذَاكَ مُتَعَمِّدًا ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَكَلَ نَاسِيًا فَقَدْ أَفْطَرَ عَلَى شُبْهَةٍ ، فَظَنَّ فِي مَوْضِعِ تَلْبِيسٍ وَتَشْبِيهٍ لِأَنَّ مَا يُفْسِدُ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ لَا يَخْتَلِفُ النَّاسِي وَالْعَامِدُ فِيهِ ، كَالْجِمَاعِ يُفْسِدُ الْحَجَّ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا ، وَالْحَدَثُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا ، فَإِذَا ظَنَّ فِي مَوْضِعِ تَلْبِيسٍ وَتَشْبِيهٍ فَصَارَ إفْطَارًا عَلَى شُبْهَةٍ وَالْإِفْطَارُ عَلَى الشُّبْهَةِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ ، كَمَا لَوْ تَسَحَّرَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ .
وَأَمَّا فِي الْحِجَامَةِ فَقَدْ أَفْطَرَ عَلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا يَفْسُدُ بِمَا يَدْخُلُ لَا بِمَا يَخْرُجُ ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ فَسَدَ فَقَدْ ظَنَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الظَّنِّ ، فَلَمْ يَصِرْ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ فَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ ، فَإِذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَوْ أَفْتَاهُ فَقِيهٌ صَارَ ذَلِكَ عُذْرًا فَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ .
67 - 67 - إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا ، وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا ، يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرُ اسْمٌ لِلْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَالِاعْتِكَافُ يَصِحُّ بِاللَّيْلِ كَمَا يَصِحُّ بِالنَّهَارِ ، فَقَدْ ذَكَرَ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ وَقَرَنَهُمَا بِمَا يَصِحُّ فِيهِمَا ، فَيَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مُتَتَابِعًا ، كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ذَكَرَ جَمْعًا مِنْ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَقَرَنَهُمَا بِمَا لَا يَصِحُّ فِيهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ بِاللَّيْلِ ، فَكَانَ التَّفْرِيقُ مِنْ مُوجِبِ نَذْرِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ ، فَالتَّتَابُعُ زِيَادَةُ صِفَةٍ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ كَزِيَادَةِ الْعَدَدِ .
68 - 68 - إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبَ مُتَتَابِعًا ، لَا يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَحْدَهُ ، وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا ، لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ رَجَبَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ ، وَالشَّهْرُ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَتَابِعًا ، فَلَنَا ذِكْرُ التَّتَابُعِ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ رَجَبَ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْهُ يَوْمًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ وَحْدَهُ كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا قَالَ شَهْرًا ، فَالشَّهْرُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، فَصَارَ قَوْلُهُ مُتَتَابِعًا زِيَادَةَ صِفَةٍ فَقَدْ أَوْجَبَ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَقِيَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ كَقَوْلِهِ : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } .
69 - 69 - إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا ، فَصَامَهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ ، وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ غَدًا ، فَصَامَهُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِمَا أَوْجَبَهُ بِنَذْرِهِ مُعَيِّنًا مِثَالًا مِنْ الشَّرْعِ فَانْصَرَفَ إلَى مَا لَهُ مِثَالٌ مِنْ صَوْمِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ، جَازَ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ كَذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ بِنَذْرِهِ مُعَيِّنًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ ؛ لِأَنَّ لِمَا أَوْجَبَهُ مِثَالًا مِنْ الشَّرْعِ ، وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ صَوْمِ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ ، وَهُوَ صَوْمُ الظِّهَارِ كَذَلِكَ هَذَا .
70 - 70 - جِمَاعُ النَّاسِي ، يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ وَلَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّوْمَ مَخْصُوصٌ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ بِالْخَبَرِ ، فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَبَقِيَ الِاعْتِكَافُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ .
وَجْهٌ آخَرُ : وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ حَالَةَ الِاعْتِكَافِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ لَا مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوجَدُ بِاللَّيْلِ فَيُفْسِدُهُ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ لَكَانَ إذَا وُجِدَ بِاللَّيْلِ لَا يُفْسِدُهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، وَمَحْظُورَاتُ الِاعْتِكَافِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ ، النَّاسِي وَالْعَامِدُ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ ، وَمَحْظُورَاتُ الصَّوْمِ يَخْتَلِفُ فِيهِ النَّاسِي وَالْعَامِدُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ .
71 - 71 - إذَا قَالَ قَائِلٌ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا ، أَوْ يَصُومَ شَهْرًا ، فَإِنَّهُ يَفْتَتِحُهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَلَامِ عَقِيبَ الْحَلِفِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَّرَ دَارِهِ شَهْرًا ، انْعَقَدَ عَلَى شَهْرٍ عَقِيبَ يَمِينِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّوْمَ إذَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ يُسَمَّى الْوَقْتُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ : هَذَا شَهْرُ صَوْمِي ، فَكَانَ ذِكْرُهُ لِلتَّقْدِيرِ لَا لِلتَّعْيِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَأَمَّا فِي الْكَلَامِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ لَا يُسَمَّى الْوَقْتُ بِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : هَذَا شَهْرُ كَلَامِي ، وَكَلَّمْتُ فُلَانًا شَهْرًا ، فَصَارَ ذِكْرُ الشَّهْرِ لِلتَّعْيِينِ لَا لِلتَّقْدِيرِ ، فَلَزِمَهُ عَقِيبَ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } فَإِنَّ الْمُدَّةَ تَكُونُ عَقِيبَ الْإِيلَاءِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَجْهٌ آخَرُ : إنَّهُ وَجَبَ الْحَقُّ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ بِوَقْتٍ ، فَكَانَ الْخِيَارُ فِي التَّعْيِينِ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِأَيِّ دِرْهَمٍ شَاءَ .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ شَرَعَ فِي مُوجِبِ يَمِينِهِ عَقِيبَ الْيَمِينِ ، وَهُوَ السُّكُوتُ وَالِامْتِنَاعُ عَنْ مُكَالَمَتِهِ ، فَصَارَ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَالْمُعَيِّنِ لِذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَلَوْ عَيَّنَ صَحَّ تَعْيِينُهُ ، كَذَلِكَ إذَا شَرَعَ فِيهِ .
72 - 72 - إذَا قَالَتْ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ حَيْضِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا .
وَلَوْ قَالَتْ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا ، أَوْ رَجَبَ ، فَحَاضَتْ فِي الْغَدِ أَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ رَجَبَ وَنَفِسَتْ فِي رَجَبَ ، لَزِمَهَا قَضَاؤُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّوْمَ فِي حَالِ الْحَيْضِ لَا يَصِحُّ ، فَلَمَّا أَضَافَتْ إلَى أَيَّامِ الْحَيْضِ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْ الْإِيجَابَ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِنَذْرِهَا حُكْمٌ ، كَمَا لَوْ أَكَلَتْ ثُمَّ قَالَتْ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَتْ غَدًا ؛ لِأَنَّهَا أَضَافَتْ الصَّوْمَ إلَى الْوَقْتِ ، وَقَصَدَتْ بِهِ الْإِيجَابَ ، لِأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لِلصَّوْمِ وَيَجُوزُ أَنْ تَحِيضَ فِيهِ وَيَجُوزُ أَلَّا تَحِيضَ فَصَحَّ الْإِيجَابُ وَعَجَزَتْ عَنْ الْأَدَاءِ ، فَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ .
وَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ النُّذُورَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أُصُولِهَا فِي الشَّرْعِ ، وَالشَّرْعُ قَدْ وَرَدَ بِإِيجَابِ الصَّوْمِ الْمُضَافِ إلَى الْوَقْتِ مُطْلَقًا ، فَجَازَ لَهَا أَنْ تُوجِبَهُ بِنَذْرِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ لِعُذْرِ الْحَيْضِ قَضَتْ ، كَشَهْرِ رَمَضَانَ .
وَإِذَا قَالَتْ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ حَيْضِي فَقَدْ أَوْجَبَتْ مَا لَا مِثَالَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِ الصَّوْمِ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ لَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ فِيهِ ، فَقَدْ نَذَرَتْ مَا لَا مِثَالَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، فَلَا يَلْزَمُهَا ، كَمَا لَوْ نَذَرَتْ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ .
73 - 73 - إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ ، فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ يَوْمَ يَدْخُلُ عَبْدِي الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ .
فَدَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } وَالصَّوْمُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنَّهَارِ ، فَقَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ ، وَهُوَ إيجَابُ الصَّوْمِ ، فَإِذَا قَدِمَ لَيْلًا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِهِ ، فَلَا يَلْزَمُ بِالنَّهَارِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الدُّخُولُ يَصِحُّ لَيْلًا وَنَهَارًا ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجَبُ بِالنَّهَارِ ، فَصَارَ مَحْمُولًا عَلَى الْوَقْتِ ، وَقَدْ وُجِدَ الدُّخُولُ فِي الْوَقْتِ فَحَنِثَ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُذْكَرَ هَاهُنَا .
وَجْهٌ آخَرُ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
كِتَابُ الْمَنَاسِكِ 74 - إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عُرْيَانٌ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَلَوْ طَافَ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ مِنْ مُقْتَضَى عَقْدِ الْإِحْرَامِ ، وَعَقْدُ الْإِحْرَامِ مِمَّا لَا يَسْتَوِي وُجُودُ اللِّبْسِ وَعَدَمُهُ فِيهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ لَابِسٌ لَزِمَهُ دَمٌ ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عَدَمُ اللِّبْسِ كَوُجُودِهِ فِي مُقْتَضَاهُ وَهُوَ الْإِحْرَامُ ، وَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ جَعَلْنَا وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءً وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّجَاسَةُ ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ مِنْ مُقْتَضَى ، عَقْدِ الْإِحْرَامِ ، وَعَقْدُ الْإِحْرَامِ مِمَّا لَا تُؤَثِّرُ النَّجَاسَةُ فِيهِ ، وَيَسْتَوِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ ، وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَجْعَلَ وُجُودَ النَّجَاسَةِ وَعَدَمَهَا بِمَنْزِلَةٍ فِي مُقْتَضَى الطَّوَافِ ، جَازَ أَنْ يَجْعَلَ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ فِي نَفْسِ الطَّوَافِ ، كَالنَّجَاسَةِ حَالَ الْوُقُوفِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْإِحْرَامَ يُوجِبُ نَوْعَ سَتْرٍ ، وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ حَالَ الطَّوَافِ ، وَيُحْظِرُ نَوْعَ سَتْرٍ وَهُوَ لِبْسُ الْمَخِيطِ ، ثُمَّ الْمَحْظُورُ بِعَقْدِ الْإِحْرَامِ يَسْتَوِي فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ ، كَذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِهِ يَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ ، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا طَاهِرًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، كَذَلِكَ إذَا كَانَ نَجِسًا .
وَأَمَّا الْعُرْيَانُ إذَا طَافَ فَالْإِحْرَامُ يُوجِبُ نَوْعَ كَشْفٍ وَهُوَ كَشْفُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ، وَيُحْظِرُ نَوْعَ كَشْفٍ وَهُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ ، ثُمَّ لَوْ سَتَرَ الرَّأْسَ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَلَا يَسْتَوِي وُجُودُ السَّتْرِ وَعَدَمُهُ ، كَذَلِكَ إذَا كَشَفَ الْعَوْرَةَ حَالَ الطَّوَافِ وَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَوِيَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ، فَلَوْ قُلْنَا : لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَسَوَّيْنَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
75 - 75 - الطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ .
[ وَالْفَرْقُ ] لِأَنَّ الصَّلَاةَ يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ وَالْغَرِيبُ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ وَيَقْدِرُ عَلَى اسْتِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ بِالْبَيْتِ بِأَنْ يُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ فَتَكُونُ قَائِمَةً مَقَامَ رَكْعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، فَلْيَسْتَدْرِكْ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى اسْتِدْرَاكِ الْفَضِيلَتَيْنِ ، وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّلُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَحْمَةً ، سِتِّينَ لِلْمُصَلِّينَ وَأَرْبَعِينَ لِلطَّائِفِينَ ، وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ إلَى الْكَعْبَةِ } ، وَلِأَنَّ الطَّوَافَ مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ ، وَمَا يُشَبَّهُ بِهِ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ مِنْ الْمُشَبَّهِ فَكَانَ اشْتِغَالُهُ بِالْأَفْضَلِ أَفْضَلَ .
76 - 76 - وَإِذَا طَافَ الْحَاجُّ ، لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا ، وَسَعَى عَقِيبَهُ ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ يَوْمَ النَّحْرِ ، لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ طَافَ مُحْدِثًا ، وَسَعَى عَقِيبَهُ ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّقْصَ الَّذِي يَقَعُ بِالْحَدَثِ أَقَلُّ مِنْ النَّقْصِ الَّذِي يَقَعُ بِالْجَنَابَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا لَزِمَهُ بَدَنَةٌ ، وَلَوْ طَافَ مُحْدِثًا لَزِمَهُ دَمٌ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْجُنُبَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُحْدِثَ بِخِلَافِهِ ، فَكَثُرَ النَّقْصُ ، وَالْجَنَابَةُ إذَا كَثُرَتْ جَازَ أَنْ يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا ، كَالنَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ فِي الْمَاءِ إذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا ، وَكَالْجَنَابَةِ إذَا وَجَبَتْ مِقْدَارَ الْمُوضِحَةِ تَعَدَّتْ مَحَلَّهَا حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، كَذَا هَذَا ، وَإِذَا تَعَدَّى النَّقْصُ مَحَلَّهَا أَوْجَبَ نُقْصَانًا فِي السَّعْيِ ، فَصَارَ السَّعْيُ نَاقِصًا ، فَلَزِمَهُ دَمٌ ، وَأَمَّا إذَا طَافَ مُحْدِثًا فَقَدْ قَلَّ النَّقْصُ ، وَالْجَنَابَةُ إذَا قَلَّتْ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا ، كَمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحِ لَا يَتَعَدَّى الْجَانِيَ ، حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَدَّ مَحَلًّا لَمْ يَسْرِ إلَى السَّعْيِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نُقْصَانٌ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ .
77 - 77 - إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَزِمَهُ دَمٌ .
وَلَوْ طَافَ جُنُبًا ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ إذَا لَمْ يُعِدْهَا .
الْفَرْقُ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِالْجَنَابَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْجِنَايَةِ بِالْحَدَثِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا ، وَطَوَافُهُ جُنُبًا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِيهِ ، وَتَرْكُهُ أَصْلًا يُوجِبُ دَمًا ، فَالنُّقْصَانُ فِيهِ أَوْلَى أَلَّا يُوجِبَ أَكْثَرَ مِنْ دَمٍ .
وَإِذَا كَانَ مُحْدِثًا فَقَدْ قَلَّ النَّقْصُ فَقَلَّ الْجَبْرُ وَكَثِيرُ الْجِنَايَةِ يُجْبَرُ بِدَمٍ ، فَقَلِيلُهُ يُجْبَرُ بِصَدَقَةٍ .
78 - 78 - طَوَافُ الصَّدْرِ وَاجِبٌ عَلَى الْحَاجِّ ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ طَوَافُ الصَّدْرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعُمْرَةَ رُكْنُهَا الطَّوَافُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا طَوَافَ الصَّدْرِ ، لَصَارَ تَبْعُ النُّسُكِ مِثْلَهُ ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَاجُّ ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ وَالطَّوَافَ رُكْنَانِ فِيهِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا ، وَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا طَوَافَ الصَّدْرِ ، لَصَارَ تَبْعُ النُّسُكِ دُونَهُ ، وَهَذَا جَائِزٌ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَلْزَمُهُ طَوَافُ الْقُدُومِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ طَوَافُ الصَّدْرِ وَأَمَّا الْحَاجُّ فَيَلْزَمُهُ طَوَافُ الْقُدُومِ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ طَوَافُ الصَّدْرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَوَافٌ ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ .
79 - 79 - إذَا وَقَفَ الْحَاجُّ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَنْوِ الْوُقُوفَ وَلَا الْعِبَادَةَ ، أَجْزَأَهُ ، وَلَوْ عَدَا خَلْفَ غَرِيمٍ لَهُ حَوْلَ الْبَيْتِ ، لَمْ يَقَعْ عَنْ الطَّوَافِ مَا لَمْ يَنْوِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ يَقَعُ فِي نَفْسِ الْإِحْرَامِ ، فَنِيَّةُ الْحَجِّ تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ كَالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَمَّا الطَّوَافُ فَيَقَعُ خَارِجَ الْعِبَادَةِ فَلَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْإِحْرَامِ ، فَلِذَلِكَ افْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ .
80 - 80 - إذَا تَرَكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ، فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، وَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إذَا تَرَكَهُ ، لَزِمَهُ دَمٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا يَرْمِي إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَرْمِهَا ، فَقَدْ تَرَكَ جَمِيعَ الرَّمْيِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَلَزِمَهُ دَمٌ .
وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي شَرَعَ ثَلَاثَ رَمَيَاتٍ ، فَإِذَا تَرَكَ وَاحِدًا تَرَكَ أَقَلَّهَا ، وَفِي جَمِيعِهَا دَمٌ ، فَفِي أَقَلِّهَا صَدَقَةٌ .
81 - 81 - إذَا رُمِيَ عَنْ الْمَرِيضِ وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرَ الرَّمْيِ جَازَ ، وَلَوْ طِيفَ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا ، لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي يَدِهِ وَحَرَّك يَدَهُ حَتَّى رَمَاهَا ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَالْفِعْلُ هُنَا يَكُونُ لِلْمُحَرِّكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ إنْسَانًا فَشَجَّهُ ضَمِنَ الْمُحَرِّكُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِعْلُ غَيْرِهِ عَنْهُ ، وَحُضُورُ الْمَرِيضِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ وَأَوْقَعَ الْحَصَى فِي الْمَرْمَى جَازَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُضُورُ الْمَرْمِيِّ عَنْهُ وَاجِبًا فِي فِعْلِ غَيْرِهِ وَقَعَ لَهُ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ حَضَرَ وَرَمَى غَيْرُهُ عَنْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّوَافُ ؛ لِأَنَّ حُضُورَ الْمَطَافِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ دَارَ حَوْلَ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ ، فَإِذَا طِيفَ عَنْهُ وَجَبَ أَلَا يَجُوزَ .
82 - 82 - لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَلَا رَمَلٌ ، وَيُؤْمَرُ الرِّجَالُ بِالْحَلْقِ وَالرَّمَلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَلْقَ فِي النِّسَاءِ مُثْلَةٌ ، وَفِي الرَّمَلِ لَا يُؤْمَنُ إظْهَارُ عَوْرَتِهَا ، وَالْعِبَادَةُ لَا تُبِيحُ الْمُثْلَةَ وَإِظْهَارَ الْعَوْرَةِ .
وَأَمَّا الْحَلْقُ فِي الرِّجَالِ لَيْسَ بِمُثْلَةٍ ، وَلَا يُؤَدِّي فِعْلُهُ إلَى مَحْظُورٍ ، وَهُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجَافِي عُضْوَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ حَالَةَ الرُّكُوعِ ، وَلَا يُلْصِقُ بَطْنَهُ بِفَخِذِهِ حَالَةَ السُّجُودِ ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ هَذَا .
83 - 83 - مُحْرِمٌ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ فِي مَفَازَةٍ ، فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ لَا يَغْرَمُ ، وَلَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لِلصَّيْدِ ، غَرِمَ ، وَلَوْ حَفَرَ لَا لِلصَّيْدِ ، فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ ، لَا يَغْرَمُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَفْرُ الْبِئْرِ لِإِتْلَافِ الصَّيْدِ ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى إتْلَافِهِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا ، فَقَدْ تَعَدَّى فِي السَّبَبِ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إتْلَافِ الصَّيْدِ فَغَرِمَ ، كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَى صَيْدٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا حَفَرَ لِلْمَاءِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ الْبِئْرَ لِلْمَاءِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَدَّ فِي السَّبَبِ لَمْ يَضْمَنْ مَا يَتْلَفُ بِهِ ، كَمَا لَوْ بَنَى فِي مِلْكِهِ بِنَاءً فَوَقَعَ عَلَى صَيْدٍ فَتَكَسَّرَ وَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ ، كَذَلِكَ هُنَا .
84 - 84 - الْمُحْرِمُ إذَا قَتَلَ قَمْلَةً ، تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ وَلَوْ تَمْرَةً ، وَلَوْ قَتَلَ بُرْغُوثًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْغُوثَ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْأَرْضِ ، فَهُوَ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ ، فَصَارَ كَالْعَقْرَبِ .
وَأَمَّا الْقَمْلَةُ فَإِنَّهَا تَتَوَلَّدُ مِنْ الْبَدَنِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَزَالَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ ، لِيُزِيلَ بِهِ الْأَذَى أَوْ أَزَالَ الشَّعَثَ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
85 - 85 - إذَا رَمَى طَائِرًا عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ ، لَمْ يُنْظَرْ إلَى أَصْلِهِ ، وَيَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الطَّائِرِ فَإِنْ كَانَ الْغُصْنُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحِلِّ لَا يَجِبُ .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَطَعَ غُصْنًا مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ ، إنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ لَمْ يَضْمَنْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّائِرَ حَيْثُ اعْتِمَادُهُ ، وَاعْتِمَادُهُ عَلَى الْغُصْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْغُصْنَ بَقِيَ هُوَ فِي الْحِلِّ وَسَقَطَ فِيهِ ، وَيَجُوزُ بَقَاؤُهُ فِي الْهَوَاءِ أَيْضًا بَعْدَ قَطْعِ الْغُصْنِ ، فَإِذَا كَانَ الْغُصْنُ فِي الْحِلِّ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ .
وَأَمَّا الْغُصْنُ فَلِأَنَّ الْغُصْنَ حَيْثُ اعْتِمَادُهُ ، وَاعْتِمَادُهُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أَصْلَ الشَّجَرِ سَقَطَ الْغُصْنُ أَيْضًا ، فَلَا يَجُوزُ بَقَاؤُهُ فِي الْهَوَاءِ بَعْدَ قَطْعِ أَصْلِهِ ، فَاعْتُبِرَ الْأَصْلُ ، إنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْحَرَمِ ، صَارَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ ، فَغَرِمَ وَإِنْ كَانَ فِي الْحِلِّ ، صَارَ مِنْ شَجَرِ الْحِلِّ ، فَلَا يَغْرَمُ .
86 - 86 - إذَا أَدْخَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ مِنْ الْحِلِّ ، صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ ، وَلَوْ أَدْخَلَ شَجَرًا مِنْ الْحِلِّ وَأَنْبَتَهُ ، لَمْ يَصِرْ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِي الشَّجَرِ الْجَزَاءَ لَأَوْجَبْنَا تَحْرِيمَهُ بِفِعْلِهِ ، وَهُوَ إدْخَالُهُ فِي الْحَرَمِ ، وَفِعْلُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي تَحْرِيمِ الشَّجَرِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَطْعُ الشَّجَرِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّيْدُ ؛ لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْجَزَاءَ إذَا أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ وَقَتَلَهُ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ ، وَفِعْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي تَحْرِيمِ الصَّيْدِ ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ فَإِنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَضَافَ الشَّجَرَ إلَى الْحَرَمِ فَقَالَ : { لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا } فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِإِنْبَاتِ الْحَرَمِ إيَّاهُ ، أَوْ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إضَافَتُهُ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ الشَّجَرَ فِي الْحَرَمِ وَأَخْرَجَهَا وَلَمْ يَغْرِسْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِضَافَةِ كَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ ، وَإِنَّمَا هُوَ إضَافَةُ إنْبَاتِ الْحَرَمِ وَهَذَا إذَا غَرَسَهَا ، فَلَمْ يُوجَدْ إنْبَاتُ الْحَرَمِ ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ .
وَأَمَّا الصَّيْدُ فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَضَافَ الصَّيْدَ إلَى الْحَرَمِ فَقَالَ : { لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا } فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِوِلَادَتِهِ فِي الْحَرَمِ ، أَوْ لِكَوْنِهِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِوِلَادَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُلِدَ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ خَرَجَ بِنَفْسِهِ إلَى الْحِلِّ لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ ، فَدَلَّ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَضَافَهُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَرَمَ حَوَاهُ ، فَإِذَا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ فَقَدْ حَوَاهُ الْحَرَمُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِيرَ
مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ .
فَإِذَا قَتَلَهُ وَجَبَ الْجَزَاءُ .
87 - 87 - مُحْرِمٌ قَتَلَ بَازِيًا مُعَلَّمًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ .
وَلَوْ قَتَلَ بَازِيًا مُعَلَّمًا لِإِنْسَانٍ ، غَرِمَ قِيمَتَهُ لَهُ مُعَلَّمًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ مُصَوِّتَةً ، غَرِمَ قِيمَتَهَا لِصَاحِبِهَا مُصَوِّتًا .
وَلَوْ قَتَلَهَا فِي الْحَرَمِ ، غَرِمَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مُصَوِّتٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إنَّمَا يُضْمَنُ كَفَّارَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالتَّعْلِيمُ لَا يَتَقَوَّمُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ عَالِمًا فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ إلَّا كَفَّارَةَ عَبْدٍ غَيْرِ عَالَمٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ لِآدَمِيٍّ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ ، وَالتَّعْلِيمُ يَتَقَوَّمُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّينَ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ عَالِمًا لِإِنْسَانٍ ، غَرِمَ قِيمَتَهُ عَالِمًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
88 - 88 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخْرَجَ ظَبْيَةً مِنْ الْحَرَمِ ، فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ، ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِي الْحِلِّ ، غَرِمَ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ أَوْلَادِهَا ، وَلَوْ أَدَّى جَزَاءَهَا بَعْدَ مَا أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ ، ثُمَّ وَلَدَتْ ، فَمَاتَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَوْلَادِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهَا ، فَتَعَيَّنَ حَقُّ وُجُوبِ الْإِرْسَالِ فِي الْأُمِّ ، فَسَرَى إلَى الْوَلَدِ ، كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ ، فَصَارَ مُطَالَبًا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ لَحْظَةٍ بِالْإِرْسَالِ ، فَصَارَ مَانِعًا بَعْدَ الطَّلَبِ ، فَدَخَلَتْ الْأُمُّ وَأَوْلَادُهَا فِي ضَمَانِهِ .
كَمَا لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً ، فَوَلَدَتْ فَطَلَبَهَا صَاحِبُهَا ، فَمُنِعَ ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا عِنْدَ التَّلَفِ ، كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا إذَا كَفَّرَ فَقَدْ بَرِئَ عَنْ ضَمَانِ الْأُمِّ ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْأُمِّ حَقُّ الضَّمَانِ ، فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ، كَمَا لَوْ رَدَّهَا إلَى الْحَرَمِ ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ فِي الْحَرَمِ ، فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
حَلَالٌ أَخْرَجَ ظَبْيًا مِنْ الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ ، فَلَوْ بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ ، وَبِمِثْلِهِ رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ عَبْدًا وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ ، فَلَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَحُصُولُ الْمِلْكِ ، فَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ وُجُودِ الرَّدِّ إلَى الْحَرَمِ مَعْنًى أَوْجَبَ الْمِلْكَ ، فَصَادَفَ بَيْعُهُ مِلْكَهُ فَجَازَ ، وَإِنْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ ثَابِتًا ، كَمَا لَوْ اكْتَسَبَ عَلَى وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ وَجَبَ التَّصَرُّفُ بِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَصْبُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ يَدِهِ مَا يُوجِبُ لَهُ مِلْكًا فِيهِ فَصَادَفَ بَيْعَهُ مِلْكُ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ .
90 - 90 - الْمُعْتَمِرُ إذَا جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ ، وَالْحَاجُّ إذَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ بَعْدَ مَا قَصَّرَ ثُمَّ جَامَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا طَافَ لِلْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَقَدْ أَتَى بِمُعْظَمِهِ ، وَمُعْظَمُ الطَّوَافِ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتَى بِالْكُلِّ ، فَوَقَعَ الْجِمَاعُ فِي حَالِ التَّحَلُّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الْحَلْقِ ، وَالْحَلْقُ يَكُونُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ، فَصَادَفَ وَطْؤُهُ حَالَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ دَمٌ .
91 - 91 - إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَأَهْدَى جَزُورًا ، ثُمَّ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ ، وَلَا يَجِبُ بَدَنَةٌ ، وَلَوْ جَامَعَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ كَفَّرَ ، ثُمَّ جَامَعَ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجِمَاعَ الْأَوَّلَ لَا يَهْتِكُ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ ، وَإِنَّمَا صَارَ جَانِيًا فِيهِ مَعَ بَقَاءِ حُرْمَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ ، فَلَمْ يَنْجَبِرْ ذَلِكَ النَّقْصُ بِالْكَفَّارَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ ، لِأَنَّ الْجِمَاعَ الْأَوَّلَ هَتَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ ، فَالْكَفَّارَةُ تَجْبُرُ ذَلِكَ النَّقْصَ ، فَعَادَتْ الْحُرْمَةُ كَامِلَةً ، فَأَوْجَبَ مِنْ الْكَفَّارَةِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ .
92 - 92 - إذَا قَبَّلَ الْمُحْرِمُ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ دَمٌ ، وَلَوْ قَبَّلَ الصَّائِمُ وَلَمْ يُنْزِلْ ، لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّقْبِيلَ لِلشَّهْوَةِ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ ، فَإِذَا بَاشَرَهُ الْمُحْرِمُ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ كَالطِّيبِ ، وَإِذَا بَاشَرَهُ الصَّائِمُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالطِّيبِ ، وَلِأَنَّ التَّقْبِيلَ لِلشَّهْوَةِ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الْأَصْلَيْنِ ، شَبَهَ الْجِمَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ ، وَشَبَهَ النَّظَرِ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَقْضُ الطَّهَارَةِ ، فَتَوَفَّرَ حَظُّهُ مِنْ الشَّبَهَيْنِ ، فَلِشَبَهِهِ بِالْجِمَاعِ ، قُلْنَا : تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ، وَلِشَبَهِهِ النَّظَرَ قُلْنَا : لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ لِيَكُونَ فِيهِ تَوْفِيرُ حَظِّهِ مِنْ الشَّبَهَيْنِ ، وَكَفَّارَاتُ الْحَجِّ لَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ، وَلَا يُحْتَالُ لِإِبْطَالِهَا فَأَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ بِالدَّلَالَةِ يَغْرَمُ مَا يَغْرَمُ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ آكَدَ فِي الْجِنَايَةِ مِنْهَا .
وَأَمَّا فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَحْتَالُ فِي عَدَمِ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ ، فَجَعَلْنَا حُكْمَهُ آكَدَ فَقُلْنَا : مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْإِنْزَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ .
93 - 93 - إذَا ادَّهَنَ الْمُحْرِمُ شِقَاقَ رِجْلَيْهِ أَوْ جُرْحِهِ بِزَيْتٍ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَلَوْ ، دَاوَى جُرْحَهُ وَأَلْزَقَ عَلَيْهِ طِيبًا ، فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ إذَا فَعَلَ مِرَارًا ، وَفِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ صَدَقَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ شِقَاقَ الرِّجْلِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الطِّيبِ ، وَالزَّيْتُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ ، وَلَا يُقْصَدُ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالطِّيبِ ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَطَيِّبًا ، وَصَارَ مُتَدَاوِيًا .
وَأَمَّا الطِّيبُ فِي نَفْسِهِ طَيِّبٌ فَلَا يُرَاعَى قَصْدُهُ إلَى التَّطَيُّبِ ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ وُجِدَ فَقَدْ تَطَيَّبَ فَصَارَ مُتَطَيِّبًا ، فَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ .
94 - 94 - إذَا بَعَثَ الْمُتَطَوِّعُ هَدْيًا يُهْدِيهِ مُقَلَّدًا ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ صَارَ مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِحْرَامَ ، وَالْقَارِنُ يَصِيرُ مُحْرِمًا حِينَ يَخْرُجُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِخُرُوجِهِ تَأْثِيرًا فِي وُجُوبِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ ، فَإِذَا أَثَّرَ خُرُوجُهُ فِي وُجُوبِهِ أَثَّرَ وُجُوبُهُ فِي إحْرَامِهِ ، كَمَا لَوْ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُتَطَوِّعُ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَذَبَحَ وَقَعَ ذَلِكَ عَنْ الْمُتَطَوِّعِ كَمَا لَوْ نَوَى ، وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ خُرُوجُهُ فِي وُجُوبِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ وُجُوبُهُ فِي إحْرَامِهِ ، فَاسْتَوَى وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ عَدِمَ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا ، كَذَلِكَ إذَا وَجَدَ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ لِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ أَثَرًا فِي بَقَائِهِ مُحْرِمًا فِي الِانْتِهَاءِ ، لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا فَرَغَ مِنْ فِعْلِ الْعُمْرَةِ وَقَدْ سَاقَ الْهَدْيَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الِابْتِدَاءِ .
وَأَمَّا الْمُتَطَوِّعُ فَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي بَقَائِهِ مُحْرِمًا فِي الِانْتِهَاءِ فَكَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ صَارَ كَأَنَّهُ سَاقَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ نَفْسِهِ ، فَيُجْعَلُ لِلْبَقَاءِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا .
95 - 95 - ذَبْحُ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ أَفْضَلُ ، وَنَحْرُ الْجَزُورِ أَفْضَلُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عُرُوقَهُ فِي الْمَنْحَرِ أَجْمَعُ ، فَكَانَ قَطْعُهُ أَسْهَلَ وَأَيْسَرَ ، فَكَانَ أَفْضَلَ .
وَفِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ عُرُوقُهَا فِي الْمَذْبَحِ أَجْمَعُ ، فَكَانَ فِي نَحْرِهِ إيصَالُ أَلَمٍ زَائِدٍ إلَيْهِ فَكَانَ ذَبْحُهُ أَيْسَرَ عَلَيْهِ ، فَكَانَ أَفْضَلَ .
96 - 96 - لَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، وَأَوْصَى لِأُنَاسٍ كَثِيرٍ بِوَصَايَا أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ يُصْرَفُ فِيهِ لِلْحَجِّ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَجِّ ، وَلَوْ أَوْصَى فَقَالَ : أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً ، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَمْ يُسَمِّ كَمْ يُعْطَى ، قَالَ : يُعْطَى قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ ، وَهُوَ نَفَقَةٌ وَسَطٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى لِأُنَاسٍ كَثِيرٍ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُوبِ حِصَصِ أَرْبَابِ الْوَصَايَا ، وَتَيَقَّنَّا بِوُجُوبِ أَدْنَى النَّفَقَةِ لِلْحَجِّ ، وَشَكَكْنَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ ، فَلَوْ نَقَصْنَا مِنْ حِصَّةِ أَرْبَابِ الْوَصَايَا بِالشَّكِّ لَأَبْطَلْنَا الْيَقِينَ بِالشَّكِّ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي ، لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُوبِ شَيْءٍ لِأَحَدٍ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ وَصِيَّةٌ بِدَفْعِ مِقْدَارِ نَفَقَةِ الْحَجِّ إلَيْهِ ، وَذَا يَكْثُرُ وَيَقِلُّ ، فَلَوْ أَخَذْنَا بِالْأَقَلِّ لَبَخَسْنَا بِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ ، وَلَوْ أَخَذْنَا بِالْأَكْثَرِ لَبَخَسْنَا بِحَقِّ الْوَرَثَةِ ، فَأَوْجَبْنَا الْوَسَطَ ، وَإِيجَابُ الْوَسَطِ لَا يُؤَدِّي إلَى النُّقْصَانِ بِالشَّكِّ عَنْ مُوَاجَبَةِ مُتَيَقِّنٍ بِثُبُوتِ حَقِّهِ ، فَجَازَ أَنْ يُوجَبَ .
97 - 97 - لَوْ أَوْصَى وَقَالَ : أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً ، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَمْ يُسَمِّ كَمْ يُعْطَى ، قَالَ : يُعْطَى مِقْدَارَ مَا يَحُجُّ بِهِ نَفَقَةَ حَجٍّ وَسَطٍ ، وَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ .
وَلَوْ قَالَ : أَحِجُّوا فُلَانًا عَنِّي حَجَّةً ، فَإِنَّهُ يُعْطَى مِقْدَارَ نَفَقَةِ الْحَجِّ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَحِجُّوا فُلَانًا ، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي كَانَ هَذَا أَيْضًا بِدَفْعِ النَّفَقَةِ لِيَصْرِفَهُ إلَى الْحَجِّ ، فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِنَوْعِ نَفَقَةٍ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِشَارَةٍ ، فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ وَبَطَلَتْ الْإِشَارَةُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : ادْفَعُوا إلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِيُنْفِقَهُ عَلَى عِيَالِهِ دُفِعَ إلَيْهِ لِيَفْعَلَ مَا شَاءَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : عَنِّي ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَدْفَعَ النَّفَقَةَ إلَيْهِ لِيَصْرِفَهُ فِي حَجِّهِ عَنْهُ وَيَعُودَ نَفْعُهُ إلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يَحُجَّ عَنْهُ لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ إلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ .
98 - 98 - عَبْدٌ دَخَلَ مَكَّةَ مَعَ مَوْلَاهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ ، فَإِنَّ عَلَيْهِ إذَا عَتَقَ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ ، بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ أَسْلَمَ ، وَالصَّبِيُّ إذَا دَخَلَهَا ثُمَّ بَلَغَ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَاتِ ، فَكَذَلِكَ يُخَاطَبُ بِالْإِحْرَامِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ إرَاقَةَ الدَّمِ فِي حَالِ الرِّقِّ فَتَأَخَّرَ إلَى وَقْتِ الْعِتْقِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْكَافِرُ ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ بِالْعِبَادَاتِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ ، فَلَمْ يَصِيرَا جَانِيَيْنِ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الدَّمُ .
إذَا أَحْرَمَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ فَجَدَّدَ إحْرَامَهُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ ، يُجْزِئُهُ حِينَئِذٍ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَالْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ ثُمَّ عَتَقَ فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ لَا يُجْزِئُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ مَنَعْنَا الصَّبِيَّ عَنْ الْفَسْخِ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِعَقْدِهِ ، وَالصَّبِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِعَقْدِهِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِحِنْثِهِ ، فَجَازَ فَسْخُهُ ، وَإِذَا صَحَّ فَسَخَهُ فَإِذَا أَحْرَمَ ابْتِدَاءً عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقَعَ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ عَنْ الْفَسْخِ لَأَوْجَبْنَا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ حَقًّا بِعَقْدِهِ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ ، كَذَا هَذَا ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ بِإِحْرَامِهِ شَيْءٌ ، فَبَقِيَ الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْتِقْ .
100 - 100 - إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَطَرَدَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ، وَلَوْ رَمَى فِي الْحِلِّ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّمْيَ فِعْلُ مُبَاشَرَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَّصِلُ قُوتُهُ بِهِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قُوتِهِ ، وَلَوْ رَمَى إنْسَانًا فَمَاتَ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِيَدِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ لَيْسَ بِفِعْلِ مُبَاشَرَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ لَا يُجْعَلُ كَالْقَاتِلِ بِيَدِهِ حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ ، وَلَا يَتَّصِلُ قُوتُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ ، فَإِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي ذَلِكَ السَّبَبِ وَجَبَ الضَّمَانُ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الْحَفْرِ ضَمِنَ ، وَإِلَّا فَلَا ، كَذَا هَذَا .
كِتَابُ النِّكَاحِ 101 - قَالُوا فِي الَّتِي لَهَا الْخِيَارُ فِي الْبُلُوغِ : إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ عِنْدَ الْإِدْرَاكِ لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ .
وَالْمُخَيَّرَةُ ، وَالْمُعْتَقَةُ ، وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ ، مَتَى اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ لَيْسَ بِخِيَارِ تَمْلِيكٍ ، لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ بَعْدَ الْبُلُوغِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ لَا يَتَوَقَّتُ بِالْمَجْلِسِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخِيَارِ تَمْلِيكٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ خِيَارٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِنَقْصٍ فِي وِلَايَةِ الْعَاقِدِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ ، وَالْخِيَارُ إذَا ثَبَتَ لِنَقْصٍ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ اخْتَصَّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي أَوْ بِالرِّضَا ، كَالْمَبِيعِ إذَا وُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُعْتَقَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ خِيَارُ تَمْلِيكٍ لَا خِيَارَ نَقْصٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى وَوِلَايَتَهُ كَانَ تَامًّا وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَهِيَ تُمْلَكُ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا لَمْ تَكُنْ مَالِكَةً لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَهُوَ بَدَلُ بُضْعِهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، وَخِيَارُ التَّمْلِيكِ لَا يَخْتَصُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، كَخِيَارِ الْقَبُولِ .
وَإِنْ زُوِّجَتْ الْبِكْرُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَبَلَغَتْ فَمَضَى بَعْدَ الْعِلْمِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَا يَمْتَدُّ خِيَارُ الْبُلُوغِ مِقْدَارَ الْمَجْلِسِ ، وَخِيَارُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَجْلِسِ ، إذَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَبَلَغَتْ فَسَكَتَتْ فِي الْمَجْلِسِ ، فَسُكُوتُهَا رِضًا مِنْهَا فِي الشَّرْعِ ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : { صَمْتُهَا إقْرَارُهَا } وَرُوِيَ { إذْنُهَا صُمَاتُهَا } .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّضَا ، فَوُقِفَ عَلَى وُجُودِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهَا مِنْ جِهَتِهَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَمُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ كَخِيَارِ الْقَبُولِ .
103 - 103 - وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْبِكْرِ : إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَانًا ، فَقَالَتْ : غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا ، وَلَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ أَخْبَرَهَا ، فَقَالَتْ : قَدْ كَانَ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ ، كَانَ إجَازَةً وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْمَرَهَا فِي الِابْتِدَاءِ ، فَقَدْ أَخْبَرَتْ أَنَّ مِنْ رَأْيِهَا غَيْرَ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، فَلَمْ تَصِرْ رَاضِيَةً بِذَلِكَ الْعَقْدِ ، فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا عَقَدَ ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّ مِنْ رَأْيِهَا غَيْرَ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَسَكَتَتْ عَنْ رَدِّ هَذَا الْعَقْدِ مَعَ انْعِقَادِهِ ، فَنَفَذَ عَلَيْهَا .
104 - 104 - إذَا كَتَبَ الرَّجُلُ إلَى الْمَرْأَةِ بِأَنْ زَوِّجِينِي نَفْسَكِ ، فَقَرَأَتْ الْكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَأَعْلَمَتْهُمْ بِمَا فِي الْكِتَابِ ، وَقَالَتْ : زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْهُ ؛ جَازَ ، وَلَوْ لَمْ تُعْلِمْهُمْ مَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ .
وَفِي الْبَيْعِ لَوْ كَتَبَ إلَى آخَرَ : بِأَنْ بِعْنِي عَبْدَكَ ، فَلَمْ يُعْلِمْهُمْ مَا فِي الْكِتَابِ ، جَازَ إذَا قَالَ بِعْتُهُ مِنْكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كِتَابَهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ فَصَارَ كَحُضُورِهِ ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَقَالَتْ : زَوَّجْتُ وَلَمْ يَسْمَعْ الشُّهُودُ كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشُهُودٍ ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُ وَلَمْ يَسْمَعْ الشُّهُودُ كَلَامَهُمَا جَازَ ؛ إذْ الْبَيْعُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ ، وَكَذَلِكَ هَذَا .
105 - 105 - قَالَ فِي الْأَصْلِ : لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ : بِعْنِي عَبْدَكَ ، فَقَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ بِعْتُهُ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَقَالَ : بِعْنِي عَبْدَكَ ، فَقَالَ : بِعْتُهُ ؛ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقُولَ : قَبِلْتُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : بِعْنِي طَلَبٌ لِلْبَيْعِ ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُسَاوِمُ الشَّيْءَ ، لِيَتَرَوَّى فِيهِ ، وَيَنْظُرَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِهِ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : { الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ } ، وَقَدْ دَلَّنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُسَاوِمَانِ فَإِذَا قَالَ : بِعْتُ صَارَ الْمَوْجُودُ أَحَدَ شِقَّيْ الْعَقْدِ ، فَمَا لَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ لَا يَصِيرُ عَقْدًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَتَبَ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَاوِمُ بِالْكِتَابِ ، وَإِنَّمَا يَتَرَوَّى وَيَتَأَمَّلُ وَيَتَدَبَّرُ فِيهِ ثُمَّ يَشْتَرِي ، كَمَا أَنْ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَاوِمُ فِي النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا يَتَرَوَّى وَيَتَفَكَّرُ وَيَتَدَبَّرُ ثُمَّ يَخْطُبُ ، فَلَمْ يُجْعَلْ قَوْلُهُ طَلَبًا لِلْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ شِقًّا لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : بِعْتُ ؛ تَمَّ الْعَقْدُ وَجَازَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : زَوِّجِينِي ، فَقَالَتْ : زَوَّجْتُ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ : قَبِلْتُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَجُعِلَ الْكِتَابُ فِي الْبَيْعِ كَالْخِطَابِ فِي النِّكَاحِ لِلْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ .
سُكُوتُ الْبِكْرِ يَكُونُ رِضًا بِالْعَقْدِ .
وَسُكُوتُ الْغُلَامِ الْبِكْرِ وَالْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالْعَقْدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا لِأَجْلِ الْحَيَاءِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : { سُكُوتُهَا رِضَاهَا وَصَمْتُهَا إقْرَارُهَا } لِأَنَّهَا تَسْتَحِي ، وَالْبِكْرُ تَسْتَحِي مِنْ الْمُشَاوِرَةِ فِي أَمْرِ بُضْعِهَا ، فَجُعِلَ سُكُوتُهَا رِضَاهَا .
وَلَا تَسْتَحِي الثَّيِّبُ مِنْ الْمَشُورَةِ وَلَا الْغُلَامُ ، فَلَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُهُمَا رِضًا ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى سُكُوتِهِمَا لِعَدَمِ الْعِلَّةِ .
107 - 107 - إذَا كَانَ أَبُو الْبِكْرِ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَزَوَّجَهَا ، وَسَكَتَتْ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ ، لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضَاهَا .
وَلَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا كَانَ سُكُوتُهَا رِضًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ ، فَلَوْ نَفَّذْنَا عَقْدَهُ عِنْدَ سُكُوتِهَا لَكَانَتْ وَكَالَةً ، وَالتَّوْكِيلُ لَا يَنْعَقِدُ بِالسُّكُوتِ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ فَسَكَتَتْ ، وَأَمَّا الْأَبُ الْمُسْلِمُ فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَضَلَهَا أُجْبِرَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا أَوْفَاهَا حَقَّهَا الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ فَسَكَتَتْ كَانَتْ رَاضِيَةً بِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ دَيْنٌ فَأَوْفَاهُ ، وَسَكَتَ وَتَنَاوَلَ صَارَ قَابِضًا ، كَذَا هَذَا .
108 - 108 - إذَا قَالَتْ الصَّغِيرَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ : قَدْ كُنْتُ اخْتَرْتُ نَفْسِي حِينَ بَلَغْتُ ، لَمْ تُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَزَوْجُ الْبِكْرِ إذَا قَالَ : قَدْ رَضِيتُ ، وَقَالَتْ هِيَ : لَمْ أَرْضَ ، فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِكْرِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَاهَا ، فَإِذَا قَالَتْ : لَمْ أَرْضَ ، فَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الرِّضَا وَهِيَ تُنْكِرُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا ، وَهِيَ تُنْكِرُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ إذَا بَلَغَتْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ نَفَذَ عَلَيْهَا ، وَالظَّاهِرُ بَقَاءُ الْعَقْدِ ، فَهِيَ تَدَّعِي الْفَسْخَ خِلَافَ الظَّاهِرِ ، فَلَمْ تُصَدَّقْ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
109 - 109 - إذَا انْتَسَبَتْ الْمَرْأَةُ إلَى قَبِيلَةٍ ، فَوَجَدَهَا الزَّوْجُ دُونَهَا ، لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ ، وَالزَّوْجُ إذَا انْتَسَبَ إلَى قَبِيلَةٍ فَوَجَدَتْهُ دُونَهَا ، فَلَهَا الْخِيَارُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ نَسَبَ الزَّوْجِ مَقْصُودٌ وَمَرْغُوبٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْتَمِي إلَيْهِ ، فَإِذَا كَانَ دَنِيًّا لَحِقَتْهُ الْغَضَاضَةُ وَقَدْ فَوَّتَ عَلَيْهَا غَرَضَهَا وَمَقْصُودَهَا ، فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ ، كَمَا لَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا .
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ نَسَبَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا ، وَلَا يُعَيَّرُ الرَّجُلُ بِكَوْنِ امْرَأَتِهِ دُونَهُ فِي النَّسَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَوْلِيَائِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ تُفَوِّتْ مَقْصُودَهُ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ .
أَوْ تَقُولُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَقْصُودًا فَفَوَّتَهُ عَيْبًا بِهَا ، وَوُجُودُ الْعَيْبِ بِالْمَنْكُوحَةِ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ ، كَمَا لَوْ وَجَدَهَا شَوْهَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ عَفْلَاءَ .
110 - 110 - حَرْبِيَّةٌ كِتَابِيَّةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، صَارَتْ ذِمِّيَّةً .
وَالْحَرْبِيُّ إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي قَهْرِهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ وَلَزِمَهَا الْمَقَامُ حَيْثُ هُوَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَقَدْ الْتَزَمَتْ الْمُكْثَ مَعَهُ فِي دَارِنَا إلَى غَايَةٍ ، فَصَارَتْ ذِمِّيَّةً .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّجُلُ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُكْثُ حَيْثُ تَكُونُ الْمَرْأَةُ ، وَلَا هُوَ تَحْتَ قَهْرِهَا ، فَلَمْ يَلْتَزِمْ الْمُكْثَ فِي دَارِنَا إلَى غَايَةٍ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَلَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا ، كَذَا هَذَا .
111 - 111 - لَيْسَ فِي الْمَهْرِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ .
الْفَرْقُ : لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ ، بِدَلَالَةِ أَنَّهُ عِنْدَ الرَّدِّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ، وَالْعَيْنُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يُسْتَدْرَكْ بِالرَّدِّ بَدَلًا ، فَلَا يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ .
وَأَمَّا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ ، فَكَانَ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ فَجَازَ أَنْ يُرَدَّ .
112 - 112 - إذَا أَصَابَ الْمَهْرَ عَيْبٌ فِي يَدَيْ الزَّوْجِ بِفِعْلِهِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَهَا الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ نِصْفَهُ نَاقِصًا وَضَمَّنَتْهُ النُّقْصَانَ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ وَضَمَّنَتْهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ .
وَلَوْ أَصَابَ الْمَهْرَ عَيْبٌ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ بِفِعْلِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ نَاقِصًا وَلَمْ يُضَمِّنْهَا النُّقْصَانَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ فِي يَدِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَلَكَتْ الْمَهْرَ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، فَإِذَا جَنَى فَقَدْ جَنَى عَلَى مِلْكِهَا ، وَهُوَ مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ ضَمَانَ عَقْدٍ ، وَالْأَوْصَافُ فِيمَا هُوَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُضْمَنْ بِالتَّلَفِ ، كَالْمَبِيعِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا جَنَتْ الْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الْمَهْرَ بِالْعَقْدِ وَتَمَّ مِلْكُهَا بِالْقَبْضِ ، فَإِذَا جَنَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا عَلَى مِلْكِهَا ، وَجِنَايَتُهَا عَلَى مِلْكِهَا هَدَرٌ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الرَّدِّ مِلْكُهَا بَاقٍ فِي الْمَهْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَعَتَقَتْهُ نَفَذَ عِتْقُهَا ، وَالزَّوْجُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَنْفُذْ ، فَصَادَفَتْ جِنَايَتُهَا مِلْكَهَا فَكَانَتْ هَدَرًا ، وَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ فَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ .
113 - 113 - إذَا قَبَضَتْ الْمَهْرَ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَالْمَهْرُ فِي يَدِهَا ، فَأَعْتَقَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْمَهْرِ لَمْ يُعْتَقْ ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا نَفَذَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَرْأَةِ ، وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ يُفْسِدُ مِلْكَهَا فِيهِ ، وَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ لَوَجَبَ أَنْ يَعُودَ جَمِيعُهُ إلَيْهِ - كَالْبَيْعِ إذَا فُسِخَ - فَلَمَّا لَمْ يَعُدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يُفْسِدُ مِلْكَهَا ، وَلِأَنَّ مِلْكَهَا تَامٌّ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَالْمِلْكُ التَّامُّ لَا يُفْسَخُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا ، كَالْمَبِيعِ إذَا وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي مَعِيبًا فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِيهِ ، إلَّا أَنَّهُ فَسَدَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى ارْتِجَاعِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا ، فَصَارَ نِصْفُهُ فِي يَدِهَا عَلَى مِلْكٍ فَاسِدٍ ، فَصَارَ كَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ نَفَّذْنَا عِتْقَهَا فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَالْمِلْكُ لَهَا ، وَبِالطَّلَاقِ فَسَدَ مِلْكُهَا فَزَالَتْ يَدُهَا فَصَارَ كَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا ، إذَا حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ زَالَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَقَدْ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُ فَلَمْ يَجُزْ .
114 - 114 - إذَا قَالَ : تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ عَلَى أَنْ أَشْتَرِيَهَا فَأُسَلِّمَهَا لَكِ كَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِهَا حَتَّى يُسَلِّمَهَا لَهَا فَإِذَا اشْتَرَاهَا أُجْبِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَيْهَا .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ بَاعَ دَارَ الْغَيْرِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فَيُسَلِّمَهَا لَهُ فَمَلَكَهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا نِكَاحٌ وَشَرْطٌ ، وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - { إنَّ أَحَقَّ مَا أَوْفَيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } وَهَذَا الشَّرْطُ قَدْ اسْتَحَلَّ بِهِ الْفَرْجَ ، فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ مُوجَبَ التَّسْلِيمِ فِي بَابِ النِّكَاحِ يَبْقَى مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ وَفَوْتِ التَّسْلِيمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِتَسْلِيمِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ لَا يَبْطُلُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ وَفَوْتِ التَّسْلِيمِ فِيهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ قِيمَتِهِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ فِيهِ ، فَفَوْتُهُ لَمْ يَمْنَعُ بَقَاءَ الْعَقْدِ ، وَوُجُوبُ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ تَسْمِيَتِهِ ، وَوُجُوبَ تَسْلِيمِهِ ابْتِدَاءً ؛ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهِ سَلَّمَ ، وَإِلَّا غَرِمَ قِيمَتَهُ ، كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَهْرُ فِي يَدِهِ .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَالْمُوجِبُ لِتَسْلِيمِهِ يَبْطُلُ بِاسْتِحْقَاقِهِ وَفَوْتِ التَّسْلِيمِ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ بَطَل الْعَقْدُ ، وَإِذَا كَانَ فَوْتُ التَّسْلِيمِ مُوجِبًا بُطْلَانَ التَّسْلِيمِ فِيهِ مُنِعَ انْعِقَادُهُ ، وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ ابْتِدَاءً ، وَكَوْنُهُ مِلْكًا لِلْغَيْرِ يُفَوِّتُ التَّسْلِيمَ فِيهِ ، فَمُنِعَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ ابْتِدَاءً فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ فِي بَابِ الْمَهْرِ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ يَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهِ ، وَالْعَيْنُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَجَازَ أَنْ يُجْبَرَ
عَلَى تَسْلِيمِهِ .
وَفِي الْبَيْعِ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قِيمَتِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ قِيمَتِهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ إذَا مَلَكَهُ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ لِإِنْسَانٍ شَيْئًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ، لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، كَذَا هَذَا .
115 - 115 - إذَا قَالَ : زَوِّجِينِي نَفْسَكِ ، فَقَالَتْ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ : زَوَّجْتُ ؛ انْعَقَدَ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْنِي فَقَالَ : بِعْتُ ، لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَاوَمَةِ فِي الْبَيْعِ ، فَجُعِلَ قَوْلُهُ بِعْنِي ، طَلَبًا لِلْعَقْدِ وَسَوْمًا ، فَإِذَا قَالَ : بِعْتُ ، فَالْمَوْجُودُ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ ، فَمَا لَمْ يَقُلْ : قَبِلْتُ ، لَا يَنْعَقِدُ .
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْمُسَاوَمَةِ [ فِيهِ ] ، فَلَا يَخْطُبُ إلَّا بَعْدَ التَّرَوِّي وَالتَّفَكُّرِ وَإِنْفَاذِ الرُّسُلِ ، فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ زَوِّجِينِي مُسَاوَمَةً ، فَصَارَ شِقًّا لِلْعَقْدِ ، فَإِذَا قَالَتْ : زَوَّجْتُ ، وُجِدَ الشِّقَّانِ فَتَمَّ الْعَقْدُ .
وَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ زَوِّجِينِي ، طَلَبُ الْعَقْدِ ، فَقَدْ أَمَرَهَا بِأَنْ تَعْقِدَ ، وَالْوَاحِدُ مِمَّا يَتَفَرَّدُ بِشِقَّيْ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ ، فَإِذَا قَالَتْ : زَوَّجْتُ ، صَارَ الْمَوْجُودُ عَقْدًا .
وَفِي الْبَيْعِ قَوْلُهُ : بِعْنِي ، طَلَبُ الْعَقْدِ ، وَالْوَاحِدُ مِمَّا لَا يَنْفَرِدُ بِشِقَّيْ عَقْدِ الْبَيْعِ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ أَحَدَ شِقَّيْ الْعَقْدِ ، فَمَا لَمْ يَقُلْ : قَبِلْتُ ، لَا يَنْعَقِدُ .
116 - 116 - إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ، ثُمَّ بَاعَهُ الْمَوْلَى ، فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي النِّكَاحَ كَانَ جَائِزًا ، وَلَوْ زَوَّجَتْ أَمَةٌ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ بَاعَهَا ، ثُمَّ أَجَازَ الْمُشْتَرِي النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يَقَعُ عَلَى عَيْنِ الْعَبْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى ، وَلَوْ كَانَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَهُ غَيْرُهُ ، فَهُوَ عَاقِدٌ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ تَنَاوَلَ عَيْنَ الْعَبْدِ ، فَلَمْ يَجُزْ تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمَةُ ، لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ تَنَاوَلَ عَيْنَ الْأَمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَزَوَّجَتْ مِنْ إنْسَانٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ ، فَالْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى عَيْنِ بُضْعِهَا ، وَالْمُشْتَرِي يَمْلِكُ ، عَيْنَهَا بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَبِيحُ بُضْعَهَا فَقَدْ جَرَى تَمْلِيكٌ فِيمَنْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ إنْسَانٍ لَا يَمْلِكُهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
117 - 117 - عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، جَازَ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ أَوْجَبَ الْحِلَّ لِلْعَبْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَحَصَلَ الْحِلُّ لَهُ ، وَعَقْدُهُ كَانَ نَافِذًا فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَلَوْ نَفَّذْنَاهُ لَكَانَ تَقْرِيرًا لِمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ أَسْقَطَ الْخِيَارَ ، نَفَذَ ، لِأَنَّهُ قَرَّرَ الْمِلْكَ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَقَعَ لَهُ ، وَبَعْدَ الْعَقْدِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ ، فَلَوْ نَفَّذْنَاهُ بِالْعِتْقِ لَكَانَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِمَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، وَنَقْلُ الْعَقْدِ عَمَّا أَوْجَبَ الْعَقْدُ لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ وَكَّلَهُ آخَرُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ، فَأَجَازَ الْعَقْدَ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ ، كَذَا هَذَا .
118 - 118 - أَمَةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا ، فَبَاعَهَا ، بَطَلَ النِّكَاحُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا جَازَ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْعِتْقِ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهَا ، وَإِنَّمَا زَالَتْ وِلَايَةُ الْمَوْلَى عَنْهَا ، كَالصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ بُضْعَهَا ، لَمْ يَجُزْ تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَلَمْ يَبْطُلْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَهَا ، فَقَدْ جَرَى التَّمْلِيكُ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَلَمْ يَجُزْ .
119 - 119 - إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا ، وَجَازَ النِّكَاحُ .
وَلَوْ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ ، لَهَا الْخِيَارُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يَتِمَّ فِي حَالِ الرِّقِّ ، وَإِنَّمَا تَمَّ الْعَقْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، فَلَمْ يَجْرِ عِتْقٌ عَلَيْهَا بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَإِنَّمَا نَفَذَ الْعَقْدُ فِي حَالِ الْعِتْقِ ، فَلَا خِيَارَ لَهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ فِي حَالِ الرِّقِّ ، فَهَذَا عِتْقٌ جَرَى فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ ، فَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ بَرِيرَةَ .
عَبْدٌ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَأَجَازَ الْمَوْلَى ، جَازَ .
وَالْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَأَجَازَ الْمَوْلَى النِّكَاحَ ، لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ النِّكَاحَ صَارَتْ رَقَبَتُهُ مَهْرًا لَهَا ، فَمَلَكَتْ الْمَرْأَةُ رَقَبَةَ زَوْجِهَا ، فَبَطَلَ النِّكَاحُ .
وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ ثَبَتَتْ لَهَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ حَقُّ مِلْكٍ فِيهِ ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبَةِ حَقَّ الْمِلْكِ ، وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ ، كَالْعِدَّةِ ، فَقَدْ اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ، فَصِرْنَا مِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُ الْعَقْدَ نُبْطِلُهُ ، فَلَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَقْدِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ، لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْعَقْدَ صَارَتْ رَقَبَتُهُ مِلْكًا لِمَوْلَى الْأَمَةِ ، فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ ، فَلَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَقْدِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ، فَمِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُهُ لَا نُبْطِلُهُ فَجَوَّزْنَاهُ .
121 - 121 - لِلرَّجُلِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَةَ ابْنِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَ ابْنِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ وَهُوَ الْمَهْرُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الِابْنِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ بِبَدَلٍ يَثْبُتُ حَقُّ الِابْنِ فِيهِ ، فَجَازَ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ .
122 - 122 - إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ، فَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، لَا يَجُوزُ .
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبِيدًا ، وَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِفَكِّ الْحَجْرِ ، وَقَدْ فُكَّ الْحَجْرُ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ فَعَمَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ ، لِأَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ ، كَفَكِّ الْحَجْرِ بِالْبُلُوغِ .
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَيْسَ يَتَصَرَّفُ بِفَكِّ الْحَجْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ بَقَاءِ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِلْبَيْعِ إذَا تَزَوَّجَ جَازَ ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ ، فَصَارَ تَصَرُّفُهُ بِالْأَمْرِ ، وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، فَلَا يَعْدُو مَا أُمِرَ بِهِ كَالْوَكِيلِ ، وَلِأَنَّ تَزَوُّجَ جَمِيعِ النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ ، فَصَارَ قَوْلُهُ : تَزَوَّجْ لَفْظَ عُمُومٍ لَا إطْلَاقٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ ، فَانْصَرَفَ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ ، وَأَخُصُّهُ الْوَاحِدَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبِيدِ الْكَثِيرَةِ بِالْعَقْدِ يَجُوزُ ، فَصَارَ هَذَا لَفْظَ إطْلَاقٍ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصَ ، فَلَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْوَاحِدِ .
123 - 123 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ : هَذِهِ ابْنَتِي ، وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ ، لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : هَذِهِ ابْنَتِي ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي إيقَاعِ التَّحْرِيمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ جَحْدٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى ابْنَتِهِ ، فَصَارَ كِنَايَةً عَنْ ارْتِفَاعِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَالْكِنَايَةُ لَا تَعْمَلُ إلَّا بِقَرِينَةٍ ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ ، فَقَدْ وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ ، وَهِيَ الْإِصْرَارُ ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَذِّبُهُ فَوَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مَشْهُورَةَ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ وَلَا يَعْمَلُ إلَّا بِقَرِينَةٍ ، وَلَمْ تُوجَدْ الْقَرِينَةُ ، لِأَنَّ الْقَرِينَةَ هَاهُنَا الْإِصْرَارُ ، فَظَاهِرُ ثُبُوتِ نَسَبِهَا مِنْ الْغَيْرِ يُبْطِلُ الْإِصْرَارَ ، فَصَارَ تَكْذِيبُ الظَّاهِرِ إيَّاهُ كَتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ ، وَلَوْ قَالَ : كَذَبْتُ ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ التَّحْرِيمُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : هِيَ أُخْتِي أَوْ ابْنَتِي ، وَهِيَ غَيْرُ مَشْهُورَةِ النَّسَبِ ، ثُمَّ قَالَ : أَوْهَمْت ؛ صُدِّقَ ، وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ .
وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ : هَذِهِ ابْنَتِي أَوْ أُخْتِي ، ثُمَّ قَالَ : أَوْهَمْت ، لَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ لِامْرَأَتِهِ : هَذِهِ ابْنَتِي ، جَحْدٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الِابْنَةِ لَا يَجُوزُ ، وَجَحْدُ الْعَقْدِ لَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ فِي التَّحْرِيمِ ، فَإِذَا قَالَ : أُوهِمْتُ ، لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ ، فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَقَوْلُهُ : هَذِهِ ابْنَتِي ، لَيْسَ بِجَحْدٍ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا بِنْتًا لَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ عَقْدِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَحْدًا لِلْعَقْدِ لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ صَارَ مُتَصَرِّفًا فِيهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْعَقْدِ بِمَا لَا يَجُوزُ بَقَاءُ الْعَقْدِ مَعَهُ أَوْجَبَ رَفْعَهُ ، فَوَقَعَ الْعِتْقُ بِقَوْلِهِ ، فَإِذَا قَالَ : أَوْهَمْتُ ، بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ ، لَمْ يُصَدَّقْ .
125 - 125 - إذَا أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ ، وَتَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ فَسَدَ النِّكَاحُ ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ .
وَلَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا فَغَرِمَ الْمَهْرَ ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الَّذِي غَيَّرَهَا وَزَفَّهَا إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ تَعَمَّدَتْ فِي النَّسَبِ ، وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إلْزَامِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَرْتَدَّ الصَّغِيرَةُ بَعْدَ بُلُوغِهَا ، فَيَفْسُدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِرِدَّتِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، فَهِيَ لَمَّا أَرْضَعَتْهَا فَقَدْ قَرَّرَتْ هَذَا النِّصْفَ مِنْ الْمَهْرِ عَلَيْهِ فَغَرِمَتْ لَهُ ذَلِكَ النِّصْفَ ، كَشَاهِدَيْ الطَّلَاقِ إذَا رَجَعَا قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَأَمَّا فِي الزِّفَافِ فَلَمْ يُتَعَمَّدْ إلْزَامُهُ الْمَهْرَ ، لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْوَطْءِ لَا بِالزِّفَافِ ، وَهُوَ لَمْ يَتَعَمَّدْ فِي الْوَطْءِ ، فَصَارَتْ الْجِنَايَةُ حَاصِلَةً مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ .
أَوْ نَقُولُ إنْ كَانَ جَانِيًا فِي الزِّفَافِ وَالْوَطْءِ ، إلَّا أَنَّهُ سَلَّمَ لِلْوَاطِئِ بَدَلَ مَا ضَمِنَ وَهُوَ الْوَطْءُ ، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَّنَّاهُ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ بَدَلَ مَا ضَمِنَ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
126 - 126 - النَّاشِزَةُ بَعْدَ مَا قَبَضَتْ مَهْرَهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ النُّشُوزِ .
وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ مَهْرَهَا فَمَنَعَتْ نَفْسَهَا ، اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا قَدْ اسْتَوْفَتْ الْمَهْرَ ، فَلَزِمَهَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ ، فَإِذَا نَشَزَتْ فَقَدْ تَعَدَّتْ فِي مَنْعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَمُنِعَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْبَدَلِ ، كَالْمُشْتَرِي إذَا امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ يُمْنَعُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْمَبِيعِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَقْبِضْ الْمَهْرَ ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَدَّ فِي الْمَنْعِ ، وَالْمَنْعُ إذَا كَانَ بِحَقٍّ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ ، كَالْمَنْعِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ عُدِمَ تَسْلِيمَ الْمُنْتَفَعِ بِالْعَقْدِ مِنْ النَّاشِزَةِ ، فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً .
وَأَمَّا الْمَانِعَةُ لِأَجْلِ الْمَهْرِ فَلَا يُعْدَمُ التَّسْلِيمُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقُولُ : سَلِّمْ الْمَهْرَ لِأُسَلِّمَ الْبُضْعَ ، وَالْعَجْزُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ ، حَيْثُ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ ، فَصَارَ عَجْزُهُ عَنْ تَسْلِيمِ بَدَلِهِ كَعَجْزِهِ عَنْ اسْتِيفَائِهِ ، وَلَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَرِيضًا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ النَّفَقَةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
127 - 127 - إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُ ، لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ تَنَزَّهَ عَنْ تَزَوُّجِهَا فِي الِابْتِدَاءِ بِقَوْلِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمِلْكَ قَدْ حَصَلَ فِي الظَّاهِرِ ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا بِمَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِمْلَاكُ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَجَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ ، يُسْتَحَبُّ لَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِلْكٌ فِي الظَّاهِرِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً فَلَا يَحْصُلُ ، وَيَكُونُ الْوَطْءُ حَرَامًا ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَاذِبَةً فَأَوْرَثَ قَوْلُهَا شُبْهَةً ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : { دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ } ، فَهَاهُنَا يَرِيبُهُ الْقَوْلُ ، فَيَجِبُ أَنْ يَدَعَهُ .
128 - 128 - إذَا أُعْتِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ .
وَإِذَا طَلُقَتْ الْحُرَّةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ عِدَّةُ مَاءٍ ، لَا عِدَّةُ فِرَاشٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ بِالْمَوْتِ كَانَتْ بِالْأَشْهُرِ ، وَإِذَا كَانَتْ عِدَّةَ مَاءٍ صَارَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، وَالْعِدَّةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ النَّفَقَةَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا عِدَّةُ الْحُرَّةِ فَإِنَّهَا عِدَّةُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَالْفِرَاشِ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْفِرَاشِ ، فَصَارَ كَنَفْسِ الْفِرَاشِ ، وَنَفْسُ الْفِرَاشِ يُوجِبُ النَّفَقَةَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
129 - 129 - تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ مَعَ الْإِعْسَارِ .
وَنَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِإِزَاءِ تَسْلِيمِ النَّفْسِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ نَشَزَتْ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَمَا كَانَ وُجُوبُهَا - لَا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ - لَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ ، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ مُسَلَّمٌ إلَيْهِ حُكْمُ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَالزَّوْجَةِ .
وَأَمَّا سَائِرُ الْأَقْرِبَاءِ فَإِنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ ، فَلَا يُخَاطَبُ الْمُعْسِرُ بِذَلِكَ ؛ إذْ هُوَ تَبَرُّعٌ ، وَالْمُعْسِرُ لَا يُخَاطَبُ بِالتَّبَرُّعَاتِ .
130 - 130 - إذَا أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَلَمْ تُنْفِقْهَا ، ثُمَّ جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي وَهُوَ مَعَهَا ، فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ الثَّانِي .
وَلَوْ أَخَذَ وَاحِدٌ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَلَمْ يُنْفِقْهَا حَتَّى جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَفَقَةَ الشَّهْرِ الثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا اسْتَغْنَتْ بِمَا عِنْدَهَا عَنْ مَالِ الزَّوْجِ ، وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى ، فَجَازَ أَنْ تَجِبَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِمَا عِنْدَهُ عَنْ مَالِ الْقَرِيبِ ، وَنَفَقَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا تَجِبُ مَعَ الْغِنَى ، كَمَا لَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي الْأَصْلِ .
131 - 131 - نَفَقَةُ الْعِدَّةِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا وَنَفَقَةُ الزَّوْجِيَّةِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سُقُوطَ نَفَقَةِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ مُوجَبِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ ، وَمَا كَانَ مِنْ مُوجَبِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ صَحَّ تَعْجِيلُهُ بِالشَّرْطِ ، كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا عُجِّلَ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ ، كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا الْمَنْكُوحَةُ فَسُقُوطُ نَفَقَتِهَا لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَسْقُطُ ، فَصَارَ هَذَا إبْرَاءً عَمَّا سَيَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ ، فَلَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَبْرَأْتُكِ عَنْ كُلِّ دَيْنٍ يَجِبُ لِي عَلَيْكِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَذَا هَذَا .
132 - 132 - إذَا أَخْرَجَ الْمَوْلَى الْأَمَةَ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا إلَى بَيْتِهِ لِيُطَالِبَ بِالنَّفَقَةِ .
وَالنَّاشِزَةُ إذَا طَلَّقَهَا جَازَ لَهَا أَنْ تَعُودَ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِحَالٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ تَسْلِيمُ نَفْسٍ مُنْتَفَعٍ بِهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرَّةُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَهِيَ ، مِنْ أَهْلِ التَّسْلِيمِ ، فَقَدْ عَادَتْ إلَى تَسْلِيمِ نَفْسٍ مُنْتَفَعٍ بِهَا ، فَاسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ ، وَإِنْ كَانَ النَّفْسُ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهَا ، كَمَا لَوْ مَرِضَتْ الْحُرَّةُ .
133 - 133 - إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ الزَّوْجَ مُوسِرٌ ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ .
وَإِنْ ادَّعَتْ فِي دَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَقَالَ : أَنَا مُعْسِرٌ ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى كَوْنِهِ مُعْسِرًا وَيُحْبَسُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ، وَفِي الْمَهْرِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي النَّفَقَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِدُخُولِ بَدَلِهِ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الصِّلَةِ بَدَلًا عَنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَمْ يَكُنْ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَقْدِ مُقِرًّا بِحُصُولِ مَالٍ لَهُ بِإِزَاءِ مَا يُوجَبُ عَلَيْهِ ، فَصَارَتْ تَدَّعِي الْيَسَارَ ، وَهُوَ يُنْكِرُ ، وَالْأَصْلُ فِي النَّاسِ الْإِعْسَارُ ، فَمَنْ ادَّعَى مَا يُوَافِقُ الظَّاهِرَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُوبُهَا بِحَقِّ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ يَقْتَضِي بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، فَصَارَ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَقْدِ مُقِرًّا بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمُبْدَلِهِ وَهُوَ مَالٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْيَسَارَ ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : أَنَا مُعْسِرٌ ، لَمْ يُصَدَّقْ ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ بَدَلٌ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ ، فَلَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ بِإِزَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مَالٌ ، فَصَارَتْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْيَسَارَ ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ظَاهِرُ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ إقْرَارٌ بِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ بَدَلِهِ ، فَصَارَ بِقَوْلِهِ : أَنَا مُعْسِرٌ ، مُدَّعِيًا خِلَافَ الظَّاهِرِ ، فَلَا يُصَدَّقُ .
134 - 134 - الْمُعْتَدَّةُ إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا .
وَلَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا قَدْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مُنْتَفَعًا بِهَا عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ التَّسْلِيمُ بَاقٍ فِي الْعَقْدِ ، وَبِالْمُطَاوَعَةِ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ التَّسْلِيمُ ، فَبَقِيَ حُكْمُ ذَلِكَ التَّسْلِيمِ فَبَقِيَتْ النَّفَقَةُ .
وَأَمَّا إذَا ارْتَدَّتْ فَقَدْ أَبْطَلَتْ ذَلِكَ التَّسْلِيمَ ؛ لِأَنَّهَا تُخْرَجُ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ ، وَتُحْبَسُ لِتَتُوبَ ، وَإِذَا عُدِمَ التَّسْلِيمُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ مُنِعَتْ النَّفَقَةُ .
135 - 135 - إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ ، اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ .
وَلَوْ كَانَتْ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ تَعُودَ ابْتِدَاءً إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَقْتَ الطَّلَاقِ فَأُخْرِجَتْ ثُمَّ عَادَتْ ، فَهَذَا التَّسْلِيمُ بِنَاءً عَلَى التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ وَاسْتِدَامَةً لَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا تَسْتَحِقُّ هَاهُنَا مِنْ النَّفَقَةِ مِثْلُ مَا تَسْتَحِقُّهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، فَصَارَ كَأَنَّ ذَلِكَ التَّسْلِيمَ لَمْ يَزُلْ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ التَّسْلِيمُ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ ، كَذَا هَذَا .
وَإِذَا كَانَتْ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي مَنْزِلِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَرَادَتْ الْعَوْدَ إلَى مَنْزِلِهِ ، فَهَذَا التَّسْلِيمُ لَمْ يُبْنَ عَلَى تَسْلِيمٍ آخَرَ ، فَصَارَ هَذَا ابْتِدَاءَ تَسْلِيمٍ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ فِي نَفْسٍ غَيْرِ مُنْتَفَعٍ بِهَا ، فَلَا يُسْتَحَقُّ لَهُ النَّفَقَةُ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ نَاشِزَةً ثُمَّ عَادَتْ فِي الْعِدَّةِ .
136 - 136 - إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أُعْتِقَ ، نَفَذَ ذَلِكَ الْعَقْدُ .
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ ، لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الْعَقْدُ مَا لَمْ يُجِزْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْعَبْدِ يَنْفُذُ فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ ، لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا أُعْتِقَ فَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى فَصَارَ الْحَقُّ لَهُ فَنَفَذَ ذَلِكَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ .
وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ ، فَالْإِذْنُ لَمْ يُزِلْ حَقَّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَوْلَى فِي الْحَالَيْنِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَبَعْدَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ الْحَقُّ لِلْعَبْدِ ، فَلَمْ يَنْفُذْ ، إلَّا أَنَّهُ بِالْإِذْنِ مَلَكَ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ فَمَلَكَ الْإِجَازَةَ كَالْحُرِّ .
137 - 137 - إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَتَزَوَّجَ حُرَّةً لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ خَالَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا صَحَّ الْخُلْعُ ، وَلَا تَدْخُلُ الرَّقَبَةُ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى أَمَرَهُ بِالْعَقْدِ عَلَى رَقَبَتِهِ ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ لَا يُعَرَّى عَنْ بَدَلٍ ، فَإِذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ ، لَمْ يَخْلُ إمَّا أَنْ يَجُوزَ عَلَى رَقَبَتِهِ ، أَوْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، أَوْ بِالْقِيمَةِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِالرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَارِنُ الْعَقْدَ مَا يُبْطِلُهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مَعْقُودًا عَلَيْهَا ، وَلَا مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَعْقِدَ بِهِ ، وَمُخَالَفَةُ الْمَوْلَى فِي الْبَدَلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَتَزَوَّجَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخُلْعُ ، لِأَنَّ عَقْدَ الْخُلْعِ يَجُوزُ أَنْ يُعَرَّى عَنْ بَدَلٍ ، فَإِذَا خَلَعَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا ، أَوْ الْقِيمَةِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُهَا فَيَفْسُدُ النِّكَاحُ ؛ فَيَفْسُدُ الْخُلْعُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُخَالَفَةِ الزَّوْجِ فِيمَا قَبْلَ عَقْدِ الْخُلْعِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : خَلَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ ، فَقَالَتْ : قَبِلْتُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَعُرِّيَ عَقْدُ الْخُلْعِ عَنْ الْبَدَلِ ، وَخُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ الْبَدَلِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَهُوَ الْخُلْعُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : خَلَعْتُكِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ .
138 - 138 - إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ أَمَةً عَلَى رَقَبَتِهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ الْعَبْدُ فَيَضْرِبُ الْأَمَةَ بِمَهْرِهَا وَالْغُرَمَاءَ بِدَيْنِهِمْ فِي الثَّمَنِ .
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا عَمْدًا ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَصَالَحَهُمْ الْمَوْلَى مِنْ الدَّمِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِثَمَنِ الْعَبْدِ ، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ فِي خُرُوجِهِ عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى ، لَيْسَ بِمَالٍ يُطْلَبُ ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ ، وَلِأَنَّ شُهُودَ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا لَا يُغَرَّمُونَ ، وَالْمَرِيضُ إذَا عَفَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ ، فَصَارَ وُجُوبُ حَقِّ الْمَوْلَى بِبَدَلٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ ، فَكَأَنَّهُ وَهَبَ رَقَبَتَهُ مِنْهُ ، فَلَا يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ .
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَالْبُضْعُ فِي دُخُولِهِ فِي الْمِلْكِ مُتَقَوِّمٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَبَ إنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا يَجُوزُ عَلَيْهِ .
فَقَدْ وَجَبَ الْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ بِبَدَلٍ مُتَقَوِّمٍ دَخَلَ فِي حَقِّهِ ، فَصَارَ وُجُوبُ الْحَقِّ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ مُتَقَوِّمٍ ، فَجَازَ أَنْ يَضْرِبُوا بِهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ الْعَبْدِ شَيْئًا .
فَإِنْ قِيلَ : الْمَرِيضُ لَوْ صَالَحَ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ عَلَى مَالٍ لَا يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ ، كَمَا أَنَّ الْبُضْعَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ .
وَالصَّوَابُ أَنْ يُغَيِّرَ الْعِبَارَةَ ، فَيُقَالُ فِي دَمِ الْعَمْدِ : لَمَّا صَالَحَ الْمَوْلَى عَلَى رَقَبَتِهِ صَارَ الْقَتْلُ مُوجِبًا مَالًا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَدُفِعَ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَنَعَهُ الدَّيْنَ ، وَيَكُونُ الْغَرِيمُ أَوْلَى بِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحُكْمِ ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِمَا بَيَّنَّا .
139 - 139 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ مُكَاتَبَةً عَلَى جَارِيَةٍ ، وَدَفَعَهَا إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَ الْمُكَاتَبَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ تِلْكَ الْجَارِيَةَ قَبْلَ الرَّدِّ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَ الْمُكَاتَبَةَ ، لَمْ يَفْسُدْ نِكَاحُ الْجَارِيَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ ، وَيَعُودُ نِصْفُ الْمَهْرِ إلَى الزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ مِلْكِهَا فِي نِصْفِهِ ، وَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الِارْتِجَاعِ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ، فَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ ، وَبِالطَّلَاقِ طَرَأَ لَهُ حَقُّ مِلْكٍ عَلَى امْرَأَتِهِ ، وَحَقُّ الْمِلْكِ إذَا طَرَأَ عَلَى الْعَقْدِ لَا يَرْفَعُهُ ، كَالْعِدَّةِ إذَا قَارَنَتْ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ وَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ عَلَى الصِّحَّةِ إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ .
140 - 140 - وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِرِضَاهَا مِنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ ، وَخَاطَبَ عَنْ الزَّوْجِ مُخَاطِبٌ ، فَأُعْتِقَتْ ، فَلَمْ تَنْقُضْ الْعَقْدَ حَتَّى أَجَازَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ ، جَازَ وَلَا خِيَارَ لَهَا .
وَلَوْ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى بِغَيْرِ رِضَاهَا ، فَأُعْتِقَتْ ، فَأَجَازَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ مَا لَمْ تَرْضَ هِيَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ إنَّمَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَقْبَلُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ فِيهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ ، ثُمَّ مَاتَ ، ثُمَّ أَجَازَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً ، ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى ، لَا يَجُوزُ ، فَإِذَا كَانَ الْمَوْلَى زَوَّجَهَا بِرِضَاهَا فَيَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ بِرِضَاهَا ، فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَتَمَّ الْعَقْدُ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا خِيَارَ لَهَا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا ، فَلَا يَنْفُذُ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ فِيهَا ، وَصَارَ الزَّوْجُ بِالْإِجَازَةِ مُبْتَدِئًا عَقْدًا ، فَإِذَا أَجَازَتْهُ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا .
141 - 141 - الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً فَأُعْتِقَ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْفَسْخِ .
وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَعَتَقَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبُضْعَ قَبْلَ الْعِتْقِ ، فَيَمْلِكُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، بِدَلِيلِ انْفِرَادِهِ بِالطَّلَاقِ ، فَلَمْ يَسْتَفِدْ بِالْإِعْتَاقِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ مِنْ قَبْلُ ، فَلَا خِيَارَ لَهُ .
وَفِي الْأَمَةِ اسْتَفَادَتْ بُضْعَهَا بِالْعِتْقِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : مَلَكْتُ بُضْعَكِ فَاخْتَارِي ، وَلِأَنَّهَا تَقْدِرُ أَنْ تَخْلَعَ نَفْسَهَا ، وَتَمْلِكُ بَدَلَ بُضْعِهَا ، وَلَمْ تَكُنْ مَالِكَةً قَبْلَ الْعِتْقِ فَجَازَ لَهَا أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ ، فَقَدْ أَلْزَمَهُ الْمَوْلَى تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِي حَالَةٍ لَهُ الْوِلَايَةُ ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمٌ مُبْتَدَأٌ ، فَصَارَ كَالْأَبِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ .
وَفِي الْأَمَةِ : حُقُوقُ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْلَى ، لِأَنَّ الْمَهْرَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ، وَهُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِالتَّسْلِيمِ مَا دَامَتْ رَقِيقَةً ، وَبَعْدَ الْعِتْقِ هِيَ الَّتِي تُطَالِبُ بِالتَّسْلِيمِ ، فَصَارَ يَلْزَمُهَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ فِي حَالٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً فَثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ ، كَالْعَمِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ .
لَا يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ خِيَارُ الْبُلُوغِ .
بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إذَا زَوَّجَهُمَا الْعَمُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَوْلَى ابْتِدَاءَ تَمْلِيكِ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ ؛ إذْ لَا تَمْلِكُ بِالْبُلُوغِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ .
وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا يَمْلِكُ الْعَمُّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا لَزِمَهَا تَسْلِيمُ النَّفْسِ بِعَقْدِهِ ، كَالْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ .
143 - 143 - الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ مُكَاتَبَهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهُ ثُمَّ عَجَزَ ، فَأَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ .
وَلَوْ زَوَّجَ مُكَاتَبَتَهُ ، ثُمَّ عَجَزَتْ فِي الْكِتَابِ يَبْطُلُ النِّكَاحُ ، وَفِي الْمُكَاتَبِ لَا يَبْطُلُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَمَةِ أَوْجَبَ تَحْرِيمَ بُضْعِهَا عَلَيْهِ ، وَبِالْعَجْزِ مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِبُضْعِهَا ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ عَقْدٌ عَلَى بُضْعِهَا ، وَقَدْ جَرَى ، التَّمْلِيكُ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَبَطَلَ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَيَبْطُلُ ، كَذَلِكَ هَذَا وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ إذَا عَجَزَ فَالْمَوْلَى يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ بِالْعَقْدِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ أَوْجَبَ الْبَدَلَ فِي ذِمَّتِهِ ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، وَالْمَوْلَى يَمْلِكُ الْعَقْدَ ، وَمَنْ مَلَكَ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ عَقْدُهُ الْمَوْقُوفُ إلَّا بِالْإِجَازَةِ .
144 - 144 - إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ ، فَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ ، فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا حَتَّى تَعْلَمَ ، فَإِذَا عَلِمَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا .
وَفِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْمُخَيَّرَةِ وَالشُّفْعَةِ لَوْ بَلَغَتْ أَوْ خُيِّرَتْ أَوْ بِيعَتْ بِجَنْبِ دَارِهِ دَارٌ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ وَلَمْ يَطْلُبْ ، بَطَلَ خِيَارُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي الْأَمَةِ لَيْسَ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ مَا يُوجِبُ لَهَا خِيَارًا ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ ثَبَتَ لَهَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَالْأَمَةُ لَا تَعْلَمُ فُرُوعَ الْفِقْهِ فِي الْعَادَةِ ، وَالْمَوْلَى لَا يُمَكِّنُهَا مِنْ التَّعَلُّمِ ؛ إذْ مَنْفَعَتُهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ ، فَعُذِرَتْ فِي جَهْلِ حُكْمِ الْعِتْقِ ، فَصَارَ جَهْلُهَا بِثُبُوتِ الْخِيَارِ كَجَهْلِهَا بِالْعِتْقِ ، وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا خِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ فَالتَّخْيِيرُ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ ، لِأَنَّهُ يَقُولُ : خَيَّرْتُكِ .
فَإِذَا عَلِمَتْ بِالتَّخْيِيرِ فَقَدْ عَلِمَتْ وُجُوبَ الْخِيَارِ لَهَا ، فَبَطَلَ خِيَارُهَا إذَا لَمْ تَخْتَرْ .
وَأَمَّا الشُّفْعَةُ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْحَاجَةُ إلَيْهَا مَاسَةٌ وَهُوَ حُرٌّ مُمَكَّنٌ مِنْ تَعَلُّمِهِ ، وَتَعَرُّفِ حُكْمِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا ، فَبَطَلَ حَقُّهُ .
كَذَلِكَ الْخِيَارُ بِالْبُلُوغِ هِيَ حُرَّةٌ وَمُمَكَّنَةٌ مِنْ التَّعَلُّمِ وَالتَّعَرُّفِ فَإِذَا لَمْ تَتَعَلَّمْ لَمْ تَكُنْ مَعْذُورَةً .
أَوْ تَقُولُ : الشَّرْعُ جَعَلَ سُكُوتَ الْبِكْرِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا : رَضِيتُ ، وَكَذَلِكَ سُكُوتُ الشَّفِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : رَضِيتُ بِالْبَيْعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، وَكَذَلِكَ الْمُخَيَّرَةُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالُوا : رَضِينَا ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ لَهُمْ الْخِيَارَ ، وَلَوْ قَالُوا هَكَذَا بَطَلَ خِيَارُهُمْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْأَمَةِ لَمْ يُجْعَلْ سُكُوتُهَا رِضًا ، بِدَلِيلِ أَنَّ
خِيَارَهَا يَتَوَقَّفُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِهَا فَلَمْ يَبْطُلْ .
145 - 145 - إذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، فَقَالَ الْمَوْلَى : أَجَزْتُ النِّكَاحَ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا وَرَضِيَ بِذَلِكَ الزَّوْجُ وَحَضَرَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ شُهُودٌ ؛ كَانَ بَاطِلًا .
وَلَوْ قَالَ : جَعَلْتُ ذَلِكَ النِّكَاحَ نِكَاحًا بِمِائَةٍ أَوْ خَمْسِينَ دِينَارًا ، وَقَبِلَ الزَّوْجُ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ نِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ إذَا حَضَرَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ شُهُودٌ ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَصْلَ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْجَعْلِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا } ، فَإِذَا قَالَ جَعَلْتُ ذَلِكَ النِّكَاحَ نِكَاحًا كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءَ عَقْدٍ ، وَلَمْ يَكُنْ مُجِيزًا لِعَقْدٍ قَبْلَهُ ، وَإِذَا صَارَ هَذَا ابْتِدَاءَ عَقْدٍ فَإِنْ حَضَرَهُ الشُّهُودُ جَازَ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِجَازَةُ ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَمْ تُوضَعْ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَسَلُّطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَكُنْ تَنْفِيذًا لِعَقْدٍ مَوْقُوفٍ ، فَلَحِقَ الْإِجَازَةَ عَقْدٌ مُبْتَدَأٌ بَيْنَهُمَا ، فَجُعِلَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا ابْتِدَاءً فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ لَمْ يَجُزْ كَذَلِكَ هَاهُنَا .
146 - 146 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ رَجُلًا أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَقَالَ : أَجَزْتُ نِكَاحَ هَذِهِ ، وَهَذِهِ ، وَوَصَلَ الْكَلَامَ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، فَجَعَلَ قَوْلَهُ : أَجَزْتُ نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ ، وَقَوْلَهُ : أَجَزْتُ نِكَاحَهُمَا سَوَاءً ، فَجَعَلَ الْوَاوَ هَاهُنَا لِلْجَمْعِ ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } الْآيَةَ جَعَلَ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ .
وَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ أَمَتَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، فَقَالَ : أَعْتَقْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ ، حَتَّى قَالُوا : إنَّهُ يَبْطُلُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ وَجَازَ نِكَاحُ الْأُولَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ، لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِالْأُولَى وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ فَجَعَلَ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يَقِفُ عَلَى مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا كَانَ مُؤَثِّرًا فِي الْكَلَامِ تَغَيَّرَ حُكْمُهُ ، وَوَقَفَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الشَّرْطُ ، فَإِذَا قَالَ فِي الْأُخْتَيْنِ : أَجَزْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ ، فَنِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي نِكَاحِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ مَهْمَا جَازَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ نِكَاحُ الْأُخْرَى ، فَجَازَ أَنْ يَقِفَ نِكَاحُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ ، فَكَأَنَّهُ أَجَازَهُمَا مَعًا ، وَلَمْ يَسْبِقْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ، وَكَذَلِكَ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْغَسْلِ لِكُلِّ عُضْوٍ تَأْثِيرٌ فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ، فَصَارَ كَالْمَجْمُوعِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : هَذِهِ حُرَّةٌ ، وَهَذِهِ فَلَيْسَ لِعِتْقِ إحْدَاهُمَا تَأْثِيرٌ فِي عِتْقِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إذَا أُضِيفَ إلَى إحْدَاهُمَا عَتَقَتْ ، سَوَاءٌ أُعْتِقَتْ الْأُخْرَى أَوْ لَمْ تُعْتَقْ فَلَمْ يَقِفْ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي ، وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ ، لَيْسَ لِلطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ تَأْثِيرٌ
فِي الطَّلْقَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ سَوَاءٌ أَوْقَعَ الثَّانِيَ أَوْ لَمْ يُوقِعْ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْأُولَى ، فَلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ ، فَسَبَقَ نُفُوذُهُ نُفُوذَ الثَّانِي فَلَا يَقَعُ الثَّانِي .
147 - 147 - رَجُلٌ تَزَوَّجَ أَمَةً بِإِذْنِ مَوْلَاهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى رَقَبَةِ تِلْكَ الْأَمَةِ فَأَجَازَ مَوْلَاهَا ، أَوْ تَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهَا جَازَ ، وَصَارَتْ الْأَمَةُ مَهْرَ الْحُرَّةِ ، وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأَمَةِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِمَوْلَاهَا : أَعْتِقْهَا عَنِّي عَلَى أَلْفٍ ، فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ قَارَنَ الْعَقْدَ مَا يَمْنَعُ دُخُولَ الْأَمَةِ فِي مِلْكِهِ ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْمَرْأَةِ الْمِلْكَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَهُ لِلْمَرْأَةِ ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى أَمَةً وَهِيَ زَوْجَةٌ لِلْوَكِيلِ ، فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ ، لِأَنَّهُ قَارَنَ الْعَقْدَ مَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَارِنْ الْعِتْقَ مَا يَمْنَعُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ ، بَلْ قَارَنَ مَا يُوجِبُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عَنْهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : مَلِّكْنِيهَا وَأَعْتِقْهَا عَنِّي .
فَإِنْ قِيلَ : يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا لِلْمَرْأَةِ ، وَلَا يَكُونُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ .
قُلْنَا : يَجُوزُ أَلَّا يَكُونَ مِلْكًا لَهُ وَيَكُونُ مَهْرًا ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّجَاشِيَّ زَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ مِنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا عَلَى رَقَبَةِ الْأَمَةِ فَقَدْ عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدَ الْقَضَاءِ ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ قَضَاءَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَهْرِ مِنْ رَقَبَتِهَا ، فَإِذَا أَجَازَ الْمَوْلَى فَقَدْ أَجَازَ الْقَضَاءَ ، وَالْقَضَاءُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِلْمُقْضَى عَنْهُ ، كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ آخَرَ أَوْ مَهْرٍ عَلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ لَمْ تَصِرْ ، مِلْكًا لِلزَّوْجِ لَوَجَبَ أَلَّا يَعُودَ نِصْفُهَا إلَى الزَّوْجِ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .
قُلْنَا : الْعَقْدُ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَهْرِ فِي مِلْكِهِ ،
لِأَنَّ فِي ضِمْنِهِ إيجَابَ الْمِلْكِ لَهَا ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ارْتَفَعَ الْعَقْدُ ، فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ ، فَعَادَ الْمِلْكُ إلَيْهِ فَبَطَل النِّكَاحُ إذَا قَبَضَهَا مِنْهَا ، كَمَا قُلْنَا فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ الْآمِرُ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَرَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الْوَكِيلِ إيجَابُ الْمِلْكِ لِلْمُوَكِّلِ وَقَدْ زَالَ ، فَعَادَ الْمِلْكُ إلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
فَإِنْ قِيلَ : الزَّوْجُ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ ، فَدَلَّ أَنَّهَا صَارَتْ مِلْكًا لَهُ .
قُلْنَا : يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمِلْكِ لَهُ كَمَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا عَلَى إنْسَانٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَلْزَمُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ، بِإِزَائِهِ شَيْئًا كَذَلِكَ هَذَا .
148 - 148 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَحْتَهُ أَمَةٌ لِرَجُلٍ ، فَأَمَرَ الزَّوْجُ الْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً حُرَّةً وَلَمْ يَقُلْ بِأَمَتِك ، فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى الْأَمَةِ الَّتِي تَحْتَهُ جَازَ ، وَالْأَمَةُ لِلْحُرَّةِ ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَوْلَى عَلَى الزَّوْجِ .
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَمَرَتْ رَجُلًا أَنْ يَخْلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا ، فَخَلَعَهَا الْوَكِيلُ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَضَاهُ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يُعَرَّى عَنْ ضَمَانٍ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعَرَّى عَنْ ضَمَانٍ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ ، فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ : زَوِّجْنِي امْرَأَةً عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ عَلَيَّ ، فَإِذَا زَوَّجَهُ وَجَبَ الْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ ، وَصَارَ هُوَ قَاضِيًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخُلْعُ ، وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تُعَرَّى عَنْ ضَمَانٍ يَجِبُ عَلَى الْمَعْقُودِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَالْخُلْعَ مِنْ بَدَلٍ جَائِزٍ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَتْ : اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ إنْ شِئْتَ عَلَيَّ ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَيْكَ ، وَلَوْ قَالَتْ ذَلِكَ فَخَالَعَهَا الْوَكِيلُ عَلَى مَالٍ ، وَأَدَّاهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا كَذَلِكَ هَذَا .
149 - 149 - لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، فَزَوَّجَهُ أُخْتَيْنِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ ، فَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْتِهَا مِنْهُ فِي عَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ جَازَ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي رَوَاهُ بِشْرٌ عَنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّاخِلَ فِي الْإِذْنِ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فِي نِكَاحِ الْأُخْرَى فَاسِدٌ ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي جَوَازِ أَنْ يَكُونَ هِيَ الَّتِي فَسَدَ نِكَاحُهَا لِصَاحِبَتِهَا فَاسْتَوَيَا ، فَفَسَدَ نِكَاحُهُمَا ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : تَزَوَّجْ امْرَأَةً ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ ؛ لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ فِي الْإِذْنِ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَعْلُومَةٌ وَالْأُخْرَى لَا تُزَاحِمُهَا فِي الْعَقْدِ ؛ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا بِالْعَقْدِ ، وَكَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حَمَارٍ وَتِلْكَ الْمَرْأَةِ وَتَزَوَّجَهَا جَازَ نِكَاحُهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَهَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ : زَوِّجْنِي مِنْ رَجُلٍ ، فَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَتْ : زَوِّجْنِي مِنْ فُلَانٍ ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ وَمِنْ آخَرَ فِي عَقْدٍ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَقَالَ أَيْضًا : لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً ، فَزَوَّجَهُ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ .
وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَيْنِ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تُزَاحِمُ الْحُرَّةَ فِي الْعَقْدِ ؛ إذْ لَا مُجِيزَ لِنِكَاحِهَا فَبَقِيَتْ مُنْفَرِدَةً بِالْعَقْدِ ، وَالْمُوَكِّلُ لَوْ عَقَدَ مِثْلَ هَذَا الْعَقْدِ جَازَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ ، كَذَلِكَ الْوَكِيلُ .
وَفِي الْأُخْتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ تُزَاحِمُ الْأُخْرَى ؛ إذْ لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ صَاحِبَتِهَا بِالْجَوَازِ ، وَالْمُوَكِّلُ لَوْ عَقَدَ مِثْلَ هَذَا الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ الْوَكِيلُ .
151 - وَقَالَ : عَلَى هَذَا الْأَصْلِ لَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ رَجُلًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عَقْدٍ فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَ الْحُرَّةِ ، وَلَوْ زَوَّجَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ أُخْتَيْنِ أَوْ خَمْسَ نِسْوَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُجِيزَ شَيْئًا مِنْهُنَّ ، وَقَالَ أَيْضًا : لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ امْرَأَةً مِنْ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أُخْتُهَا تَحْتَهُ جَازَ لَهَا أَنْ تُجِيزَ نِكَاحَ الْآخَرِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُخْتُهَا تَحْتَهُ فَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نِكَاحَ أَحَدِهِمَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا بَيَّنَّا .
152 - 152 - رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَةً صَغِيرَةً ، فَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا وَالْأَبُ حَاضِرٌ يَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُزَوِّجِ عَلَى النِّكَاحِ .
وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا فَالْعَقْدُ تَمَّ بِحُضُورِهِ وَرَأْيِهِ ، فَصَارَ كَتَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ ، فَالْوَكِيلُ صَارَ سَفِيرًا ، فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ وَكِيلًا بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا ، فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا فَبَاعَ بِحَضْرَتِهِ جَازَ ، وَجُعِلَ حُضُورُهُ كَتَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا كَانَ الْأَبُ غَائِبًا فَلَمْ يَتِمَّ الْأَمْرُ بِحُضُورِهِ فَلَا يُجْعَلُ كَالْمُتَوَلِّي الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ ، فَصَارَ هُوَ الْعَاقِدَ ، فَإِذَا شَهِدَ صَارَ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا ، وَغَابَ الْأَوَّلُ فَبَاعَ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ ، وَلَمْ يُجْعَلْ بَيْعُهُ كَتَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
153 - 153 - قَالَ فِي الْمُنْتَقَى : رَجُلٌ فَجَرَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَأَرَادَ الْفَسَادَ ، فَغَصَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى الْأَبِ ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ .
وَلَوْ قَبَّلَهَا الِابْنُ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا ، فَإِنَّهُ غَصَبَ نَفْسَهَا عَلَى ذَلِكَ وَصَدَّقَهُ الْأَبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَطْءِ قَدْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْعُقْرَ لَأَوْجَبْنَا بِالْوَطْءِ الْوَاحِدِ عُقُوبَةً فِي بَدَنِهِ وَغُرْمًا فِي مَالِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ إذْ الْمَهْرُ وَالْحَدُّ لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّقْبِيلُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ عُقُوبَةٌ فِي بَدَنِهِ وَلَا حَدٌّ ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ بِتَقْرِيرِ مَالٍ عَلَى غَيْرِهِ ضَمَانًا كَالشُّهُودِ إذَا رَجَعُوا .
154 - 154 - رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ اسْتَدِنْ عَلَيَّ لِامْرَأَتِي كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَنْفِقْ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : قَدْ أَنْفَقْتُهُ ، وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَ : لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَإِذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً عَلَيْهِ صُدِّقَتْ ، وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الصِّغَارِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفَقَةَ بِالْفَرْضِ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِقَضَاءٍ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِيُبَرِّئَهُ عَنْ ذَلِكَ الضَّمَانِ ، فَإِذَا أَقَرَّتْ بِالِاسْتِيفَاءِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الضَّمَانِ ، فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ بِالْأَمْرِ ، فَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ آخَرَ .
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَفْرُوضَةً ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَالَ : أَدَّيْتُ وَصَدَّقَتْهُ ، فَهِيَ تُرِيدُ أَنْ تُوجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانًا بِقَوْلِهَا ، فَلَا تُصَدَّقُ .
155 - 155 - وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا فَوَطِئَهَا مِرَارًا ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ عُقْرٌ وَاحِدٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا مِرَارًا ، فَاسْتُحِقَّتْ فَعَلَيْهِ عُقْرٌ وَاحِدٌ ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ نِصْفُهَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَلَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً مِرَارًا فَعَلَيْهِ عُقْرٌ وَاحِدٌ ، وَالْأَبُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ .
وَلَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ مِرَارًا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِنِصْفِهِ ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ مَهْرٍ لِلنِّصْفِ الْآخَرِ ، وَيَكُونُ لِلْمُكَاتَبَةِ ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِرَارًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَلَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ أَبِيهِ مِرَارًا وَادَّعَى شُبْهَةً أَوْ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ وَادَّعَى شُبْهَةً فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا ، أَوْ الْمُشْتَرَاةَ مُسَلَّمَةٌ إلَيْهِ عَلَى حُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ ، وَالتَّسْلِيمُ عَلَى حُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ يُوجِبُ حَقًّا قَبْضًا فِي الْعَيْنِ ، وَيُفِيدُ مِنْ الْمِلْكِ مَا يُفِيدُهُ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ عِنْدَنَا مَمْلُوكٌ ، فَقَدْ اسْتَوْفَى الْوَطْءَ عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ فَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ عُقْرٍ وَاحِدٍ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِرَاءٍ صَحِيحًا ، أَوْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا صَحِيحًا ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَةِ ، مِلْكُهُ فِي الْحَقِيقَةِ بَاقٍ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهَا أَحَقَّ بِبَدَلِ بُضْعِهَا ، فَوَقَعَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، فَصَارَتْ كَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ، فَقَدْ وَطِئَهَا عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { هُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إذَا احْتَجْتُمْ إلَيْهِمْ } فَصَارَتْ كَالْمَنْكُوحَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
وَأَمَّا مُكَاتَبَةُ الْغَيْرِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ
الْمُشْتَرَكَةُ ، فَقَدْ وَطِئَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ كَوْنَ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ ، وَجَارِيَةُ الْأَبِ لَا مِلْكَ لِلِابْنِ فِيهَا ، وَلَا حَقَّ مِلْكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِيلَادُهُ ، فَقَدْ وَطِئَهَا لَا عَلَى حُكْمِ الْمِلْكِ ، فَصَارَ كُلُّ وَطْءٍ مُسْتَوْفِيًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ صَاحِبِهَا ، فَصَارَ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ ، وَالْأَوَّلُ مُوجِبٌ الْعُقْرَ كَذَلِكَ الثَّانِي .
156 - 156 - رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا عَلَى جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ، فَدَفَعَ الْجَارِيَةَ ، فَأَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، فَإِنَّ الْعِتْقَ بَاطِلٌ .
وَلَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا جَازَ الْعِتْقُ .
وَالْفَرْقُ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْمَهْرِ إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِالدُّخُولِ ، كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِالْقَبْضِ ، فَإِذَا أَعْتَقْتَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَقَدْ أَعْتَقْتَ مَا لَا تَمْلِكُ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَقَدْ أَعْتَقْتَ مَا تَمْلِكُ فَنَفَذَ الْعِتْقُ .
157 - 157 - إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ أَبٌ كَافِرٌ ذِمِّيٌّ ، أَوْ لِلْكَافِرِ أَبٌ مُسْلِمٌ يَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ .
" وَلَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ كَافِرٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكُفْرَ لَمْ يَقْطَعْ الرَّحِمَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرَابَةَ مُتَأَكِّدَةٌ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } ، وَالذِّمِّيُّ يُجَاهَدُ عَلَى الشِّرْكِ وَمَعَ ذَلِكَ أُمِرَ بِمُصَاحَبَتِهِ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ؛ إذْ هُوَ نَوْعُ مُصَاحَبَةٍ بِمَعْرُوفٍ وَبِرٍّ .
وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ فَوُجُوبُ النَّفَقَةِ لِأَجْلِ الصِّلَةِ ، وَالْكُفْرُ قَطَعَ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرَابَةَ ضَعِيفَةٌ فَقَطَعَهَا الْكُفْرُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَفِي إيجَابِ النَّفَقَةِ نَوْعُ مَوَدَّةٍ وَصِلَةٍ ، فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ مَعَ الْكُفْرِ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى ، قُلْنَا : يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ أَخِيهِ الْحَرْبِيِّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِقَتْلِ أَبِيهِ الْحَرْبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ مَعَ الْوَالِدِ ، وَلَا يَجِبُ صِلَةُ رَحِمِ مَنْ سِوَاهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ .
158 - 158 - وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ الْحَرْبِيِّ عَلَى الِابْنِ الْمُسْلِمِ .
وَتَجِبُ نَفَقَةُ الْأَبِ الذِّمِّيِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ وَصْلَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ } وَفِي إيجَابِ النَّفَقَةِ نَوْعُ مُوَالَاةٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَمُوَاصَلَتُهُ غَيْرُ مَمْنُوعَةٍ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } وَفِي إيجَابِ النَّفَقَةِ نَوْعُ بِرٍّ ، فَجَازَ أَنْ يُوجَبَ .
كِتَابُ الطَّلَاقِ 159 - قَالَ أَصْحَابُنَا ( رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ) : يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ الْحَامِلَ وَالْآيِسَةَ وَالصَّغِيرَةَ عَقِيبَ جِمَاعِهِ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْآيِسَةِ ، وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ لَا يُفِيدُ حَبَلًا ، فَأُمِنَ النَّدَمُ عَقِيبَ الْوَطْءِ ، لِحُدُوثِ الْحَبَلِ .
فَجَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا لَوْ مَضَتْ حَيْضَةٌ فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ .
وَأَمَّا فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُؤْمَنُ مَعَهُ وُجُودُ الْحَبَلِ مِنْ الْوَطْءِ ، فَلَمْ يُؤْمَنْ النَّدَمُ ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } .
160 - 160 - رَجُلٌ خَلَا بِامْرَأَتِهِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمَةٌ ، فَتِلْكَ الْخَلْوَةُ لَا تَكُونُ مُوجِبَةً لِكَمَالِ الْمَهْرِ .
وَلَوْ خَلَا بِهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ صَوْمَ التَّطَوُّعِ كَانَتْ خَلْوَةً صَحِيحَةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إلَيْهَا حَائِلًا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَا يُمْكِنُهُ رَفْعُهُ ، وَهُوَ صَوْمُ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ صَوْمَهَا ، وَفَسْخُ الْإِحْرَامِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ، أَوْ كَانَتْ حَائِضًا ، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ بِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ صَوْمَهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَشْرَعَ ابْتِدَاءً فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ يُمْكِنُ رَفْعُهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً ، أَوْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ .
161 - 161 - لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالنَّهَارِ مِنْ مَنْزِلِهَا .
وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ أَنْ تَخْرُجَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ الطَّلَاقِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ ، فَقَدْ اسْتَغْنَتْ بِالنَّفَقَةِ عَنْ الْكَسْبِ ، فَلَمْ تَجُزْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ ، وَكَمَا لَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ لِلَّعِبِ .
وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا ، فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى التَّكَسُّبِ ، فَلَوْ مَنَعْنَاهَا مِنْ الْخُرُوجِ لَأَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَقُلْنَا : لَهَا أَنْ تَخْرُجَ .
162 - 162 - لِلْمُطَلَّقَةِ الصَّغِيرَةِ أَنْ تَخْرُجَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنِ .
وَلَيْسَ لِلْبَالِغَةِ أَنْ تَخْرُجَ فِي حَقِّ النِّكَاحِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْخُرُوجِ فِي الْعِدَّةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى إسْقَاطِهِ لَا يَسْقُطُ ، وَالصَّبِيَّةُ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهِ تَحْصِينُ مَاءِ الزَّوْجِ ، وَهِيَ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ ، فَجَازَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ .
بِخِلَافِ الْبَالِغَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ ، فَبَقِيَتْ الزَّوْجِيَّةُ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ كَغَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ .
163 - 163 - الْكَبِيرَةُ إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَاعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ لَزِمَ الزَّوْجَ .
وَالصَّغِيرَةُ إذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ فَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ ، وَلَوْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَمَّا حُبِّلَتْ تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً ؛ إذْ الْآيِسَةُ لَا تُحَبَّلُ ، وَأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالشُّهُورِ ، فَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ، وَإِقْرَارُهَا رُدَّ لِوُجُودِ الْحَبَلِ ، لِأَنَّ الْحَبَلَ أَكْذَبَهُ فَصَارَ كَإِكْذَابِ الزَّوْجِ ، فَبَقِيَتْ مُعْتَدَّةً فَصَارَ هَذَا عُلُوقًا وُجِدَ عَلَى فِرَاشِ الزَّوْجِ ، فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ لَمْ تُقِرَّ وَكَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهَا إذَا أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَمْكَنَ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهَا فِي الْإِقْرَارِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ بِوُجُودِ الْحَبَلِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ صَغِيرَةً يَبْطُلُ إقْرَارُهَا فَصَارَ هَذَا عُلُوقًا بَعْدَ زَوَالِ الْفِرَاشِ ، فَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ ، فَإِذَا أَتَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَكُنْ بِالْأَشْهُرِ ، فَتَبَيَّنَ غَلَطُهَا فِي الْإِقْرَارِ فَرُدَّ إقْرَارُهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ تُقِرَّ .
164 - 164 - إذَا قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ مِنْ زَوْجِهَا وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ وُهِبَتْهَا مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْرَمَ لَهُ نِصْفَ الْأَلْفِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ عَرَضًا فَوَهَبَتْهُ لَهُ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يُوصِلْ تَبَرُّعُهَا إلَيْهِ مَا يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَعْدِلَ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَتَرُدَّهَا عَلَيْهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ ، وَلِلزَّوْجِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ يُسَلِّمَ غَيْرَهَا إلَيْهَا أَيْضًا فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ تَتَعَيَّنْ عِنْدَ الْفَسْخِ ، فَلَمْ يُوصِلْ إلَيْهِ تَبَرُّعُهَا مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ تُهَبْ مِنْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَهْرُ عَرَضًا لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَرَضًا آخَرَ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ تَعَيَّنَتْ عِنْدَ الْفَسْخِ ، فَقَدْ أَوْصَلَتْ إلَيْهِ بِتَبَرُّعِهَا عَيْنَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا الضَّمَانَ لَأَوْجَبْنَا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ ضَمَانًا بِتَبَرُّعِهِ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ لِمَنْ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الْهِبَةُ لَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَا هَذَا .
165 - 165 - لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَمَتَاعِ فُلَانٍ ، يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَتَاعَ يَحِلُّ لَهُ بِالْعَقْدِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ تَحِلِّينَ لِي بِالْعَقْدِ ، وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ بِالْعَقْدِ ، فَلَا يَقَعُ .
وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ ، فَقَدْ شَبَّهَهَا بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ بِالْعَقْدِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
166 - 166 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ أَوْ لِأُمِّكِ أَوْ لِأَبِيكِ ، أَوْ لِلْأَزْوَاجِ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - هَكَذَا .
وَلَوْ أَنَّهُ قَالَ : وَهَبْتُكِ لِأُخْتِكِ أَوْ لِخَالَتِكِ أَوْ لِعَمَّتِكِ أَوْ لِفُلَانٍ ، أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي إزَالَةَ الْمِلْكِ وَالْمَرْأَةُ تُرَدُّ إلَى الْأُمِّ وَالْأَبِ بِالطَّلَاقِ وَيَمْلِكُهَا الْأَزْوَاجُ بَعْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : طَلَّقْتُكِ وَرَدَدْتُكِ إلَى أَهْلِكِ ، وَأَمَّا الْأُخْتُ وَالْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ فَالْمَرْأَةُ لَا تُرَدُّ بِالطَّلَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ ، فَقَدْ نَوَى الطَّلَاقَ بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُهُ ، فَلَمْ يَقَعْ .
167 - 167 - لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَلَوْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَتْ ثَلَاثًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى حُرِّمَتْ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، فَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَدْخُولُ بِهَا لِأَنَّهَا بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى حُرِّمَتْ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فَصَارَ بَقَاءُ الْعِدَّةِ كَبَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ فَلَمْ تَصِرْ بَائِنَةً فَتَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ .
168 - 168 - إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ اثْنَتَيْنِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثَلَاثًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً ، فَقَدْ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا نَطَقَ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مَعَ الْمُسْتَثْنَى أَحَدُ اسْمَيْ مَا بَقِيَ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً .
فَقَدْ اسْتَثْنَى جَمِيعَ مَا نَطَقَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْوَاحِدَةِ وَاسْتَثْنَى الْوَاحِدَةَ وَإِذَا عَقَدَ ثَلَاثَ عُقُودٍ ، وَاسْتَثْنَى أَحَدَ الْعُقُودِ لَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : عَمْرَةُ طَالِقٌ إلَّا عَمْرَةَ .
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
169 - 169 - وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ، صَارَتْ طَالِقًا أُخْرَى ، ثُمَّ صَارَتْ طَالِقًا أُخْرَى فَيَقَعُ ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كُلَّمَا قُلْتُ : أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ بِالْيَمِينِ الْأُولَى ، فَلَا يَقَعُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، وَالْأُولَى قَدْ وَقَعَتْ بِإِيقَاعِهِ ، فَوُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ فِي الثَّانِيَةِ ، فَوَقَعَتْ أُخْرَى وَوُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ بِوُقُوعِ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ فَوَقَعَتْ الثَّالِثَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ إيقَاعُ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا ، لَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، وَالْإِيقَاعُ فِعْلُهُ ، وَقَدْ وُجِدَ الْإِيقَاعُ مَرَّةً ، فَوَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَوُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ فِي الطَّلَاقِ الثَّالِثِ إيقَاعُ الثَّانِيَةِ لَا وُقُوعُهَا وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَقَعُ .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِيقَاعِهِ فَيَكُونُ مُطَلِّقًا فَيَجِبُ أَنْ تَقَعَ الثَّالِثَةُ .
قُلْنَا : قَوْلُهُ " كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ " يَمِينٌ وَالْيَمِينُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ عَلَى إيقَاعٍ مُبْتَدَأٍ أَوْ يَمِينٍ يَعْقِدُهُ مُبْتَدَأً حَتَّى يُوصَفَ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ ، وَإِذَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ لَمْ يَقَعْ .
170 - 170 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنَا بَائِنٌ ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْكِ ، وَنَوَى الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ ، وَلَمْ يَقُلْ " مِنِّي " وَقَعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ بَائِنًا مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ يُطَلِّقَ أُخْرَى ، وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ مِنْكِ فَلَمْ يُضِفْ التَّحْرِيمَ إلَيْهَا فَلَا يَقَعُ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ بَائِنَةً إلَّا مِنْهُ ، فَاسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْبَيْنُونَةِ إلَى نَفْسِهِ فَوَقَعَ .
171 - 171 - لَوْ قَالَ : يَوْمٌ لَا أُطَلِّقُكِ فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَضَى يَوْمٌ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ طَلُقَتْ ، وَإِنْ مَضَتْ لَيْلَةٌ لَا تَطْلُقُ وَلَوْ قَالَ : يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ، فَدَخَلَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مُطْلَقِ الْوَقْتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ وَيُقَالُ : أَيَّامُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَبَنِي أُمَيَّةَ ، وَيُقَالُ : لَا أَرَانِي اللَّهُ يَوْمَكَ ، يَعْنِي وَقْتَ وَفَاتِكَ ، وَقَوْلُهُ .
لَا أُطَلِّقُكِ نَفَى الْفِعْلَ ، وَنَفْيُ الْفِعْلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ظَرْفٍ يَقَعُ فِيهِ فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَقْتِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَقْتِ ، وَاللَّفْظُ إذَا كَانَ يَصْلُحُ لِشَيْئَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْآخَرِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى النَّهَارِ حَمْلٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْفِعْلِ ، وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ يَقْتَضِي ظَرْفًا مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ يَقَعُ ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَقْتِ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ اللَّفْظُ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ ؛ إذْ هُوَ أَعَمُّ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَيُّ وَقْتٍ دَخَلْتُ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَكُلُّ وَقْتٍ دَخَلَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا طَلُقَتْ وَكَذَا هَذَا .
وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَرِّرُ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
ثُمَّ قَرَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ : إنَّ قَوْلَهُ : يَوْمٌ لَا أُطَلِّقُكِ فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، إيجَابٌ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ الْإِيقَاعِ ، فَصَارَ مُوجِبًا لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ مَنْ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ صَارَ مُوجِبًا فِعْلَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِيجَابُ الْفِعْلِ يَقْتَضِي ظَرْفًا مِنْ
مَكَان أَوْ زَمَانٍ يَقَعُ فِيهِ ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لَأَلْغَيْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ : يَوْمٌ ، لَكَانَ أَيْضًا هَكَذَا ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَحْنَثُ بِمُضِيِّ اللَّيْلِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ أَدْخُلُ الدَّارَ ، لِأَنَّهُ نَافٍ لِلْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ الدُّخُولُ ، فَصَارَ نَافِيًا لَهُ وَنَفْيُ الْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي ظَرْفًا مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ يَقَعُ فِيهِ ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى النَّهَارِ لَحَمَّلْنَاهُ مَا لَا يَحْتَاجُ اللَّفْظُ إلَيْهِ ، فَلَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْيَوْمَ ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ وُجِدَ الدُّخُولُ حَنِثَ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ : يَوْمٌ لَا أُطَلِّقُكِ نَفْيٌ لِلْفِعْلِ ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ أَنْ لَا يُوقِعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومِ الْأَوْقَاتِ لَأَدَّى إلَى مَنْعِ لُزُومِ الطَّلَاقِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ تَمْضِ جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ لَا يَقَعُ ، وَهُوَ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الطَّلَاقَ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ ، فَإِذَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى عُمُومِ الْأَوْقَاتِ حُمِلَ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ إيقَاعُ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ إثْبَاتٌ لِلْفِعْلِ وَإِثْبَاتُ الْفِعْلِ يَقْتَضِي ظَرْفًا مِنْ زَمَانٍ يَقَعُ فِيهِ ، فَفِي حَمْلِهِ عَلَى عُمُومِ الْأَوْقَاتِ لَا يَكُونُ إلْغَاءً لِلَّفْظِ ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ يُوجَدُ الدُّخُولُ يَقَعُ ، فَجَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : فِي كُلِّ وَقْتٍ أَدْخُلُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَأَيَّ وَقْتٍ دَخَلَهَا وَقَعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا قَالَ : زَيْنَبُ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : نَوَيْتُ بِهِ امْرَأَةً أُخْرَى أَجْنَبِيَّةً تُسَمَّى زَيْنَبَ لَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَوْ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَلِامْرَأَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : نَوَيْتُ بِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ يُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ : زَيْنَبُ طَالِقٌ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ ، وَقَوْلُهُ : زَيْنَبُ اسْمُ عَلَمٍ ، وَأَسْمَاءُ الْأَعْلَامِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ تَجْرِي مَجْرَى الْإِشَارَةِ ، وَلَوْ أَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهَا ، وَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : نَوَيْتُ أُخْرَى لَمْ يُصَدَّقْ ، وَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى مَا يُفِيدُ ، وَلَا يَلْغُو ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : إحْدَاكُمَا لَيْسَ بِاسْمِ عَلَمٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمُ جِنْسٍ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي دُخُولِهِ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ كَالْأُخْرَى ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ ، وَلَوْ قَالَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ ، كَذَا هَذَا .
173 - 173 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا ، فَهِيَ طَالِقٌ الْيَوْمَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ ، فَهِيَ طَالِقٌ مَتَى طَلَعَ الْفَجْرُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتٍ ، وَوَقَّتَ ذَلِكَ الْوَقْتَ بِوَقْتٍ آخَرَ ، وَالْوَقْتُ لَا يَتَوَقَّتُ بِوَقْتٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَكُونُ غَدًا ، فَلَمْ يَصِحَّ التَّوْقِيتُ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَطَلَ الْوَقْتُ الثَّانِي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إذَا جَاءَ غَدٌ ؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ الطَّلَاقَ بِوَقْتٍ ، وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ ، فَبَطَلَ التَّوْقِيتُ وَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلْتُ الدَّارَ ، فَمَا لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لَا تَطْلُقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
174 - 174 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَكَّةَ ، أَوْ فِي ثَوْبِ كَذَا ، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنْ نَوَى إذَا قَدِمَ مَكَّةَ .
وَلَوْ قَالَ : فِي ذَهَابِكِ إلَى مَكَّةَ أَوْ دُخُولِكِ دَارَ فُلَانٍ أَوْ فِي مَرَضِكِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي ظَرْفٍ وَهُوَ مَكَّةُ ، وَالظَّرْفُ مَوْجُودٌ فَوَقَعَ فِي الْحَالِ ، كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ فِي وَقْتٍ مَوْجُودٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَقَعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : فِي مَرَضِكِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي ظَرْفٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَقَعُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ لَا يَقَعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
أَوْ يَقُولُ : الذَّهَابُ وَالدُّخُولُ وَالْمَرَضُ فِعْلٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُقَارَنَةَ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " فِي " تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا " مَعَ " ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي .
وَادْخُلِي جَنَّتِي } أَيْ : مَعَ عِبَادِي ، فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مُقَارِنًا لِلذَّهَابِ ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ لَا يَقَعُ .
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَقَعَ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ حَمْلُكِ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَا يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمْلَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ، فَمَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَ مَا فِي الْبَطْنِ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ ، فَشَرْطُ حِنْثِهِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَقَعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ ؛ لِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ ، فَيَقْتَضِي كَوْنُ بَطْنِهَا ظَرْفًا لِلْغُلَامِ ، وَقَدْ وُجِدَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْغُلَامِ ، فَقَدْ وُجِدَ فَوُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ فَيَقَعُ .
176 - 176 - وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، لَا بَلْ اثْنَتَيْنِ ، وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ : كُنْتُ طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً لَا بَلْ اثْنَتَيْنِ ، طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، ابْتِدَاءُ الْإِيقَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا إخْبَارًا عَنْهُ ، فَوَقَعَتْ وَاحِدَةً ، وَقَوْلُهُ : لَا ، رُجُوعٌ وَالرُّجُوعُ عَنْ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ يَصِحُّ ، وَبَلْ اسْتِدْرَاكٌ ، وَالِاسْتِدْرَاكُ يَصِحُّ فَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : كُنْتُ طَلَّقْتُكِ ؛ لِأَنَّ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ إيقَاعٍ سَابِقٍ ، فَإِذَا قَالَ : لَا ، صَارَ رَاجِعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ ، وَبَلْ اسْتِدْرَاكٌ ، وَقَدْ سَبَقَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ رَاجِعًا إلَيْهِ وَإِخْبَارًا عَنْهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : كُنْتُ طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً لَا بَلْ كُنْتُ طَلَّقْتُكِ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ ، وَأُخْرَى مَعَهَا ، فَلَا يَقَعُ .
177 - 177 - إذَا قَالَ : أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا .
وَلَوْ قَالَ : إذَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِلسَّابِقِ الْمُنْفَرِدِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِي الِاسْمِ سِوَاهُ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمَرْأَتَيْنِ هَذِهِ الصِّفَةُ فَلَمْ يَقَعْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ تَزَوُّجُ امْرَأَةٍ وَانْضِمَامُ أُخْرَى إلَيْهَا ، لَا يَمْنَعْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا ، وَكَلَّمَ زَيْدًا وَعَمْرًا وَقَعَ الطَّلَاقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
178 - 178 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ الدَّارَ لَا تَطْلُقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْقُعُودِ قُعُودٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ : قَعَدْتُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ ، فَقَدْ وُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
وَأَمَّا الدُّخُولُ فَالْبَقَاءُ عَلَى الدُّخُولِ لَا يَكُونُ دُخُولًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : دَخَلْتُ الدَّارَ شَهْرًا ، وَالدُّخُولُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ يَمِينِهِ فَلَا يَقَعُ .
179 - 179 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ، وَذَلِكَ اسْمُ امْرَأَتِهِ طَلُقَتْ ، وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْهَا فِي الْقَضَاءِ ، وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ .
وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِذَلِكَ الِاسْمِ ، فَادَّعَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ إذَا أَنْكَرَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَةٍ تُنْسَبُ إلَيْهِ ، وَهَذِهِ الْمَعْرُوفَةُ هِيَ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهِ بِالزَّوْجِيَّةِ ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إيجَابٌ لِلْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَا ظَاهِرَ يَقْتَضِي صَرْفَهُ إلَى هَذَا دُونَ هَذَا ؛ إذْ الْإِقْرَارُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْمَالِ كَصَاحِبِهِ ، فَصَارَ إقْرَارَ الْمَجْهُولِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ .
180 - 180 - إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي النِّكَاحِ فِي الْوَقْتِ لَمْ تُقْبَلْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ قَوْلٌ ، وَالْقَوْلُ يُحْكَى وَيُعَادُ ، فَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُرْآنَ يُتْلَى مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ ، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ اخْتِلَافٌ فِي الشَّهَادَةِ ، فَقُبِلَتْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي صِحَّتِهِ إلَى الشَّهَادَةِ ، وَحُضُورِ الشُّهُودِ ، وَالْحُضُورُ فِعْلٌ ، وَالْفِعْلُ لَا يُحْكَى وَلَا يُعَادُ وَيَكُونُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ، فَقَدْ شَهِدَا عَلَى مُعَيَّنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَحْتَاجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى شَاهِدَيْنِ ، وَالْقَائِمُ بِهِ وَاحِدٌ فَلَمْ يَثْبُتْ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ .
181 - 181 - وَلَوْ قَالَ مَرِيضٌ لِأَمَتِهِ : أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا ، وَقَالَ الزَّوْجُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَقَالَةِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَارٌّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَكُونُ فَارًّا .
وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْعِتْقِ كَانَ فَارًّا وَلَهَا الْمِيرَاثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ حِينَ عَقَدَ لَمْ يَكُنْ حَقُّهَا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ حَقِّهَا بِيَمِينِهِ أَيْضًا ؛ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهَا بِمَالِهِ ، فَكَيْفَ يَقْصِدُ قَطْعَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا فَإِذَا عَلِمَ كَانَ قَاصِدًا قَطْعَهُ فَكَانَ فَارًّا .
وَأَمَّا إذَا نَجَزَ الْعِتْقُ فَحِينَ طَلَّقَ كَانَ حَقُّهَا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ إلَّا أَنَّهُ جَهِلَ وَبِجَهْلِهِ يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ ، لَا يُوجَدُ انْقِطَاعُ حَقِّهَا لِوُجُودِ الطَّلَاقِ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهَا تَرِثُ ، وَجَهْلُهُ لَا يَقْطَعُ حَقَّهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
182 - 182 - إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا .
وَبِمِثْلِهِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فَطَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَرِثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرِّدَّةَ مَعْنًى يُوجِبُ قَطْعَ الْإِرْثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْطَعُ إرْثُهَا عَنْ سَائِرِ الْأَقْرِبَاءِ ، فَهِيَ بِالرِّدَّةِ صَارَتْ رَاضِيَةً بِانْقِطَاعِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَانْقَطَعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُطَاوَعَةُ ، لِأَنَّ نَفْسَ الْمُطَاوَعَةِ لِابْنِ الزَّوْجِ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الْإِرْثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إرْثُهَا عَنْ سَائِرِ الْأَقْرِبَاءِ ، وَالْفُرْقَةُ لَمْ تَقَعْ بِالْمُطَاوَعَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِالطَّلَاقِ ، فَلَمْ تَصِرْ رَاضِيَةً بِقَطْعِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَلَا يَنْقَطِعُ .
183 - 183 - إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فِي مَرَضِ الزَّوْجِ ، بِأَنْ طَاوَعَتْ ابْنَهُ عَلَى الْجِمَاعِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ .
وَلَوْ طَاوَعَتْهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي مَرَضِ الزَّوْجِ ، وَالطَّلَاقُ كَانَ فِي الْمَرَضِ لَمْ يُقْطَعْ إرْثُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِمُطَاوَعَتِهَا ابْنَ زَوْجِهَا ، لَمَّا جَامَعَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ، فَصَارَتْ رَاضِيَةً بِانْقِطَاعِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَلَا تَرِثُ ، كَمَا لَوْ سَأَلَتْ الطَّلَاقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا طَاوَعَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بِالْمُطَاوَعَةِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ بِالطَّلَاقِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُطَاوَعَةَ لَا تُوجِبُ قَطْعَ الْإِرْثِ ، فَلَمْ تَصِرْ رَاضِيَةً بِانْقِطَاعِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَلَمْ يَنْقَطِعْ .
184 - 184 - إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ : أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ ، فَكَذَّبَتْهُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ ، أَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَالْمِيرَاثُ لَهَا إنْ مَاتَ ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ نَفَقَتِهَا وَمِيرَاثِهَا إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَوْ قَضَى لَهَا بِالْإِرْثِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ نِسْوَةٍ ، وَالْأُخْتِ .
وَلَوْ قَضَى لَهَا بِالنَّفَقَةِ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُنَّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْإِرْثِ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَعْنًى مُتَقَدِّمٍ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَهِيَ حَالَةُ الْعُلُوقِ ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ ، فَصَارَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ حُكْمًا بِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَاضِي ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ كَذِبُ الزَّوْجِ فَقَدْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَهِيَ تَحْتَهُ ، وَكَذَلِكَ أَرْبَعًا سِوَاهَا فَلَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَضَى بِالنَّفَقَةِ ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ ، لِمَعْنًى مُسْتَقْبَلٍ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ ، فَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ بِالنَّفَقَةِ قَضَاءً بِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَاضِي فَصَارَ مُتَزَوِّجًا أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ فَكَانَ الْمِيرَاثُ لَهُنَّ دُونَهَا .
امْرَأَةٌ أَيَّامُ حَيْضِهَا تَارَةً خَمْسَةٌ ، وَتَارَةً سَبْعَةٌ ، فَطَلُقَتْ فِي الْمَرَضِ فَاسْتُحِيضَتْ ، أَخَذَتْ فِي الْمِيرَاثِ وَالصَّلَاةِ بِخَمْسَةٍ .
وَفِي التَّزْوِيجِ بِسَبْعَةٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّنَا تَشَكَّكْنَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ حَيْضِهَا ، وَيَجُوزُ أَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ وَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا ، وَيَجُوزُ أَنَّهَا لَمْ تَطْهُرْ وَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا ، فَلَأَنْ تُصَلِّيَ فِي وَقْتٍ لَا صَلَاةَ عَلَيْهَا فِيهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَدَعَهَا فِي وَقْتٍ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَكَذَلِكَ شَكَكْنَا فِي وُجُوبِ الْإِرْثِ لَهَا فَلَا تَرِثُ بِالشَّكِّ .
وَشَكَكْنَا فِي إبَاحَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ ، وَالْإِبْضَاعُ يُحْتَاطُ فِيهَا وَلَا تُبَاحُ بِاللَّبْسِ وَالْإِشْكَاكِ ، فَلَأَنْ تَدَعَ التَّزَوُّجَ فِي وَقْتٍ يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ فِيهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ .
186 - 186 - إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ ، فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَى مِصْرِهَا إنْ كَانَ النِّكَاحُ وَقَعَ هُنَاكَ .
وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ وَقَعَ فِي غَيْرِ مِصْرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى مِصْرِهَا ، وَلَا حَيْثُ وَقَعَ النِّكَاحُ هُنَاكَ .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي الْمِصْرِ وَالطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ إلَى مِصْرٍ آخَرَ ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي مِصْرِهَا وَالطَّلَاقُ فِي غَيْرِ مِصْرِهَا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ إلَى مِصْرِهَا ، وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فِي غَيْرِ مِصْرِهَا وَالطَّلَاقُ فِي مِصْرٍ غَيْرِهَا ، مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِمَكَّةَ وَقَدْ خَرَجَتْ حَاجَّةً ، ثُمَّ نَقَلَهَا إلَى بَلَدِهِ فَطَلَّقَهَا فَلَا تَخْرُجُ بِالْوَلَدِ إلَى بَلَدِهَا وَلَا إلَى الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ : أَنَّ الْوَلَدَ مُسْتَفَادٌ عَلَى مِلْكِ الْفِرَاشِ ، وَذَلِكَ الْعَقْدُ أَوْجَبَ تَسْلِيمَ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ ، فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمُسْتَفَادُ عَلَيْهِ ، فَصَارَ كَوْنُ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُوجِبًا لِلْعَقْدِ ، وَفِي الْخُرُوجِ عَنْ الْمِصْرِ ضَرَرٌ بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ يَغِيبُ عَنْ الْوَالِدِ فَلَا يَخْرُجُ ، وَيُرَاعَى حَقُّ الْعَقْدِ وَحَقُّ الْوَلَدِ ، فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فِي مِصْرِهَا وَالطَّلَاقُ فِي مِصْرٍ آخَرَ فَالْعَقْدُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فِي مِصْرِهَا ، فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ ، فَصَارَ نَقْلُهَا إلَى بَلَدِهَا مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ؛ فَيَجِبُ أَنْ يُنْقَلَ .
وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فِي غَيْرِ مِصْرِهَا وَالطَّلَاقُ فِي غَيْرِ مِصْرِهَا فَلَا تَخْرُجُ بِالْوَلَدِ إلَى مِصْرِهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ تَسْلِيمًا فِي مِصْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فِيهِ ، فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْوَلَدِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ ، وَلَا يَنْقُلُهَا إلَيْهِ ، وَلَا يَنْقُلُهَا إلَى الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ
لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَحَدٌ مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَأَقْرِبَاءِ أَبِيهِ ، وَمُوجَبُ الْعَقْدِ إنَّمَا يُرَاعَى إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِالصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ مِنْ حَقِّ الصَّبِيِّ ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ فَلَا يُرَاعَى مُوجَبُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَلَدِ كَذَلِكَ هَاهُنَا ، فَالْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ : أَنْ يُرَاعَى مُوجَبُ الْعَقْدِ فِي التَّسْلِيمِ ، وَيُصَانَ الصَّبِيُّ عَنْ الضَّرَرِ .
رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَائِعًا ، ثُمَّ قَالَ : عَنَيْتُ بِهِ طَلَاقًا مِنْ وَثَاقٍ ، لَا يُصَدَّقُ .
وَالْمُكْرَهُ لَوْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ يُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الطَّوْعِ لَمْ يَقْتَرِنْ بِاللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَهُ ، وَالظَّاهِرُ فِي اللَّفْظِ الْإِيقَاعُ ، فَإِذَا قَالَ : نَوَيْتُ بِهِ غَيْرَهُ لَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالَةُ الْإِكْرَاهِ ؛ لِأَنَّهُ اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ ؛ إذْ لَوْ كَانَ قَاصِدًا لِلطَّلَاقِ لَمَا احْتَاجَ إلَى الْإِكْرَاهِ ، فَقَدْ ادَّعَى وَالظَّاهِرُ مَعَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
188 - 188 - إذَا خَلَعَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْكَبِيرَةَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى صَدَاقِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَضَمَّنَهُ الْأَبُ وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ الْأَبُ لَمْ يَقَعْ ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ بَعْضِهَا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ الْبَدَلَ لَهُ ، فَإِذَا ضَمِنَ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْبَدَلَ ، فَحَصَلَ مَقْصُودُهُ بِالْعَقْدِ فَوَقَعَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَضْمَنْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ بِالْعَقْدِ ، وَهُوَ إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْبُضْعِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ الْبَدَلَ لَهُ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ لَوْ خَلَعَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ ؟ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ عَلَيْهَا .
قُلْنَا : يَسْتَحِيلُ وُجُوبُ الْخَمْرِ بِالْعَقْدِ لِلْمُسْلِمِ ، وَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ وُجُوبُ الْجُعْلِ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِعَقْدِهَا ، فَقَدْ ذُكِرَ الْبَدَلُ فِي عَقْدٍ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُهُ فِيهِ ، فَكَانَ الشَّرْطُ فِيهِ الْقَبُولَ دُونَ اللُّزُومِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ قَبِلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِذَا قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ لِاسْتِحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَالِغُ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ وُجُوبُ الْبَدَلِ بِعَقْدِهِ ، فَإِذَا ذَكَرَ الْبَدَلَ كَانَ قَاصِدًا اسْتِيجَابَهُ ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْمُبْدَلَ .
189 - 189 - إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ : طَلَّقْتُكِ أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ ، وَقَالَتْ : كُنْتُ قَبِلْتُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الشَّيْءَ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَدَلٍ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ فَقَدْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْبَدَلِ ، وَوُجُوبُ الْبَدَلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : بِعْتُ وَقَبِلْتَ ، ثُمَّ قَالَ : لَمْ تَقْبَلْ فَلَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ بَدَلٍ ، فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ بِالطَّلَاقِ إقْرَارًا بِوُجُوبِ الْبَدَلِ لَهُ ، وَإِذَا لَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِ الْبَدَلِ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ الْبَدَلَ ، فَصَارَتْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْقَبُولَ ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
190 - 190 - إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَخْلَعَهَا ، وَلَا تَزِيدُ عَلَى مَا أَعْطَاهَا .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا ، وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَدِي فِي السَّبَبِ ، لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَاشِرَهَا بِالْمَعْرُوفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ، فَإِذَا أَسَاءَ فِي الْعِشْرَةِ فَقَدْ تَعَدَّى فِي السَّبَبِ ، فَكُرِهَ لَهُ أَخْذُ الْبَدَلِ .
وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا فَهِيَ الْمُعْتَدِيَةُ فِي السَّبَبِ ، فَصَارَتْ كَالْمُلْجِئَةِ إيَّاهُ إلَى الْخُلْعِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ بَدَلًا ، وَيُكْرَهُ الزِّيَادَةُ لِلْخَبَرِ { أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ مَا مَعَهُ إلَّا كَهُدْبَةِ ثَوْبِي هَذَا ، فَقَالَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ، قَالَتْ : نَعَمْ وَزِيَادَةً ، فَقَالَ : أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا } ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ وَكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ .
191 - 191 - إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، أَوْ قَالَ : عَلَى أَلْفٍ ، فَهُوَ سَوَاءٌ ، فَإِنْ قَبِلَتْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَالَ : إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي ، أَوْ مَتَى أَعْطَيْتِنِي فَقَبِلَتْ ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَدْفَعْ لَهُ الْأَلْفَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمُنَاوَلَةُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقَالُ : أَعْطَيْتُهُ كَذَا يَعْنِي نَاوَلْتُهُ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ ، لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ التَّمْلِيكُ ، فَإِذَا قَالَ : إنْ أَعْطَيْتِنِي أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي أَوْ مَتَى أَعْطَيْتِنِي لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى التَّمْلِيكِ ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ التَّمْلِيكِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُنَاوَلَةِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ نَاوَلْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إلَّا بِالْمُنَاوَلَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تُعْطِينِي أَلْفًا ؛ لِأَنَّ هَاهُنَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّمْلِيكِ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ مَلَّكْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْقَبُولِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلَا يُجْعَلُ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ هَذَا جُعِلَ هَاهُنَا كَذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ .
قُلْنَا : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَوْلَهَا : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلطَّلَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ الطَّلَاقِ ، وَعَلَى إذَا أُدْخِلَ عَلَى غَيْرِ مَعْقُودٍ فَكَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِهِ ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ ، وَفِي
مَسْأَلَتِنَا عَقْدُ الطَّلَاقِ وَتَعْلِيقُ الْعُقُودِ بِالشُّرُوطِ لَا يَجُوزُ ، فَلَا نَحْمِلُهُ عَلَى الشَّرْطِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْغَايَةِ .
192 - 192 - إذَا وُكِّلَ رَجُلَيْنِ بِالْخُلْعِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْخُلْعِ .
وَلَوْ وُكِّلَ رَجُلَيْنِ بِالطَّلَاقِ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ .
وَالْفَرْقُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِعَقْدِ الْخُلْعِ الْمَالُ ، فَصَارَ كَالْبَيْعِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ وَالشَّيْءُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ ، فَلَمْ يَكُنْ رِضَاهُ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا رِضًا بِرَأْيِ الْآخَرِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ الْمَالَ ، فَقَدْ أَمَرَهُمَا بِتَنْفِيذِ قَوْلِهِ ، وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ فِيمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُمَا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ، فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
193 - 193 - إذَا خَلَعَهَا عَلَى دَرَاهِمَ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا .
وَلَوْ خَلَعَهَا عَلَى جَارِيَةٍ فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً عَيْبًا يَسِيرًا لَا يَرُدُّهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ بِالرَّدِّ فِي الدَّرَاهِمِ بَدَلًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا جِيَادًا ، فَكَأَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ ، لَأَنْ لَا يَسْتَدْرِكَ بِالرَّدِّ بَدَلًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا لَرَجَعَ بِقِيمَتِهَا ، وَالْمُقَوِّمُونَ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَدْرِكْ بِالرَّدِّ بَدَلًا لَمْ يَكُنْ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ فَلَا يَرُدُّ .
194 - 194 - وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ، فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ .
وَلَوْ قَالَ : لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْ امْرَأَتِي ، فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَقَبْلَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : طَلِّقِي نَفْسَكِ تَمْلِيكُ الرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ ، وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّصَرُّفِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلَةً بِالتَّصَرُّفِ لِنَفْسِهَا ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا لَا يُجْعَلُ وَكِيلًا فَصَارَ تَمْلِيكًا لِلرَّأْيِ وَالِاخْتِيَارِ ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ ، وَكَخِيَارِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْأَجْنَبِيُّ وَكِيلًا بِالتَّصَرُّفِ فَلَا يُجْعَلُ تَمْلِيكًا إلَّا بِقَرِينَةٍ ، وَلَمْ تُوجَدْ فَبَقِيَ تَوْكِيلًا ، وَالتَّوْكِيلُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
195 - 195 - وَلَوْ قَالَ : أَبْرِئْ نَفْسَكَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ ؛ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ؛ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَبْرِئْ نَفْسَكَ ، يَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ ، وَيَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْإِبْرَاءِ ، وَفِي التَّمْلِيكِ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ قَبِلْتِ فِي الْمَجْلِسِ وَأَبْرَأْتِ نَفْسَكِ بَرِئْتِ ، وَتَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَمْلِيكًا فَصَارَ تَوْكِيلًا ، وَالتَّوْكِيلُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ ، وَفِي التَّمْلِيكِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ ، وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ ، فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى أَنْ يَجْعَلَهُ تَوْكِيلًا فَبَقِيَ تَمْلِيكًا ، فَيَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ .
196 - 196 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْتِ ، وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا ، فَقَالَتْ : قَدْ شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً وَسَكَتَتْ ، ثُمَّ قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ .
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ شِئْتِ شَرْطٌ ، وَالْجَزَاءُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ؛ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ ، ثُمَّ يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا يَسْبِقُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَةَ ، كَذَلِكَ هَذَا وَقَفَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، فَإِذَا عَطَفْتَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ عَلَى الثَّانِي صَارَ الْجَمِيعُ جَوَابًا لَهُ فَوَقَعَ الْكُلُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً ، وَسَكَتَتْ ، ثُمَّ قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْطِفْ بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى بَعْضٍ ، وَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ ، وَإِذَا قَالَتْ : شِئْتُ وَاحِدَةً ، وَسَكَتَتْ ، فَقَدْ أَعْرَضَتْ عَمَّا جَعَلَ إلَيْهَا ، فَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا ؛ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، كَمَا لَوْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ، لِأَنَّ هَذَا إيقَاعٌ ، وَالْإِيقَاعُ لَا يَقِفُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَبَانَتْ بِالْأُولَى ، فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ .
197 - 197 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ، ثُمَّ نَهَاهَا فِي الْمَجْلِسِ ، ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ : طَلِّقْ امْرَأَتِي ثُمَّ نَهَاهُ ، ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَقَعْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ : طَلِّقْ فَهَذَا تَوْكِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ ، فَكَانَ تَوْكِيلًا فَيَبْطُلُ بِالنَّهْيِ كَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً ، لِأَنَّهَا يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلَةً فِيمَا تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا ، فَصَارَ تَمْلِيكًا ، وَالنَّهْيُ بَعْدَ التَّمْلِيكِ لَا يَصِحُّ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِيمَا إذَا جَرَى لَا يُفْسَخُ ، فَلَمْ يَكُنْ لِمُوجَبِهِ إبْطَالُهُ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ، فَقَالَ قَدْ أَبْطَلْتُ خِيَارَكِ لَمْ يَصِحَّ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : طَلِّقِي فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ ، وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ ، فَلَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ قُلْنَا : لَا يَكُونُ لِمُوجَبِهِ إبْطَالُهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهُ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ قُلْنَا : يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ، فَيَكُونُ فِيهِ تَوْفِيرُ حَظِّهِ مِنْ الشَّبَهَيْنِ .
198 - 198 - إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَعَ امْرَأَتِهِ عَلَى دَابَّةٍ فِي مَحْمَلٍ وَاحِدٍ فَسَارَتْ الدَّابَّةُ بَطَلَ خِيَارُهَا .
وَإِذَا تَعَاقَدَا عَقْدَ الصَّرْفِ وَهُمَا عَلَى دَابَّةٍ فَسَارَتْ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِمَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى إمْسَاكِهَا ، وَلَوْ وَطِئَتْ الدَّابَّةُ رَجُلًا أَوْ شَيْئًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا ، فَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَبَطَلَ الْخِيَارُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُتَصَارِفَانِ ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْقَبْضِ ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : لَا أَقْبِضُ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ .
199 - 199 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : اخْتَارِي ، فَقَالَتْ : طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ، فَقَالَتْ : اخْتَرْتُ نَفْسِي ؛ لَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهَا : اخْتَرْتُ ، لَا يُوجِبُ إيقَاعَ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْقَلْبِ ، كَقَوْلِهِ : أَحِبِّي أَوْ ارْتَدِّي ، إلَّا أَنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَالَتْ عَقِيبَ قَوْلِهِ : اخْتَارِي ، فَإِنَّهُ يَقَعُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ ، وَالْبَاقِي بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهَا : طَلَّقْتُ آكَدُ مِنْ قَوْلِهَا : اخْتَرْتُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَيَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ ، وَالِاخْتِيَارُ لَا يَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَقَعَ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ ، فَكَانَ الْأَضْعَفُ فِي ضِمْنِ الْآكَدِ ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : طَلَّقْتُ نَفْسِي ، وَزَادَتْ عَلَيْهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَإِذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ : اخْتَرْتُ ، فَالْآكَدُ لَا يَكُونُ فِي ضِمْنِ الْأَضْعَفِ ، فَإِذَا جَعَلَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ ، فَاخْتَارَتْ ، فَلَمْ تَفْعَلْ مَا جَعَلَ الزَّوْجُ إلَيْهَا فَلَا يَقَعُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : سَلِي الطَّلَاقَ ، فَقَالَتْ : اخْتَرْتُ نَفْسِي .
200 - 200 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ ، طَلُقَتْ الْأُخْرَى مَعَهَا ثَلَاثًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الظِّهَارِ ؛ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا .
وَلَوْ آلَى مِنْهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا لَمْ يَكُنْ مُوَلِّيًا مِنْ الْأُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ الثَّلَاثُ فَقَوْلُهُ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ ، يَقْتَضِي إيجَابَ التَّسَاوِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ ، وَلَا يُوجِبُ تَغْيِيرَ مُوجَبِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَجَازَتْ الْمُشَارَكَةُ ، وَكَذَلِكَ فِي الظِّهَارِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ عِنْدَ الْمُشَارَكَةِ بَيْنَهُمَا تَغْيِيرُ مُوجَبِ عَقْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الِابْتِدَاءِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِوَطْئِهِمَا جَمِيعًا ، وَوَقَفَ قُرْبَانَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَتَغْيِيرُ مُوجَبِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ ، فَلَمْ يُمْكِنْ اشْتِرَاكُهُمَا إيَّاهُ فَأُلْغِيَ قَوْلُهُ أَشْرَكْتُ .
201 - 201 - إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ ، وَقَعَ عَلَى الْأُخْرَى الثَّلَاثُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَوْقَعَ عَلَى الْأُولَى الثَّلَاثَ ، وَأَشْرَكَ الثَّانِيَةَ مَعَهَا ، فَظَاهِرُ الشَّرِكَةِ يُوجِبُ التَّسَاوِي ، وَالْمُسَاوَاةُ أَنْ تَنْقُلَ نِصْفَ مَا وَجَبَ لِلْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى نَقْلِ نِصْفِ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ الطَّلَاقِ إلَى الثَّانِيَةِ ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا مِنْ الْخَيْرِ مِثْلَ مَا وَجَبَ لِلْأُولَى ، فَوَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ عَلَى وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا وَإِنَّمَا أَشْرَكَ فِي الْإِيقَاعِ ، وَظَاهِرُ الشَّرِكَةِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فَيَنْقَسِمُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُمَا ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ ، فَإِذَا وَقَعَ بَعْضُهُ كَمُلَ .
202 - 202 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ أَوْ فُلَانَةُ ، فَالْأُولَى طَالِقٌ ، وَالْخِيَارُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَقَدْ اسْتَقْرَضَتْ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ فُلَانَةَ ؛ كَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَلْفِ ، يُقِرُّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ مَا اسْتَقْرَضَ مِنْهُ شَيْئًا .
وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا أَوْ خَالِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ وَالْأَخِيرِ .
وَحُكِيَ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ كَمَسْأَلَةِ الْكَلَامِ .
وَالْوَجْهُ لَهُ : أَنَّ الْوَاوَ فِي الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ تَعْمَلُ عَمَلَ التَّثْنِيَةِ مِنْ الِاسْمَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ ، فَيَقُولُ فِي مُخْتَلِفِي الِاسْمِ : لَقِيتُ زَيْدًا وَعَمْرًا ، وَأَعْطَيْتُهُ دِرْهَمًا وَدِينَارًا ، وَإِذْ اتَّفَقَ الِاسْمَانِ يَثْبُتُ بِقَوْلِ لَقِيتُ الزَّيْدَيْنِ وَأَعْطَيْتُهُمَا دِرْهَمَيْنِ وَالتَّثْنِيَةُ تُوجِبُ الْجَمْعَ ، كَذَلِكَ الْوَاوُ تُوجِبُ الْجَمْعَ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ طَالِقَتَانِ أَوْ فُلَانَةُ ، فَيَكُونُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَالْأَخِيرَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، دَلِيلُهُ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِضْمَارَ مَحَلُّ الْإِظْهَارِ ، وَمَا لَا يَجُوزُ إظْهَارُهُ لَا يَجُوزُ إضْمَارُهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ : جَاءَتْ ، وَيُرَادُ بِهِ زَيْدٌ ، كَمَا لَا يُصَرَّحُ فَيُقَالُ : جَاءَتْ زَيْدٌ ، وَلَوْ أَظْهَرَ وَقَالَ : أَنْتِ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ ؛ كَانَ خَطَأً وَلَا يَجُوزُ ، فَكَذَلِكَ إذَا أَضْمَرَ وَلَمْ يَقُلْ : طَالِقٌ طَالِقٌ ، وَجَبَ أَلَّا يَجُوزَ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ إضْمَارُهُ لَمْ تَدْخُلْ الثَّانِيَةُ فِي حَيِّزِ الْأُولَى فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَيِّزٍ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ ، وَلَوْ قَالَ : هَكَذَا أُخْرِجَتْ الْأُولَى عَنْ التَّخَيُّرِ ، وَالْخِيَارُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ
مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَظْهَرَ صَحَّ إظْهَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ : لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا صَحَّ ، وَلَمْ يَكُنْ خَطَأً فَإِذَا جَازَ إظْهَارُهُ جَازَ إضْمَارُهُ ، فَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا ، فَدَخَلَ الثَّانِي فِي حَيِّزِ الْأَوَّلِ فَخُيِّرَ بَيْنَ الْأُولَتَيْنِ وَالثَّالِثَةِ .
وَلِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ يَقْتَضِي إفْرَادَ الْمَعْطُوفِ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : زَيْنَبُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ ؛ وَقَعَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ ، فَإِذَا قَالَ : عَمْرَةُ طَالِقٌ وَزَيْنَبُ ؛ وَجَبَ إفْرَادُ زَيْنَبَ عَنْ الْأَوَّلِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : عَمْرَةُ طَالِقٌ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ ، لَوْ قَالَ هَكَذَا أُخْرِجَ الْأَوَّلُ عَنْ التَّخْيِيرِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْمَنْفِيِّ كَلَامُهُ لَا يَقْتَضِي إفْرَادَهُ بِالنَّفْيِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا ، فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَدًا بِالنَّفْيِ ، فَإِذَا لَمْ يَقْتَضِ إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَيِّزِ الْأَوَّلِ دَخَلَ الثَّانِي فِي حَيِّزِ الْأَوَّلِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا أُكَلِّمُهُمَا أَوْ فُلَانَةَ ؛ فَيَكُونُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَالثَّالِثَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
لِأَنَّ قَوْلَهُ : هَذَا أَوْ هَذَا ، هَذَا الِاسْمُ لِأَحَدِهِمَا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : فُلَانَةُ وَاحِدُ هَذَيْنِ ، فَخَرَجَتْ الْأُولَى عَنْ التَّخْيِيرِ وَبَقِيَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ : هَذَا أَوْ هَذَا اسْمٌ لِأَحَدِهِمَا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ أَحَدَ هَذَيْنِ ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِمُكَالَمَةِ أَحَدِهِمَا .
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ ؛ لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ شَيْءٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ ؛ وَقَعَ فِي الْقَضَاءِ ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُوصَفُ بِأَنَّهَا طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا مُعْتَادًا ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ .
وَلَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ فِي الِانْطِلَاقِ مِنْ الْعَمَلِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا ، فَوَقَعَ فِي الْحُكْمِ ، وَلَكِنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ نَوَى مُحْتَمِلًا وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ ؛ فَصُدِّقَ
ج222222...............
كتاب : الفروق
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي
204 - 204 - إذَا كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ كِتَابًا عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ ، وَكَتَبَ فِيهِ : إذَا وَصَلَ إلَيْكِ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ مَحَا ذَلِكَ الطَّلَاقَ مِنْهُ ، أَوْ نَفَّذَ الْكِتَابَ وَسَطْرُهُ بَاقٍ ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَإِنْ مَحَا جَمِيعَ مَا فِي الْكِتَابِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ كَلَامٌ يَكُونُ رِسَالَةً ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ وَصَلَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ وُصُولُ الْكِتَابِ وَقَدْ وَصَلَ مَا يُسَمَّى كِتَابًا فَوَقَعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَحَا الْجَمِيعَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُصُولُ الْكِتَابِ وَمَا بَقِيَ لَا يُسَمَّى كِتَابًا ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُقُوعِهِ ؛ فَلَمْ يَقَعْ .
205 - 205 - إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ، ثُمَّ أَبَانَهَا ، فَدَخَلَتْ الدَّارَ ؛ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَإِذَا قَالَ : إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي ، ثُمَّ أَبَانَهَا ، فَاخْتَارَتْ فِي الْغَدِ ؛ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَابِ الْخِيَارِ اخْتِيَارُهَا لَا تَخَيُّرُهُ ، وَالْوُقُوعُ بِاخْتِيَارِهَا لَا بِتَخَيُّرِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالتَّخْيِيرِ وَشَاهِدَانِ بِالِاخْتِيَارِ ، ثُمَّ رَجَعُوا ضِمْنَ شُهُودِ التَّخْيِيرِ ، وَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ بِالِاخْتِيَارِ ، وَالِاخْتِيَارُ وَجْهٌ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ ، صَارَ كَأَنَّهُ أَبَانَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ؛ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَقَعُ الْبَيْنُونَةُ بِاللَّفْظِ السَّابِقِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ ، وَشَاهِدَانِ بِالدُّخُولِ ، ثُمَّ رَجَعُوا ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ ، وَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ بِالْيَمِينِ ، وَالْيَمِينُ وُجِدَ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ ، صَارَ كَأَنَّهُ أَوْقَعَ الْبَيُونَةَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَقَعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
206 - 206 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَجَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ ؛ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا لَمَّا اشْتَرَاهَا لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فَلَا يَقَعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حُرَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَبَانَهَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ ، فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَوَقَعَ .
وَزَانَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ فَأَعْتَقَهَا ، ثُمَّ جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ ؛ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ ، لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ .
207 - 207 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، وَقَامَ الرَّجُلُ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُ مِنْكِ هَذَا الْعَبْدَ ، ثُمَّ قَامَ الْبَائِعُ ؛ بَطَلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قِيَامَهُ يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا بِإِبْطَالِهِ بِأَنْ يَقُولَ : أَبْطَلْتُ خِيَارَكِ لَمْ يَبْطُلْ بِإِعْرَاضِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَائِعُ لِأَنَّ قِيَامَهُ يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَبْطَلْتُ إيجَابِي يَبْطُلُ ، فَإِذَا قَالَ : أَعْرَضْتُ أَيْضًا جَازَ أَنْ يَبْطُلَ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ جَرَى فِي إيقَاعِ فُرْقَةٍ إذَا وَقَعَتْ لَا يُفْسَخُ ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَلَمْ يَكُنْ لِمُوجَبِهِ إبْطَالُهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ ، وَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ خِيَارَهَا ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَفِي الْبَيْعِ جَرَى تَمْلِيكٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ يُفْسَخُ ؛ فَجَازَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إبْطَالِهِ .
208 - 208 - الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَخُيِّرَتْ ، فَقَعَدَتْ ؛ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا .
وَلَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَخُيِّرَتْ ، فَقَامَتْ ؛ بَطَلَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَامَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَمَّا جُعِلَ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ مُجْتَمِعَةُ الرَّأْيِ ، وَإِذَا لَمْ تَخْتَرْ فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الرَّأْيِ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَخْتَارُ فِي حَالِ التَّفْرِيقِ ، فَصَارَتْ مُعْرِضَةً عَمَّا جُعِلَ إلَيْهَا ، فَبَطَلَ خِيَارُهَا .
وَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ فَإِنَّهَا تَقْعُدُ لِيَجْتَمِعَ رَأْيُهَا وَفِكْرُهَا ، فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْإِعْرَاضِ ، وَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ؛ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا .
209 - 209 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ، فَمَاتَتْ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَى .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، فَقَالَ : اشْتَرَيْتُ ، وَقَبَضَهُمَا ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْبَيْعُ فِي الْمَيِّتِ .
وَالْفَرْقُ مَوْتُ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ تَعْيِينَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَحُدُوثُ الْعَيْبِ فِيهِ يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِهِ فِي الرَّدِّ ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ اخْتَرْتُ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ بِهَا لَا يُوجِبُ الطَّلَاقَ ، فَبَقِيَ خِيَارُهُ ثَابِتًا فِي الْأُخْرَى ، فَانْصَرَفَ الطَّلَاقُ إلَيْهَا ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً ، فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهَا ؛ فَتَعَيَّنَ فِي الْبَاقِيَةِ .
210 - 210 - إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ غَنَمِهَا هَذِهِ ، أَوْ جَارِيَتِهَا هَذِهِ ، أَوْ مَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ ؛ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَدَّتْ عَلَيْهِ مَا اسْتَحَقَّتْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ .
وَفِي النِّكَاحِ ، لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِ غَنَمِهِ فَكَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُلْعَ رَفَعَ الْعَقْدَ ، وَفِي رَفْعِ الْعَقْدِ سُومِحَ فِيهِ مَا لَمْ يُسَامَحْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْعِوَضِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ مَذْكُورٍ ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ الْفَسْخُ بِبَدَلٍ مَجْهُولٍ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ بِبَدَلٍ مَجْهُولٍ فَافْتَرَقَا .
211 - 211 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا فَبَانَتْ مِنْهُ ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ؛ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا ظِهَارٌ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فِي الْعِدَّةِ ؛ وَقَعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ الَّذِي يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ ، وَالْبَيْنُونَةُ تُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ ، فَلَمْ يَدْخُلْ أَضْعَفُ التَّحْرِيمَيْنِ عَلَى أَقْوَاهُمَا ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الظِّهَارِ الْمُبْتَدَأِ وَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ فَلَمْ يَجُزْ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَنْتِ بَائِنٌ يَقْتَضِي إيقَاعَ بَيْنُونَةٍ فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ بَائِنٌ فِي حَالِ النِّكَاحِ ، فَقَدْ نَوَى الْإِبَانَةَ وَلَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ ، فَعَمِلَتْ نِيَّتُهُ ، وَصَحَّتْ يَمِينُهُ فَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ فَصَحَّتْ ؛ وَقَعَ .
وَأَمَّا إذَا ابْتَدَأَ الْبَيْنُونَةَ ، فَقَدْ نَوَى الْبَيْنُونَةَ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ ، فَلَمْ تَعْمَلْ نِيَّتُهُ ، فَتَبْقَى كِنَايَةً بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ .
212 - 212 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : طَلِّقِي نَفْسَكِ طَلْقَةً بَائِنَةً ، فَقَالَتْ : طَلَّقْتُ نَفْسِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَقَعَ بَائِنًا .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ رَجْعِيَّةً ، فَقَالَتْ : طَلَّقْتُ بَائِنَةً ؛ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : طَلِّقِي نَفْسَكِ بَائِنَةً ، يَقْتَضِي إيقَاعَ الْبَائِنِ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا رَجْعِيًّا ، فَإِذَا قَالَتْ : طَلَّقْتُ رَجْعِيَّةً لَغَا قَوْلُهَا رَجْعِيَّةً وَبَطَلَ ، فَصَارَ كَأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ ، وَلَوْ لَمْ تَقُلْ وَقَعَ بَائِنًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : طَلِّقِي نَفْسَكِ رَجْعِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُوقِعَ رَجْعِيًّا ، وَالرَّجْعِيُّ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِذَا قَالَتْ : طَلَّقْتُ ، فَقَدْ فَعَلَتْ مَا أَمَرَهَا بِهِ وَزِيَادَةً ، فَتُلْغَى الزِّيَادَةُ ، وَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ : طَلَّقْتُ فَقَطْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً ، كَذَلِكَ هَذَا .
213 - 213 - إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ نَاوِيًا عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ جَازَ .
وَلَوْ وَرِثَهُ وَنَوَى عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ ؛ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } أَمَرَ بِالتَّحْرِيرِ ، وَالتَّحْرِيرُ فِعْلٌ يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ وُقُوعَ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ فِي الشِّرَاءِ فِعْلُهُ مُقَارِنًا لِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَجَازَ .
وَفِي الْمِيرَاثِ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ مِنْ جِهَتِهِ مُقَارِنًا لِلْكَفَّارَةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالرَّدِّ ، وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ - شَاءَ أَوْ أَبَى - فَلَمْ يُجْزِ عَنْ الْكَفَّارَةِ .
214 - 214 - إذَا آلَى مِنْ مُعْتَدَّةٍ مِنْهُ بَائِنَةٍ لَمْ يَكُنْ مُوَلِّيًا .
لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي حَالَ النِّكَاحِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَانَتْ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيلَاءَ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ بَائِنٌ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَمْ يَقَعْ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ، فِي حَالَ النِّكَاحِ ، ثُمَّ أَبَانَهَا ، ثُمَّ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ، لَمْ يَقَعْ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : إنَّهَا بَائِنَةٌ ، وَالْإِيلَاءُ يُوجِبُ بَيْنُونَةً ، وَالْبَائِنَةُ لَا تُبَانُ ، فَلَا يَصِحُّ قَصْدُهُ إلَى إيقَاعِ الْبَيْنُونَةِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمَعْنًى لَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ ، فَصَارَ كَصَرِيحِ الطَّلَاقِ ، وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ يَلْحَقُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
215 - 215 - إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ، ثُمَّ عَتَقَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تُكْمِلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْإِيلَاءِ ، وَتَنْتَقِلُ مُدَّةُ إيلَائِهِ إلَى مُدَّةِ الْحَرَائِرِ .
وَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي الشَّهْرَيْنِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ فِيهَا كَانَتْ عِدَّتُهَا لِلطَّلَاقِ عِدَّةَ أَمَةٍ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ الْإِيلَاءَ مَعْنًى لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ ، فَبَقِيَ مِلْكُهُ ، وَيُمْكِنُهُ إسْقَاطُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بِأَنْ يَقْرَبَهَا ، فَجَازَ أَنْ يَقْبَلَ الزِّيَادَةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ إسْقَاطُ الْعِدَّةِ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهَا وَالزِّيَادَةِ فِيهَا بِالْعِتْقِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .
إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فَارْتَدَّتْ ، وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَتْ ، فَأَسْلَمَتْ فَتَزَوَّجَهَا ؛ فَهُوَ مُولٍ مِنْهَا ، إنْ مَضَى شَهْرَانِ مِنْ يَوْمِ تَزَوَّجَهَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ .
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ، فَسُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّبْيَ جَرَيَانُ التَّمْلِيكِ فِي رَقَبَتِهَا ، وَجَرَيَانُ التَّمْلِيكِ فِي رَقَبَةِ الْمَنْكُوحَةِ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الزَّوْجِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَبَاعَهَا الْمُولِي لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ، فَبَقِيَ الْمِلْكُ ، وَإِذَا بَقِيَ الْمِلْكُ بَقِيَ الْعَقْدُ الَّذِي انْعَقَدَ فِي ذَلِكَ الْمِلْكِ .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ السَّبِيِّ جَرَيَانُ التَّمْلِيكِ ، وَجَرَيَانُ التَّمْلِيكِ فِي الْأَمَةِ يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْمُولِي عَنْهَا ، وَهَذَا رِقٌّ آخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ، فَلَمْ يَبْقَ الرِّقُّ الَّذِي انْعَقَدَ فِيهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ ، فَلَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْعَيْنُ ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْعَيْنُ لَا يَبْقَى الْعَقْدُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
217 - 217 - إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : طَلِّقْ امْرَأَتِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلَمْ يَفْعَلْ الْوَكِيلُ حَتَّى طَلَّقَهَا الزَّوْجُ تَطْلِيقَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَتْ ذَلِكَ ، أَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَطْلِيقَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا أَمَرَهُ الزَّوْجُ وَقَبِلَتْ ؛ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى .
وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ ، وَالْمَرْأَةُ فِي الْعِدَّةِ ، وَقَبِلَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَطْلِيقَةٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَمَرَ بِإِيقَاعِهِ طَلَاقًا يَجِبُ بِهِ الْبَدَلُ ، فَإِذَا طَلَّقَ الزَّوْجُ طَلَاقًا بَائِنًا ، ثُمَّ طَلَّقَ الْوَكِيلُ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْبَدَلُ ، فَقَدْ فَعَلَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : طَلِّقْهَا بِأَلْفٍ ، فَطَلَّقَهَا مَجَّانًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ لَمَّا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً لَمْ يَجُزْ إيقَاعُ طَلَاقٍ بِبَدَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ وُجُوبُ الْبَدَلِ انْصَرَفَ إلَى ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ ، وَقَدْ ذَكَرَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَوَقَعَ .
218 - وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا أَمَرَهُ الزَّوْجُ فَقَبِلَتْ فَهِيَ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، وَالْأَلْفُ عَلَيْهَا لِلرَّجُلِ .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَبِلَتْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ أَمَرَهُ بِالْإِيقَاعِ فَانْصَرَفَ إلَى مَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ ، وَالزَّوْجُ يَمْلِكُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَفِي ذَلِكَ الْمِلْكِ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَقِيَ ذَلِكَ
الْمِلْكُ ، فَبَقِيَ الْوَكِيلُ عَلَى الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا أَوْقَعَ وَقَعَ .
وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ ، فَخَرَجَ الْوَكِيلُ عَنْ الْوَكَالَةِ ، فَإِذَا طَلَّقَ فَقَدْ أَوْقَعَ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ ؛ فَلَا يَقَعُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي قِيَامِكِ وَقُعُودِكِ ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ وَتَقْعُدَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي لَيْلِكِ وَنَهَارِكِ ، وَقَالَهُ لَيْلًا ؛ طَلُقَتْ حِينَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَلَا تَطْلُقُ غَيْرَهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَدْخَلَ حَرْفَ الظَّرْفِ عَلَى الْفِعْلِ ، وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا فَصَارَ شَرْطًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنَّ قُمْتِ وَقَعَدْتِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلَانِ لَا يَقَعُ ، فَلَوْ أَوْقَعْنَاهُ بِأَوَّلِهِمَا لَمْ يُوقِعْهُ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَهُوَ قَدْ عَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي لَيْلِكِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا ، فَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتَيْنِ ، فَلَوْ أَوْقَعْنَاهُ فِي أَوَّلِهِمَا كَمَا قَدْ أَوْقَعْنَاهُ فِيهِمَا جَمِيعًا فَجَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِمَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ عَطَفَ وَقْتًا عَلَى وَقْتٍ ، فَصَارَ كَالْوَقْتِ الْمُمْتَدِّ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ شَهْرًا فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِمَا .
220 - 220 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي قِيَامِكِ وَفِي قُعُودِكِ ، أَوْ قَالَ : فِي قُعُودِكِ وَفِي قِيَامِكِ ، فَإِنْ قَعَدَتْ طَلُقَتْ ، وَإِنْ قَامَتْ وَلَمْ تَقْعُدْ طَلُقَتْ ، وَلَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ كَلِمَةَ فِي لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا ، فَصَارَ شَرْطًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْتِ وَإِنْ قَعَدْتِ ؛ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ وَقَعَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي لَيْلِكِ وَفِي نَهَارِكِ ، فَقَالَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ؛ فَهِيَ طَالِقٌ تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَاحِدَةً حِينَ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ ، إنْ كَانَ قَالَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ، وَتَطْلُقُ الْأُخْرَى حِينَ مَجِيءِ الْوَقْتِ الْآخَرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْتَيْنِ لَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَاحِدًا لَجَعَلْنَاهُ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ ، وَالطَّلَاقُ إذَا عُلِّقَ بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَحِلَّ الْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفَةً بِالطَّلَاقِ عِنْدَ ذَلِكَ ، بِدَلِيلِ الْفِعْلِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِ طَلَاقَيْنِ .
وَفِي الْفِعْلَيْنِ لَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَاحِدًا لَجَعَلْنَاهُ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ ، فَيَتَعَلَّقُ بِأَوَّلِهِمَا ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُجْعَلَ الْفِعْلُ الثَّانِي مِنْ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَوْصُوفَةً بِالطَّلَاقِ عِنْدَ ذَلِكَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ ؛ فَأَوْقَعْنَا وَاحِدًا .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ الْوَقْتَ الثَّانِيَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْبِقَ الْأَوَّلَ ، فَلَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَاحِدًا لَمْ يَجْعَلْهَا مُطَلَّقَةً بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ ، فَوَقَعَ تَطْلِيقَتَانِ .
وَفِي الْفِعْلَيْنِ يَقُولُ : يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِهِ ، وَقَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ ، فَلَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَاحِدًا لَجَعَلْنَا الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ ، فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ طَلَاقًا وَاحِدًا .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ :
أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ غَدٌ ، وَإِذَا جَاءَ بَعْدُ غَدٍ ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا وَاحِدًا ، وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْبِقَ الْوَقْتُ الثَّانِي الْوَقْتَ الْأَوَّلَ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ طَلَاقًا وَاحِدًا مُعَلَّقًا بِالْفِعْلَيْنِ .
فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ : حُرُوفُ الشَّرْطِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ كَائِنٌ - لَا مَحَالَةَ - جَعَلَهُ شَرْطًا ، وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَوْ قَالَ : إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ ؛ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ هَذَا .
221 - 221 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ لَمْ أُجَامِعْكِ فِي حَيْضِكِ حَتَّى تَطْهُرِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ فِي حَيْضَتِهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ مِنْهُ : كُنْتُ قَدْ جَامَعْتُهَا ، وَهِيَ فِي حَيْضِهَا ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، ثُمَّ قَالَ ؛ بَعْدَ مَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ : كُنْتُ قَدْ جَامَعْتُهَا فِي حَيْضِهَا لَمْ يُصَدَّقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ لَمْ أُجَامِعْكِ فِي حَيْضِكِ حَتَّى تَطْهُرِي شَرْطٌ ، وَقَوْلُهُ : فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ ؛ فَكَانَ يَمِينًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَحْلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ ، وَهُوَ بِقَوْلِهِ : كُنْتُ جَامَعْتُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ ، يُنْكِرُ وُجُودَ شَرْطِ الْحِنْثِ فَصَارَتْ تَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُودَ شَرْطِ الْحِنْثِ ، وَهُوَ يَجْحَدُ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْقِيتٌ لِلطَّلَاقِ بِوَقْتٍ ، وَلَيْسَ بِيَمِينٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَحْلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ ، وَإِنْ كَانَ تَوْقِيتًا ، وَظَاهِرُ وُجُودِ الطُّهْرِ يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لِلسَّنَةِ ، فَصَارَ بِقَوْلِهِ : كُنْتُ جَامَعْتُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ يَدَّعِي بُطْلَانَ طَلَاقٍ أَوْقَعَ فِي الظَّاهِرِ ؛ فَلَا يُصَدَّقُ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ ، فَكَانَ مُثْبِتًا لَهُ ، فَإِذَا ادَّعَى الْجِمَاعَ فَقَدْ ادَّعَى مَا يُضَادُّ عَقْدَهُ ، وَادَّعَى مُوجَبَهُ فَقُبِلَ قَوْلُهُ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لِلسُّنَّةِ وَطَلَاقُ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ مَعَ وُجُودِ الْجِمَاعِ ، فَصَارَ نَافِيًا لَهُ ، وَإِذَا ادَّعَى الْجِمَاعَ فَقَدْ ادَّعَى مَا يُضَادُّ عَقْدَهُ ، وَخِلَافُ مُوجَبِ عَقْدِهِ فَلَمْ يَصَدَّقْ .
وَإِنْ شِئْتَ عَبَّرْتَ بِعِبَارَةٍ تَقْرُبُ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَهُوَ أَنَّ
هَاهُنَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ وُجُودُ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ عَدَمُ الْجِمَاعِ ، فَصَارَ يَدَّعِي وَالظَّاهِرُ مَعَهُ ؛ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَنَا وُجُوبُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَهُوَ وُجُودِ الطُّهْرِ ، فَصَارَ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ ؛ فَلَا يُصَدَّقُ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، فَقَالَ : قَدْ قَرُبْتُهَا ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إذَا صَدَّقَتْهُ ، وَلَوْ أَنْكَرَتْهُ وَقَالَتْ : لَمْ يَقْرُبْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَبَانَتْ بِالْإِيلَاءِ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أَقْرَبْكِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، فَقَالَ : قَدْ قَرُبْتُهَا ، وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ ؛ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ .
وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ ، وَالْوَسَطِ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
223 - 223 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ : إذَا طَهُرْتِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَقَالَتْ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ : قَدْ طَهُرْتُ ، وَكَذَّبَهَا بِذَلِكَ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَلَا يُعْتَقُ ، وَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ قَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِ الْعَبْدِ ، وَلَا يَنْتَظِرُ سِتَّةَ أَيَّامٍ ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُعَاوِدَهَا الدَّمُ فَيَكُونُ الدَّمُ السَّادِسُ حَيْضًا .
وَلَوْ قَالَ : إذَا حِضْتِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَقَالَتْ : حِضْتِ وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ ؛ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوقِفُ الْعَبْدَ وَلَا يُعْتِقُهُ مَا لَمْ يُتِمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَلِيلَ الطُّهْرِ طُهْرٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَتْ حُكِمَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ طُهْرٌ ، فَإِذَا طَهُرَتْ يَوْمًا فَقَدْ حَصَلَ الِاسْمُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ مَا يُبْطِلُهُ ، فَوَقَعَ الْعِتْقُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْجَائِزِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَيْضُ ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ حَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ حَاضَتْ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَتْ فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمُ حَيْضًا فَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَمْ يَحْصُلْ الِاسْمُ ، وَيَحْصُلُ بِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الِاسْمُ ، وَيَجُوزُ أَلَّا يَحْصُلَ الِاسْمُ ؛ فَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ .
وَإِنْ شِئْتَ عَبَّرْتُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى ، فَقُلْتُ بِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ ، وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِدَامَةٌ عَلَيْهِ ، فَإِذَا وُجِدَ الِانْقِطَاعُ ، فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَحَنِثَ ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ فِي مُضِيِّهِ شَهْرًا تَامًّا إلَى اسْتِدَامَتِهِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَصُومَ ، فَأَصْبَحَ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ وَأَمْسَكَ حَنِثَ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَيْضُ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ مَعْنًى مُمْتَدٌّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ جَمِيعُهُ لَا يَحْصُلُ الِاسْمُ ، فَلَا يَحْنَثُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ صَلَّيْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَمَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَةً وَيَعْقِدْهَا بِسَجْدَةٍ لَا يَحْنَثُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ الطُّهْرَ أَصْلُ الْخِلْقَةِ ، فَقَدْ
اقْتَرَنَ بِقَوْلِهَا مَا يُوجِبُ تَصْدِيقَهَا فَصَدَقَتْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي حُرَّةٌ إلَّا الْأَبْكَارَ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : هُنَّ أَبْكَارٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَأَمَّا الْحَيْضُ فَلَيْسَ هُوَ أَصْلَ الْخِلْقَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى طَارِئٌ ، فَلَمْ يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ الْقَوْلِ مَا يُوجِبُ تَصْدِيقَهُ وَثُبُوتَهُ ؛ فَلَا يَثْبُتُ .
224 - 224 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ، أَوْ إنْ شِئْتِ ، فَجَاءَ غَدٌ قَبْلَ أَنْ تَشَاءُ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ شَاءَتْ السَّاعَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ إنْ جَاءَ زَيْدٌ ، فَإِنْ جَاءَ غَدٌ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ زَيْدٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّهُ الْتَزَمَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِوُجُودِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ ، إمَّا بِمَشِيئَتِهَا أَوْ بِمَجِيءِ الْغَدِ ، وَحِينَ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا .
بَطَلَ خِيَارُهَا ، فَلَوْ لَمْ تُوقِعْهُ فِي الْغَدِ لَأَبْطَلَتْ مَا الْتَزَمَهُ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَفِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ إنْ جَاءَ فُلَانٌ ، الْتَزَمَ الطَّلَاقَ بِأَحَدِهِمَا ، وَلَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ مَا الْتَزَمَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ قَوْلَهُ إنْ شِئْتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَحْلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، فَلَمَّا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا لَمْ يَصِرْ الْأَمْرُ بِيَدِهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ مُؤَقَّتًا بِالْغَدِ .
وَفِي قَوْلِهِ : إنْ جَاءَ فُلَانٌ ، شَرْطٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَقَدْ وَقَّتَ الطَّلَاقَ بِوَقْتٍ وَعَلَّقَهُ بِشَرْطٍ قَبْلَهُ ، فَبَطَلَ التَّوْقِيتُ وَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ؛ تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
225 - 225 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَرِضَ مَرَضَ مَوْتِهِ ، فَقَالَ : عَنَيْتُ هَذِهِ ؛ لَمْ يُصَدَّقْ وَوَرِثَتَاهُ .
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ ، ثُمَّ قَالَ : عَنَيْتُ هَذَا ، لِأَكْثَرِهِمَا قِيمَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ؛ صُدِّقَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ لَمْ يُوجِبْ انْقِطَاعَ إرْثِ إحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يُبِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا ، فَهُوَ بِالْبَيَانِ صَارَ قَاصِدًا قَطْعَ حَقِّ إحْدَى الْوَرَثَةِ ، وَنَافِعًا لِلْأُخْرَى فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فَلَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ابْتِدَاءً .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ، لِأَنَّهُ بِالْبَيَانِ لَمْ يَصِرْ قَاصِدًا قَطْعَ حَقِّ أَحَدِ الْوَرَثَةِ ، وَاسْتِحْقَاقَ الْآخَرِ ، لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ وَارِثٍ ، وَإِذَا لَمْ يَصِرْ قَاصِدًا قَطْعَ حَقِّ أَحَدِ الْوَرَثَةِ لَمْ تَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ فِيهِ فَصَحَّ بَيَانُهُ .
226 - 226 - إذَا قَالَ : الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَأَشَارَ إلَيْهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَرَّفَهَا بِالنِّكَاحِ ، وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا ، وَالتَّعْرِيفُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّكَاحِ ، فَصَارَ التَّزْوِيجُ شَرْطًا وَالطَّلَاقُ مُضَافٌ إلَى الْمِلْكِ ، فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَمْ يَكُنْ التَّزْوِيجُ تَعْرِيفًا وَشَرْطًا ، فَصَارَ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ فِي الْحَالِ ، وَلَا يَمْلِكُهَا فَلَا يَقَعُ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ قَوْلَهُ : هَذِهِ إشَارَةٌ ، وَقَوْلَهُ : الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا صِفَةٌ فَقَدْ وَصَفَ إشَارَةً ، وَالْإِشَارَةُ أَوْلَى مِنْ الصِّفَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ طَالِقٌ ، وَأَشَارَ إلَى قَبِيحَةٍ ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْقَبِيحَةِ دُونَ الْحَسْنَاءِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ ؛ فَلَا يَقَعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا ، وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا ، فَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالْوَصْفِ ، وَالْوَصْفُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ ، فَصَارَ مُوجِبًا الطَّلَاقَ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ ، فَإِذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ وَقَعَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْقَبِيحَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
227 - 227 - لَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُ نِسَاءً أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَزَوَّجَ ثَلَاثًا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُ النِّسَاءَ أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ نِسَاءً جَمْعٌ مُنَكَّرٌ ، وَأَقَلُّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ثَلَاثٌ ، فَيُقَالُ امْرَأَةً وَامْرَأَتَيْنِ وَنِسَاءً ، فَإِذَا تَزَوَّجَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِي الِاسْمِ فَلَا يَقَعُ .
وَإِذَا قَالَ : النِّسَاءَ فَقَدْ أَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى الْجَمْعِ ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ لِلْمَعْهُودِ أَوْ لِلْجِنْسِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ لِلْمَعْهُودِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ، فَبَقِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ ، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ أَوْ لِوَاحِدَةٍ مِنْ آحَادِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ بِهِ اسْتِغْرَاقُ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ لُزُومَ حُكْمِ يَمِينِهِ ؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَتَأَتَّى مِنْهُ لِيَصِحَّ الْمَنْعُ بِعَقْدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، فَحُمِلَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْمِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ فَشَرِبَ شَرْبَةً حَنِثَ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ الْجِنْسِ قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ وَهُوَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ .
إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ يَمْلِكُهَا : إنْ نَكَحْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَتَزَوَّجَهَا ؛ حَنِثَ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَمْلِكُهَا : إنْ نَكَحْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَأَبَانَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ وَطِئَهَا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّكَاحَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ ، فَإِذَا أُطْلِقَ وَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْمُمْكِنِ الْمُتَأَتِّي فِيهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ : لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ، انْصَرَفَ إلَى مَا يَحْتَاجُ مِنْهَا مِنْ الثَّمَرَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَا أَطَأُ هَذَا الْبِسَاطَ ، انْصَرَفَ إلَى الْوَطْءِ بِالرِّجْلِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَأَتِّي فِيهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِمَنْكُوحَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا : إنْ طَلَّقْتُكِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى التَّلَفُّظِ بِهِ ؛ إذْ هُوَ الْمُتَأَتِّي فِيهَا دُونَ الْإِيقَاعِ وَالْمُمْكِنُ الْمُتَأَتِّي فِي الْأَجْنَبِيَّةِ الْعَقْدُ ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ عَقَدْتُ عَلَيْكِ وَتَزَوَّجْتُكِ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا حَنِثَ ، وَإِذَا وَطِئَهَا لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْمُمْكِنُ الْمُتَأَتِّي فِي الزَّوْجَةِ الْوَطْءُ ؛ إذْ الْمَنْكُوحَةُ لَا تُنْكَحُ ثَانِيًا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ : إنْ وَطِئْتُكِ ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّهُ قَصَدَ بِيَمِينِهِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْهُ بِالشَّرْعِ ، حَتَّى يَقَعَ الْمَنْعُ بِعَقْدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَلَوْ صَرَفْنَا إلَى مَا يَكُونُ مَمْنُوعًا بِالشَّرْعِ لَمْ يَقَعْ الْمَنْعُ بِعَقْدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ عَنْ الْعَقْدِ عَلَى امْرَأَتِهِ ، فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى الْوَطْءِ .
وَفِي الْأَجْنَبِيَّةِ مَمْنُوعٌ بِالشَّرْعِ مِنْ الْوَطْءِ ، فَانْصَرَفَ إلَى الْعَقْدِ ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ وَقَالَ : لَا أَعْقِدُ ، فَإِذَا وَطِيءَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِذَا عَقَدَ حَنِثَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا قَالَ : إنْ دَخَلَ دَارِيَ هَذِهِ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ ، أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، فَدَخَلَهَا هُوَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ؛ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلَ دَارَكَ هَذِهِ أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ ، أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ دُخُولٌ مُنَكَّرٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَحَدٌ نَكِرَةٌ وَهُوَ قَدْ عَرَّفَ نَفْسَهُ بِإِضَافَةِ الدَّارِ إلَيْهِ ، وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ ؛ لِأَنَّ فِي التَّعْرِيفِ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى النَّكِرَةِ ، وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ ، وَالنَّكِرَةُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ ، وَلِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَدْخُلُ فِي الْمَعْرِفَةِ ، وَلَا تَدْخُلُ فِي النَّكِرَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرُ دَاخِلًا فِي الْأَقَلِّ ، وَإِذَا اسْتَحَالَ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ انْصَرَفَ النَّهْيُ إلَى غَيْرِهِ ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ دَخَلَ دَارَكَ ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَ صَاحِبَ الدَّارِ بِإِضَافَةِ الدَّارِ إلَيْهِ ، وَلَمْ يُعَرِّفْ نَفْسَهُ فَبَقِيَ هُوَ مُنَكَّرًا ، وَقَدْ بَقِيَ دُخُولُ الْمُنَكَّرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي النَّكِرَةِ ، فَإِذَا دَخَلَ وُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ ؛ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
230 - 230 - إذَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ : تَغَدَّ عِنْدِي الْيَوْمَ ، فَقَالَ : إنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدُهُ حُرٌّ ، أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، فَانْصَرَفَ إلَى بَيْتِهِ ، وَتَغَدَّى ؛ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ ، فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ ؛ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُضِيفَ عَيَّنَ غَدَاءً وَدَعَا إلَيْهِ ، فَانْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ الْغَدَاءِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَتَغَدَّى هَذَا الْغَدَاءَ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ هَمَّ يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَقَالَ وَاحِدٌ : هَبْنِي ضَرْبَهُ ، فَقَالَ : إنْ أَنَا وَهَبْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ ، انْصَرَفَ إلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ بِعَيْنِهِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى مِقْدَارِ الْجَوَابِ فَصَارَ عَادِلًا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ بِأَوْجَزَ مِنْهُ وَهُوَ أَلَّا يَذْكُرَ الْيَوْمَ ، فَصَارَ مُبْتَدَأً يَمِينًا ، فَلَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ جَوَابًا لَهُ ، وَلَوْ ابْتَدَأَ فَقَالَ : إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ ، فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ ؛ حَنِثَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
231 - 231 - إذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْكَلَامِ ، وَلَا تَطْلُقُ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ، ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى ؛ فَإِنَّ الْأَخِيرَةَ تَطْلُقُ ، وَلَا تَطْلُقُ الْأُولَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا شَرْطٌ ، وَقَوْلُهُ : فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا يَمِينٌ فَقَدْ شَرَطَ شَرْطًا وَأَجَابَ عَنْهُ بِيَمِينٍ ، فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَزِمَهُ قَوْلُهُ : هِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا ، فَإِذَا كَلَّمَهُ حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ ، فَإِذَا انْحَلَّ فَمَا تَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ الْكَلَامِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا شَرْطٌ ، وَقَوْلُهُ : فَكُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا يَمِينٌ ، فَقَدْ شَرَطَ شَرْطًا أَجَابَ عَنْهُ بِيَمِينٍ ، فَعِنْدَ وُجُودِ الْمُكَالَمَةِ لَزِمَهُ قَوْلُهُ : كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْيَمِينِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ قَبْلَهُ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا يَقَعُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْكَلَامِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ قَبْلَهُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ عَلَّقَ وُجُوبَ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَلْزَمُهُ ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ جَوَابًا بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ لَمْ تَطْلُقْ مَا تَزَوَّجَ قَبْلَ الْكَلَامِ .
232 - 232 - وَلَوْ قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ أَبَدًا ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ تَكَلَّمْتُ أَوْ قُمْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ الْأُولَى ، وَعَتَقَ عَبْدُهُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ ؛ لَمْ يُعْتَقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ تَكَلَّمْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
شَرْطٌ وَجَزَاءٌ ، فَصَارَ يَمِينًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ حَرْفِ الشَّرْطِ فَكَانَ يَمِينًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ شِئْتِ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقِ طَلَاقٍ بِالشَّرْطِ ؛ فَكَانَ يَمِينًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ حَرْفِ الشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ : أَمْرُكِ بِيَدِكِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا ، وَلِهَذَا قُلْنَا : أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إذَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْسِيرُ طَلَاقِ السُّنَّةِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ حَرْفِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، فَلَمْ يَكُنْ حَالِفًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ؛ فَلَا يَحْنَثُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ غَدٌ ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، فَصَارَ تَعْلِيقًا لَا تَوْقِيتًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَجَّرْتُكِ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا ؛ جَازَ ، وَلَوْ قَالَ : إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَجَّرْتُكِ هَذِهِ الدَّارَ ؛ لَمْ يَجُزْ لِهَذَا الْمَعْنَى .
فَإِنْ قِيلَ : إذَا قَالَ : إنْ شِئْتُ أَنَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ لَا يَحْنَثُ ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ .
قُلْنَا : هُوَ تَمْلِيكٌ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَجْلِسُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةُ ، لَا مَجْلِسُ الزَّوْجِ ، فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُوجِبُ وَهُوَ
الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةُ أَبْطَلْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجِبُ لِلْمَشِيئَةِ ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ .
233 - 233 - إذَا قَالَ : إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ، فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا وَلَوْ قَالَ : إنْ وَلَدْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ، فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَلِدَ الْأُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى وِلَادَةِ وَلَدٍ وَاحِدٍ ، فَصَارَ شَرْطُ يَمِينِهِ مُنْصَرِفًا إلَى مَا يُمْكِنُ ، وَالْمُمْكِنُ وِلَادَةُ إحْدَاهُمَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الْفِعْلُ إلَى اثْنَتَيْنِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَقَالَ الْحَجَّاجُ : يَا حَبَشِيُّ اضْرِبَا عُنُقَهُ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إذَا وَلَدَتْ إحْدَاكُمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إذَا وَلَدْتُمَا ، وَلَمْ يَقُلْ وَلَدًا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا ، وَحَقِيقَةُ الْفِعْلِ مِنْهُمَا مُمْكِنٌ ، وَالْفِعْلُ إذَا أُضِيفَ إلَى اثْنَيْنِ اقْتَضَى اشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ ، كَدُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِهِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ ، وَهُوَ وُجُودُ الْوِلَادَةِ مِنْهُمَا ؛ فَلَا يَحْنَثُ .
234 - 234 - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ صَغِيرَتَانِ مُرْضِعَتَانِ فَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَنْوِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا ثُمَّ جَاءَتْ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا ؛ فَقَدْ بَانَتَا ، فَجُعِلَ الطَّلَاقُ فِي الذِّمَّةِ ، وَبَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّلَاقِ ، حَتَّى قَالَ : فَسَدَ نِكَاحُهُمَا ؛ إذْ لَوْ بَانَتْ إحْدَاهُمَا لَمَا حُرِّمَتَا بِالرَّضَاعِ ، كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ وَأَجْنَبِيَّةٌ .
وَقَدْ قَالَ فِي النِّكَاحِ : لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ كُوفِيَّاتٍ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ مَكِّيَّةً جَازَ نِكَاحُهَا ، فَجُعِلَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا هَاهُنَا .
فَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ : رِوَايَتَانِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إحْدَاهُمَا عَلَى الْخِلَافِ ، وَقَالَ : وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَاكَ قَوْلُهُمَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الَّذِي ذَكَرْتُ فِيهَا وُجُوهَ الرِّوَايَاتِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَقَالَ : لَمَّا تَزَوَّجَ مَكِّيَّةً فَقَدْ فَعَلَ مَا دَلَّ عَلَى صَرْفِ الطَّلَاقِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْعَيْنِ وَهُوَ تَزَوُّجُهَا ، وَلَهُ صَرْفُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : صَرَفْتُ الطَّلَاقَ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْعَيْنِ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا ثُمَّ تَزَوَّجَ خَامِسَةً جَازَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّضَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا دَلَّ عَلَى صَرْفِ الطَّلَاقِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا وَغَيْرُهُ أَرْضَعَهُمَا فَلَمْ يَصِرْ مُعَيَّنًا ، فَبَقِيَ حُكْمُ الْعَقْدِ ، فَصَارَتَا أُخْتَيْنِ فَفَسَدَ النِّكَاحُ .
235 - 235 - إذَا خَلَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ ؛ فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ .
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقَبِلَهُ الْعَبْدُ ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ ، وَيَجُوزُ عَقْدُ الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَدَلِ ، وَجَهَالَةُ الْبَدَلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ فَصَحَّ الْعَقْدُ ، وَقَدْ الْتَزَمَتْ تَسْلِيمَ دَرَاهِمَ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ ، فَلَزِمَهَا أَقَلُّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْمِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مَالٌ فِي خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى ، فَصَارَ هَذَا مَالًا مَجْهُولًا بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْبَدَلَ لَزِمَهُ رَدُّ قِيمَتِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّدِّ كَالْمَبِيعِ ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَرَاهِمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا وَقَبَضَهُ كَانَ مَضْمُونًا بِقِيمَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
فَإِنْ قِيلَ : مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَقَدْ الْتَزَمَتْ تَسْلِيمَ بَعْضِ الدَّرَاهِمِ ، فَلِمَاذَا يَلْزَمُهَا الثَّلَاثَةُ .
قُلْنَا إنَّ التَّبْعِيضَ هَاهُنَا يَقَعُ فِي الْجِنْسِ لَا فِي الْعَدَدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهَا : اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيَّ ، وَلَمْ تَقُلْ مِنْ الدَّرَاهِمِ دَخَلَ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَغَيْرُ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْأَمْوَالِ ، فَلَمَّا قَالَتْ : مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ بَيَّنَتْ جِنْسًا مِنْ الْأَمْوَالِ ، فَصَارَ التَّبْعِيضُ لِلْجِنْسِ لَا لِعَدَدٍ ، فَلَمْ يَدْخُلْ التَّبْعِيضُ فِي الدَّرَاهِمِ فَلَزِمَهَا أَقَلُّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْمِ .
237 - 237 - إذَا قَالَتْ : اخْلَعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ فَخَلَعَهَا فَإِذَا فِي يَدِهَا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ لَزِمَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ .
وَقَالَ فِي الْجَامِعِ : لَوْ قَالَ : إنْ كَانَ فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا ثَلَاثَةٌ فَجَمِيعُ مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ صَدَقَةٌ ، وَكَانَ فِي يَدِهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الزَّوْجِ خَلَعْتُهَا عَلَى مَا فِي يَدَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَكُونَ وَزَّانًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ قَالَ : خَلَعْتُكِ عَلَى دَرَاهِمَ فِي يَدِكِ ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا .
وَلَئِنْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ : مِنْ لِتَبْعِيضِ الْعَدَدِ ، وَيَكُونُ لِتَمْيِيزِ الْجِنْسِ ، وَيَكُونُ لِلصِّلَةِ وَالْمَقْصُودُ فِي الْخُلْعِ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْمَالِ فِيهِ ، فَلَوْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ : مِنْ الدَّرَاهِمِ ، عَلَى تَبْعِيضِ الْعَدَدِ لَأَبْطَلْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَجْهُولًا وَجَهَالَةُ الْبَدَلِ فِي الْخُلْعِ تَمْنَعُ ثُبُوتَهُ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ أَوْ الصِّلَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : خَلَعْتُكِ عَلَى دَرَاهِمَ فِي يَدَيَّ ، وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ فَلَزِمَهُ .
وَأَمَّا فِي النُّذُورِ فَالْمَقْصُودُ إيجَابُ التَّصَدُّقِ ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّبْعِيضِ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ التَّصَدُّقِ بِالْمَجْهُولِ يَجُوزُ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى تَبْعِيضِ الْعَدَدِ ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى الْعَدَدَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ مِنْ لِتَمْيِيزِ الدَّرَاهِمِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا دَخَلَ لِتَمْيِيزِ الْعَدَدِ وَتَبْعِيضِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ كَانَ فِي يَدَيَّ بَعْضُ الْعَدَدِ الَّتِي سَمَّى دَرَاهِمَ فَهُوَ صَدَقَةٌ ، وَالدِّرْهَمَانِ بَعْضُ الدَّرَاهِمِ ؛ فَلَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهَا .
237 - 237 - إذَا قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ؛ فَطَلُقَتْ ، ثُمَّ تَزَوَّجَ ثَانِيًا ؛ لَمْ تَطْلُقْ .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلُقَتْ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مَرَّةً أُخْرَى طَلُقَتْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَادَ مِرَارًا ثَالِثًا وَرَابِعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " كُلَّ " حَرْفٌ يَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ وَلَا يَجْمَعُ الْأَفْعَالَ ، وَلَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ : كُلُّ رَجُلٍ وَكُلُّ امْرَأَةٍ ، وَلَا يُقَالُ : كُلُّ دَخَلَ وَكُلُّ خَرَجَ ، فَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالِاسْمِ لَا بِالْفِعْلِ ، وَالِاسْمُ لَا يَتَكَرَّرُ ، فَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : كُلَّمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا حَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ ، وَيَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أَوْجَبَ تَكْرَارَ الْوُقُوعِ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ ، وَكُلَّمَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ التَّزَوُّجُ وَقَعَ الطَّلَاقُ .
238 - 238 - عَبْدٌ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، فَيَقُولُ لَهُ مَوْلَاهُ : طَلِّقْهَا ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إجَازَةً لِلنِّكَاحِ .
وَلَوْ قَالَ : طَلِّقْهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛ كَانَ إجَازَةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ يَكُونُ مُتَارَكَةً ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا عَلَقَةٌ ، وَالطَّلَاقُ يَرْفَعُ النِّكَاحَ ، فَيَرْفَعُ عَلَائِقَهُ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِمُتَارَكَةِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَكُنْ مُجِيزًا لَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : اُتْرُكْهَا أَوْ فَارِقْهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : طَلِّقْهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، فَصَارَ الْأَمْرُ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ مُقْتَضِيًا لِلْإِجَازَةِ ؛ إذْ لَا يُوجَدُ دُونَهُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَجَزْتُ النِّكَاحَ فَطَلِّقْهَا .
إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : كُلَّمَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ طَلُقَتْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بَعْدَ الْوَلَدِ الثَّالِثِ ثَلَاثَ حِيَضٍ .
وَلَوْ أَنَّهَا وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ الثَّالِثِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِالْوَلَدِ الثَّالِثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " كُلَّمَا " حَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَيُوجِبُ التَّكْرَارَ ، فَقَدْ أَوْجَبَ تَكْرَارَ الْوُقُوعِ بِتَكْرَارِ الْوِلَادَةِ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَوَّلًا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَلَمَّا وَلَدَتْ ثَانِيًا وُجِدَ شَرْطُ الْوُقُوعِ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بِوَضْعِ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَقَدْ بَقِيَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ الثَّالِثَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، فَصَادَفَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَلَا يَقَعُ .
وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَقُولُ : لَمَّا وَلَدَتْ أَوَّلًا وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَمَّا وَلَدَتْ ثَانِيًا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ حُكْمٌ بِوُجُودِ الْوَطْءِ مِنْ الزَّوْجِ فَصَارَ مُرَاجِعًا لَهَا ، فَلَمَّا وَلَدَتْ ثَالِثًا وُجِدَ شَرْطُ الْوُقُوعِ وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ ، فَوَقَعَ الثَّالِثُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ بِالْوَلَدِ الثَّالِثِ ثَلَاثَ حِيَضٍ .
240 - 240 - إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ : طَلِّقَا امْرَأَتِي ؛ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُطَلِّقَ .
وَلَوْ قَالَ : أَمْرُ امْرَأَتِي بِأَيْدِيكُمَا ، فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : طَلِّقَا أَمْرٌ بِتَنْفِيذِ قَوْلِهِمَا ، فَصَارَا كَالرَّسُولَيْنِ ، وَلِأَحَدِ الرَّسُولَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ الرِّسَالَةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِكُمَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُمَا الرَّأْيَ وَالِاخْتِيَارَ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ ، فَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَاخْتِيَارِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ ، كَالْوَكِيلَيْنِ فِي الْبَيْعِ .
241 - 241 - إذَا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ .
وَلَوْ آلَى فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْمَرَضِ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ ، فَقَدْ عَقَدَ وَحَقُّهَا مُتَعَلَّقٌ بِمَالِهِ فَاتُّهِمَ فِي قَطْعِ حَقِّهَا ، فَكَانَ فَارًّا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَحِينَ عَقَدَ لَمْ يَكُنْ حَقُّهَا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ ، فَقَدْ عَلَّقَهُ بِمَعْنًى لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ ، وَوُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ ، فَلَمْ يُتَّهَمْ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا ؛ فَلَا تَرِثُ .
242 - 242 - إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَهُوَ مَرِيضٌ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : طَلَّقَكِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ كَافِرَةٌ فَأَسْلَمَتْ وَقَالَتْ : أَسْلَمْتُ فِي صِحَّتِهِ ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ إسْلَامَهَا فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّهَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ ، فَإِذَا قَالَتْ : طَلَّقَنِي فِي الْمَرَضِ ، فَهِيَ تَدَّعِي بَقَاءَ حَقِّهَا وَاَلَّتِي تَدَّعِي بَقَاءَ حَقِّهَا فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ فَقَدْ ادَّعَتْ وَالظَّاهِرُ مَعَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَافِرَةُ فَظَاهِرُ كَوْنِهَا كَافِرَةً يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ ، وَالظَّاهِرُ بَقَاءُ ذَلِكَ الِانْقِطَاعِ فَهِيَ تَدَّعِي حُدُوثَ مَعْنًى تُرِيبُ بِهِ ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ وَالظَّاهِرُ مَعَهُمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ .
243 - 243 - إذَا قَذَفَ الْأَعْمَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ عَمْيَاءُ وَجَبَ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ قَذَفَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ امْرَأَتَهُ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اللِّعَانُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَحْدُودَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ قَدْ أَبْطَلَهَا الشَّرْعُ فَصَارَ كَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبْطَلَهَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ ؛ إذْ فِي اللِّعَانِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَعْمَى ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَاكِمًا لَوْ حَكَمَ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ جَازَ ، فَصَارَ كَالْبَصِيرِ .
244 - 244 - وَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ الْمُلَاعَنُ - وَتَرَكَ وَلَدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمُدَّعِي وَوَرِثَ الْأَبَ .
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَلَمْ يَدَعْ الْوَلَدَ حَتَّى وَلَدَ الْوَلَدُ وَلَدًا آخَرَ ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ فَادَّعَى نَسَبَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ وَإِنَّمَا قَطَعَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ بِاللِّعَانِ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَقَدْ وُجِدَ الْفِرَاشُ ، وَالنَّسَبُ إذَا ثَبَتَ لَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَمْ يَثْبُتْ بِالْإِكْذَابِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ ، وَإِنَّمَا قَطَعَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْوِلَايَةِ وَالنَّفَقَةِ ، وَانْقِطَاعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ النَّسَبِ ، كَمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا وَالْوَلَدُ حُرٌّ مُسْلِمٌ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّ النَّسَبَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ بِهِ ، وَتَنْفِيذُ حُكْمِ الْمَوْقُوفِ إنَّمَا يَجُوزُ فِي حَالٍ يَجُوزُ مَعَ بَقَاءِ خُلْفِهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً مَوْقُوفًا فَقُتِلَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ جَازَ ، وَهَذَا تَنْفِيذُ الْحُكْمِ الْمَوْقُوفِ فِي الشَّيْءِ الْفَائِتِ مَعَ بَقَاءِ خُلْفِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ بَاقِيَةً فَادَّعَاهُ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ فَالنَّسَبُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَا مَوْقُوفٍ ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا النَّسَبَ لَكَانَ ابْتِدَاءُ ثَبَاتِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ الْفَائِتِ مَعَ بَقَاءِ خُلْفِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ أَجْنَبِيٌّ عَبْدَهُ ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَبَاعَ الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
245 - 245 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ أَقْرَبَكِ بِشَهْرٍ إنْ قَرُبْتُكِ ، فَمَضَى شَهْرٌ فَقَرَبَهَا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ، وَلَا يَكُونُ مُوَلِّيًا حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ قَرُبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرُبْتُكِ .
فَقَرَبَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يَقْرُبَهَا مَرَّةً أُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَقْرَبَكِ بِشَهْرٍ ، تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ ، فَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ وَهُوَ الْقُرْبُ ، وَوَقْتُهُ بِوَقْتٍ قَبْلَهُ ، فَيَبْطُلُ التَّوْقِيتُ وَتَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، وَإِذَا بَطَلَ التَّوْقِيتُ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ قَرُبْتُكِ ، فَقَدْ كَرَّرَ شَرْطَ الْوُقُوعِ ، وَتَكَرُّرُ ذِكْرِ شَرْطِ الْوُقُوعِ لَا يُوجِبُ تَكْرَارَ الْوُقُوعِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : أَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ الطَّلْقَةَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، فَدَخَلَتْ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ ، أَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ قَرُبْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرُبْتُكِ ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِ قُرْبَيْنِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرُبْتُكِ يَمِينٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ ، فَإِذَا قَرَبَهَا مَرَّةً انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ ، فَإِذَا قَرَبَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وُجِدَ شَرْطُ حِنْثِهِ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
246 - 246 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرُبُكِ ، فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُ جِمَاعَهَا فَفَاءَ إلَيْهَا بِلِسَانِهِ جَازَ ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ آلَى مِنْهَا فِي حَالِ الْمَرَضِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ جُنَّ فَدَخَلَتْ الدَّارَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ فِي حَالِ جُنُونِهِ حَتَّى لَا يَقَعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُتَلَفَّظِ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلٌ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ فِي حَالِ الْمَرَضِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرُبُكِ ، فَفَيْؤُهُ يَكُونُ بِلِسَانِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، ثُمَّ جُنَّ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُتَلَفِّظِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَذَلِكَ اللَّفْظُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ صَادِرٌ عَنْ مُكَلَّفٍ ، فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْحَالِ ، كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الْعَتَاقِ 247 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : هَذَا أَبِي ، وَلِأَمَتِهِ : هَذِهِ أُمِّي ، وَمِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ ، وَصَدَّقَهُ الْأَبُ بِذَلِكَ عَتَقَا ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ .
وَصَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْدِيقَهُمَا لَهُ فِي الْأُبُوَّةِ .
وَلَمْ يَصِفْ تَصْدِيقَ الْغُلَامِ لَهُ فِي الْبُنُوَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ عَلَى غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ يَقُولُ : هُوَ اسْتَوْلَدَ أُمِّي فَأَنَا ابْنُهُ فَاشْتَرَطَ تَصْدِيقَ ذَلِكَ الْغَيْرِ .
بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْفِعْلِ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ : أَنَا اسْتَوْلَدْتُ أُمَّكَ فَأَنْتَ ابْنِي .
وَإِذَا أَقَرَّ بِالْفِعْلِ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ تَصْدِيقُ غَيْرِهِ .
248 - 248 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ ، وَقَالَ : لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ .
صَدَقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ خَصَّ الْحُرِّيَّةَ بِعَمَلٍ ، وَالْحُرِّيَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِعَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ ، فَكَوْنُهُ حُرًّا مِنْ عَمَلٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُرًّا مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ، فَصَارَ قَوْلُهُ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ تَخْصِيصًا لِبَعْضِ مَا شَمِلَهُ اللَّفْظُ الْعَامُّ ، فَلَا يُوجِبُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ، فَعَتَقَ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا طَالِقًا مِنْ الْوَثَاقِ لَا يَقْتَضِي طَلَاقَهَا مِنْ الزَّوْجِيَّةِ ، وَهِيَ تُوصَفُ بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ الْوَثَاقِ ، فَوَصْفُهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَتَّصِفَ بِالْإِطْلَاقِ مِنْ النِّكَاحِ ، فَلَا يَقَعُ ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى لَفْظِ الْحُرِّيَّةِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَمَلِ ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوَثَاقِ .
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ : هَذَا عَلَى مَا كَانُوا يَتَعَارَفُونَ ، فَأَمَّا عَلَى مَا نَتَعَارَفُهُ نَحْنُ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْتِقَ .
249 - 249 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : جَعَلْتُهُ عَلَى مَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْتَ ، ثُمَّ قَالَ : جَعَلْتُهَا عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا قَبِلَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ ، لَفْظٌ يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ ، وَالْعِتْقُ إذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِالتَّغْيِيرِ فَائِدَةً فَوَقَعَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ ، ثُمَّ قَالَ : جَعَلْتُهُ عَلَى مَالٍ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْتِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ ، وَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ بَائِنًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ بَائِنًا بِالْعِوَضِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : جَعَلْتُهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَبِلَتْ صَحَّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
250 - 250 - إذَا قَالَ : أَبِيعُكَ عَبْدًا لِي بِكَذَا ، وَلَمْ يَرَهُ ، وَلَمْ يُسَمِّهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ .
وَإِنْ قَالَ : أَعْتَقْتُ عَبْدًا لِي أَوْ عَبْدِي ؛ عَتَقَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَضَافَ الْبَيْعَ إلَى عَبْدٍ مُنَكَّرٍ ، فَكَانَ عَاقِدًا عَلَى مَجْهُولٍ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُكَ أَحَدَ عَبِيدِي .
وَفِي الْعِتْقِ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى عَبْدٍ مُنَكَّرٍ فَصَارَ مَجْهُولًا ، وَإِضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْمَجْهُولِ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَعْتَقْتُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي .
251 - 251 - إذَا قَالَ لِأَمَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ، فَقَتَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ آخَرُ مَعًا ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ أَمَةٍ .
وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ حُرَّةٍ وَقِيمَةُ أَمَةٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ - لَا مَحَالَةَ - وَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي أَنْ تَكُونَ حُرَّةً كَصَاحِبَتِهَا ، فَاَلَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَجْهُولٌ ، وَإِيجَابُ الْحَقِّ عَلَى الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ إحْدَاهَا حُرَّةٌ - لَا مَحَالَةَ - فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ مَعْلُومٌ ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَاحِدٌ وَإِيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَعْلُومِ جَائِزٌ .
252 - 252 - إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : اعْتِقْ أَيَّ عَبِيدِي شِئْتَ ، فَأَعْتَقَهُمْ جَمِيعًا لَمْ يَعْتِقْ إلَّا وَاحِدٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَيُّ عَبِيدِي شَاءَ الْعِتْقَ فَأَعْتِقْهُمْ ، فَإِنْ شَاءُوا الْعِتْقَ فَأَعْتَقَهُمْ ؛ عَتَقُوا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَرْفَ أَيْ يَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ وَيُرَادُ بِهِ الْجَمَاعَةُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْجَمَاعَةِ ، وَيَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ وَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا احْتَمَلَ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ لَمْ يُصْرَفْ إلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ ، فَإِذَا قَالَ : أَيُّ عَبِيدِي شِئْتَ ، فَقَدْ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَشِيئَةٍ خَاصَّةٍ ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ خَاصًّا كَانَ الْجَزَاءُ - أَيْضًا - خَاصًّا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا شِئْتَ عَتْقَ وَاحِدٍ فَأَعْتِقْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَيُّهُمْ شَاءَ الْعِتْقَ ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ عَامَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَامًّا كَانَ الْجَزَاءُ - أَيْضًا - عَامًّا ، فَإِذَا أَرَادُوا جَمِيعًا الْعَتْقَ عَتَقُوا .
253 - 253 - إذَا قَالَ لَهَا إنْ كَانَ حَمْلُكِ أَوْ مَا فِي بَطْنِكِ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ ، فَكَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا وَجَارِيَةً يُعْتِقُ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ مَعَهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمْلَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَمَا فِي الْبَطْنِ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا فِيهِ فَشَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ جَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً ، فَإِذَا كَانَا جَمِيعًا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ فَلَا يُعْتِقُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ ؛ لِأَنَّ " فِي " حَرْفُ ظَرْفٍ وَكَوْنُ الْبَطْنِ ظَرْفًا لِلْجَارِيَةِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا ظَرْفًا لِلْغُلَامِ أَيْضًا ، فَشَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ الْغُلَامِ فِي الْبَطْنِ وَكَوْنُ الْجَارِيَةِ ، وَقَدْ وُجِدُوا فَعَتَقُوا جَمِيعًا .
254 - 254 - إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ : أَعْتَقْتُكَ أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَقَالَ : قَبِلْتُ - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَ أَمْسِ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَقَالَ : قَبِلْتُ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعِتْقَ يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الْمَالِ ، فَلَمْ يَكُنِ الْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ إقْرَارًا بِوُجُوبِ الْمَالِ ، فَصَارَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عَقْدًا ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الْمَالِ .
فَصَارَ إقْرَارُهُ بِالْبَيْعِ إقْرَارًا يُوجِبُ الْمَالَ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : بِعْتُكَ وَقَبِلْتَ ، ثُمَّ قَالَ : لَمْ تَقْبَلْ .
وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ هَذَا .
255 - 255 - إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالِ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ الَّذِي أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ جَازَ .
وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَالٍ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا بِمَالِ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ وَقَبِلَهُ صَارَ ذَلِكَ دَيْنًا صَحِيحًا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُمْكِنُهُ ، فَإِذَا أَعْطَاهُ بِهِ كَفِيلًا جَازَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالُ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يُسْقِطَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ ، بِأَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ بِمَا يَبْرَأُ بِهِ الْمَكْفُولُ عَنْهُ ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ يَبْرَأُ مِنْ غَيْرِ أَدَاءٍ ، وَلَا إبْرَاءٍ ، وَلَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ لَكَانَ لِلْكَفِيلِ ذَلِكَ ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى إسْقَاطِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَدَاءٍ ، وَلَا إبْرَاءٍ لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ .
256 - 256 - أُمُّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ جِنَايَاتٍ أَوْ مَرَّةً لَا يَغْرَمُ الْمَوْلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ وَاحِدَةٍ .
وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا دُيُونٌ مِنْ التِّجَارَةِ سَعَتْ فِي جَمِيعِ دُيُونِهَا بَالِغًا مَا بَلَغَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى ، وَالذِّمَّةُ تَسَعُ الْحُقُوقَ كُلَّهَا ، فَثَبَتَ جَمِيعُ الدُّيُونِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَغْرَمَ بَالِغًا مَا بَلَغَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجِنَايَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالرَّقَبَةُ لَا تُضْمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ وَاحِدَةٍ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ إنْسَانٌ عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ وَاحِدَةٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
257 - 257 - وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ يَلْزَمُ الْمَوْلَى ، وَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ .
وَوَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِقَطْعِ الْوَلَدِ الْمُسْتَفَادِ عَلَى حُكْمِ الْفِرَاشِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ بِهِ قَاضٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ ثَبَتَ مِنْهُ ، فَصَارَ كَثُبُوتِهِ بِالْإِقْرَارِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِقَطْعِ هَذَا الْفِرَاشِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا ، فَلَا يَنْفَرِدُ بِقَطْعِ الْوَلَدِ الْمُسْتَفَادِ عَلَى ذَلِكَ الْفِرَاشِ .
258 - 258 - وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَدَ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا مَعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا ، فَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ .
وَفِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَا يُعْتَقُ جَمِيعُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَعْتَقَ نِصْفَهُ بِإِعْتَاقِهِ ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فِي الْبَاقِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ رَقَبَةَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا تَتَقَوَّمُ بِالسِّعَايَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ ، فَقَدْ عَتَقَ نِصْفُهَا وَحَصَلَ الْبَاقِي فِي يَدِهَا وَلَا يُمْكِنُهُ رَدُّهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا فَعَتَقَتْ مَجَّانًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ نِصْفُهُ ، وَحَصَلَ الْبَاقِي فِي يَدِهِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ ، وَرَقَبَتُهُ مِمَّا يُضْمَنُ بِالسِّعَايَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْعَى لِغَرِيمٍ وَوَارِثٍ فَبَقِيَ نِصْفُهُ رَقِيقًا فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ ، فَمَا لَمْ يُؤَدِّ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يُعْتَقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
259 - 259 - الْمُكَاتَبَةُ إذَا اشْتَرَتْ ابْنَهَا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ هَذَا الِابْنِ فَإِنْ عَجَّلَ مَالَ الْكِتَابَةِ قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يُبَعْ ، وَإِلَّا بِيعَ .
وَلَوْ وَلَدَتْ فِي الْكِتَابَةِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ بَقِيَ مَالُ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى الْأُمِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالشِّرَاءِ أَوْجَبَ لَهُ حَقَّ الْعِتْقِ بِعَقْدِ غَيْرِهِ ، وَهِيَ الْأُمُّ ، فَإِذَا فَاتَ الْأَدَاءُ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَزِمَهُ الْبَدَلُ حَالًا ، كَمَا لَوْ كَاتَبَ جَارِيَةً عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ وَآخَرَ غَائِبٌ مَعَهَا فَمَاتَتْ الْحَاضِرَةُ وَحَضَرَ الْغَائِبُ لَزِمَهُ الْمَالُ حَالًا ، وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا وَلَدَتْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ لَهَا حَقَّ الْعِتْقِ بِعَقْدِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ لَهَا الْعِتْقَ بِعَقْدِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ عِتْقَ الْأُمِّ ، وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا ، فَصَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْأُمِّ ، وَالْأُمُّ تَسْعَى مُؤَجَّلًا بِعَقْدِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
260 - 260 - حَرْبِيٌّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمِنًا وَمَعَهُ أُمُّ وَلَدٍ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا .
وَلَوْ عَتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ حَمَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهَا يُخْرِجُهَا مِنْ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يُبْطِلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَقَلَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ صَارَتْ مِلْكًا لَهُ حَقِيقَةً مُسْتَقِرَّةً ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا ، وَإِذَا حَصَلَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ مُسْتَقِرٌّ ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ الْمُتَقَدِّمَ يَنْفُذُ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ ، فَمِنْ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ نُبْطِلُهُ فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّا مِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُ بَيْعَهُ وَنُبْطِلُ عِتْقَهُ لَا نُبْطِلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَقَلَهُ إلَى دَارِنَا صَارَ مِلْكًا لَهُ بِقَهْرِهِ ، وَعِتْقُهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ ، وَالْعِتْقُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَسْرِي إلَى الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ ، فَمِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُ بَيْعَهُ لَا نُبْطِلُهُ فَجَوَّزْنَاهُ .
261 - 261 - عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ لِآخَرَ اشْتَرِنِي مِنْهُ ، فَاشْتَرَاهُ ، ثُمَّ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرٌّ عَتَقَ ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا .
وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ ، فَإِقْرَارُهُ الْأَوَّلُ يُكَذِّبُهُ فِي دَعْوَى الثَّانِي فَلَا يُصَدَّقُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ إنْسَانٍ عَبْدًا ، ثُمَّ قَالَ : مَا بِعْتُ لَمْ يَكُنْ لِي فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ ، كَذَا هَذَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْحُرِّ لَا يَصِحُّ ، فَوَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى ذَلِكَ .
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : مَا بِعْتُ لَمْ يَكُنْ لِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ يَصِحُّ إلَّا أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِ ، فَهُوَ لَا يُثْبِتُ بَيِّنَتَهُ أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ عَقْدًا جَرَى بَيْنَهُمَا ؛ فَلَا يُصَدَّقُ .
عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ، فَلِلْآخَرِ أَنْ يَتْرُكَ نَصِيبَهُ عَلَى حَالِهِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَتْرُكَ نَصِيبَهُ عَلَى حَالِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ لَهُ فَدَبَّرَ نِصْفَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ مِلْكَهُ فِي الْبَاقِي ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجِبُ الْحُرِّيَّةَ وَثُبُوتُ الْيَدِ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ تَحْصُلُ لِلْعَبْدِ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ لَهُ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ مِلْكَهُ فِي الْبَاقِي كَذَلِكَ إذَا كَانَ النِّصْفُ لَهُ فَدَبَّرَ شَرِيكَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ مِلْكَهُ فِي الْبَاقِي .
263 - 263 - إذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ فَتَدْبِيرُهُ مَوْقُوفٌ ، فَإِنْ لَحِقَ بِالدَّارِ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ، فَإِنْ عَادَ فَأَسْلَمَ فَوُجِدَ الْعَبْدُ فِي يَدَيْ الْوَارِثِ فَأَخَذَهُ فَهُوَ مُدَبَّرٌ .
وَلَوْ بَاعَ فِي حَالَ رِدَّتِهِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ بَيْعُهُ ، فَلَوْ عَادَ مُسْلِمًا لَمْ يَعُدْ الْبَيْعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ فَلَمَّا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ حَكَمْنَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ ، فَقَدْ دَبَّرَ مِلْكَ غَيْرِهِ فِي الظَّاهِرِ فَلَمْ يَجُزْ ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ مُسْلِمًا فَيَعُودُ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ غَيْرُ نَافِذٍ فِي الْحَالِ ، فَكَأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِعَوْدِ الْمِلْكِ ، وَقَالَ : إنْ عُدْتَ إلَى مِلْكِي فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ التَّدْبِيرِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْبَيْعِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ بِشَرْطٍ وَتَعْلِيقُ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ فَيَبْطُلُ .
264 - 264 - وَلَوْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَحِقَ بِالدَّارِ فَبَاعَ الْوَرَثَةُ عَبْدًا لَهُ قَدْ دَبَّرَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ وَعَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَعَادَ ذَلِكَ الْعَبْدُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ؛ صَارَ مُدَبَّرًا .
وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ ، فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْعِتْقُ ، فَلَوْ عَادَ ذَلِكَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ؛ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ فِي أَحَدِهِمَا بَاقٍ ؛ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ زَوَالُ مِلْكِهِ فِيهِمَا بِهَذَا الْعَقْدِ ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِلْكَهُ فِي الَّذِي أَعْتَقَ ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ يَسْتَبْقِي مِلْكَهُ فِي غَيْرِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ اسْتَبْقَيْتُ مِلْكِي فِيكَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَمْ يَسْتَبْقِ مِلْكَهُ ، وَإِنَّمَا عَادَ إلَيْهِ بِوَجْهٍ آخَرَ ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الَّذِي عَلَّقَ الْعِتْقَ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي الْحَالِ ، وَالْعَوْدُ مُتَرَقَّبٌ فَصَارَ مُعَلِّقًا التَّدْبِيرَ بِاسْتِفَادَةِ الْمِلْكِ وَالْعَوْدِ .
وَقَدْ اسْتَفَادَهُ ؛ فَصَارَ مُدَبِّرًا .
265 - 265 - إذَا شَرَطَ الرَّجُلُ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَلَّا يَخْرُجَ عَنْ الْكُوفَةِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ، وَالْعَقْدُ جَائِزٌ .
وَلَوْ شَرَطَ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ أَنْ يَطَأَهَا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَرْكِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْكُوفَةِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ مَنْفَعَتُهُ فِي خُرُوجِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ وَيَكْتَسِبُ ، فَهَذَا شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَقْدِ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ ، فَكَانَ بَاطِلًا ، وَالْعَقْدُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَلَّا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شَرَطَ عَلَى مُكَاتَبَتِهِ أَنْ يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا ، فَصَارَ هَذَا شَرْطًا زَائِدًا عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا شَرَطَ أَنْ يَخِيطَهُ .
266 - 266 - إذَا تَرَكَ الْمُكَاتَبُ وَلَدَيْنِ وُلِدَا لَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا ؛ فَعَلَى الْآخَرِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْمُكَاتَبَةِ .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا ؛ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِمَا ، وَإِنَّمَا لَحِقَا عَقْدَ الْغَيْرِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى تَسْلِيمُ الرَّقَبَتَيْنِ إلَيْهِمَا عَلَى هَذَا الْبَدَلِ ، فَإِذَا بَقِيَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ بِبَقَائِهِ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ فِي يَدَيْ الْبَائِعِ وَلَدَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَيْهِمَا ، فَقَدْ الْتَزَمَ بِتَسْلِيمِ الرَّقَبَتَيْنِ إلَيْهِمَا عَلَى هَذَا الْبَدَلِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ أَحَدَهُمَا سَقَطَ مَا بِإِزَائِهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
267 - 267 - إذَا قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَاحِدٌ فَهُوَ حُرٌّ ، فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ مَلَكَ وَاحِدًا ؛ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ .
وَلَوْ قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ وَحْدَهُ فَهُوَ حُرٌّ ، فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ وَاحِدًا ؛ عَتَقَ الثَّالِثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاحِدَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ أَوَّلِ الْعَدَدِ ، يَقُولُ : وَاحِدٌ وَاثْنَانِ ، فَصَارَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ ، وَلَا يَقْتَضِي انْفِرَادَهُ وَبَقِيَ غَيْرُهُ مَعَهُ ، فَلَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَ قَوْلُهُ : أَوَّلُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فَمَلَكَ عَبْدَيْنِ ثُمَّ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ وَحْدَهُ عِبَارَةٌ عَنْ انْفِرَادِهِ وَنَفْيِ غَيْرِهِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِفِعْلِهِ يَقُولُ : وَحْدَهُ ، لَا شَرِيكَ لَهُ أَيْ : وَحَّدْتُهُ تَوْحِيدًا ، يُقَالُ : فُلَانٌ وَحْدَهُ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ يَنْفِي كَوْنَ غَيْرِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ أَفْرَدَهُ بِالْمِلْكِ ، وَلَمْ يُفْرِدْ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ بِالْمِلْكِ فَانْصَرَفَ إلَى الثَّالِثِ الَّذِي أَفْرَدَهُ بِالْعِتْقِ ؛ فَأَعْتَقَهُ .
لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي فَهِيَ حُرَّةٌ إلَّا خُرَاسَانِيَّةٌ ثُمَّ قَالَ : الثَّلَاثُ مِنْهُنَّ أَوْ أَرْبَعُ هُنَّ خُرَاسَانِيَّاتٌ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ : فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي فَهِيَ حُرَّةٌ إلَّا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَهَذِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي لَفْظٌ عَامٌّ ، وَقَوْلُهُ : إلَّا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي اسْتِثْنَاءُ شَخْصٍ وُجِدَ فِيهَا فِعْلٌ مِنْ جِهَتِهِ ، فَقَدْ عَمَّ الْإِيجَابُ وَعُلِّقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِفِعْلٍ فَمَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِثْنَاءُ ، فَبَقِينَ دَاخِلَاتٍ فِي الْيَمِينِ وَلَا يَخْرُجْنَ عَنْ الْيَمِينِ إلَّا بِيَقِينٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إلَّا خُرَاسَانِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقُ الِاسْتِثْنَاءَ بِفِعْلٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى فِعْلٍ لِتَصِيرَ هِيَ خُرَاسَانِيَّةً ؛ لِأَنَّ الْخُرَاسَانِيَّةَ اسْمُ جِنْسٍ كَالرُّومِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ فَقَدْ اسْتَثْنَى اسْمًا مِنْ الْأَسْمَاءِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مَعَ الْمُسْتَثْنَى أَحَدُ اسْمَيْ الْبَاقِي فَقَدْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى غَيْرِ الْخُرَاسَانِيَّات ، فَصَارَ الْإِيجَابُ خَاصًّا ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِيجَابِ إلَّا بِيَقِينٍ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجَوَارِي لَيْسَ هُوَ الْخُرَاسَانِيَّةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُتَشَابِهًا بِغَيْرِهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ فِي الظَّاهِرِ ، فَلَمْ يَكُنْ بِدَعْوَاهُ أَنَّهَا خُرَاسَانِيَّةٌ مُدَّعِيًا خِلَافَ الظَّاهِرِ فَصُدِّقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجَوَارِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ ، فَإِذَا قَالَ : هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي .
فَقَدْ ادَّعَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَمَعْنًى طَارِئًا فَمَا لَمْ يُعْلَمْ وُجُودُهُ لَا يَخْرُجْنَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ .
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلُ ، لَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ غَيْرُ خَبَّازَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ ، فَقَالَ : كُلُّهُنَّ خَبَّازَاتٌ ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ لِي فَهِيَ
حُرَّةٌ إلَّا جَارِيَةٌ خَبَّازَةٌ ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ خَبَّازَةٌ ؛ لَمْ يَصَدَّقْ ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْإِيجَابَ خَاصٌّ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِيجَابِ إلَّا بِيَقِينٍ ، وَهُنَاكَ الْإِيجَابُ عَامٌّ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ خَاصٌّ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ .
269 - 269 - وَلَوْ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ : حُجَّ عَنِّي حَجَّةً وَأَنْتَ حُرٌّ ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَحُجَّ حَجًّا وَسَطًا مِنْ مَنْزِلِ الْمَوْلَى ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ .
وَلَوْ قَالَ : اعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا وَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَعْتَقَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَشْتَرِطْ تَمْلِيكَ الْعَبْدِ بِأَدَاءِ النَّفَقَةِ الَّتِي يَحُجُّ بِهَا ؛ لِأَنَّا لَوْ مَلَّكْنَا الْمَوْلَى تِلْكَ النَّفَقَةَ لَكَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا ثُلُثَيْهَا فَيَحْصُلُ لِلْعَبْدِ ثُلُثُ النَّفَقَةِ فَلَا يَكُونُ حَجًّا وَسَطًا وَفِي ذَلِكَ مَنْعُ جَوَازِهِ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَمِنْ حَيْثُ يَمْلِكُ الْمَوْلَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ يَمْنَعُهُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَكُنْ الْمَنْفَعَةُ بَدَلًا عَنْ الْعِتْقِ ، فَكَأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ مَجَّانًا وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ مَجَّانًا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ شَرْطٌ أَنْ يُمَلِّكَهُ الرَّقَبَةَ ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَنْهُ ، وَلَوْ مَلَّكْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الرَّقَبَةِ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا لَهُمْ أَنْ يَسْتَسْعُوا الْعَبْدَ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي تَمْلِيكِهِ مَنْعُ جَوَازِ إعْتَاقِهِ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَكُنْ عِتْقًا مَجَّانًا ، فَصَارَ عِتْقًا بِبَدَلٍ ، فَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مِثْلَ قِيمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مَجَّانًا بِشَيْءٍ ، فَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ اُعْتُبِرَ ثُلُثُ الْمُحَابَاةِ لَهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ .
270 - 270 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَحُجُّ بِهَا فَأَنْتَ حُرٌّ ، أَوْ قَالَ : أَدِّ إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَحُجُّ بِهَا ، وَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَدَّى إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ حَجَّ الْمَوْلَى أَوْ لَمْ يَحُجَّ .
وَلَوْ قَالَ : إذَا أَدَّيْتَ إلَى وَصِيِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ يَحُجُّ بِهَا ؛ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَمَا لَمْ يَحُجَّ الْوَصِيُّ لَا يَعْتِقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : أَحُجُّ إخْبَارٌ ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ مَخْرَجَ الشَّرْطِ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِالْأَدَاءِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِخَبَرٍ ، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ سَوَاءٌ وُجِدَ الْخَبَرُ أَمْ لَا ، وَكَذَا كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ : ادْفَعُوا إلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ بَعْدَ مَوْتِي لِيُنْفِقَهَا ، فَسَوَاءٌ وُجِدَ الْإِنْفَاقُ أَمْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَلْفَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إذَا أَدَّيْتَ إلَى وَصِيِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ يَحُجُّ بِهَا ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلصِّلَةِ فَقَدْ وَصَلَ الْحَجَّ بِالدَّفْعِ ، فَصَارَا شَرْطَيْنِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطَانِ لَا يَعْتِقُ .
271 - 271 - إذَا قَالَ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ ؛ انْصَرَفَ إلَى الْوَسَطِ فَإِذَا أَدَّى عَبْدًا مُرْتَفِعًا أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ .
وَلَوْ قَالَ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ عَبْدًا وَسَطًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَتَى بِعَبْدٍ مُرْتَفِعٍ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَعْتِقُ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمُطْلَقِ الِاسْمِ ، وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْجَيِّدَ وَالْوَسَطَ وَالرَّدِيءَ ، إلَّا أَنَّ فِي إيجَابِ الْجَيِّدِ إضْرَارًا بِالْعَبْدِ ، وَفِي إيجَابِ الرَّدِيءِ إضْرَارٌ بِالْمَوْلَى فَأَلْزَمْنَاهُ الْوَسَطَ لَا لِحَقِّ اللَّفْظِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، فَإِذَا أَتَى بِالْجَيِّدِ فَقَدْ وُجِدَ مَا يَدْخُلُ فِي الِاسْمِ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِالْمَوْلَى فَأُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا قُلْنَا فِي الدِّيَاتِ وَالزَّكَوَاتِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : عَبْدًا وَسَطًا ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ مَلْفُوظٌ بِهِ فَاسْتِحْقَاقُهُ بِالِاسْمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ ، وَاسْمُ الْوَسَطِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْجَيِّدِ ، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ الَّذِي عُلِّقَ الْعِتْقُ بِهِ فَلَا يُعْتَقُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فِي كِيسٍ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَدَّى فِي غَيْرِ كِيسٍ لَمْ يُعْتَقْ ، كَذَا هَذَا .
إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ : اعْتِقْ عَنِّي عَبْدًا وَأَنْتَ حُرٌّ ؛ صَارَ مَأْذُونًا لَهُ ، فَإِنْ اسْتَفَادَ عَبْدًا وَسَطًا فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ الْمَأْمُورُ ، وَلَوْ اسْتَفَادَ عَبْدًا مُرْتَفِعًا فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
وَلَوْ قَالَ : إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَأَدَّى إلَيْهِ عَبْدًا مُرْتَفِعًا لَمْ يُحَرَّرْ عَلَيْهِ وَعَتَقَ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَسَطِ مِلْكُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهُ قَبْلَ حُصُولِ الْحُرِّيَّةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَاكْتَسَبَ أَلْفَيْنِ وَأَدَّى إلَيْهِ أَلْفًا وَالْأَلْفُ الْبَاقِيَةُ لِلْمَوْلَى لِهَذَا الْمَعْنَى ، إنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَسَطِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى ، وَمِقْدَارُ الْوَسَطِ حَقُّ الْعَبْدِ ، وَقَدْ أَوْصَلَ الْجَمِيعَ إلَى الْمَوْلَى وَعَادَ نَفْعُهُ إلَيْهِ فَعَتَقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مُرْتَفِعًا ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَسَطِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْعَبْدُ فَقَدْ تَبَرَّعَ بِإِعْتَاقِ مِلْكِ الْمَوْلَى ، لَا يَصِحُّ ، كَمَا لَوْ اسْتَفَادَ عَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا لَمْ يُجْزِ إلَّا أَحَدَهُمَا ، وَإِذَا لَمْ تُجْزِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بَقِيَ الْعِتْقُ فِي بَعْضِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِعِتْقِ عَبْدٍ كَامِلٍ فَلَا يَعْتِقُ بِبَعْضِهِ فَلَمْ يُجْزِ عَنْهُ .
273 - 273 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ مَلَكْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ .
عَتَقَ فِي الْحَالِ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِبْقَاءَ الْمِلْكِ مِلْكٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّكَ تَقُولُ : مَلَكْتُ هَذَا الْعَبْدَ سَنَةً وَشَهْرًا فَيَصِحُّ ، فَيَدْخُلُ فِي اسْمِ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَحَنِثَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ صَحَحْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَبَقِيَ صَحِيحًا عَتَقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا يُسَمَّى شِرَاءً ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : اشْتَرَيْتُ عَبْدًا سَنَةً ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الِاسْمِ ، فَلَا يَعْتِقُ .
274 - 274 - ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْوَصَايَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ .
وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ عَتَقَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لَمْ تَطْلُقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ وَصْفَهُ بِكَوْنِهِ حُرًّا بِالْأَمْسِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ اسْتِرْقَاقِهِ عَلَيْهِ الْيَوْمَ ؛ فَعَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ عَتَقَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ عِنْدَهُ .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَوَصَفَهَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِالْأَمْسِ ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِالْأَمْسِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِالْأَمْسِ زَوْجٌ آخَرُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا هَذَا ؛ حَلَّتْ لَهُ فَلَمْ يُعَبِّرْ بِمَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ فَلَا تَطْلُقُ .
كِتَابُ الْمُكَاتَبِ وَالْوَلَاءِ 275 - إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ ، أَوْ مُدَبَّرَتِهِ عَلَى قِيمَتِهَا جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى قِيمَةِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي بَرَاءَتَهُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَوَّمِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى قِيمَةِ عَبْدِهِ فَأَتَاهَا بِالْعَيْنِ أُجْبِرَتْ عَلَى قَبُولِهِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ عَبْدًا فَأَبَقَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَسَلَّمَ الْعَيْنَ ؛ بَرِئَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ بِقِيمَتِهِ لَبَرِئَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَيْهِ ، وَفِي تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ إلَيْهِ اسْتِبْقَاءٌ لِلرِّقِّ ، وَفِي اشْتِرَاطِ اسْتِبْقَاءِ الرِّقِّ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ ، فَصِرْنَا مِنْ حَيْثُ نُجَوِّزُ نُبْطِلُ ؛ فَلَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : كَاتَبْتُكَ بِشَرْطِ أَلَّا تَعْتِقَ بِأَدَاءِ الْمَالِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى قِيمَتِهَا لَا يُوجِبُ بَرَاءَتَهَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لَا تَبْرَأُ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهَا عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ فَلَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ عَلَى قِيمَتِهَا مُوجِبًا بَرَاءَتَهَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ ، فَصَارَتْ هَذِهِ كِتَابَةً تُفِيدُ الْعِتْقَ فَصَحَّتْ .
فَإِنْ قِيلَ : الْقِيمَةُ مَجْهُولَةٌ ، فَيَجِبُ أَلَّا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِقِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ .
قُلْنَا : التَّفَاوُتُ فِي تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ يُقْبَلُ ، وَقَلِيلُ التَّفَاوُتِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ، وَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكِتَابَةِ ، كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ .
276 - 276 - إذَا كَاتَبَ أَمَتَهُ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ فَوَطِئَهَا ، ثُمَّ أَدَّتْ الْكِتَابَةَ فَعَتَقَتْ فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا لَهَا .
وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا فَوَطِئَهَا الْبَائِعُ ، ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَأَعْتَقَهَا وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عِتْقَهَا يَسْتَنِدُ إلَى الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا الْأَوْلَادُ ، وَالْأُرُوشُ ، فَصَارَ عِنْدَ الْأَدَاءِ [ كَأَنَّ ] الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا وَوَطِئَهَا الْمَوْلَى ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعُقْرُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْبَيْعِ إذَا أَسْنَدْنَاهُ إلَى الْعَقْدِ صَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، كَذَا هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ يَمْلِكُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا الْأَوْلَادُ وَالْأُرُوشُ ، فَصَارَ الْوَطْءُ فِي حَقِّهَا يُوجِبُ الْعُقْرَ لَهَا .
وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنَّمَا تُمْلَكُ مِنْ حَيْثُ الْقَبْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ الْأَوْلَادُ وَالْأُرُوشُ ، وَالْقَبْضُ وُجِدَ الْآنَ فَصَارَ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، فَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ حُكْمَ مِلْكِهِ بَاقٍ فِيهَا فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ ، وَبَقَاءُ حُكْمِ مِلْكِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُقْرِ كَالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَبَقَاءُ حُكْمِ مِلْكِهِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُقْرِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ إذَا رَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
277 - 277 - الْمَوْلَى إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ كِتَابَةً صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً وَجَبَ الْعُقْرُ .
وَالْبَائِعُ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَوْجَبَ لَهَا الْبُضْعَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ، فَإِذَا وَطِئَهَا صَارَ مُرْتَجِعًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ فَغَرِمَ ، كَمَا لَوْ اسْتَرَدَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ .
وَفِي الْبَيْعِ لَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ ، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ تَبَعًا ، وَإِذَا لَمْ يَرْتَجِعْ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ لَمْ يَغْرَمْ ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَمَّتْ ، فَقَدْ ارْتَجَعَ الْمَعْقُودُ بَعْدَ تَمَامِهِ ، وَالْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، فَقَدْ اسْتَوْفَى الْوَطْءَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا يَغْرَمُ .
إذَا كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً ، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ ، فَأَدَّى أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ رَجَعَ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ هَاهُنَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَالْأَدَاءَ مِنْ جِهَةٍ ، فَلَوْ فَرَّقْنَاهُ وَجَعَلْنَا بَعْضَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَبَعْضَهُ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ لَأَبْطَلْنَاهُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ ، فَصَارَ الْوُجُوبُ وَالْأَدَاءُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا وَلَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا فَاسْتَوَيَا ، فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، كَالْكَفِيلَيْنِ بِمَالٍ وَاحِدٍ ، كُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلٌ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْجَمِيعَ يَسْتَحِقُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى صَاحِبِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِجِهَتَيْنِ بَعْضُهُ مِنْ الضَّمَانِ ، وَبَعْضُهُ مِنْ الْأَصْلِ ، وَالْكَفَالَةُ بِالثَّمَنِ جَائِزَةٌ فَمِنْ حَيْثُ يَجْعَلُهُ فِي الْجِهَتَيْنِ لَا نُبْطِلُهُ ، فَلَوْ جَعَلْنَا نِصْفَ الْمُؤَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ ، لَكَانَ لَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَنْ هَذَا فَصَارَ مِنْ حَيْثُ يَرْجِعُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ .
279 - 279 - إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ عَلَى النُّجُومِ .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْغَائِبِ ، ثُمَّ مَاتَ الْحَاضِرُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي الْغَائِبُ حَالًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَوْلَادِ حَقًّا فِي عَقْدِ الْأَبِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ يَعْتِقُونَ بِأَدَائِهِ وَلَهُ يَدٌ عَلَيْهِمْ ، وَالْأَجَلُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، فَقَدْ جَرَّ نَفْعًا إلَيْهِمْ بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِيهِ ، فَإِذَا جَرَّ نَفْعًا إلَيْهِمْ وَلَهُ يَدٌ عَلَيْهِمْ صَحَّ .
وَلَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ كَالْمُلْتَقِطِ إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ لِلَّقِيطِ ثُمَّ مَاتَ .
وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ ، فَقَدْ جَرَّ نَفْعًا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ يَدٍ وَلَا وِلَايَةٍ فَلَمْ يَصِحَّ ، كَغَيْرِ الْمُلْتَقِطِ إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، فَصَارَ الْأَجَلُ مِنْ حَقِّ الْعَاقِدِ ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ فَحَلَّ الْمَالُ عَلَى الْغَائِبِ .
280 - 280 - إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى عَتَقَ بَعْضَهُمْ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ عَنْ مَالِ الْكِتَابَةِ عَنْ الْآخَرِينَ .
وَلَوْ كَاتَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَأَعْتَقَ بَعْضَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُرْفَعُ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوْلَادَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَوْجُودُونَ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَقَدْ تَنَاوَلَهُمْ الْعَقْدُ ، وَمَلَكَ رِقَابَهُمْ بِهَذَا الْبَدَلِ ، فَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُمْ فَقَدْ مَنَعَ التَّسْلِيمَ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَمَنَعَ مَا بِإِزَائِهِ ، كَمَا لَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا رَفَعَ عَنْهُ حِصَّتَهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبِيدًا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ بَعْضَهُمْ رَفَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ ، وَإِنَّمَا لَحِقُوا الْعَقْدَ تَبَعًا لِلْأُمِّ ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، فَكَذَلِكَ مَنْ أُعْتِقَ مِنْهُمْ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، فَلَمْ يُمْنَعُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَلَا يُمْنَعُ مَا بِإِزَائِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ .
281 - 281 - رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ وَامْرَأَتَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى أَوْلَادِهِمَا وَهُمْ صِغَارٌ ، ثُمَّ إنَّ إنْسَانًا قَتَلَ الْوَلَدَ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لِلْأَبَوَيْنِ جَمِيعًا يَسْتَعِينَانِ بِهَا فِي مُكَاتَبَتِهِمَا .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَامْرَأَتَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَقُتِلَ الْوَلَدُ فَإِنَّ قِيمَتَهُ تَكُونُ لِلْأُمِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَاهُنَا لَحِقَ الْوَلَدُ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بِالشَّرْطِ وَهُمَا قَدْ اسْتَوَيَا فِي الشَّرْطِ فَاسْتَوَيَا فِيهِ وَفِي بَدَلِهِ .
وَفِي الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ، الْوَلَدُ لَحِقَ الْعَقْدَ بِالْوِلَادَةِ ، وَقَدْ انْفَرَدَتْ الْأُمُّ بِالْوِلَادَةِ ، فَانْفَرَدَتْ بِثُبُوتِ الْحَقِّ فِيهِ وَفِي بَدَلِهِ .
282 - 282 - إذَا كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ وَامْرَأَتَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِلْأَبَوَيْنِ .
وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى مَالِهِ سَبِيلٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْوَفَاةِ أَنَّ قَبُولَ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يَنْفَعُهُ ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا يَضُرُّهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ يَعْتِقُ وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانٌ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ كَسْبِهِ حَالَةَ الْحَيَاةِ لَكَانَ فِيهِ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ لَوْ جَوَّزْنَا لَهُمَا الْأَخْذَ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ ، فَجَازَ لَهُمَا ذَلِكَ .
283 - 283 - إذَا كَاتَبَ الْوَصِيُّ عَبْدَ الصَّغِيرِ فَبَلَغَ ، كَانَ لِلصَّغِيرِ قَبْضُ مَالِ الْكِتَابَةِ .
وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ ، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقْبِضُ الْمَالَ ، بَلْ الْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْمَالَ .
وَالْفَرْقُ أَنْ الْوَصِيَّ لَيْسَ يَقْبِضُ مَالَ الْكِتَابَةِ بِحَقِّ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَا يُوجِبُ تَعْلِيقَ الْعُهْدَةِ بِالْعَاقِدِ ، إنَّمَا يُوجِبُ تَعْلِيقَهَا بِالْمَعْقُودِ لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُ الْمَالِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ بِحَقِّ الْعَقْدِ صَارَ قَبْضُهُ كَالْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ بِالْبُلُوغِ فَزَالَ الْحَقُّ .
وَفِي الْبَيْعِ قَبْضُ الثَّمَنِ بِحَقِّ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي بَابِ الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ فَبَقِيَ مُوجَبُهُ ، فَكَانَ لَهُ قَبْضُهُ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
284 - 284 - إذَا جَنَتْ أَمَةُ الْمَكَاتِبِ جِنَايَةً فَوَطِئَهَا الْمَكَاتِبُ كَانَ اخْتِيَارًا لِلْجِنَايَةِ .
وَلَوْ أَنَّ حُرًّا لَهُ أَمَةٌ جَنَتْ فَوَطِئَهَا لَا يَكُونُ اخْتِيَارًا .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ مَسْأَلَةُ الْمَكَاتِبِ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَهَا فَأَعْتَقَهَا ، وَفِي جِنَايَةِ أَمَةِ الْحُرِّ كَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا .
فَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ عَلَى الْمَكَاتِبِ ، فَصَارَ جِنَايَةً ، وَلَوْ جَنَى عَلَيْهَا كَانَ مُخْتَارًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمَةُ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تُحَرِّمُ وَطْأَهَا عَلَيْهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ حَلَالًا لَمْ يُوجِبْ نُقْصَانًا فِيهَا وَلَمْ يَمْنَعْ الدَّفْعَ فَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا كَمَا لَوْ اسْتَخْدَمَهُ .
285 - 285 - إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَعَى الْوَلَدُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ ، وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَخَلَفَ مَالًا فَقَضَى بَعْضَ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ ، أَوْ قَضَى مَالَ الْكِتَابَةِ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ ، فَيَأْخُذُوا مِنْهُ حِصَصَهُمْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا عَلَى الْوَلَدِ ، فَهَذَا صَحِيحٌ يَقْضِي بَعْضَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ دُونَ بَعْضٍ فَلَمْ يَكُنْ لِبَعْضِ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْقَابِضِ مِنْ سَبِيلٍ ، كَالْحُرِّ إذَا قَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِتَرِكَتِهِ ، فَإِذَا قَضَى بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ قَطَعَ حَقَّ الْبَاقِينَ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَالْمَرِيضِ إذَا قَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
286 - 286 - رَجُلَانِ كَاتَبَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً ، فَأَدَّى نَصِيبَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبَهُ ، مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ .
وَلَوْ وَهَبَ لَهُ نَصِيبَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَتَقَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَوْفَى أَحَدَهُمَا نَصِيبَهُ فَطَلَبَ الْآخَرُ مَالَ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَ مِنْهُ حِصَّتَهُ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا قَبَضَ لِلشَّرِيكِ مِنْهُ ، ثُمَّ يَرْجِعَ الشَّرِيكُ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ ثَانِيًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالَ حِصَّتِهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ طَلَبَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الْمُكَاتَبِ ، وَبَقَاءُ الطَّلَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْعَبْدِ يَمْنَعُ عِتْقَهُ ، كَمَا لَوْ بَقِيَ جَمِيعُ الْمَالِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا إذَا وَهَبَ مِنْهُ نَصِيبَهُ فَطَلَبَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ يَنْقَطِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ ، فَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَمَا لَوْ أَدَّى جَمِيعَ الْمَالِ .
287 - 287 - إذَا كَاتَبَ عَلَى نِصْفِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ مِنْ نَفْسِهِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَسَعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ، وَإِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ ، فَأَدَّى بَعْضَ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ عَجَزَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ ، وَحُسِبَ لَهُ مَا أَدَّى مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ مِنْ الْقِيمَةِ ، وَسَعَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَدَّى بَعْضَ مَالِ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ عَجَزَ ثُمَّ كَاتَبَهُ ثَانِيًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ مَا أَدَّى أَوَّلًا إلَى الْمَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنْ عَجْزَهُ لَمْ يُعِدْهُ إلَى الرِّقِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يُوجِبُ إخْرَاجَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ بَاقٍ وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي نِصْفِهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْجِزْ ، وَلَوْ لَمْ يَعْجِزْ يَحْسُبُ لَهُ ذَلِكَ الْمَوْلَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ عَادَ إلَى حَالَةِ الرِّقِّ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَالْأَدَاءُ وَقَعَ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ الْعَقْدُ وَالْأَدَاءُ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَوَجَبَتْ السِّعَايَةُ فِي الْجَمِيعِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
288 - 288 - رَجُلٌ كَاتَبَ أَمَتَهُ ، وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ، وَأَدَّتْ الْكِتَابَةَ ، وَعَتَقَتْ فَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا الْمُكَاتَبَةَ مِنْ السَّيِّدِ ، وَيُضَمِّنُوهُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ ، إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ ضَمَّنُوهُ ، وَيَرْجِعُونَ بِفَضْلِ دَيْنِهِمْ إنْ شَاءُوا عَلَى الْأُمِّ ، وَإِنْ شَاءُوا عَلَى الْوَلَدِ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ الْوَلَدَ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَلَوْ مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ وَتَرَكَتْ وَلَدًا وَعَلَيْهَا دَيْنٌ وَكِتَابَةٌ يَسْعَى الْوَلَدُ فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مُعَلَّقٌ بِرَقَبَةِ الْأُمِّ ، وَسَرَى إلَى رَقَبَةِ الْوَلَدِ وَتَعَلَّقَ بِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ حَضَرُوا قَبْلَ الْكِتَابَةِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الْجَارِيَةَ وَالْوَلَدَ ، وَالْحَقَّ إذَا تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ فَإِذَا أُعْتِقَتْ الرَّقَبَةُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ فَقَطْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بَيْعَهَا فَلَمْ يَثْبُتْ فِي رَقَبَةِ الْوَلَدِ ، فَثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالذِّمَّةُ تَتَّسِعُ لِلْحُقُوقِ كُلِّهَا ، فَجَازَ أَنْ يَسْعَى فِي الْجَمِيعِ .
289 - 289 ؛ ذِمِّيٌّ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ كَافِرًا عَلَى خَمْرٍ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ .
وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ عَبْدًا بِخَمْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَنْعَقِدُ بِالشَّيْءِ وَبِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ عَلَى حَيَوَانٍ فَأَتَاهُ بِالْقِيمَةِ ، أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهَا ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْعَقْدَ بِالْقِيمَةِ جَازَ أَنْ يُسْتَسْعَى بِهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَنْعَقِدُ بِالشَّيْءِ وَبِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا فَأَتَى بِقِيمَتِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْتَدِئَ عَقْدَ الْبَيْعِ بِالْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَسْعَى بِهَا .
290 - 290 - لَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَكَفَّلَ ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى .
وَالْعَبْدُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا كَفَلَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَانِعَ مَعَ جَوَازِ الْكَفَالَةِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ لَا حَقُّ الْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِكَفَالَةٍ لَمْ يَجُزْ ، وَالْكِتَابَةُ تَبْقَى مَعَ الْإِذْنِ فَقَدْ بَقِيَ الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِهِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ فَأَعْتَقَ الْوَرَثَةُ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ فَأَجَازَهُ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جَوَازِهِ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، وَالدَّيْنُ يَبْقَى مَعَ إذْنِهِمْ ، فَبَقِيَ الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِهِ فَلَمْ يَجُزْ .
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جَوَازِ كَفَالَتِهِ حَقُّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِكَفَالَةٍ صَحَّ ، وَقَدْ زَالَ حَقُّهُ بِالْإِذْنِ فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِهِ فَجَازَ ، كَمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ إذَا كَفَلَ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِحَقِّهِ ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ نَفَذَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
291 - 291 - إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِرَجُلٍ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَمَا فِي بَطْنِ أَمَتِي حُرٌّ ، فَأَدَّى فَوَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عَتَقَ الْوَلَدُ ، وَرَجَعَ الدَّافِعُ بِمَالِهِ عَلَى الْمَوْلَى .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : اعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى أَلْفُ أُؤَدِّي إلَيْكَ ، فَفَعَلَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ عَلَيْهِ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ إذَا أَخَذَ مِنْهُ .
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : طَلِّقْ امْرَأَتَكَ عَلَى أَنْ أَدْفَعَ لَكَ أَلْفًا فَفَعَلَ اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ ، وَإِذَا دَفَعَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِوَلِيِّ الدَّمِ : اُعْفُ عَنْ الْقَاتِلِ وَعَلَيَّ أَلْفٌ أَدْفَعُ إلَيْكِ ، فَفَعَلَ اسْتَحَقَّ الْمَالَ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْعِتْقِ تَحْصُلُ لِلْمَوْلَى ، وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْوَلَاءُ يَثْبُتُ مِنْهُ ، فَقَدْ بَذَلَ لَهُ الْمَالَ عَلَى فِعْلٍ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ وَحَصَلَتْ مَنْفَعَتُهُ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الْبَدَلُ وَيَرْجِعُ بِالْمَالِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ : كُلْ طَعَامِكَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَكَ ، أَوْ الْبِسْ ثَوْبَكَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَكَ فَفَعَلَ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلزَّوْجِ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَضَرَّرُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْمَنْفَعَةُ فِيهِ لِلْقَاتِلِ وَفِي الطَّلَاقِ لِلْمَرْأَةِ ، فَقَدْ بَذَلَ الْمَالَ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ لِغَيْرِهِ وَتَحْصُلُ مَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِهِ فَجَازَ وَاسْتَحَقَّ الْمَالَ كَمَا لَوْ قَالَ : تَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهَا ، أَوْ هَبْ لِفُلَانٍ كَذَا عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهُ فَفَعَلَ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
292 - 292 - إذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ : إذَا أُعْتِقْت فَقَدْ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مِلْكِي لِفُلَانٍ ، فَمَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ ، فَإِنْ أَجَازَ وَرَثَتُهُ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ ، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعُوهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِمَالِ غَيْرِهِ لِفُلَانٍ فَأَجَازَ مَالِكُهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى الْحُرُّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ، وَمَاتَ وَأَجَازُوا الْوَرَثَةُ ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْحُرِّ إذَا أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ فَالْعَقْدُ وَقَعَ لِنَفْسِهِ ، فَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ فِيهِ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي حَالِ الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ امْتَنَعَ نَفَاذُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ ، فَإِذَا زَالَ حَقُّ الْغَيْرِ بِالْإِجَازَةِ بَقِيَ الْعَقْدُ وَاقِعًا عَنْهُ ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالْإِجَازَةِ ، كَالْعَبْدِ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَجَازَهُ الْمَوْلَى وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ عَنْ الْعَبْدِ ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالْإِجَازَةِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ عَقْدَهُ لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَا أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ وَاقِعًا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَالَ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى فَصَارَ ذَا هِبَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَتَمْلِيكًا مُسْتَقِلًّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَإِنْ سَلَّمُوهُ جَازَ وَتَمَّ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوهُ بَقِيَ عَلَى خِيَارِهِمْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَإِنْ زَوَّجَ الْحُرُّ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّنَا لَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ الْمَهْرَ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ ضَمَانٌ ، فَصَارَ ذَلِكَ تَبَرُّعًا وَتَبَرُّعُ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا إذَا زَوَّجَ الْحُرُّ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ الْمَهْرَ ، فَصَارَ مُتَبَرِّعًا ، وَتَبَرُّعُ الْحُرِّ جَائِزٌ .
294 - 294 - إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ مَاتَ كَانَ ذَلِكَ عَجْزًا عَلَى عَبِيدِهِ .
وَمَوْتُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لَا يُوجِبُ عَزْلَ خُلَفَائِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْعَجْزِ سَقَطَ أَمْرُهُ ، وَكَذَلِكَ بِالْمَوْتِ ، وَإِذَا سَقَطَ أَمْرُهُ سَقَطَ أَمْرُ مَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ جِهَتِهِ ، كَالْمُوَكِّلِ إذَا مَاتَ انْعَزَلَ وَكِيلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْخَلِيفَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِلْمُسْلِمِينَ فَصَارَ تَوَلِّيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بَاقُونَ فَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَتَصَرَّفُ هَذَا الْوَالِي مِنْ جِهَتِهِ فَبَقِيَ عَلَى وِلَايَتِهِ .
295 - 295 - إذَا كَاتَبَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَ الْأُمَّ فَهُوَ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ وَلَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ مَعَهَا .
وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُكَاتَبَةِ فَأَعْتَقَهَا عَتَقَ الْوَلَدُ مَعَهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ فَإِنَّ لَهُ فَسْخَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لَهُ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ ، وَهُوَ فِعْلُ مَا دَلَّ عَلَى الْفَسْخِ فَلَمْ يَكُنْ تَتْمِيمًا لِلْعَقْدِ ، وَصَارَ فَسْخًا فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ، فَكَأَنَّهَا جَارِيَةٌ لَهُ وَلَهَا وَلَدٌ ، فَأَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتِقُ وَلَدَهَا مَعَهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَأَعْتَقَهَا ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فَسْخًا لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لِلْعَقْدِ صَارَ تَتْمِيمًا لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَتَتْمِيمُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ يُوجِبُ أَنْ يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا فِي الْعِتْقِ ، كَمَا لَوْ أَدَّتْ الْمَالَ وَعَتَقَتْ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ وَلَدَهَا مَعَهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
296 - 296 - لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُفَاوِضَ .
وَلِلْحُرِّ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ ضَامِنًا عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ ضَمَانٍ .
وَضَمَانُ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرُّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا وَضَمَانُهُ جَائِزٌ ، وَلِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِي الضَّمَانِ وَالتَّصَرُّفِ ، وَهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِي التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْحُرِّ يَجُوزُ فِي الْمُفَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ جَمِيعًا ، وَتَبَرُّعُ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي التَّصَرُّفِ لَمْ يَنْعَقِدْ الضَّمَانُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْحُرِّ .
297 - 297 - إذَا وَالَى رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ وُلِدَ لَهُ مِنْ امْرَأَتِهِ وَلَدٌ وَقَدْ وَالَتْ رَجُلًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ وَالَتْ وَهِيَ حُبْلَى وَلَا يُشْبِهُ هَذَا وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ثُبُوتَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ بِالْعَقْدِ ، وَعَقْدُهَا لَا يَجُوزُ عَلَى وَلَدِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَجُزْ عَقْدُهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَكْتَمِلْ لِلْوَلَدِ وَلَاءٌ بِنَفْسِهِ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِالْأَبِ أَوْلَى كَالنَّسَبِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ صَارَ مُعْتِقًا لِلْجَنِينِ ، فَثَبَتَ وَلَاؤُهُ مِنْ الْمُعْتِقِ ، فَصَارَ لَهُ وَلَاءٌ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَتْبَعْ غَيْرَهُ ، فَكَانَ مَوْلًى لِلْمُعْتِقِ .
298 - 298 - الْمَأْذُونُ إذَا كَاتَبَ عَبْدًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ ؛ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ الْمُعْتَقِ الْوَلَاءُ .
وَلَوْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا فَأَدَّى الْأَوَّلُ وَعَتَقَ ، ثُمَّ أَدَّى الثَّانِي وَالْأَوَّلُ حُرٌّ ؛ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْمَأْذُونِ وَقَعَ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ بِإِذْنِهِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي كَاتَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَدَّى الْكِتَابَةَ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ الثَّانِي وَهُوَ حُرٌّ صَارَ كَأَنَّهُ كَاتَبَهُ وَهُوَ حُرٌّ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
299 - 299 - وَلِلصَّبِيِّ أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ .
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَلَى مَالٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْأَبِ ، كَالْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ النَّقْضُ وَالْفَسْخُ ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَتَوَلَّاهُ وَلَا يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ أَيْضًا أَنْ يَفْعَلَهُ بِإِذْنِهِ كَالطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ أَمْنَ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَعْتِقَ فَيَحْصُلَ لَهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ ، أَوْ يَعْجِزَ فَيَعُودَ رَقِيقًا كَمَا كَانَ ، وَإِذَا أَمِنَ الضَّرَرَ فِيهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْأَبِ ، كَالْبَيْعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ فَيُوَفَّى ذَلِكَ الْمَالُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يُؤْمَنْ الضَّرَرُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ فَاشْتِرَاطُ الْمَالِ الْبَدَلَ فِيهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ جِنْسِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْهِبَةِ ، وَتَبَرُّعُهُ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَبَرُّعٍ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ عَقْدُهُ .
300 - 300 - إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِمُكَاتَبِهِ : أَبْرَأْتُكَ عَنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَقَالَ : قَدْ رَدَدْتُ بِعِتْقٍ ، وَلَمْ يُرَدَّ عَنْ هَذَا ، ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَالَ يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُهُ .
وَلَوْ قَالَ : أَبْرَأْتُكَ عَنْ نِصْفِ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَقَالَ : رَدَدْتُ ، لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إيجَابُ حَقٍّ ، وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِيجَابٌ ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَالْإِقْرَارِ فَإِذَا أَبْرَأَهُ سَقَطَ مَالُ الْكِتَابَةِ عَنْهُ ، وَسُقُوطُ مَالِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ يُوجِبُ عِتْقَهُ فَإِذَا قَالَ : رَدَدْتُ ؛ بَطَلَ الْإِبْرَاءُ بِرَدِّهِ كَمَا لَوْ رَدَّ الْإِقْرَارَ يُعَادُ الْمَالُ إلَيْهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ لَا يُوجِبُ إبْطَالَهُ ، كَمَا لَوْ أَدَّى مَالِ الْكِتَابَةِ فَوَجَدَهُ زُيُوفًا فَرَدَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعِتْقَ وَيَعُودُ الْمَالُ إلَيْهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَ عَنْ نِصْفِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِ تُوجِبُ سُقُوطَهُ ، فَصَارَ كَالِاسْتِيفَاءِ ، وَلَوْ اسْتَوْفَى بَعْضَ مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَعْتِقْ بِشَيْءٍ كَذَلِكَ هَذَا .
كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ 301 - إذَا حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا ، فَخَرَجَتْ مَرَّةً بِإِذْنِهِ وَمَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : حَتَّى آذَنَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ .
كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنْ قَدِمَ لَمْ تَطْلُقْ ، وَإِلَّا طَلُقَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : " إلَّا أَنْ " يَكُونُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } بِمَعْنَى إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَكُمْ ، فَإِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْغَايَةِ كَانَ فِي حَمْلِهِ عَلَى الشَّرْطِ مَنْعُ لُزُومِ حُكْمِهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ لَمْ آذَنْ لَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْتِ مِنْ الدَّارِ ، فَيَكُونُ تَعْلِيقُ يَمِينٍ بِالشَّرْطِ ، وَالْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ بِالشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِ ، كَالْجَزَاءِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ، وَالرَّجُلُ إنَّمَا قَصَدَ بِكَلَامِهِ اللُّزُومَ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُمْنَعُ لُزُومُهُ ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْغَايَةِ قَصْدُ تَصْحِيحِهَا ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْغَايَاتِ فِي الْأَيْمَانِ يَصِحُّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فِي شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ صَحَّ ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ ، فَحُمِلَ عَلَى مَعْنَى الْغَايَةِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ خَرَجْتِ مِنْ الدَّارِ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِذَا أَذِنَ لَهَا مَرَّةً وُجِدَتْ الْغَايَةُ فَارْتَفَعَتْ الْيَمِينُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ ؛ لِأَنَّ " إلَّا أَنْ " يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْغَايَةِ إلْغَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَوْقِيتًا لِلطَّلَاقِ ، وَالطَّلَاقُ إذَا وُقِّتَ تَأَبَّدَ ، فَلَا يَصِحُّ التَّوْقِيتُ فِيهِ فَلَا يُحْمَلُ
عَلَيْهِ ، وَفِي حَمْلِهِ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ تَصْحِيحُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ ، وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ يَصِحُّ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ ، فَإِنْ قَدِمَ وَإِلَّا طَلُقَتْ .
302 - 302 - وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا وَهُوَ فِيهِ دَاخِلٌ فَمَكَثَ أَيَّامًا لَا يَحْنَثُ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا سَاكِنٌ ، فَأَقَامَ فِيهَا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدُّخُولَ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْفِصَالِ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ ، وَالْبَقَاءُ عَلَى الدُّخُولِ لَا يُسَمَّى دُخُولًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : دَخَلْتُ الدَّارَ شَهْرًا فَلَمْ يُوجَدْ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السُّكْنَى ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى السُّكْنَى سُكْنَى مُبْتَدَأً ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ : سَكَنْتُ الدَّارَ شَهْرًا ، فَصَارَ كَالْمُبْتَدِئِ سُكْنَى بَعْدَ سُكْنَى فَوُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
303 - 303 - إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَذُوقَ شَرَابًا وَهُوَ يَعْنِي النَّبِيذَ فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ لَبَنًا فَأَكَلَهُ أَوْ شَرِبَهُ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الذَّوْقَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الشُّرْبُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا } وَالْمُرَادُ بِهِ الشُّرْبُ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَكْلُ يُقَالُ : مَا ذُقْتُ الْيَوْمَ طَعَامًا ، أَيْ : مَا أَكَلْت الْيَوْمَ شَيْئًا ، فَإِذَا نَوَى النَّبِيذَ انْصَرَفَ إلَى الْمُعْتَادِ مِنْهُ ، وَالْمُعْتَادُ مِنْ النَّبِيذِ الشُّرْبُ ، فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ ، فَإِذَا أَكَلَ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِذَا نَوَى اللَّبَنَ انْصَرَفَ إلَى الْمُعْتَادِ مِنْهُ وَالْمُعْتَادُ مِنْهُ أَنَّ اللَّبَنَ يُشْرَبُ تَارَةً ، وَيُؤْكَلُ أُخْرَى فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ .
304 - 304 - إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الْقَمِيصَ ، فَجَعَلَ مِنْهُ قَبَاءً فَلَبِسَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَصَارَ شَيْخًا فَكَلَّمَهُ يَحْنَثُ .
وَالْفَرْقُ أَنْ عَقْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الصِّفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّابِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ كَلَامِهِ لِكَوْنِهِ شَابًّا ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ كَلَامِهِ لِأَجْلِ عَيْنِهِ ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَإِذَا كَلَّمَهُ فَقَدْ وُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَحَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَمِيصُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَمْتَنِعُ عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ لِكَوْنِهِ قَمِيصًا فَإِذَا اتَّخَذَ مِنْهُ قَبَاءً أَزَالَ تِلْكَ الصِّفَةَ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَا فِي الْآخَرِ ، فَقَدْ عَلَّقَ الْيَمِينَ بِصِفَةٍ ، وَقَدْ زَالَتْ وَتَبَدَّلَ ذَلِكَ الِاسْمُ ، وَتَجَدَّدَ اسْمٌ آخَرُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ زَالَتْ الْعَيْنُ وَتَجَدَّدَتْ عَيْنٌ أُخْرَى ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَذَلِكَ هَذَا .
305 - 305 - إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ أُخْرَى مَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَلَّا يَرْكَبَ دَابَّةً لِفُلَانٍ ، فَرَكِبَ دَابَّةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ فُلَانٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلَانُ مَعَ غَيْرِهِ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ مَا يُسَمَّى ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ وَبَعْضُ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ ، وَكَذَلِكَ الْمَنْفِيُّ رُكُوبُ دَابَّةٍ تُنْسَبُ إلَى فُلَانٍ ، وَبَعْضُ الدَّابَّةِ لَا يُسَمَّى دَابَّةً ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَلَمْ يَحْنَثْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : لَا آكُلُ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ أَكْلُ طَعَامٍ عَقَدَ فُلَانٌ عَلَيْهِ عَقْدَ الشِّرَاءِ ، وَبَعْضُ الطَّعَامِ يُسَمَّى طَعَامًا ، فَوُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَحَنِثَ .
306 - 306 - إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَسَمَّاهُ بِعَيْنِهِ ، فَاتَّزَرَ بِهِ أَوْ ارْتَدَى بِهِ حَنِثَ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا ، فَارْتَدَى بِقَمِيصٍ ، أَوْ اتَّزَرَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ غَيْرِ مُعِينٍ ، فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ شَابًّا فَكَلَّمَ شَيْخًا كَانَ شَابًّا وَقْتَ يَمِينِهِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِالصِّفَةِ فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى الْمُعْتَادِ لُبْسُهُ ، فَإِذَا ارْتَدَى بِهِ فَلَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ، فَلَمْ يَحْنَثْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ وَالِاسْمُ بَاقٍ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِهِ دُونَ الصِّفَةِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِالْعَيْنِ دُونَ الصِّفَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أَلْبَسُ شَيْئًا ، فَإِذَا لَبِسَهُ حَنِثَ ، سَوَاءٌ لَبِسَهُ لُبْسَ الْقَمِيصِ أَوْ الْإِزَارِ كَذَلِكَ هَذَا .
307 - 307 - إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى بَاعَ ، أَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ ، فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ نَفَى عَقْدًا يُضَافُ إلَيْهِ وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ حَنِثَ لِهَذَا الْمَعْنَى ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ فِي بَابِ الشِّرَاءِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَنْ وَقَّعَ الْعَقْدَ لَهُ فَلَمْ يُوجَدْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّهُ نَفَى عَقْدًا يُضَافُ إلَيْهِ وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ ، وَالْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ لَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ حُقُوقُهُ بِهِ ، فَوُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ فَحَنِثَ .
308 - 308 - غَيْرُ السُّلْطَانِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ حُرًّا ، فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ ؛ لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَرْبَهُ لِلْحُرِّ لَا يَصِيرُ لَهُ بِالْأَمْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ضَرْبِ الضَّارِبِ لَوَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى الضَّارِبِ دُونَ الْآمِرِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ ضَرْبُهُ لَهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ بِرِّهِ فَحَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ عَبْدِهِ يَصِيرُ لَهُ بِالْأَمْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الضَّارِبِ ، وَإِذَا وَقَعَ فِعْلُهُ لَهُ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ بِرِّهِ فَلَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ .
وَأَمَّا الْقَاضِي وَالسُّلْطَانُ فَلَا يُبَاشِرَانِ الضَّرْبَ بِأَنْفُسِهِمَا ، فَالضَّرْبُ نُسِبَ إلَى الْآمِرِ ، فَدَخَلَ فِي الِاسْمِ فَبَرَّ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ حُرًّا .
309 - 309 - إذَا قَالَ : أَيُّ غِلْمَانِي بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ ، فَبَشَّرَهُ وَاحِدٌ ثُمَّ آخَرُ عَتَقَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي .
وَلَوْ قَالَ : أَيُّ غِلْمَانِي أَخْبَرَنِي بِكَذَا ، فَأَخْبَرَهُ وَاحِدٌ ، ثُمَّ آخَرُ عَتَقَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِلْخَبَرِ السَّارِّ الصِّدْقِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الِاسْتِبْشَارُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ حِنْثِهِ فِي الثَّانِي ، فَلَا يَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِخْبَارُ ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ هُوَ أَنْ يُنَظِّمَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ كَمَا يُقَالُ : قَدِمَ زَيْدٌ وَخَرَجَ عَمْرٌو ، وَالْإِخْبَارُ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَعْلُومًا .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } وَهُوَ كَانَ عَالِمًا بِأَسْمَائِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِخْبَارَ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَالِمًا ، فَوُجِدَ فِي الثَّانِي مِثْلُ مَا وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ فَعَتَقَا جَمِيعًا .
310 - 310 - إذَا قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ مَوْلَاكَ ، وَلَهُ مَوْلَيَانِ أَعْلَى وَأَسْفَلُ ، فَأَيَّهُمَا كَلَّمَ حَنِثَ .
وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ لِمَوْلَاك ، وَلَهُ مَوْلَيَانِ أَعْلَى وَأَسْفَلُ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ يَدْخُلَانِ تَحْتَ هَذَا الِاسْمِ وَالْمَقْصُودُ بِالْيَمِينِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ بِمَعْنًى يَدْخُلُ الْآخَرُ تَحْتَهُ ، فَصَارَ الْمَقْصُودُ لَهُ بِالْعَقْدِ مَجْهُولًا وَنَفْيُ كَلَامِ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا مِنْ النَّاسِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْمَوْلَى الْأَعْلَى : الْمُجَازَاةُ وَالْمُكَافَأَةُ ، وَالْوَصِيَّةِ لِلْأَسْفَلِ : النِّعْمَةُ عَلَيْهِ ، وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ ، فَصَارَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ مَجْهُولًا ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ كَمَا قَالَ .
أَوْصَيْتُ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
311 - 311 - إذَا قَالَ لِأَمَةٍ : إنْ بَاعَكِ فُلَانٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، فَبَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ تَعْتِقْ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ، فَاشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ عَتَقَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالِكَ أَضَافَ عِتْقَهَا إلَى الْبَيْعِ ، وَالْبَيْعُ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ ، وَفِعْلُ الْغَيْرِ قَدْ يَقَعُ لِنَفْسِهِ ، وَيَقَعُ لِغَيْرِهِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُضِيفًا الْعِتْقَ إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَعْتِقْ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَاشْتَرَاهُ وَدَخَلَهَا لَمْ يَعْتِقْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : إنْ اشْتَرَيْتُكَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، وَفِعْلُ الْإِنْسَانِ يَقَعُ لِنَفْسِهِ فِي الظَّاهِرِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُكَ لِنَفْسِي فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ لَزِمَهُ فَقَدْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ، فَعَتَقَ .
312 - 312 - رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ ، فَقَالَ آخَرُ : عَلَيَّ مِثْلُ ذَلِكَ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ ، فَدَخَلَ الثَّانِي لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : عَلَيَّ نَسَمَةٌ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ ، فَقَالَ آخَرُ : عَلَيَّ مِثْلُ يَمِينِكَ إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ ، فَهَذَا لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ ، وَلَمْ يُوجِبْ عِتْقًا فِي ذِمَّتِهِ ، وَالْأَوَّلُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَبْرَأْ عَنْ يَمِينِهِ ، وَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يَلْزَمُ الثَّانِيَ يَبْرَأُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَيُعْتِقَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفِعْلُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَبَ فِي ذِمَّتِهِ عِتْقَ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَالْعِتْقُ مِمَّا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ ، وَالثَّانِي أَوْجَبَ مِثْلَ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِي ذِمَّتِهِ كَانَ كَمِثْلِ مَا أَوْجَبَهُ الْأَوَّلُ ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ .
313 - 313 - وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا شَعِيرٌ ؛ أَوْ شَعِيرًا فِيهِ حِنْطَةٌ حَنِثَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حِنْطَةً فَاشْتَرَى شَعِيرًا فِيهِ حَبَّاتُ حِنْطَةٍ لَا يَحْنَثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِيَمِينِهِ أَكْلُ الْحِنْطَةِ وَالْأَكْلُ فِعْلٌ وَبَعْضُ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْبَعْضِ ، وَكُلُّ حَبَّةٍ مِنْهَا تُقْصَدُ بِالْأَكْلِ ، فَوُجِدَ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَحَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْقَصْدُ إلَى الْعَقْدِ عَلَى الْحِنْطَةِ ، وَالشِّرَاءُ قَوْلٌ فَيَتْبَعُ بَعْضُ مَا يَتَضَمَّنُهُ بَعْضًا ، وَالْحِنْطَةُ الْوَاحِدَةُ فِي أَثْنَاءِ الشَّعِيرِ لَا يُقْصَدُ بِالشِّرَاءِ ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا ، فَلَمْ يَقْصِدْ الْحَبَّةَ بِالشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا نَفَاهُ بِعَقْدِهِ ، فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِسْمَارًا فَاشْتَرَى دَارًا عَلَى أَبْوَابِهَا مِسْمَارٌ لَا يَحْنَثُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
314 - 314 - إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الشَّاةِ ، فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ ضَأْنٍ أَوْ مَاعِزٍ فَشَرِبَهُ حَنِثَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ ضَأْنٍ فَخَلَطَهُ بِلَبَنِ مَاعِزٍ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الْمَاعِزِ ، فَإِذَا شَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الضَّأْنِ فَإِذَا شَرِبَهُ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَ عَلَى اللَّبَنِ ، وَاخْتِلَاطُ لَبَنِ الْمَاعِزِ بِلَبَنِ الضَّأْنِ لَا يَسْلُبُهُ اسْمَ اللَّبَنِ ، فَبَقِيَ الِاسْمُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ شَرِبَ اللَّبَنَ الْمَنْفِيَّ مَعَ غَيْرِهِ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَا آكُلُ هَذَا الثَّمَرَ ، فَأَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ حَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : لَا أَشْرَبُ لَبَنَ ضَأْنٍ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى مَوْصُوفٍ وَهُوَ أَلَّا يَشْرَبَ لَبَنَ الضَّأْنِ وَاخْتِلَاطُ لَبَنِ الضَّأْنِ بِلَبَنِ الْمَاعِزِ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ يَسْلُبُهُ اسْمَ لَبَنِ الضَّأْنِ ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لِلْغَالِبِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمَشْرُوبُ بِذَلِكَ الِاسْمِ ، فَلَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ لَبَنًا فِيهِ قَطْرَةُ مَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
315 - 315 - إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْجَزُورِ الْيَوْمَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ حَنِثَ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمَ هَذَا الْجَزُورِ فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ أَكْلَ جَمِيعِ لَحْمِ الْجَزُورِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُهُ ، فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى الْمُتَأَتَّى مِنْهُ ، وَهُوَ الْبَعْضُ ، فَإِذَا أَكَلَ الْبَعْضَ حَنِثَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً حَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْجَزُورِ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ بِالشِّرَاءِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِوُجُودِ بَعْضِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : لَا أَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
316 - 316 - وَلَوْ قَالَ : لَا آكُلُ مِنْ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ ، فَأَكَلَ أَحَدَهُمَا حَنِثَ .
وَلَوْ قَالَ : لَا أَشْتَرِي مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ، فَاشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَحْنَثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " مِنْ " تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَتَكُونُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا فِي الشِّرَاءِ عَلَى التَّبْعِيضِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَتَبَعَّضُ ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُحْمَلْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، فَيَجِبُ أَنْ يُلَاقِيَ شِرَاهُ إيَّاهُمَا ، فَإِذَا اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَحْنَثْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الرَّغِيفَيْنِ ؛ لِأَنَّ حَمْلَ " مِنْ " عَلَى التَّبْعِيضِ مُمْكِنٌ ؛ إذْ الرَّغِيفُ مِمَّا يَتَبَعَّضُ فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى التَّبْعِيضِ ، فَإِذَا أَكَلَ أَحَدَهُمَا فَقَدْ أَكَلَ بَعْضَهُمَا فَحَنِثَ .
317 - 317 - إذَا قَالَ : أَوَّلُ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ ، فَمَلَكَ عَبْدًا ، وَنِصْفًا عَتَقَ الْعَبْدُ .
وَلَوْ قَالَ : أَوَّلُ كُرٍّ يَمْلِكُهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ ، فَمَلَكَ كُرًّا وَنِصْفًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِلسَّابِقِ الْمُنْفَرِدِ وَنِصْفَ الْعَبْدِ لَا يُسَمَّى عَبْدًا ، وَالْوَاحِدُ يُسَمَّى عَبْدًا ، فَهَذَا الْوَاحِدُ أَوَّلُ عَبْدٍ وَلَمْ يُشَارِكْهُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لَا يُسَمَّى عَبْدًا فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكُرُّ ؛ لِأَنَّ الْكُرَّ مِنْهُ لَا يُسَمَّى أَوَّلًا حَقِيقَةً ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ نِصْفَهُ مِنْهُ وَضَمَّ إلَيْهِ النِّصْفَ الزَّائِدَ سُمِّيَ الْجَمِيعُ كُرًّا ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا أَوَّلًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، لِجَوَازِ أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ النِّصْفَ إلَى نِصْفِ هَذَا ، وَيَعْزِلُ نِصْفَ هَذَا فَيَصِيرُ نِصْفُ هَذَا ثَانِيًا وَنِصْفٌ لِلْأَوَّلِ ، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي اسْمِ أَنَّهُ أَوَّلُ كُرٍّ لَمْ يَحْنَثْ .
318 - 318 - إذَا قَالَ : إنْ شَتَمَتْك فِي الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَشَتَمَهُ وَالْحَالِفُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حَنِثَ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ ضَرَبْتُكَ فِي الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَضَرَبَهُ وَالْحَالِفُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حِينَ ضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّتْمَ قَوْلٌ ، وَالْقَوْلُ عَلَى الْعَاقِدِ دُونَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَدَخَلَ فِي اسْمِ أَنَّهُ شَتَمَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ : ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ فِي الْمَسْجِدِ ، فَدَخَلَ فِي الِاسْمِ فَحَنِثَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الضَّرْبُ ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ فِعْلٌ ، وَالْفِعْلُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ ، فَإِنْ ضَرَبَهُ وَالْمَضْرُوبُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ الَّذِي نَفَاهُ بِالْيَمِينِ وَهُوَ ضَرْبُهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَحْنَثْ ، وَالضَّارِبُ وَإِنْ ضَرَبَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وُجِدَ الْفِعْلُ الَّذِي نَفَاهُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَنِثَ .
319 - 319 - إذَا قَالَ : إنْ قَتَلْتُكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَعَبْدِي حُرٌّ ، فَضَرَبَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَنِثَ .
وَلَوْ كَانَ ضَرَبَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ ثُمَّ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْنَثْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُودُ فِعْلٍ يَصِيرُ بِهِ قَاتِلًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ يَمِينِهِ ، فَإِذَا ضَرَبَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ ، وَمَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ يَمِينِهِ فَقَدْ وُجِدَ مَا نَفَاهُ فَيَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الضَّرْبُ قَبْلَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُودُ فِعْلٍ يَحْصُلُ بِهِ تَفْوِيتُ الرُّوحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِعَقْدِهِ فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ .
320 - 320 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَظَرَ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ آخَرَ فَقَالَ : إنْ بِعْتُكَ عَبْدِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ وَبِهَذَا الْكُرِّ فَهُمَا صَدَقَةٌ لِلْمَسَاكِينِ ، فَبَاعَ عَبْدَهُ بِهِمَا ، وَدَفَعَهُمَا إلَى الْبَائِعِ ، وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ الْعَبْدَ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَتَصَدَّقُ بِالْكُرِّ ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْع أَوْجَبَ التَّصَدُّقَ بِتِلْكَ الْحِنْطَةِ ، وَلَمْ يُوجِبْ التَّصَدُّقَ بِالدَّرَاهِمِ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، فَقَدْ أَضَافَ الصَّدَقَةَ فِي الْحِنْطَةِ إلَى الْمِلْكِ ، وَلَمْ يُضِفْ إلَى الدَّرَاهِمِ ، فَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْكُرِّ دُونَ الدَّرَاهِمِ .
فَإِنْ قِيلَ : إنْ لَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِالدَّرَاهِمِ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ كَمَالُ شَرْطِ الْحِنْثِ .
قُلْنَا : إنَّ الْعَقْدَ بِالدَّرَاهِمِ هُوَ تَسْمِيَتُهَا فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا عَلَى عَيْنِ الدَّرَاهِمِ ، فَيَمْلِكُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَيَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِمَا ، فَانْصَرَفَ يَمِينُهُ إلَى الْمُمْكِنِ الْمُتَأَتَّى ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ بِعْتُ الْكُرَّ وَسَمَّيْتُ الدَّرَاهِمَ فِي الْعَقْدِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا ، فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُرِّ دُونَ الدَّرَاهِمِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
321 - 321 - وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى وَصِيفٍ أَوْ ثَوْبٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، ثُمَّ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ .
وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَقَبَضَهُ لَزِمَهَا التَّصَدُّقُ بِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا قَبَضَتْ الْوَصِيفَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ يَكُونُ قَبْضًا مَضْمُونًا ، فَقَدْ مَلَكْتُهُ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ ، وَالزَّوْجُ قَصَدَ تَمْلِيكَهَا ، وَتَمْلِيكُ الْحَيَوَانِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ وَأَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ أَعْدَلَ مِنْ الْقِيمَةِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْعَيْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقْرَضَهُ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا كَانَ قَرْضًا مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ ، كَانَ رَدُّ الْعَيْنِ أَعْدَلَ مِنْ الْقِيمَةِ ، فَوَجَبَ عَلَيْهَا رَدُّ عَيْنِ الْوَصِيفِ وَعَيْنِ الثَّوْبِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا عَيْنَ مَا أَوْجَبَتْ التَّصَدُّقَ بِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهَا فَصَارَ كَالتَّلَفِ ، فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ وَأَمَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَتَمْلِيكُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَابِضُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ عَيْنَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ قِيمَتَهُ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَلَمْ يَكُنْ الْعَيْنُ أَعْدَلَ مِنْ الْمِثْلِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الزَّوْجُ عَلَيْهَا عَيْنَ مَا قَبَضَتْهُ ، وَإِنَّمَا لَحِقَهَا دَيْنٌ وَلُحُوقُ دَيْنٍ إيَّاهَا مِثْلُ مَا وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ فِيهِ لَا يُسْقِطُ الصَّدَقَةَ ، فَلَزِمَهَا التَّصَدُّقُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنْ لَوْ لَمْ يُعَيَّنْ الْحَيَوَانُ بِالْعَقْدِ لَجَعَلْنَاهُ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ، وَالْحَيَوَانُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ، فَجُعِلَ اسْتِيفَاءٌ لِعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ ، وَمَا مُلِكَ بِتَضْمِينِ
نَفْسِهِ كَانَ عَيْنُهُ أَعْدَلَ مِنْ قِيمَتِهِ ، كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا .
وَفِي الْمَكِيلِ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ جَعَلْنَاهُ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ مِثْلًا مِنْ جِنْسِهِ ، فَكَانَ هُوَ وَمِثْلُهُ سَوَاءً ، فَلَمْ يُجْعَلْ اسْتِيفَاءً لِعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَإِنَّهَا مَا دَامَتْ قَائِمَةً وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا تَمْلِيكٌ ، فَصَارَ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ .
322 - 322 - إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِآخَرَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ ، فَكَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَنِثَ .
وَإِنْ قَالَ : لَا أُكَلِّمْكَ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ ، فَكَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَعَادَ حَرْفَ النَّفْيِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْرَدًا بِالْفِعْلِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا } وَقَوْلِهِ : { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا } ، وَيَقُولُ : مَا أَكَلْت خُبْزًا وَلَا لَحْمًا ، أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِالنَّفْيِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمًا ، ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ يَوْمَيْنِ وَمُدَّةُ الْيَمِينِ تُرَاعَى مِنْ حِينِ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدَانِ وُجِدَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، فَصَارَتْ مُدَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ حِينِ حَلَفَ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْيَمِينِ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ الثَّانِي ، فَلَا يَحْنَثُ بِمَا وَرَاءَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الْيَوْمَيْنِ عَلَى الْوَاحِدِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ وَلَا يَكُونُ كَالْمُفْرَدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنَّفْيِ ، فَكَانَ بِالْكَلَامِ حَانِثًا .
323 - 323 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : عَبْدِي حُرٌّ إنْ فَارَقْتُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مَا لِي عَلَيْكَ ، وَلَهُ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَوْفَاهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ افْتَرَقَا فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً أَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ فَقَدْ اسْتَوْفَاهَا وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ .
وَإِنْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، وَهُوَ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ ، وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهِ جَازَ ، وَكَذَلِكَ الْبَهْرَجَةُ وَالْمُسْتَحَقُّ يَدْخُلَانِ فِي الْقَضَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ يَجُوزُ فَدَخَلَ فِي اسْمِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَإِنَّمَا يَنُصُّ مَنْ نَقَدَ فَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَأَمَّا السَّتُّوقَةُ أَوْ الرَّصَاصُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي اسْمِ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَا لَوْ افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ .
324 - 324 - إذَا قَالَ : إنْ مَلَكْتُ عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ ، فَاشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ ، ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ لَمْ يَعْتِقْ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُ عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ ، فَاشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ يَعْتِقُ .
وَلَوْ أَشَارَ إلَى عَبْدٍ وَقَالَ : إنْ مَلَكْتُكَ أَوْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ ، فَمَلَكَ نِصْفَهُ وَبَاعَهُ أَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ وَبَاعَهُ ، ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْبَاقِيَ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ عَلِقَ بِمِلْكِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، فَانْصَرَفَ إلَى اجْتِمَاعِ الْمِلْكِ لِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ وَجَرَيَانِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ } ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى عَبْدٍ كَامِلٍ بِجَمِيعِ الْمِلْكِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ : أَكَلْت رَغِيفَيْنِ وَمَلَكْتُ مِائَتِي دِرْهَمٍ ، وَيُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ اشْتَرَيْتُ ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يُنْبِئُ عَلَى تَمْلِيكٍ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ فَلَا يُفِيدُ اجْتِمَاعُ الْمِلْكِ فِيهِ عُرْفًا وَعَادَةً ، فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِحَقِيقَتِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا عُيِّنَ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ مِلْكَ الْغَيْرِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعُ الْمَلِكِ ، فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْعُرْفُ ، وَإِنَّمَا يُرَاعِي الْحَقِيقَةَ إلَى أَنْ يُوجَدَ عُرْفٌ يَخُصُّهُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأَعْيَانِ عُرْفٌ ، فَبَقِيَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ : إنْ لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَاتَّزَرَ بِهِ ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ ، وَلَا يُرَاعَى الْعُرْفُ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ لَبِسْتُ قَمِيصًا فَاتَّزَرَ بِقَمِيصٍ لَا يَحْنَثُ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
325 - 325 - إذَا قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ بَاعَ هَذَا الشَّيْءَ مِنْكَ بِعَشَرَةٍ حَتَّى تَزِيدَهُ ، فَزَادَهُ دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا غَيْرَ الدَّرَاهِمِ - لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ .
وَلَوْ قَالَ : عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ فَبَاعَهُ بِتِسْعَةٍ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " حَتَّى " إذَا قُرِنَ بِالنَّفْيِ لَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ مِنْ غَيْرِ مَا قُرِنَ بِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَدَخَلَتْ مَرَّةً بِإِذْنِهِ وَمَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا تَطْلُقُ ، وَالْمَقْرُونُ هَاهُنَا الْعَقْدُ بِعَشَرَةٍ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقْدُ بِتِسْعَةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : إلَّا بِزِيَادَةٍ ؛ لِأَنَّ " إلَّا " إذَا قُرِنَ بِالنَّفْيِ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ غَيْرِ مَا قُرِنَ بِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَدَخَلَتْ بِإِذْنِهِ مَرَّةً ، ثُمَّ دَخَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ، فَصَارَ نَافِيًا كُلَّ عَقْدٍ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْعَشَرَةِ ، فَإِذَا بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَمْ تُوجَدْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحَنِثَ فِي يَمِينِهِ .
326 - 326 - إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَمَا لَهُ صَدَقَةٌ ، أَوْ صَلَّيْتَ فَمَا لَهُ صَدَقَةٌ ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَصَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَمْ يَحْنَثْ ، وَلَوْ تَدَبَّرَ الْكَلَامَ تَدْبِيرًا فَقَالَ : إنْ كُنْتُ تَزَوَّجْتُ أَوْ كُنْتُ صَلَّيْتُ ، وَقَدْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إنْ كُنْتُ صَلَّيْتُ أَوْ كُنْتُ تَزَوَّجْتُ إخْبَارٌ ، وَالْإِخْبَارُ يَقْتَضِي الْمَخْبَرَ بِحُصُولِ الِاسْمِ لَهُ ، وَاسْمُ النِّكَاحِ يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ وَالْجَائِزِ جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الصَّلَاةِ يَحْصُلُ فَيَحْنَثُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْتَقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَحْصِيلِ فِعْلٍ فَيُعْتَبَرُ مَقْصُودُهُ ، وَالْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ إبَاحَةُ الْبُضْعِ ، وَذَاكَ لَا يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ ، فَلَا يَحْنَثُ وَفِي الْمَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقْصِدَ حَظْرًا وَإِبَاحَةً فِي وَقْتٍ مَاضٍ ؛ إذْ لَا يَنْفَرِدُ إلَّا بِفِعْلٍ فِي وَقْتٍ مَاضٍ فَجَعَلَ الْفَاسِدَ وَالصَّحِيحَ فِيهِ سَوَاءً .
كِتَابُ الْحُدُودِ 327 - إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا حُبِسَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تُزَكِّيَ الشُّهُودُ .
وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِمَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى اجْتِهَادُ الْحُكْمِ إلَى أَنَّهُمْ عُدُولٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ ، إذَا وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِي إمْضَائِهِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَعْدِلُوا ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُخْلَى سَبِيلُهُ ، أَوْ يُكْفَلَ ، أَوْ يُحْبَسَ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْلَى سَبِيلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَهْرُبَ قُبَيْلَ الْحُدُودِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْفَلَ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي بَابِ الْحُدُودِ لَا تَجُوزُ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْحَبْسِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْكَفَالَةِ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ ، وَقَدْ وَجَدْنَا مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ الْكَفِيلُ احْتِيَاطًا وَلَا يُحْبَسُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَبْسَ فِي الْحُدُودِ لَا يَكُونُ إمْضَاءً لِلْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الشَّهَادَةُ وَالتَّزْكِيَةُ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْحَبْسِ فَلَمْ يَكُنْ الْحَبْسُ إمْضَاءً لِلْحَدِّ ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِيثَاقٌ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ إمْضَاءٌ لِلْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ ، وَتَمَامِ الشَّهَادَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْحَبْسِ ، وَإِمْضَاءُ الْحُكْمِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا يَجُوزُ .
328 - 328 - أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا ، فَسَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ مَاهِيَّتِهِ فَقَالُوا : لَا نَزِيدُك عَلَى هَذَا ؛ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ وَصَفَهُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ .
وَلَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا وَوَصَفُوهُ وَقَالَ الرَّابِعُ أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ ، فَسُئِلَ عَنْ صِفَتِهِ فَلَمْ يَصِفْهُ وَجَبَ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُمْ لَوْ فَسَّرُوا إنَّمَا يُوجَبُ الْحَدُّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَيَجُوزُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا وُجِدَ ، وَالْخِلَافُ مُمْكِنٌ فَلَا يَبْطُلُ الْمُتَعَيَّنُ بِهِ بِالْمُمْكِنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ أَوَّلًا ، وَوَصَفُوا وَلَمْ يَصِفْ الرَّابِعُ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ قَدْ ظَهَرَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَ الرَّابِعُ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُفَسِّرَ فَلَا يَبْطُلُ الظَّاهِرُ بِخِلَافِ الْمُمْكِنِ كَالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ لَا تَبْطُلُ بِفِسْقٍ مُمْكِنٍ .
329 - 329 - وَيُجَرَّدُ فِي سَائِر الْحُدُودِ فَيُضْرَبُ .
وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ يُضْرَبُ ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُبَاشِرَ جِلْدَهُ الْأَذَى ، وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ بَاشَرَ الْمُحَرَّمَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا ، فَجَازَ أَنْ لَا يُبَاشَرَ إيلَامُ جِلْدِهِ بِالضَّرْبِ .
330 - 330 - النَّاسُ أَحْرَارٌ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : فِي الشَّهَادَةِ وَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ ، وَالْعَقْلِ ، وَصُورَتُهَا إذَا شَهِدُوا بِمَالٍ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ : هُمْ عَبِيدٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّةِ الشُّهُودِ .
وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلًا ، ثُمَّ قَالَ الْقَاذِفُ : أَنَا عَبْدٌ فَحَدَّنِي حَدَّ الْعَبِيدِ ، أَوْ الْمَقْذُوفُ عَبْدٌ فَلَا حَدَّ عَلَيَّ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُرِّيَّتِهِ أَوْ حُرِّيَّةِ الْمَقْذُوفِ .
وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ ، فَقَالَ الْقَاطِعُ : أَنَا عَبْدٌ أَوْ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَبْدٌ ، فَلَا يَجْرِي بَيْنَنَا الْقِصَاصُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ أَوْ حُرِّيَّةِ الْمَقْطُوعِ يَدُهُ .
وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا خَطَأً فَقَالَ الْقَاتِلُ : أَنَا حُرٌّ ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَقَالَتْ الْعَاقِلَةُ : بَلْ هُوَ عَبْدٌ ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَاقِلَةِ ، أَنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فَهُمْ أَحْرَارٌ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ الرِّقَّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرِّقِّ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ ، وَالظَّاهِرُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي رَجُلٍ فَجَاءَ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، ثُمَّ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ هَذِهِ الدَّارِ فَجَاءَ صَاحِبُ الْيَدِ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ بِهَا لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ ، فَدَلَّ أَنَّ الظَّوَاهِرَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا حَقٌّ عَلَى الْغَيْرِ ، فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَوْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ بِالظَّاهِرِ حَقًّا عَلَى الْغَيْرِ ، إمَّا عَلَى الْمَشْهُودِ
عَلَيْهِ الْمَالَ ، أَوْ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ الْقِصَاصَ أَوْ حَدَّ الْقَذْفِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَأَمَّا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ بِخِلَافِهِ نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ أَنَّهُ حُرٌّ فَجَاءَ آخَرُ وَقَالَ : أَنْتَ عَبْدِي ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَنَّهُ حُرٌّ ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ عَبْدًا يَكُونُ فِي يَدِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الظَّاهِرَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَجُعِلَ حُرًّا وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ فِي نَظَائِرِهِ .
331 - 331 - إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ ، فَزُكُّوا ثُمَّ رُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا ؛ قَالَ : لَا حَدَّ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا ضَمَانَ .
وَلَوْ شَهِدُوا فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ حُدُّوا .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ عَبْدًا ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَهَادَةً ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ ، فَصَارَ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَذْفًا ، فَقَدْ قَذَفُوا وَمَاتَ الْمَقْذُوفُ فَسَقَطَ عَنْهُمْ الْحَدُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَهَادَةً ؛ إذْ شَهَادَةُ الْحُرِّ شَهَادَةٌ ، فَإِذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، صَارَ الْآخَرُ قَاذِفًا ، فَقَدْ قَذَفُوا مَيِّتًا وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
332 - 332 - إذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّاهِدَ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَمْهَلَهُ الْقَاضِي مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ .
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةٍ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَمْ يَجُزْ فَهُوَ يُبَيِّنُ بَيِّنَتَهُ أَنَّ مَا أُقِيمَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً ؛ إذْ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ لَا تُقْبَلُ ، فَكَانَ مُخَلِّصًا وَإِذَا ادَّعَى مُخَلِّصًا وَبَيَّنَهُ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفِسْقُ ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ فَإِنَّا لَمْ نَنْقُضْ قَضَاؤُهُ ، فَلَمْ يَدَّعِ مُخَلِّصًا ، وَإِنَّمَا طَعَنَ فِي الشَّاهِدِ وَالطَّعْنُ شُرِعَ سِرًّا فَإِذَا أَتَى بِهِ جَهْرًا لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَهُ ، كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِعَتْ جَهْرًا فَإِذَا أَتَى بِهَا سِرًّا لَمْ تَقَعْ مَوْقِعَهَا ، كَذَا هَذَا .
إذَا زُفَّتْ لِلرَّجُلِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي دَارِهِ ، ثُمَّ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهَا امْرَأَتِي فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ ، وَالتَّسْلِيمُ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ يُوجِبُ حَقًّا فِي الْعَيْنِ كَالتَّسْلِيمِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، فَقَدْ وَطِئَهَا وَلَهُ حَقٌّ فِي عَيْنِهَا فَثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ كَالْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ، وَكَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي دَارِهِ فَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ إلَيْهِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُمَيِّزَ امْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِهَا بِالتَّفْرِيقِ فَقَدْ وَطِئَهَا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا ، فَكَانَ زِنًا وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } .
334 - 334 - إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يُعَرِّفُوهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ، فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ فَيَجُوزُ أَنَّهُ زِنًا بِامْرَأَةٍ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زِنًا بِامْرَأَةٍ يُوجِبُ الْحَدَّ ، فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِالشَّكِّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّهُ حَكَى فِعْلَ نَفْسِهِ ، فَلَا يَقَعُ لَهُ الْغَلَطُ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ زِنًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَلَزِمَهُ .
335 - 335 - أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا وَهُمْ فُسَّاقٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ ، وَلَا عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانُوا عُمْيَانًا أَوْ عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ فَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " { الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } وَالْفِسْقُ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الظَّنِّ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا ارْتَكَبَ الْمَحْظُورَ يَجُوزُ أَنَّهُ نَدِمَ فَتَابَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ الْحَدُّ لِبَقَاءِ شَهَادَةِ نَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ ، فَبَقِيَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِبَقَاءِ شَهَادَتِهِ ، وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَعْمَى ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا بِالنَّظَرِ ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِ ، وَأَمَّا الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا حُدَّ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ } وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ أَبْطَلَ شَهَادَتَهُ فَصَارَ كَالْعَبْدِ .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ جَازَ ، فَلِمَ لَا يُجْعَلُ كَالْفَاسِقِ ؟ .
قُلْنَا : لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ شَهَادَةً وَلِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ مَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ شَهَادَةً ، فَيَحْصُلُ لَهُ شَهَادَةُ ابْتِدَاءٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا لَيْسَ بِعَقْدٍ عَقْدًا ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَاتِ دَاخِلٌ تَحْتَ وِلَايَتِهِ كَالْعُقُودِ سَوَاءً .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِينَ وَالْمَحْدُودِينَ ، فَإِذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ .
قُلْنَا : لَيْسَ هَذَا مِنْ
أَهْلِ الشَّهَادَةِ الْمَقْبُولَةِ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ : أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ قَذْفًا لَا شَهَادَةً ، وَفِي النِّكَاحِ لَا يُشْتَرَطُ فِعْلٌ مِنْ جِهَتِهِ ، وَيَجُوزُ أَلَّا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ الْمَقْبُولَةِ وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِ كَمَا لَوْ حَضَرَ ابْنَاهُ وَابْنَاهَا .
إذَا قَذَفَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَقَالَ : أَنْتَ زَانٍ أَوْ زُنَاةٌ : حُدَّ ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا فَقَالَ : زَنَيْت ، سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالِاسْتِفْسَارِ فِي الْإِقْرَارِ ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنَّهُ قَالَ لِمَاعِزٍ : لَعَلَّكَ قَبَّلْتَهَا ، لَعَلَّكَ لَمَسْتَهَا فَقَالَ : لَا ، حَتَّى وَصَفَهُ } ، وَفِي الْقَذْفِ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالِاسْتِفْسَارِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ فِي بَابِ الْقَذْفِ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صَرِيحَ الزِّنَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ السَّبَّ وَالشَّتْمَ ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الزِّنَا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ فَسَّرَ فَصَرَّحَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّهُ حَكَى فِعْلَ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الزِّنَا فَلِذَلِكَ شُرِطَ السُّؤَالُ ، وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَا يُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَالِصَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
337 - 337 - إذَا قَالَ : زَنَيْت فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
وَإِذَا قَالَ لِآخَرَ : زَنَيْت فِي دَارِ الْحَرْبِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَأَضَافَهُ إلَى حَالَةٍ عُرِفَتْ وَلَوْ وُجِدَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ الْآنَ ، لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ فَكَذَلِكَ إذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ : زَنَيْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لِأَحَدٍ : زَنَيْتُ ؛ لِأَنَّهُ حَكَى الْفِعْلَ عَنْ غَيْرِهِ وَأَضَافَهُ إلَى حَالٍ عُرِفَ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَمَا يُوجَدُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَكُونُ زِنًا ، وَيَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ فَقَدْ عَيَّرَهُ بِذَلِكَ الْقَوْلِ وَلَزِمَهُ حَدُّ الْقَذْفِ .
338 - 338 - وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ فِي سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ .
وَفِي الزِّنَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ فِي الْحَالِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُجْلَدُ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ ضَرْبَهُ فِي الْحَالِ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ وَهُوَ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّلَفَ .
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرَّجْمِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ التَّلَفَ ، وَفِي ضَرْبِهِ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى التَّلَفِ ، فَجَازَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
339 - 339 - إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الْجَدِّ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا .
وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا وَادَّعَاهُ الْجَدُّ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ دَعْوَى الِاسْتِيلَادِ إنَّمَا يَنْفُذُ لِوِلَايَةٍ ثَابِتَةٍ فِي حَالِ الصِّغَرِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ، كَوِلَايَةِ الْمَالِ ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْهُ وَصَحَّحْنَا دَعْوَاهُ لَنَفَّذْنَا قَوْلَهُ عَلَى الْوَلَدِ ، وَفِي تَنْفِيذِ قَوْلِهِ عَلَى الْوَلَدِ جَعْلُ الْوِلَايَةِ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْجَدِّ مَعَ بَقَاءِ الْأَبِ ، فَلَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِي الْجَارِيَةِ إلَيْهِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَعْتُوهًا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ فَصَارَ نَاقِلًا مِلْكَهُ إلَى نَفْسِهِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ .
340 - 340 - لَا يُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْأَخْرَسِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُدُودِ .
وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ اسْتِحْسَانًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إشَارَةٍ يَقَعُ الْفَصْلُ بِهَا بَيْنَ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَوَطْءٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَنْ يُشِيرَ إلَى وَطْءٍ حَرَامٍ فَصَارَ كَالنَّاطِقِ إذَا قَالَ : وَطِئْتُ حَرَامًا ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ، كَذَا هُنَا ، وَلِأَنَّ إشَارَتَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ ، وَمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْغَيْرِ لَا يُوجَبُ إثْبَاتُ الزِّنَا بِهِ ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ بِالشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْإِنْكَارِ وَإِنْكَارُهُ أُقِيمَ مَقَامَ الْغَيْرِ فَلَوْ اسْتَوْفَيْنَا الْحَدَّ لَاسْتَوْفَيْنَاهُ بِإِنْكَارٍ أُقِيمَ مَقَامَ الْغَيْرِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَسْمَعُ مَا يَشْهَدُونَ بِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْغَائِبِ ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَوْ قَدَرَ عَلَى النُّطْقِ لَادَّعَى شُبْهَةً ، وَعَجْزُهُ عَنْ الْكَلَامِ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَصَارَ ذَلِكَ شُبْهَةً وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرُهُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَيَحْتَالُ فِي إبْطَالِهِ بِدَلِيلِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْخَرَسَ صَارَ شُبْهَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْقِصَاصُ حَقُّ الْآدَمِيِّ ، وَلَا يَحْتَالُ فِي إبْطَالِهِ وَإِسْقَاطِهِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِالشُّبْهَةِ الْمُمْكِنَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْقِصَاصِ ، ثُمَّ رَجَعَ لَا يَبْطُلُ الْقِصَاصُ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ الْحَدُّ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
.
341 - 341 - إذَا زَنَى الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَتَلَ إنْسَانًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا زَنَى فَقَدْ فَسَقَ ، فَانْعَزَلَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَقَدْ زَنَى وَلَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَنْعَزِلُ وَلَكِنْ يُعْزَلُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْحَدَّ عَلَيْهِ لَأَوْجَبْنَا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ اسْتِيفَاؤُهَا إلَى السُّلْطَانِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فَسَقَطَ الْحَدُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّهُ فَسَقَ بِقَتْلِهِ فَانْعَزَلَ ، وَالْقِصَاصُ لَا يَحْتَاجُ فِي اسْتِيفَائِهِ إلَى الْإِمَامِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَقَتْلُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ، فَوَجَبَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدُّيُونِ .
342 - 342 - إذَا قُذِفَ الْمَيِّتُ فَلِوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَجَدِّهِ أَنْ يَأْخُذُوا بِالْحَدِّ .
وَلَا يَجُوزُ لِأَخِيهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَدِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ صَارَ طَاعِنًا فِي نَسَبِ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ : أَبُوكَ زَنَى فَلَا يَتَّصِلُ نَسَبُكَ وَيَقُولُ لِلْجَدِّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ حَفَدَتِكَ مِنْهُ فَقَدْ عَيَّرَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَطَعَنَ فِي نَسَبِهِ ، فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْحَدِّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَخُ ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْأَخِ لَا يَرْجِعُ إلَى أَخِيهِ ، فَلَمْ يَصِرْ طَاعِنًا فِي نَسَبِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الطَّلَبِ كَالْأَجَانِبِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ طَاعِنًا فِي نَسَبِ هَؤُلَاءِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الطَّلَبُ حَالَ حَيَاتِهِ .
قُلْنَا : إذَا كَانَ حَيًّا لَا تَلْحَقُهُمْ مَعَرَّةٌ بِهَذَا الْقَوْلِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ دُونَهُمْ .
إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَوَطِئَهَا فَقَذَفَهُ إنْسَانًا فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ .
وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَوَطِئَهَا فَقَذَفَهُ إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَفَادَ الْمِلْكَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ ثَبَتَ أَحْكَامُ الْمِلْكِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ جَازَ ، فَصَادَفَ وَطْؤُهُ مِلْكَهُ فَحُدَّ قَاذِفُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا كَمَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ صَائِمٌ عَنْ الْفَرْضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّكَاحُ الْفَاسِدُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ، وَلَوْ خَلَعَهَا لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ ، فَصَادَفَ وَطْؤُهُ غَيْرَ مِلْكِهِ فَبَطَلَ إحْصَانُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِوَطْئِهِ ، كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً ، فَقَدْ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ .
344 - 344 - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : زَنَيْت بِجَمَلٍ أَوْ بِثَوْرٍ أَوْ بِحِمَارٍ ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَلَوْ قَالَ : زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ بِأَتَانٍ أَوْ بِبَقَرَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ : زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ ، فَقَدْ أَضَافَ فِعْلَ الزِّنَا إلَى أُنْثَيَيْنِ وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْجِمَاعِ مِنْ الْأُنْثَيَيْنِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مُشَارَكَةِ الْفِعْلِ ، وَإِلْصَاقُ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ ، فَحُمِلَ عَلَى الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِلْبَدَلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : زَنَى بِكِ فُلَانٌ بِنَاقَةٍ أَوْ بِدِرْهَمٍ دَفَعَهَا إلَيْكِ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : بِبَعِيرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ فِعْلَ الْجِمَاعِ إلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى ، وَلَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْجِمَاعِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، فَصَارَ إدْخَالُ الْبَاءِ لِلْمُشَارَكَةِ لَا لِلْبَدَلِ ؛ إذْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْكَلَامِ ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : جَامَعَكِ بَعِيرٌ أَوْ ثَوْرٌ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
345 - 345 - إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَ فُلَانًا ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ .
وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْبَيْعِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ قُبِلَتْ وَحُكِمَ بِالْبَيْعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ حِكَايَةٌ ، وَفِي الْحِكَايَةِ مَعْنَى ابْتِدَاءِ الْقَذْفِ ، فَلَوْ جَمَعْنَا لَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِالْمَعْنَى ، وَإِيجَابُ الْحَدِّ بِالْمَعْنَى لَا يَصِحُّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : وَطِئْتُ وَطْئًا حَرَامًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ فِي حِكَايَةِ الْبَيْعِ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ ، فَلَوْ جَمَعْنَا لَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِالْمَعْنَى وَإِيجَابُ الْبَيْعِ بِالْمَعْنَى دُونَ صَرِيحِ لَفْظِهِ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : مَلَكْتُكَ بِكَذَا دِرْهَمًا ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا : أَنْ لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْآخَرُ بِالْعَرَبِيَّةِ ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ لَفْظَ الْإِخْبَارِ وَالِابْتِدَاءِ لَا يَخْتَلِفُ فِي بَابِ الْبَيْعِ بِدَلِيلِ أَنَّكَ تَقُولُ فِي الْإِخْبَارِ : بِعْتُ ، وَفِي الِابْتِدَاءِ أَيْضًا يَقُولُ : بِعْتُ ، فَيَجُوزُ أَنَّهُمَا سُمِعَا مَعًا فَحُمِلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَبِنْ اخْتِلَافُ الشَّهَادَةِ ، فَجَازَتْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْقَذْفِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِخْبَارِ وَالِابْتِدَاءِ يُخْتَلَفُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْإِخْبَارِ : قُلْت لَهُ : أَنْتَ زَانٍ ، وَفِي الِابْتِدَاءِ يَقُولُ : يَا زَانٍ أَوْ أَنْتَ زَانٍ ، فَلَمْ يَكُنْ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ فَبَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا .
346 - 346 - وَإِذَا ضُرِبَ الْعَبْدُ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ عَتَقَ فَشَهِدَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ .
وَإِذَا ضُرِبَ الْكَافِرُ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِلْعَبْدِ نَوْعَ شَهَادَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ أَوْ أَخْبَرَ فِي الدِّيَانَاتِ قُبِلَ قَوْلُهُ ، فَإِذَا حُدَّ بَطَلَ ذَلِكَ النَّوْعُ مِنْ الشَّهَادَةِ .
فَلَوْ قُلْنَا : بَعْدَ الْعِتْقِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ لَقُبِلَتْ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ ، وَلَا تُقْبَلُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالدِّيَانَاتِ فَلَمَّا بَطَلَتْ فِي الْهِلَالِ وَنَحْوِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فَلَا تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ .
وَلَيْسَ هَذَا كَالْكَافِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ نَوْعٌ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ فَلَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ فَإِذَا أَسْلَمَ وَشَهِدَ فَهَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بِالْإِسْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ .
الِابْنُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ ، أَوْ جَارِيَةَ أُمِّهِ ، أَوْ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ ، أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ ، أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهِ ، أَوْ الْعَبْدُ وَطِئَ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ ، أَوْ الْمُرْتَهِنُ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ عِنْدَهُ - فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ - أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْوَاطِئِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إنْ قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ ، وَإِنْ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ .
وَفِي الْأَبِ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ، وَالْبَائِعُ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَالْجَارِيَةُ الْمَمْهُورَةُ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ ، وَالْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ - فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ ، وَإِنْ قَالَ عَلِمْتُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ الشُّبْهَةَ فِي الْفِعْلِ ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ لِهَؤُلَاءِ فِي عَيْنِ الْمَوْطُوءَةِ وَلَكِنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ لِأَنَّ الِابْنَ يَنْبَسِطُ وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِ أَبِيهِ ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ لَهُ هَذَا النَّوْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فَقَدْ ظَنَّ فِي مَوْضِعِ الظَّنِّ وَالِاشْتِبَاهِ ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يَنْبَسِطُ ، وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِ زَوْجَتِهِ ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ حُكْمَ بَقَايَا الْمِلْكِ حُكْمُ نَفْسِ الْمِلْكِ ، فَقَدْ ظَنَّ فِي مَوْضِعِ الظَّنِّ وَالِاشْتِبَاهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ ، وَهُوَ نَوْعُ تَصَرُّفٍ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْوَطْءِ ، فَإِذَا وَطِئَ وَادَّعَى الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ دَعْوَاهُ إلَى شُبْهَةٍ ظَاهِرَةٍ ، وَبِالشُّبْهَةِ الْمُمْكِنَةِ يُدْرَأُ الْحَدُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ وَالْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ هُنَا مُتَمَكِّنَةٌ فِي الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ حَقًّا فِي مَالِ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَكَذَلِكَ لِلْبَائِعِ حَقٌّ فِي الْجَارِيَةِ
الْمَبِيعَةِ يُقَامُ مَقَامَ الْمِلْكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا حُكْمُ الْمِلْكِ فِيهَا بَاقٍ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ مِلْكُهُ فِيهَا بَاقٍ فَصَادَفَ وَطْؤُهَا مِلْكَهُ ، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ فِي الْبَعْضِ فَسَقَطَ فِي الْبَاقِي ، وَإِذَا كَانَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْعَيْنِ اسْتَوَى عِلْمُهُ وَجَهْلُهُ ، فَسَوَاءٌ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي أَوْ لَمْ يَقُلْ وُجِدَتْ الشُّبْهَةُ الْمُوجِبَةُ لِسُقُوطِ الْحَدِّ فَسَقَطَ ، وَفِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، الشُّبْهَةُ فِي الْفِعْلِ فَإِذَا قَالَ عَلِمْتُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ لَمْ يَبْقَ شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَلَا شُبْهَةٌ لَهُ فِي الْعَيْنِ فَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ .
فَإِنْ قِيلَ : مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ : الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَا يَقَعُ فَلَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَلِمَ لَا يُجْعَلُ هَذَا كَالْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : عَلِمْتُ أَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ لَا يُحَدُّ ؟ قُلْنَا : لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا عِنْدَنَا ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافِ حُكْمٌ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حُدَّ ، وَإِنْ قَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهُ حَلَالٌ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : رُوِيَ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يُحَدُّ ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ .
348 - 348 - رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي أَعْمَى دَعَا امْرَأَتَهُ فَقَالَ : يَا فُلَانَةُ ، فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، قَالَ : يُحَدُّ .
وَلَوْ أَجَابَتْهُ وَقَالَتْ : أَنَا فُلَانَةُ ، تَعْنِي امْرَأَتُكَ فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، قَالَ : لَا يُحَدُّ ، وَثَبَتَ نَسَبُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ أَنَا فُلَانَةُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَتَعَرَّفَ عَنْهَا ، وَيَسْتَفْسِرَهَا ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُعْذَرْ كَمَا لَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ امْرَأَةً فَوَاقَعَهَا ، وَقَالَ : ظَنَنْتُ أَنَّهَا امْرَأَتِي .
وَأَمَّا إذَا قَالَتْ : أَنَا فُلَانَةُ فَلَا يَتَوَصَّلُ الْأَعْمَى إلَى مَعْرِفَةِ امْرَأَتِهِ فِي الْعَادَةِ إلَّا بِذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً فَلَا يُحَدُّ ، كَمَا لَوْ زُفَّتْ إلَى الْبَصِيرِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ ، وَأَمَّا الْبَصِيرُ فَيَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَتِهَا بِالْمُشَاهَدَةِ ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فِي وَطْئِهَا بِالْإِجَابَةِ .
349 - 349 - إذَا مَاتَ الشُّهُودُ عَلَى الزِّنَا - سَقَطَ الرَّجْمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَوْ أَصَابَهُمْ مَرَضٌ ، بِحَيْثُ عَجَزُوا عَنْ الْبِدَايَةِ ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ ثُمَّ النَّاسُ ، وَلَا يَسْقُطُ الرَّجْمُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْتَ صَارَ شُبْهَةً لِجَوَازِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَامْتَنَعُوا عَنْ الْبِدَايَةِ ، أَوْ رَجَعُوا فَلَمْ يَجُزْ اسْتِيفَاؤُهُ مَعَ التَّحَرِّي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرَضُ ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الرَّجْمِ كَانَ لِعُذْرٍ ظَاهِرٍ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِعْلُهُمْ مَعَ التَّعَذُّرِ ، وَلَوْ امْتَنَعُوا لِأَجْلِ الرُّجُوعِ بِلِسَانِهِمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَرْجِعُوا بِاللِّسَانِ ، وَالْعُذْرُ عَنْ الِامْتِنَاعِ ظَاهِرٌ ، زَالَتْ التُّهْمَةُ فَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ .
350 - 350 - لَا يُفَرَّقُ التَّعْزِيرُ عَلَى الْأَعْضَاءِ ، وَلَوْ ضُرِبَ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ جَازَ ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْتَلًا .
وَفِي الْحَدِّ يُفَرَّقُ الضَّرْبُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ إيصَالُ الْأَلَمِ ، وَجَمْعُهُ أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْأَلَمِ ، وَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ ؛ لِأَنَّهُ يُضْرَبُ فِي الْحَدِّ ثَمَانُونَ أَوْ مِائَةٌ ، وَفِي التَّعْزِيرِ لَا يُزَادُ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ غَالِبًا .
351 - 351 - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ - وَإِنْ كَانَ عَبْدًا - أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ ، إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا مُسْلِمًا .
وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ عَبْدًا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَبَ مَتَى كَانَ مُحْصَنًا وَقَذَفَهُ إنْسَانٌ فَقَدْ صَحَّ الْقَذْفُ ، وَأُلْحِقَ الشَّيْنُ بِالِابْنِ وَالْأَبِ ، وَالشَّيْنُ إذَا حَصَلَ بِقَذْفٍ صَحِيحٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْحَدُّ كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ وَالْأَبُ حُرَّيْنِ .
وَأَمَّا إذَا قُذِفَ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ فَالْقَذْفُ لَيْسَ صَحِيحًا ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ ، فَلَمْ يَجِبْ بِإِلْحَاقِ الشَّيْنِ بِهِ حَدٌّ ، فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ .
352 - 352 - غَيْرُ مُحْصَنٍ إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَذَفَ الْمُحْصَنَةَ اسْتَوْفَى الْجَمِيعَ ، فَيُبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ، ثُمَّ إنْ شَاءَ الْإِمَامُ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا ، وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِالسَّرِقَةِ ، وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ .
وَأَمَّا الْمُحْصَنُ إذَا أَقَرَّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ قُدِّمَ حَدُّ الْقَذْفِ ثُمَّ رُجِمَ ، وَسَقَطَ حَدُّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ اتَّصَلَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّهُ إلَيْهِ الطَّلَبُ ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اجْتَمَعَ مَعَ حَقِّ الْآدَمِيِّينَ قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّينَ كَالدَّيْنِ وَالزَّكَاةِ ، وَإِذَا اسْتَوْفَى هَذِهِ الْحُدُودَ بَقِيَتْ حُدُودُ اللَّهِ كُلُّهَا وَلَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ ، فَاسْتَوْفَى الْكُلَّ وَحَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ اسْتَوَيَا فِي التَّأَكُّدِ ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى ثَبَتَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ، وَحَدُّ الشُّرْبِ إنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَكَانَ أَضْعَفَ مِنْ الَّذِي ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ ، فَيَجِبُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ .
وَأَمَّا فِي الْمُحْصَنِ فَهَذِهِ حُدُودٌ اجْتَمَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَفِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِهَا إسْقَاطُ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ رَجْمًا ، لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ حَدِّ السَّرِقَةِ ، وَالشُّرْبِ ، وَلَوْ اسْتَوْفَى حَدَّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ أَمْكَنَ إقَامَةُ الرَّجْمِ بَعْدَهُمَا ، وَالْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِ الْحُدُودِ وَدَرْئِهَا ، وَفِي الْبِدَايَةِ بِالرَّجْمِ دَرْءٌ لِحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ ؛ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالرَّجْمِ دَرْءًا لِحَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ .
كِتَابُ السَّرِقَةِ 353 - قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ خِلَافٌ : إذَا نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ وَذَهَبَ لَمْ يُقْطَعْ .
وَلَوْ شَقَّ الْجُوَالِقَ ، وَأَدْخَلَ يَدَهُ ، وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ قُطِعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْبَيْتِ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ بِأَقْصَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ هَتْكُ حِرْزِ الْبَيْتِ بِالْوُلُوجِ فِيهِ وَإِخْرَاجِ الْمَتَاعِ ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ فَلَمْ يُقْطَعْ ، كَمَا لَوْ لَمْ يُدْخِلْ الْيَدَ وَلَكِنَّهُ نَقَبَ فَسَقَطَ مِنْهُ الْمَتَاعُ .
وَأَمَّا فِي الْجُوَالِقِ فَقَدْ هَتَكَ الْحِرْزَ بِأَقْصَى مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ؛ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْجُوَالِقِ ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْمَتَاعِ وَيَعْتَادُ ذَلِكَ ، وَقَدْ فَعَلَ فَوَجَبَ الْقَطْعُ .
354 - 354 - إذَا سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ حَانُوتٍ قَدْ أَذِنَ صَاحِبُهُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَصَاحِبُهُ هُنَاكَ لَمْ يُقْطَعْ .
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ مَسْجِدٍ وَصَاحِبُهُ هُنَا فِي الْمَسْجِدِ قُطِعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمَّامَ أَوْ الْحَانُوتَ حِرْزٌ فِي نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ حِرْزًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ كَوْنُ صَاحِبِهِ مَعَهُ فِي الْإِحْرَازِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَافِظٌ لَمْ يُقْطَعْ كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ بِحِرْزٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُغْلِقَ بَابَهُ وَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ لَا يَقْدِرُ ، فَصَارَ حِرْزًا بِالْحَافِظِ كَالْمَفَازَةِ فَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ فَقَدْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ فَقُطِعَ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ خَبَرُ صَفْوَانَ .
فَرْقٌ آخَرُ : أَوْ نَقُولُ : الْحَمَّامُ وَإِنْ كَانَ حِرْزًا إلَّا أَنَّهُ إذَا أَذِنَ صَاحِبُهُ أَخْرَجَهُ مِنْ كَوْنِهِ حِرْزًا فَلَا يُقْطَعُ .
وَفِي الْمَسْجِدِ صَارَ حِرْزًا بِالْحَافِظِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ إذْنٌ بِالدُّخُولِ فَبَقِيَ حِرْزًا فَقُطِعَ .
فَإِنْ قِيلَ : وَلَوْ أَذِنَ ؟ قُلْنَا : لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَأْذُونٌ بِالدُّخُولِ فِيهِ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ إذْنِهِ وَعَدَمُهُ .
355 - 355 - إذَا سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَعَلَى جَانِبِهِ مَالٌ عَظِيمٌ مَصْرُورٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ السَّارِقُ لَمْ يُقْطَعْ ، وَإِنْ عَلِمَ قُطِعَ .
وَإِنْ سَرَقَ كِيسًا أَوْ جُوَالِقًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَفِيهِ مَالٌ قُطِعَ ، عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السَّرِقَةِ الثَّوْبُ دُونَ الدَّرَاهِمِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ، وَالْمَقْصُودُ لَا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ ، فَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ تَبَعًا لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودَهُ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ وَقَصَدَ قُطِعَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا .
وَأَمَّا الْجُوَالِقُ وَالْكِيسُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ مَا فِيهِ لَا الْجُوَالِقُ وَالْكِيسُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، وَمَا فِيهِ مِمَّا يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَ الدَّرَاهِمَ وَحْدَهَا يُقْطَعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
356 - 356 - إذَا سَرَقَ وَإِبْهَامُهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةٌ لَمْ تُقْطَعْ الْيَمِينُ .
وَإِنْ كَانَتْ إصْبَعًا غَيْرَ الْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً قُطِعَ الْيَمِينُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قُوَّةَ الْإِبْهَامِ تُعَادِلُ جَمِيعَ الْأَصَابِعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُلَاقِي جَمِيعَ الْأَصَابِعِ فَصَارَتْ قُوَّتُهُ كَقُوَّةِ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا ، فَلَوْ قَطَعْنَا الْيَمِينَ لَفَوَّتْنَا مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ كُلَّهَا بِكَمَالِهَا ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُ الْإِبْهَامِ ؛ لِأَنَّ قُوَّتَهُ لَا تُعَادِلُ جَمِيعَ الْأَصَابِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُلَاقِي جَمِيعَ الْأَصَابِعِ ، وَلَا يَقَعُ التَّنَاوُلُ بِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْيُسْرَى مَكْسُورَةً ظُفْرُهَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقُطِعَ الْيَمِينُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
357 - 357 - لَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ رِجْلِهِ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى إذَا أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ .
وَلَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ الْيَدِ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً لَا تُقْطَعُ الْيَدُ الْيُمْنَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الرِّجْلِ الْمَشْيُ ، وَالْمَشْيُ مُمْكِنٌ مَعَ فَوْتِ الْأَصَابِعِ الْيُمْنَى لَا يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْيُسْرَى ؛ فَجَازَ أَنْ تُقْطَعَ .
بِخِلَافِ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا الْبَطْشُ وَتَفَوُّتُ الْأَصَابِعِ يُفَوِّتُ الْبَطْشَ وَالتَّنَاوُلَ فَلَوْ قَطَعْنَا الْيُمْنَى لَفَوَّتْنَا عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ بِكَمَالِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
358 - 358 - رَجُلَانِ كَانَا فِي دَارِ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَقْصُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ ، فَنَقَبَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَأَخَذَ مَتَاعَهُ قُطِعَ ، إذَا كَانَتْ دَارًا كَبِيرَةً .
وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ يُقْطَعْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْخَانِ يَكُونُ فِيهَا مَقَاصِيرُ ، فَكُلُّ بَيْتٍ يَكُونُ فِيهَا حِرْزًا عَلَى حِدَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي دُخُولِ الدَّارِ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي دُخُولِ جَمِيعِ مَقَاصِيرِهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُودَعِ : احْفَظْهَا فِي بَيْتِكَ هَذَا فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ ، فَصَارَ كَالْمَكَانَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً فَالْحِرْزُ حِرْزٌ وَاحِدٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي دُخُولِهَا إذْنٌ فِي دُخُولِ جَمِيعِ بُيُوتِهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودِعَ لَوْ قَالَ : احْفَظْهَا فِي بَيْتِك هَذَا ، فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ ، فَصَارَا كَالْبَيْتِ الْوَاحِدِ ، وَلَوْ كَانُوا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَسَرَقَ أَحَدُهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
359 - 359 - إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ صَبِيٍّ ، أَوْ مَعَ مَعْتُوهٍ أَوْ أَخْرَسَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ ، فِي جَوَابِ " الْأَصْلِ " وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ فُلَانٍ النَّاطِقِ الْعَاقِلِ ، وَأَنْكَرَ فُلَانٌ قُطِعَ الْمُقِرُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ وُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَيْهِ بِحَالٍ ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُقِرِّ أَيْضًا ، كَالْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ ، وَالْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا سَرَقَا شَيْئًا مِنْ مَالِ الِابْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُشْتَرَكٍ وَذَلِكَ الشَّرِيكُ مِمَّنْ يَجُوزُ وُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَيْهِ ، فَجَازَ وُجُوبُهُ عَلَى هَذَا أَيْضًا ، إلَّا أَنَّهُ بِإِنْكَارِهِ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْآخَرِ .
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ : لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلًا ثُمَّ عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
360 - 360 - إذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى قَوْمٍ ، وَفِيهِمْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ .
وَبِمِثْلِهِ ، لَوْ كَانَ فِيهِمْ حَرْبِيٌّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ رِفْقَةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُلْتَزِمِ نُصْرَةَ صَاحِبِهِ ، فَصَارَ كَالْمُسْتَحْفِظِ مَالَهُ إيَّاهُ ، فَكَأَنَّهُمْ أَوْدَعُوا مَالَهُ عِنْدَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ ، فَقَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُمْ حَرْبِيٌّ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَلْتَزِمْ نُصْرَةَ الْحَرْبِيِّ ؛ إذْ لَا تَنَاصُرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ، فَلَمْ يَصِيرُوا كَالْمُسْتَحْفِظِينَ مَالَهُ إيَّاهُ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي رُفْقَةٍ عَلَى حِدَةٍ ، وَالْحَرْبِيُّ فِي رُفْقَةٍ أُخْرَى عَلَى حِدَةٍ فَقَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
361 - 361 - وَإِذَا ضَرَبَ الْفُسْطَاطَ فِي الْجَبَّانَةِ وَفِيهَا مَتَاعٌ ، وَصَاحِبُهُ فِيهِ ، فَدَخَلَ سَارِقٌ ، وَسَرَقَ الْمَتَاعَ قُطِعَ .
وَلَوْ سَرَقَ الْفُسْطَاطَ بِعَيْنِهِ لَمْ يُقْطَعْ .
وَلَوْ كَانَ الْفُسْطَاطُ مَلْفُوفًا وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ فَسَرَقَهُ سَارِقٌ قُطِعَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْفُسْطَاطَ حِرْزٌ فِي نَفْسِهِ ، فَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ فَقَدْ سَرَقَ مِنْ الْحِرْزِ فَقُطِعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ مَلْفُوفًا ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا فَصَارَ مُحْرَزًا بِالْحَافِظِ ، فَإِذَا سَرَقَهُ وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ قُطِعَ ، كَمَا لَوْ قَلَعَ بَابَ دَارِهِ وَأَدْخَلَهُ فِي دَارِهِ ، وَقَعَدَ عَلَيْهِ فَجَاءَ سَارِقٌ وَسَرَقَهُ قُطِعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَلْفُوفٍ ؛ لِأَنَّهُ حِرْزٌ بِنَفْسِهِ قَدْ سُرِقَ وَنَفْسُ الْحِرْزِ لَا يَكُونُ فِي الْحِرْزِ ، فَقَدْ سُرِقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ ، كَمَا لَوْ سُرِقَ بَابُ الدَّارِ .
362 - 362 - إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ نِصَابًا بِاللَّيْلِ قُطِعَ .
وَلَوْ سَرَقَ بِالنَّهَارِ لَا يُقْطَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمَّامَ حِرْزٌ فِي نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِرْزًا بِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ ، وَقَدْ وُجِدَ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ ، فَخَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ حِرْزًا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ ، فَقَدْ سَرَقَ بِاللَّيْلِ مِنْ حِرْزٍ فَقُطِعَ ، وَسَرَقَ بِالنَّهَارِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ .
363 - 363 - إذَا نَقَبَ بَيْتَ رَجُلٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُكَابَرَةً لَيْلًا حَتَّى سَرَقَ مِنْهُ مَتَاعًا يُسَاوِي أَلْفًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ .
وَلَوْ كَابَرَهُ فِي الْبَلَدِ فِي الطَّرِيقِ نَهَارًا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّارِقَ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْفَاءِ ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا بِاللَّيْلِ فَهُوَ مُسْتَخْفٍ مِنْ النَّاسِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْفِ مِنْ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ الْغَوْثَ لَا يَلْحَقُهُ بِاللَّيْلِ ، فَوُجِدَ مَعْنَى السَّرِقَةِ فَقُطِعَ .
وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَلَيْسَ بِأَخْذٍ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَاءِ ؛ لِأَنَّ الْغَوْثَ يَلْحَقُهُ ، فَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى السَّرِقَةِ ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مَعْنَى الْغَصْبِ وَالِاخْتِلَاسِ فَلَا يُقْطَعُ .
364 - 364 - إذَا سَرَقَ رَجُلَانِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، وَلَا يُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ سَرَقَ الْعَشَرَةَ الدَّرَاهِمَ .
وَلَوْ اجْتَمَعَا فَقَتَلَا رَجُلًا وَاحِدًا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشَارَكَةَ وُجِدَتْ فِي أَخْذِ الْمَالِ ، وَالْمَالُ مِمَّا يَتَبَعَّضُ ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَذَ نِصْفَهُ ، وَمَنْ سَرَقَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لَا يُقْطَعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَتْلُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ إزْهَاقُ الرُّوحِ ، وَهُوَ مَا لَا يَتَبَعَّضُ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمُفَوِّتِ لِجَمِيعِ الرُّوحِ ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا .
365 - 365 - السَّارِقُ إذَا رَدَّ الْمَسْرُوقَ إلَى أَخِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ، أَوْ أُخْتِهِ ، أَوْ أَجِيرِهِ ، أَوْ عَبْدِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ ؛ أَوْ أَحَدٍ مِمَّنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ .
وَلَوْ رَدَّ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ سَقَطَ الضَّمَانُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا فِي عِيَالِهِ فَهُمْ حَفَظَةٌ لَهُ وَحِرْزٌ لَهُ ، فَصَارَ يَدُهُمْ يَدًا لَهُ ، فَإِذَا رَدَّ إلَيْهِمْ صَارَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ ، وَلَوْ رَدَّهُ إلَى يَدِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقَطْعِ بَرِئَ مِنْ الْقَطْعِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ ، وَمَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُمْ لَيْسَتْ بِيَدٍ لَهُ ، وَهُمْ لَيْسُوا بِحِرْزٍ لَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِمْ ضَمِنَ ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ اسْتَوْلَدُوا جَارِيَتَهُ لَمْ يَنْفُذْ اسْتِيلَادُهُمْ فَصَارُوا كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي عِيَالِهِ حَيْثُ يَسْقُطُ الْقَطْعُ إذَا رَدَّهُ إلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا حَقًّا فِي مَالِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوْلَدُوا جَارِيَتَهُ صَحَّ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ رَدَّ إلَى صَاحِبِهِ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّهُ يَضْمَنُ إذَا رَدَّ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ ، وَالْمُودَعُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَبَرَاءَتَهُمْ إيَّاهُ عَنْ الضَّمَانِ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالْخِيَانَةِ ، وَالدَّفْعُ إلَى هَؤُلَاءِ لَيْسَ بِخِيَانَةٍ ؛ لِأَنَّهُمْ حَفَظَةٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الشَّيْءَ لِنَفْسِهِ فِيهِمْ ، فَلَمْ يَصِرْ بِرَدِّهِ إلَى حَفَظَتِهِ خِيَانَةٌ مِنْهُ ، وَإِذَا لَمْ يَجْنِ لَمْ يَضْمَنْ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ السِّيَرِ 366 - الْمُشْرِكُونَ إذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غُلِبُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخَذُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ ، قَالَ : إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكُفَّارَ بِالْإِحْرَازِ مَلَكُوهُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ ، فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ ، كَالْهِبَةِ فَثَبَتَ حَقُّ صَاحِبِهِ فِيهِ ، فَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذُبُّوا عَنْهُ وَيَسْتَنْقِذُوهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ كَيَدٍ وَاحِدَةٍ ، فَإِذَا اسْتَنْقَذُوهُ فَقَدْ فَعَلُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَلَمْ يَسْتَحِقُّوا عَلَيْهِ بَدَلًا ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ وَاحِدٍ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ ، وَلَوْ قُلْنَا : بِأَنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ مَجَّانًا لَأَضْرَرْنَا بِهِ ، وَفَوَّتْنَا عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ لِيَصِلَ هُوَ إلَى حَقِّهِ ، وَيُسَلَّمُ لَهُ الْعَيْنُ بِسَلَامَةِ بَدَلِهِ كَالشَّفِيعِ .
وَجْهٌ آخَرُ : لَمْ يَتَأَكَّدْ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ رِجَالَهُمْ ، وَلَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ ، وَيَجْعَلَهُمْ ذِمَّةً ، وَيَرُدَّ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ، وَإِذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ حَقُّهُمْ فِيهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ مَجَّانًا .
وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ تَأَكَّدَ مِلْكُهُمْ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ وَيَرُدَّهُمْ وَلَا أَنْ يَقْتُلَهُمْ ، فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ كَالشَّفِيعِ إذَا أَخَذَ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
367 - 367 - لَا يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ وَإِنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَيُسْهَمُ لِلْحُرِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُدْعَى إلَيْهِ ( فَأَشْبَهَ النِّسَاءَ ) بِخِلَافِ الْحُرِّ ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الْمَمْلُوكِ لِلْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُقَاتِلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَقَعَ ( عَمَلُهُ لَهُ ) ، فَكَأَنَّ الْمَوْلَى قَاتَلَ بِنَفْسِهِ زِيَادَةَ قِتَالٍ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُزَدْ فِي سَهْمِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحُرُّ ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَقَعَ لَهُ ؛ إذْ مَنْفَعَتُهُ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِإِزَائِهِ بَدَلًا ، وَلَا بَدَلَ لَهُ سِوَى السَّهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَبْدَ حَضَرَ لِخِدْمَةِ الْمَوْلَى ، فَوَقَعَ عَلَى تِلْكَ الْخِدْمَةِ ، وَهُوَ يَذُبُّ عَنْ الْمَوْلَى ، وَذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ خَدَمَهُ فِي الْمِصْرِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحُرِّ .
368 - 368 - يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ .
وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ فِي مُخَالَطَتِهِمْ أَنْ يَكُونُوا تَحْتَ قَهْرِنَا وَحُكْمِنَا ، فَإِذَا كَانَ فِيهِمْ قِلَّةٌ كَانُوا تَحْتَ قَهْرِنَا ، فَلَمْ يَكُنْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ ضَرَرٌ بِالْمُسْلِمِينَ ، فَجَازَتْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا لَا يَكُونُونَ تَحْتَ قَهْرِنَا ، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَخْرُجُوا عَلَيْنَا ، وَيَظْهَرُ دِينُهُمْ ، وَإِذَا لَمْ يُؤْمَنْ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ الْإِضْرَارُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَبَرِ الْمَعْرُوفِ : { إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْكُفَّارِ } لَمَّا رَأَى كَتِيبَةً حَسْنَاءَ ، وَرُوِيَ أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ لَمَّا كَانَ فِيهِمْ قِلَّةٌ .
369 - 369 - الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَانِمِينَ إذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ جَاءَ مَالِكُهُ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لَهُ ( أَنْ يَنْقُضَ ) الْبَيْعَ الثَّانِيَ .
وَالْمُشْتَرِي ( إذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ الدَّارَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ) ، وَيَأْخُذَهَا بِالْأَوَّلِ .
الْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَأْسُورِ الْمَالِكُ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ ، لَا عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ ، وَلَوْ كَانَ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ ، وَيَأْخُذَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّفِيعُ ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ ، فَيُفَوِّتَ الْقَبْضَ فِيهِ ، وَتَفْوِيتُ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ ، وَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ كَانَ لَهُ نَقْضُ الْأَوَّلِ ، ( وَلِأَنَّ أَخْذَ ) الشَّفِيعِ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ وَالنَّقْضِ لَا يَخْتَلِفُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ فِي الْحَالَيْنِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَأْسُورُ ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ وَذَلِكَ يُخَالِفُ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ يَكُون مَجَّانًا ، كَمَا يَأْخُذُ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مَجَّانًا ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ الْعَقْدِ .
370 - 370 - إذَا وَجَدَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ قَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ غُلِبُوا عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِيمَةِ .
وَإِنْ وَجَدَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ فُلُوسًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَخْذِ الدَّرَاهِمِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا لَأَخَذَهَا بِمِثْلِهَا ، وَهِيَ وَمِثْلُهَا لَا تَخْتَلِفُ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي اقْتِنَائِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لِغَرَضٍ فِي عَيْنِهَا ، وَإِذَا كَانَ لِلنَّاسِ أَغْرَاضٌ فِي الْأَعْيَانِ كَانَ لَهُ فِي أَخْذِهَا فَائِدَةٌ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا .
371 - 371 - إذَا أَسَرَ الْعَدُوُّ عَبْدًا لَهُ وَفِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ - عَمْدًا أَوْ خَطَأً - أَوْ دَيْنٌ فَإِنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ بَطَلَتْ جِنَايَةُ الْخَطَأِ ، وَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَمْدِ ، وَالدَّيْنُ فَهُمَا فِي رَقَبَتِهِ كَمَا كَانَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْرَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ ، فَصَارَ زَوَالُ مِلْكِهِ بِالْأَسْرِ كَزَوَالِهِ بِالْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ خَطَأً لَا يَقَعُ بِالْجِنَايَةِ ، وَصَارَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ يُوجِبُ سُقُوطَ جِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالدَّيْنِ عَنْ الرَّقَبَةِ ، كَذَلِكَ زَوَالُهُ بِالْأَسْرِ ، وَلِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْعَى بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالرَّقَبَةُ بَاقِيَةٌ فَبَقِيَ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ ، وَجِنَايَةُ الْخَطَأِ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِالرَّقَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْعَى بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِيهِ ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَيْهِ لِحَقٍّ لِمِلْكِهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَعُودُ بِالْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَ الْمِلْكَ الْأَوَّلَ وَاسْتَبْقَاهُ ، فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَزُلْ ، وَلَوْ لَمْ يَزُلْ بَقِيَتْ الْجِنَايَةُ ، كَذَا هَذَا .
372 - 372 - إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ رَهْنًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا فَأَسَرَهَا الْعَدُوُّ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ مَوْلَاهَا أَحَقَّ بِهَا بِالثَّمَنِ ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَهَا .
وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي افْتَكَّهَا بِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَخْذِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتُرَدُّ عَلَى الْمَوْلَى وَيَسْتَرِدُّ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ فِي أَخْذِهَا لَا يَأْخُذُهَا ، كَمَا لَوْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَإِنَّ مَالِكَهُ لَا يَأْخُذُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ لَهُ فَائِدَةً فِي أَخْذِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الْمَوْلَى ، وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَيَكُونُ لَهُ فَائِدَةٌ فِي أَخْذِهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا ، وَأَمَّا الْمَالِكُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ لَهُ فَائِدَةً فِي أَخْذِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تُسَلَّمُ لَهُ ، وَلِلنَّاسِ أَغْرَاضٌ فِي الْأَعْيَانِ فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ ، كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ كَذَلِكَ هَذَا .
373 - 373 - إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى مَالٍ قَدْ كَانُوا أَصَابُوهُ وَأَخَذُوهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ خَرَجَ حَرْبِيٌّ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْ أَمْوَالِنَا يُرِيدُ بَيْعَهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ .
وَلَوْ اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَمْ يَلْتَزِمْ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ وَالذَّبَّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَنَقْلُهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِصَاحِبِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ وَالذَّبَّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ ، فَكَانَ يَلْزَمُهُ اسْتِنْقَاذُ أَمْوَالِهِمْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ ، فَإِذَا اشْتَرَى فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ، وَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ لِصَاحِبِهِ ، وَإِذَا أَخَذَهُ لَهُ عَادَ حَقُّهُ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، كَعَبْدٍ آبِقٍ أَخَذَهُ إنْسَانٌ لِصَاحِبِهِ ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُعْطِيَهُ الْجُعْلَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
374 - 374 - إذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَلَهُ فِي أَيْدِيهِمْ جَارِيَةٌ قَدْ أَسَرُوهَا - كُرِهَ لَهُ غَصْبُهَا وَوَطْؤُهَا .
وَلَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ يُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ تُمَلَّكُ بِالْبَيْعِ فَتُمَلَّكُ بِالْأَسْرِ ، فَصَارَتْ مِلْكًا لَهُمْ وَهُوَ بِعَقْدِ الْأَمَانِ الْتَزَمَ أَلَّا يَأْخُذَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ، فَصَارَ بِالْأَخْذِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ مُخْفِرًا لِلذِّمَّةِ ؛ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَا تُمَلَّكُ بِالْعَقْدِ ، فَلَا تُمَلَّكُ بِالْأَسْرِ ، فَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا ، وَهُوَ إنَّمَا الْتَزَمَ الْكَفَّ عَنْ أَخْذِ مَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ، وَهَذَا مَالُهُ ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ، فَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَصِرْ مُنَاقِضًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ .
375 - 375 - إذَا طُعِنَ الْمُسْلِمُ بِالرُّمْحِ فِي جَوْفِهِ فَنَفَذَهُ فَلَهُ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْعَدُوِّ حَتَّى يَضْرِبَهُ ، وَلَا يُجْعَلُ بِذَلِكَ مُعِينًا عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا نَفَذَهُ فَالْمَشْيُ إلَيْهِ لَا يَزِيدُ جِرَاحَتَهُ ، وَهُوَ يَصِلُ إلَى مُكَايَدَةِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ إعَانَةٍ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ ، فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ ، وَكَانَ مَأْمُورًا ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرُّمْحُ فِي جَوْفِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْفُذْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَشْيِ إلَى ذَلِكَ يَزِيدُ جِرَاحَهُ ، وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَ الْمَقْتَلَ فَيَقْتُلَهُ فَيَصِيرُ بِهِ مُعِينًا عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ ، فَكُرِهَ لَهُ ذَلِكَ .
376 - 376 - حَرْبِيٌّ دَخَلَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَبَايَعَهُمْ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ جَازَ إنْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَقَدْ رَضِيَ بِتَمْلِيكِهِ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمُسْلِمِ بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ آمِنًا لَمْ يَصِرْ لَهُمْ عَاقِدًا عَقْدَ الْأَمَانِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَوْ قَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ مَلَكَهُ ، وَكَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمُسْلِمَ وَعَدَ أَلَّا يَأْخُذَ مَالَهُمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ ، فَيَجِبُ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ ، فَبَقِيَ مَالُهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَإِذَا تَوَصَّلَ إلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ عَهْدٍ بِرِضَاهُمْ جَازَ .
وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَدْ عَقَدْنَا لَهُ عَقْدَ الْأَمَانِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا إذَا أَخَذَ مَالَهُ لَا يَمْلِكُهُ ، فَخَرَجَ مَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِبَاحَةِ ، فَصَارَ مَالًا مُحْرَزًا بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِالْقَهْرِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ ، وَتَمْلِيكُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ بِالْعَقْدِ يَكُونُ رِبًا فَلَمْ يَجُزْ .
377 - 377 - إذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ إنَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَدَرُوا بِأَهْلِ الْمُوَادَعَةِ ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ لَمْ يَسَعْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، وَلَوْ اشْتَرَوْا رُدَّ الْبَيْعُ .
وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ ثُمَّ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَاشْتَرَاهُ إنْسَانٌ مِنْهُ لَمْ يُرَدَّ الْبَيْعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا وَادَعَهُمْ صَارُوا ذِمَّةً لَنَا ، فَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الذَّبُّ عَنْهُمْ ، فَإِذَا أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا مُنَاقِضِينَ عَهْدَهُمْ كَمَا لَوْ أَخَذُوا سَائِرَ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِيرُوا ذِمَّةً بِدُخُولِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَوْ أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ مَلَكَهُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ نُصْرَتَهُمْ ، فَبَقِيَ مَالُهُمْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَقَدْ أَخَذَ مَالَ حَرْبِيٍّ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ ، فَمَلَكَهُ فَإِذَا اشْتَرَاهُ إنْسَانٌ جَازَ ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ الشِّرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ ؛ إذْ هُوَ أَخَذَ مَالَهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ، وَقَدْ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَأْخُذَ مَالَهُمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ ، فَكُرِهَ الشِّرَاءُ مِنْهُ .
إذَا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ عَبْدًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهُ ، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ ثَانِيًا ، وَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَلِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ يَدِهِ أُخِذَ وَعَلَيْهِ يَدُ مِلْكِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَأَرَادَ مَوْلَاهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ .
وَالْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الدَّارَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ وَيَنْقُضَ الثَّانِي وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ نَقْضِ الْمِلْكِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّ لَهُ أَخْذَهُ وَيُعِيدُ مِلْكَهُ لَأَبْطَلَ شِرَاءَ الثَّانِي ، وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ تَصَرُّفِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّفِيعُ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ النَّقْضِ فَأَخْذُهُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ يُوجِبُ نَقْضَ الثَّانِي ، وَلَهُ حَقُّ النَّقْضِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ، وَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ ، فَقَدْ زَالَتْ يَدُهُ ، فَإِذَا زَالَتْ يَدُهُ وَمَلَكَهُ زَالَ الْمُوجِبُ لِجَوَازِ أَخْذِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّفِيعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ فِيمَا فِي يَدِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَكْرَهَ الْمُشْتَرِيَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِذَا لَمْ يَخْتَصَّ حَقَّهُ بِيَدِهِ وَمِلْكِهِ فَزَوَالُ يَدِهِ وَمِلْكِهِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ ، فَبَقِيَ حَقُّهُ فِيهِ ، فَكَانَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ ، وَيَنْقُضُ الْعَقْدَ الثَّانِيَ .
379 - 379 - لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَسَرَهُ الْعَدُوُّ ، وَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَهُ الْبَائِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِالثَّمَنَيْنِ جَمِيعًا .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عَبْدًا فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَفَدَاهُ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مَا فَدَاهُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ الثَّمَنَ فَقَطْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْجِنَايَةِ قَدْ أُسْقِطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِالْفِدَاءِ ، فَقَدْ قَضَى بِهِ حَقًّا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَضْمُونًا عَنْ نَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ .
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ أُصْبُعَ رَجُلٍ ثُمَّ قَطَعَ يَدَ آخَرَ ثُمَّ جَاءَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ وَقَطَعَ يَدَ الْقَاطِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَاطِعِ الْأُصْبُعِ أَرْشُ الْأُصْبُعِ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِهِ مَضْمُونًا عَنْ نَفْسِهِ ، كَذَا هَذَا .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ مِنْ الْعَدُوِّ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْمُشْتَرِي ، بِدَلِيلِ أَنَّ خِيَارَهُ يَبْقَى بَعْدَهُ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ مَضْمُونًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا أَحْيَا مِلْكَهُ وَلَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ مِلْكِ نَفْسِهِ إلَّا بِأَدَائِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَلَا مِنْ الْعَبْدِ جِنَايَةٌ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ ازْدَادَ ثَمَنُ الْعَبْدِ ، فَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ .
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ أَنَّ مَرِيضًا بَاعَ دَارًا بِأَلْفٍ ، وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَمَاتَ ، وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي : إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي الثَّمَنِ فَتَأْخُذَ بِأَلْفَيْنِ ، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
380 - 380 - ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرِهِ : إذَا قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَأُخِذَتْ وَوَقَعَتْ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهَا .
وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا قَاتَلَا فَأُخِذَا وَوَقَعَا فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمَا ، وَإِنْ كَانَا قَتَلَا جَمَاعَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَفِي الْأَصْلِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ : إذَا خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَاتَلَتْ فَأُخِذَتْ حُبِسَتْ وَلَمْ تُقْتَلْ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : الْأَوْلَى أَنْ لَا تُقْتَلَ ، فَإِنْ قُتِلَتْ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ : يَجُوزُ ، كَمَا حَكَاهُ فِي الْحَرْبِيَّةِ ، وَإِلَّا فَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ أَجِدْ عَنْ مَشَايِخِنَا فَرْقًا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا قَاتَلَتْ صَارَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ ، وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ عَاقِلَةٌ ، فَكَانَ قَتْلُهَا عُقُوبَةً لَهَا عَلَى فِعْلِهَا ، فَجَازَ أَنْ تُقْتَلَ .
وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ فَهُمَا غَيْرُ مُكَلَّفَيْنِ ، وَقَتْلُهُمَا كَانَ مُبَاحًا لِأَجْلِ الْقِتَالِ ، فَإِذَا أُخِذَا زَالَ الْقِتَالُ ، فَلَوْ قُلْنَا : قَتَلْنَاهُمَا عُقُوبَةً وَهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ الْعُقُوبَةَ فَلَا يُقْتَلَانِ ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ فِي ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوهُمَا لَعَادَا إلَى الْقِتَالِ ، فَحِينَئِذٍ يُخَافُ مِنْ تَرْكِهِمَا الضَّرَرُ ، فَجَازَ قَتْلُهُمَا كَالْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ .
381 - 381 - إذَا قَالَ الْإِمَامُ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ، فَبَدَأَ وَاحِدٌ فَضَرَبَهُ ثُمَّ أَجْهَزَ عَلَيْهِ الْآخَرُ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَيَّرَهُ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ ، وَلَا أَنَّهُ يُعِينُ فَالسَّلَبُ لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَالسَّلَبُ لِلثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا صَيَّرَهُ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ وَلَا أَنْ يُقَاتِلَ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ ، وَهُوَ إخْرَاجُهُ مِنْ كَوْنِهِ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ ، وَلَا أَنْ يُعِينَ ، فَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي قَاتِلًا وَلَا مُخْرِجًا لَهُ إلَى حُكْمِ الْقِتَالِ ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ : لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَثْخَنَهُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ بَرَاحًا ، ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَهُوَ لِلْأَوَّلِ ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ إلَّا بِصَيْدٍ ؛ فَهُوَ لِلثَّانِي لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا افْتَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً فَأَسْلَمَ أَهْلُهَا قَبْلَ الْقَسْمِ ؛ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ ، وَوَضَعَ عَلَى أَرْضِهِمْ الْخَرَاجَ وَهُمْ أَحْرَارٌ .
وَلَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْقَهْرِ وَفَتْحِ الْبَلْدَةِ لَمْ يَسْتَرِقَّهُمْ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِرِقَابِهِمْ وَأَرْضِيهِمْ عِنْدَ الْقَهْرِ ، فَإِذَا أُسْقِطَ حَقُّهُمْ عَنْ رِقَابِهِمْ بِالْإِسْلَامِ ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَلَوْ أَخَذَ مَالَهُمْ ، ثُمَّ أَسْلَمُوا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ كَذَا هَذَا .
وَإِذَا تَعَيَّنَ حَقُّهُمْ فَإِذَا اسْتَرَقَّهُمْ اسْتَنَدَ الِاسْتِرْقَاقُ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَرَقَّهُمْ فِي حَالِ الْكُفْرِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ مُسْلِمًا ، كَمَا قُلْنَا لَوْ أَسْلَمَ الْأَبُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَابْنُهُ جَنِينٌ فِي الْبَطْنِ فَاسْتُرِقَّتْ الْأُمُّ ، فَالْجَنِينُ مُسْلِمٌ وَهُوَ رَقِيقٌ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الِاسْتِرْقَاقِ يَثْبُتُ قَبْلَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ ، وَابْتِدَاءُ اسْتِرْقَاقِ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إلَى سَبَبٍ قَبْلَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ ثَبَتَ حَقُّهُمْ بِالْقَهْرِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْهَرَهُمْ عَلَى أَرْضِيهِمْ وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا .
قُلْنَا إنَّمَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْإِمَامِ كَانَ ثَابِتًا بَيْنَ أَنْ يُقِرَّهُمْ أَحْرَارًا عَلَى أَرْضِهِمْ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِينَ قَدْ يَكُونُونَ أَعْلَمَ بِعِمَارَتِهَا ، وَلَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَاسْتَرَقَّهُمْ ؛ خَرِبَتْ وَلَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا ، وَإِذَا أَقَرَّ أَهْلُهَا انْتَفَعَ بِهَا ، فَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ تَحْصِيلَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِتَقْرِيرِهِمْ أَحْرَارًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ كَانَ ثَابِتًا بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ ، وَبِالْإِسْلَامِ سَقَطَ الْقَتْلُ ، فَبَقِيَ خِيَارُهُ ثَابِتًا بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالتَّقْرِيرِ ، فَيَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ عَنْ رِقَابِهِمْ إلَى الْأَرَاضِي لِيَحْصُلَ لَهُمْ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ ، فَلَهُ أَنْ
يَفْعَلَ مَا يَكُونُ فِيهِ احْتِيَاطٌ لَهُمْ .
383 - 383 - جَمَاعَةٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ دَارَ الْحَرْبِ ، فَأَصَابُوا غَنَائِمَ ، وَلَحِقَهُمْ لِصٌّ أَوْ لِصَّانِ لَا مَنَعَةَ لَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ، وَقَدْ أَصَابَا غَنِيمَةً قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُمْ الْعَسْكَرُ ، فَإِنَّ الْعَسْكَرَ يُشَارِكُونَهُمَا فِيمَا أَخَذَا قَبْلَ لُحُوقِهِمَا بِهِمْ ، وَهُمَا لَا يُشَارِكَانِ الْعَسْكَرَ فِيمَا أَصَابُوا قَبْلَ لُحُوقِهِمَا بِهِمْ ، إذَا لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا بَعْدَ ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانُوا جَمَاعَةً شَارَكُوا الْعَسْكَرَ فِيمَا أَصَابُوا قَبْلَ لُحُوقِهِمْ بِهِمْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ إنَّمَا أَمْكَنَهُمَا الدُّخُولُ بَعْدَ الْعَسْكَرِ وَإِنَّمَا أَحْرَزَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا ظَهَرَ الْعَسْكَرُ فَقَدْ شَارَكُوهُ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ ، فَيُشَارِكُونَهُ فِي الْمِلْكِ ، وَأَمَّا هَذَانِ لَا يُشَارِكَانِ الْعَسْكَرَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَقَوَّوْنَ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَمَّا إذَا قَاتَلُوا يُشَارِكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ الْأُولَى ؛ إذْ لَوْلَاهُمْ فَلَرُبَّمَا غَلَبَ الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا اشْتَغِلُوا بِالْقِتَالِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا شَهِدَا الْوَقْعَةَ الْأُولَى وَأَمَّا إذَا كَانُوا عَسْكَرًا عَظِيمًا أَوْ جَمَاعَةً فَالْعَسْكَرُ يَتَقَوَّوْنَ بِهِمْ ، فَيَحْصُلُ الْإِحْرَازُ بِظُهُورِهِمْ وَمَعُونَتِهِمْ فَيُشَارِكُونَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ ، وَصَارُوا مَدَدًا لَحِقَ الْعَسْكَرَ ، فَشَارَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ .
384 - 384 - إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ فَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُودِعْ أَهْلَ الْحَرْبِ ، وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا ؛ جَازَ وَلَا يَرُدُّ الْمَالَ إلَيْهِمْ .
وَلَوْ وَادَعَ قَوْمًا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ الْمَالَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمُوَادَعَةِ عَلَى مَالٍ اسْتِبْقَاءُ الْكُفَّارِ بِالْمَالِ ، وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا جَازَ اسْتِبْقَاؤُهُمْ بِالْجِزْيَةِ .
وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَفِي الْمُوَادَعَةِ عَلَى مَالٍ اسْتِبْقَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِمَالٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْقَاؤُهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ إلَّا أَنَّ الْمَالَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ فَيْءٌ فَإِذَا وَقَعَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ كَالْغَنِيمَةِ .
إذَا وَادَعَ الْإِمَامُ أَهْلَ دَارِ ، فَأَسَرَ أَهْلُ دَارِ أُخْرَى وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ الَّذِينَ وَادَعَهُمْ ، ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَهْلَ الدَّارِ الثَّانِيَةِ ، فَأَسَرُوا ذَلِكَ الْأَسِيرَ فَهُوَ فَيْءٌ .
وَلَوْ دَخَلَ تَاجِرٌ الدَّارَ الْأُخْرَى فَأُسِرَ فَلَمْ يَكُنْ فَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أُسِرَ فَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ حُكْمُ دَارِ الْمُوَادَعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْمُوَادَعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ مَلَكُوهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الدَّارِ الَّذِينَ وَادَعَهُمْ الْإِمَامُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّاجِرُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ دَارِ الْمُوَادَعَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ مَتَى شَاءَ إلَى دَارِ الْمُوَادَعَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْمُوَادَعَةِ فَأُسِرَ لَمْ يَكُنْ فَيْئًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
386 - 386 - الصَّبِيُّ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ ، وَكَذَلِكَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِالدَّارِ أَوْ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يُقْتَلْ ، وَحُبِسَ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ .
وَمَنْ كَانَ بَالِغًا فَأَسْلَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ قُتِلَ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مَنْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ أَوْ بِالدَّارِ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ بِالرِّدَّةِ مُنَاقِضًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، فَجَازَ أَلَّا تَتَوَجَّهَ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا أَسْلَمَ فَقَدْ الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ ضَمَانَهُ لَا يَصِحُّ ، فَلَوْ قَتَلْنَاهُ لَوَجَّهْنَا الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ بِعَقْدِهِ ، وَضَمَانُ الْعُقُودِ لَا يَلْزَمُهُ ، فَلَا يُقْتَلُ .
وَأَمَّا الْبَالِغُ فَقَدْ الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ ، وَبِرِدَّتِهِ صَارَ مُنَاقِضًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، فَجَازَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ .
وَلِأَنَّ إسْلَامَ هَؤُلَاءِ إسْلَامٌ ضَعِيفٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إسْلَامُ الصَّبِيِّ بِنَفْسِهِ إسْلَامٌ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ فَصَارَ ضَعْفُ إسْلَامِهِمْ شُبْهَةً ، وَالْقَتْلُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ ، وَأَمَّا الْبَالِغُ فَإِسْلَامُهُ بِنَفْسِهِ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِذَلِكَ ، وَالرِّدَّةُ تُوجِبُ الْقَتْلَ ، وَلَمْ تُوجَدْ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ عَنْهُ الْقَتْلَ ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ ، ثُمَّ يُجْبِرُونَ مَنْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْقَتْلَ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ سَقَطَ بِشُبْهَةٍ ، وَسُقُوطُ الْقَتْلِ بِالشُّبْهَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْإِجْبَارِ كَالْمَرْأَةِ .
387 - 387 - إذَا اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ أَرْضِ خَرَاجٍ وَجَبَ عَلَيْهِ خَرَاجُ أَرْضِهِ وَصَارَ ذِمِّيًّا مِنْ حِينِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ بَعْدَ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ يَوْمِ وَجَبَ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِ .
وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ لِلْمُسْتَأْمَنِ : إنْ أَقَمْتَ فِي دَارِنَا سَنَةً بَعْدَ يَوْمِكَ هَذَا أَخَذْتُ مِنْك الْجِزْيَةَ ، فَأَقَامَ سَنَةً صَارَ ذِمِّيًّا ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ قَالَ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ مِمَّا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَإِذَا الْتَزَمَ مَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ صَارَ ذِمِّيًّا ، كَمَا لَوْ الْتَزَمَ خَرَاجَ الرَّأْسِ ، وَإِذَا صَارَ ذِمِّيًّا بِالْتِزَامِ الْخَرَاجِ صَارَ وُجُوبُ الْخَرَاجِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ ، فَتَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ بَعْدَ سَنَةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ أَقَمْتَ سَنَةً ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ بِالْتِزَامِهِ ، فَإِذَا أَقَامَ بَعْدَ تَقْدِيمِ الْإِمَامِ سَنَةً صَارَ مُلْتَزِمًا مِنْ يَوْمِ أَقَامَ ، فَإِذَا تَمَّ اسْتَوْفَى مِنْهُ .
388 - 388 - إذَا قَالَ عَابِدُ الصَّنَمِ أَوْ الْوَثَنِ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، أَوْ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، صَارَ بِهِ مُسْلِمًا .
وَالْكِتَابِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا قَالَ هَذَا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يُقِرَّ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ بِهِ ، أَوْ قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِالْبَارِي وَلَا بِالرِّسَالَةِ ، فَإِذَا شَهِدَ بِذَلِكَ فَقَدْ شَهِدَ بِخِلَافِ مَا اعْتَقَدَهُ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ دِينَهُ فَصَارَ مُسْلِمًا .
وَأَمَّا الْكِتَابِيُّونَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : اللَّهُ وَاحِدٌ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُهُ ، وَلَكِنْ بَعَثَهُ إلَى الْعَرَبِ وَإِلَيْكُمْ ، وَأَمَّا إلَيْنَا فَلَا ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ اعْتِقَادَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُبَدِّلًا دِينَهُ ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا .
وَيُكْرَهُ الْجَرَسُ فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ .
وَلَا يُكْرَهُ فِي الْقَافِلَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ صَوْتَهُ يُؤْذِنُ بِمَكَانِ الْجَيْشِ ، وَيَدُلُّ الْعَدُوَّ عَلَى مَكَانِهِمْ ، فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ فَكُرِهَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا فِي الْقَافِلَةِ فَفِيهِ مَنْفَعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يُوقِظُ النَّائِمَ ، وَيَهْدِي الضَّالَّ ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِمْ فَجَازَ .
390 - 390 - إذَا لَمْ يَقَعْ النَّفِيرُ وَلَمْ يَأْذَنْ لِلْوَلَدِ أَحَدُ أَبَوَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ ، وَإِنْ وَقَعَ النَّفِيرُ وَقِيلَ : جَاءَ عَدُوٌّ إلَى قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ ، أَوْ قَالَ : قَدْ جَاءَكُمْ الْعَدُوُّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ .
وَلَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى سَفَرٍ أَوْ إلَى حَجٍّ ، وَلَا يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الِابْنِ مُصَاحَبَةُ الْأَبَوَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَرْكُ الْأَذِيَّةِ لَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَهُمَا يُشْفِقَانِ عَلَيْهِ ، وَيَلْحَقُهُمَا الضَّرَرُ لِمَا يَخَافَانِ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ النَّفِيرُ فَالْقِتَالُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ، فَالِاشْتِغَالُ بِالْمُقَامِ عِنْدَهُمَا - وَهُوَ الْوَاجِبُ - أَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا وَقَعَ النَّفِيرُ ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ تَعَيَّنَ وَافْتُرِضَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ فَالِاشْتِغَالُ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ آكَدُ فَكَانَ أَوْلَى ، أَوْ نَقُولُ : فَعَدَمُ إذْنِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ الْمُتَعَيَّنَ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ، وَأَمَّا سَائِرُ الْأَسْفَارِ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهَا التَّلَفَ وَهُوَ لَمْ يُضَيِّعْ الْأَبَوَيْنِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا ، وَلَمْ يُلْحِقْ بِهِمَا ضَرَرًا بِالْخَوْفِ عَلَى رُوحِهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ إذْنِ أَبَوَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ عَلَيْهِ التَّلَفَ مِنْهُ .
391 - 391 - رَجُلٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ يُرِيدُ الْغَارَةَ ، فَكَمَنْ فِي مَكَانٌ يَنْوِي فِيهِ مُقَامَ شَهْرٍ فَهُوَ مُسَافِرٌ .
وَإِنْ اسْتَوْطَنَ مُسْلِمٌ مَدِينَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاِتَّخَذَهَا مَنْزِلًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ لِلْغَارَةِ فَهُوَ مُسَافِرٌ ، وَإِقَامَتُهُ فِي الْكَمِينِ إقَامَةٌ لِانْتِظَارِ الْكُفَّارِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ ، وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ ، فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ يُقِيمُ فِي بَلَدٍ أَيَّامًا مُنْتَظِرًا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ ذَلِكَ السَّفَرِ كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اسْتَوْطَنَ بَلَدَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ فِيهَا قَبْلَ الطَّلَبِ ، فَإِذَا اخْتَفَى فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إقَامَتِهِ لِانْتِظَارِ حَاجَتِهِ ، فَصَارَ كَمُقِيمٍ فِي بَلَدِهِ يَنْتَظِرُ قَضَاءَ حَاجَتِهِ ، وَهُوَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
392 - 392 - عَسْكَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ أَسِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ امْرَأَةٌ ، فَقَالَ : جِئْتُ بِهَا قَاهِرًا ، وَقَالَتْ هِيَ : جِئْتُ مُسْتَأْمَنَةً ، فَإِنْ رَبَطَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَإِنْ كَانَتْ تَمْشِي مَعَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا رَبَطَهَا فَهِيَ تَحْتَ قَهْرِهِ ، فَصَارَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْقَهْرَ وَالظَّاهِرُ مَعَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ .
وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً تَمْشِي فَهِيَ فِي يَدِ نَفْسِهَا فَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهَا الْقَهْرَ ، وَالْيَدُ لَهَا وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا .
393 - 393 - إذَا نَقَضَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعَهْدَ ، وَغَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الْمُرْتَدِّينَ فِي قِسْمَةِ أَمْوَالِهِمْ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ ، إلَّا أَنَّهُمْ يُسْتَرَقُّونَ وَيُسْتَبْقَوْنَ بِالْجِزْيَةِ ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّينَ .
وَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ أَنَّهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالتَّحَرُّزِ بِالدَّارِ تَرَكُوا مَا بِهِ عِصْمَةَ دَمِهِمْ ، فَصَارَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ الْمُسْلِمِ إذَا ارْتَدَّ وَغَلَبَ عَلَى دَارٍ قُسِّمَ مَالُهُ وَيُحَارَبُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَالْفَرْقُ فِي الِاسْتِرْقَاقِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ أَنَّهُمْ بِنَقْضِ الْعَهْدِ عَادُوا إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ ، فَصَارُوا كَالْحَرْبِيِّ الْأَصْلِيِّ ، وَالْحَرْبِيُّ الْأَصْلِيُّ يُسْتَرَقُّ وَيُسْتَبْقَى بِالْجِزْيَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَبَقِيَ عَلَى الرِّدَّةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَطْلُبْ الْأَمَانَ ، وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ لَمْ يَجُزْ اسْتِبْقَاؤُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اسْتِبْقَاؤُهُ بِالْجِزْيَةِ وَالْمَالِ لَمْ يَجُزْ اسْتِبْقَاؤُهُ مَجَّانًا فَقُتِلَ .
فَصْل 394 - سَرِيَّتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْتَقَتَا فَظَنَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَنَّ الْأُخْرَى سَرِيَّةُ الْمُشْرِكِينَ فَاقْتَتَلُوا فَلَمْ يَخْلُوا عَنْ قَتْلَى وَجِرَاحَاتٍ فَلَا دِيَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا كَفَّارَةَ .
وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، أَوْ رَمَى إلَى الْكَافِرِ فَرَجَعَ السَّهْمُ وَأَصَابَ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا اقْتَتَلَا عَلَى تَأْوِيلٍ ، وَاتَّصَلَ قَتْلُهُمَا بِالْمُحَارَبَةِ ، فَجَازَ أَلَّا يَتَعَلَّقَ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَالْكَفَّارَةِ كَالْبَاغِي وَالْعَادِلِ إذَا اقْتَتَلَا لَا يَجِبُ عَلَى الْبَاغِي الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ فِي حَالِ الْقِتَالِ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمُحَارَبَةِ فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ خَرَجَا عَلَى الْإِمَامِ ، وَقَتَلَا رَجُلًا عَادِلًا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِذَا تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِالْقَتْلِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَالْخَاطِئِ .
394 - 394 - وَيُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ أَخِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي الْحَرْبِ ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ خَالِهِ وَعَمِّهِ .
وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ قَتْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَرْبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ بَغْيَهُ لَمْ يَقْطَعْ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ التَّوَارُثَ يَجْرِي بَيْنَهُمَا ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَتْلِ يَقْطَعُ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَافِرُ ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ قَطَعَ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَلَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا وَالْقَتْلُ يُوجِبُ قَطْعَ الصِّلَةِ بَيْنَهُمَا ، وَلَا صِلَةَ بَيْنَهُمَا فَحَلَّ لَهُ قَتْلُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ .
396 - 396 - عِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ أَمَانٌ ، فَطُلِبُوا فَلَحَقُوا إلَى قَرْيَةٍ فِيهَا عِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَلَمْ يُعْرَفُوا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَلَا سَبِيلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ .
وَلَوْ دَخَلَ عَشَرَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي حِصْنٍ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَظُهِرَ عَلَى أَهْلِ الْحِصْنِ فَلَمْ يُعْرَفْ الْعَشَرَةُ ، وَقَدْ أَحَاطَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمْ فِيهِمْ ، فَهُمْ كُلُّهُمْ فَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَيَقُّنًا بِحَظْرِ سَبْيِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ، وَشَكَكْنَا فِي الْإِبَاحَةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ فِي رِقَابِهِمْ بِالشَّكِّ ، كَكُفَّارٍ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْرَفُونَ لَمْ يَسْعَ قِتَالَ الْكُلِّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ تَيَقَّنَّا بِإِبَاحَةِ سَبْيِ أَهْلِ الْحِصْنِ وَشَكَكْنَا فِي الْحَظْرِ فَلَا نَدَعُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ ؛ كَمُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَسِعَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ ، وَإِنْ عَلِمُوا بِأَنَّ فِيهِمْ الْمُسْلِمَ كَذَلِكَ هَذَا .
397 - 397 - رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَاصِبِ فَقَتَلُوا ، وَغَنِمُوا ذَلِكَ الْعَبْدَ فَهُوَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَأْخُذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَلَوْ لَحِقَ مُرْتَدٌّ بِالدَّارِ ثُمَّ غَصَبَ شَيْئًا مِنْ مُسْلِمٍ ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ فَإِنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا غُصِبَ قَبْلَ اللُّحُوقِ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَيَدُ الْإِمَامِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ ، فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ بِلُحُوقِهِ بِالدَّارِ ، كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنْهُ ثُمَّ ارْتَدَّ ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ عَنْهُ بِاللُّحُوقِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ مِلْكَهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا غَصَبَهُ بَعْدَ اللُّحُوقِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَنَا ، فَلَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ وَلَا الرَّدُّ عَلَيْهِ ، فَصَارَ هَذَا كَافِرًا أَحْرَزَ مَالَ مُسْلِمٍ بِدَارِ الْحَرْبِ فَمَلَكَهُ ، فَكَانَ مَالِكُهُ أَحَقَّ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا : إنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ غَصَبَ ثُمَّ لَحِقَ بِالدَّارِ ثُمَّ غَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ آخَرُ ثُمَّ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَهُوَ فَيْءٌ ، وَيَأْخُذُهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ الثَّانِي حِينَ أَخَذَ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ دَارِنَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ غَصَبَ ثُمَّ لَحِقَ بِالدَّارِ ثُمَّ لَحِقَهُ صَاحِبُهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ غَصَبَهُ ثَانِيًا فَهُوَ لِلْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ عَلَيْهِ زَالَ الضَّمَانُ ، وَالْغَصْبُ الثَّانِي لَمْ
يُوجِبْ ضَمَانًا .
فَصْلٌ 398 - إذَا اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ ، وَصَارَ ذِمِّيًّا وَلَوْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ فَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخَرَاجَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ، فَصَارَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ حُكْمًا بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَصَارَ مُلْتَزِمًا حُكْمَ الذِّمَّةِ فَأُلْزِمَ حُكْمَهُ ، وَصَارَ ذِمِّيًّا كَمَا لَوْ قَبِلَ الْجِزْيَةَ .
وَالْعُشْرُ لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمَنْ الْحَرْبِيِّ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ كَامِلًا ، وَإِنْ زَادُوا فِي الْأَخْذِ مِنَّا زِدْنَا فَلَمْ يَكُنْ بِالْتِزَامِهِ مُلْتَزِمًا حُكْمَ الذِّمَّةِ ، فَلَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا .
وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ، وَالْمُسْتَأْمَنُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ دَارِنَا سَنَةً كَامِلَةً فَإِذَا الْتَزَمَ أَدَاءَ الْخَرَاجِ وَأَدَّاهُ فَقَدْ الْتَزَمَ الْمَقَامَ سَنَةً كَامِلَةً ، فَصَارَ ذِمِّيًّا .
وَأَمَّا عُشْرُ الْمَالِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ ، فَلَمْ يَكُنْ بِالْتِزَامِهِ مُلْتَزِمًا الْمُكْثَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَنَةً ، وَإِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُكْثِ فِي دَارِنَا سَنَةً لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا .
399 - 399 - إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ، قَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابُوهَا مِنْ مُسْلِمٍ فَوَلَدَتْ ، فَقُتِلَ الْوَلَدُ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَبِمِثْلِهِ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ، فَقُتِلَ الْوَلَدُ وَأَخَذَ الْبَائِعُ أَرْشَهُ ، أَوْ قَتَلَهُ الْبَائِعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الْأُمُّ بِحِصَّتِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ فِي بَدَلِ الْأُمِّ ، وَلَا فِي بَدَلِ الْوَلَدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ انْتَقَلَا إلَى الْبَدَلِ بِأَنْ قُتِلَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ سَبِيلٌ ، فَلَوْ قَسَّمْنَا الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا لَجَعَلْنَا لَهُ حَقًّا فِي الْبَدَلِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَصَارَ كَأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ ، فَيَأْخُذُ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَدُ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ فِي الْبَدَلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ انْتَقَلَتْ إلَى الْبَدَلِ بِقَتْلٍ أَوْ غَصْبٍ ثَبَتَ حَقُّهُ فِيهِ ، فَصَارَ كَأَنَّ الْوَلَدَ بَاقٍ لِحَالِهِ فَقُتِلَ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ كَذَلِكَ هَذَا جَازَ أَنْ يُقَسَّمَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْكُفَّارِ فَقَأَ عَيْنَ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ ثُمَّ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ فَقَأَ عَيْنَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ ثُمَّ جَاءَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْكُفَّارِ صَادَفَتْ مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَجِنَايَتَهُ عَلَى مِلْكِهِ لَا تُوجِبُ ضَمَانًا عَلَيْهِ ، فَقَدْ فَاتَ بِمَعْنًى لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَبَقِيَتْ الْأُمُّ أَخَذَ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ صَادَفَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ ، وَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ تُوجِبُ الضَّمَانَ ، فَقَدْ فَاتَ بَعْضَ الْمَبِيعِ بِمَعْنًى مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ حَبَسَهُ ، فَلَوْ حَبَسَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
401 - 401 - إذَا أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ وَأَخَذُوهُ ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَمْ تَعُدْ الْإِجَارَةُ ، وَبَطَلَتْ .
وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ عَادَ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْرَ يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ ، وَزَوَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى يُوجِبُ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ .
وَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنْكُوحَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا .
كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ وَالتَّحَرِّي وَالْإِبَاقِ - مَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْحُرَّةِ ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ ، لَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّهُ .
وَمَا جَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَمَةِ ، وَهِيَ الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ جَازَ لَهُ مَسُّهُ .
وَمَا يَجُوزُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ مَوْضِعِ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ ، وَهُوَ رَأْسُهَا وَصَدْرُهَا وَيَدُهَا وَعَضُدُهَا وَسَاقُهَا يَجُوزُ لَهُ مَسُّهَا .
الْفَرْقُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } يُوجِبُ أَلَّا يَجُوزَ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهَا أَصْلًا ، إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ أَوْجَبَتْ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ، وَهِيَ حَاجَةُ النَّاسِ إلَى مُبَايَعَتِهَا وَالتَّنَاوُلِ مِنْهَا ، وَتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ، فَجَوَّزْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى اللَّمْسِ فَلَا يَجُوزُ .
وَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ لِلْأَجْنَبِيِّ إلَى النَّظَرِ إلَى الْأَمَةِ وَمَسِّهَا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، لِيَعْرِفَ حَالَهَا فَجَوَّزْنَا ذَلِكَ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ فِي الْحَالَيْنِ ، وَأَمَّا فِي الْمَحَارِمِ فَالضَّرُورَةُ أَيْضًا دَاعِيَةٌ إلَى اللَّمْسِ كَمَا أَنَّهَا دَاعِيَةٌ إلَى النَّظَرِ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْمُسَافَرَةِ مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، فَتَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْزِلَهَا وَيُرْكِبَهَا ، وَتَحْتَاجُ الْأُمُّ إلَى أَنْ يَخْدُمَهَا وَلَدُهَا ، وَيُدَلِّكَ بَدَنَهَا ، وَيَدْهِنَ رَأْسَهَا ، وَيُقَبِّلَهَا لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهَا ، كَمَا جَوَّزْنَا النَّظَرَ جَوَّزْنَا اللَّمْسَ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ فِي الْحَالَيْنِ .ججججج333333................... ==================================
ححح33.
كتاب : الفروق
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي
403 - 403 - رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ فَدَعَوْهُ إلَى طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ فَقَالَ وَاحِدٌ ثِقَةٌ : هَذَا حَرَامٌ أَوْ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ ، وَقَالُوا : هُوَ حَلَالٌ ، وَفِيهِمْ أَيْضًا وَاحِدٌ ثِقَةٌ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ ، وَلَا يَغْلِبُ خَبَرُ الْحَاضِرِ .
وَلَوْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَبَرَانِ : أَحَدُهُمَا حَاظِرٌ وَالْآخَرُ مُبِيحٌ ، وَالرَّاوِيَانِ ثِقَتَانِ فَالْحَاظِرُ أَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا ، لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَاءٌ وَاحِدٌ طَاهِرًا وَنَجِسًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ إذَا تَنَجَّسَ لَا يَطْهُرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَعُلِمَ كَذِبُ أَحَدِهِمَا - لَا مَحَالَةً - وَكُلُّ وَاحِدٍ فِي جَوَازِ كَوْنِهِ كَذِبًا كَصَاحِبِهِ ، فَاسْتَوَيَا وَسَقَطَا ، كَمَا قُلْنَا فِي الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِذَا سَقَطَا رَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَصْلِ ، فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ .
وَأَمَّا الْخَبَرَانِ فَإِنَّهُمَا نَقَلَا لَفْظَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ ، وَلَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُمَا ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا فَاسْتُبِيحَ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا فَقَبِلْنَاهُمَا ، إلَّا أَنَّ الْحَاظِرَ كَالْمُتَأَخِّرِ ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ مُتَحَقِّقٌ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ فَكَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى .
404 - 404 - إذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ فَشَهِدَ وَاحِدٌ ثِقَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مِنْ رَمَضَانَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ .
وَلَا تُقْبَلُ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ لَا تَتَضَمَّنُ إيجَابَ مَالٍ ، فَجَازَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ إيجَابُ عِبَادَةٍ كَمَا لَوْ رَوَى خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَأَمَّا هِلَالُ شَوَّالٍ فَيَتَضَمَّنُ إيجَابُ مَالٍ وَهُوَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ، وَفِي الْأَضْحَى إيجَابُ الْأُضْحِيَّةِ ، وَإِيجَابُ الْأَمْوَالِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ الْفِطْرِ إيجَابُ حَقٍّ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا فَيَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ هِلَالُ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ الْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ الصَّوْمُ فَصَارَ مُخْبِرًا بِإِيجَابِ الْحَقِّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ ، فَلَمْ تَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ فِيهِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ .
وَلِأَنَّ فِي الْفِطْرِ إسْقَاطَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ إسْقَاطُ سَائِرِ الْحُقُوقِ بِهِ .
وَأَمَّا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَهُوَ إيجَابُ عِبَادَةٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ وَلَا تَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ فِيهِ ، فَجَازَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ .
405 - 405 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : أَنَا أَرْضَعْتُهَا ، أَوْ هَذِهِ أُخْتُكَ وَسِعَهُ أَنْ يُكَذِّبَهَا وَيَطَأَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَقَالَ : هَذِهِ حُرَّةُ الْأَصْلِ أَوْ أُخْتُكَ ، وَسِعَهُ أَنْ يُكَذِّبَهُ وَيَطَأَهَا وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَقَالَ : هَذِهِ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ ، أَوْ هَذَا الْمَاءُ نَجِسٌ لَمْ يَسَعْهُ تَنَاوُلُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إبَاحَةَ أَكْلِ الطَّعَامِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَبَحْتُ لَكَ ، هَذَا الطَّعَامَ وَسِعَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ ، فَزَوَالُ الْإِبَاحَةِ بِمَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ ، فَجَازَ زَوَالُ الْإِبَاحَةِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ كَمَا جَازَ إثْبَاتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبُضْعُ ؛ لِأَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْبُضْعِ تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ بِمِلْكِ نِكَاحٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ زَوَالُ الْإِبَاحَةِ بِمَا يُزَالُ بِهِ الْمِلْكُ ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ زَوَالُ الْإِبَاحَةِ لَوْ صَحَّ هَذَا أَنَّ إبَاحَةَ الْبُضْعِ لِمَا اُخْتُصَّ بِالْمِلْكِ ، وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ ، فَبَقِيَ الْمِلْكُ الْمُوجِبُ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ ، فَبَقِيَ الْمُوجِبُ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ .
وَفِي الطَّعَامِ الْمِلْكُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ ، وَالْإِبَاحَةُ تَزُولُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ، فَلَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ مُوجِبًا لِلْإِبَاحَةِ ، فَلَمْ يَبْقَ الْمُوجِبُ فَجَازَ أَلَّا يَبْقَى الْمُوجِبُ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ وُجِدَ لِأَخْبَارِهَا مُنَازِعٌ ؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَرْأَةِ يَقُولُونَ لَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى عَقَدُوا ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ حِينَ اشْتَرَاهَا ، وَالْآنَ تُقِرُّ بِالرِّقِّ أَيْضًا ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا تَدَّعِي الْحُرْمَةَ فَتُعَارِضُ مُولَاهَا ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْعَقْدِ بِلَا حُرْمَةٍ .
وَأَمَّا فِي اللَّحْمِ فَلَا مُنَازِعٌ يُخْبِرُهُ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَخَذَ الْبَدَلَ عَلَيْهِ ، فَصَارَ
الْمُشْتَرِي خَصْمًا ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَقَدْ أُخْبِرَ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ رَوَى خَبَرًا وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ أَخَفُّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُبَاحُ بِحَالٍ ، وَهُوَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَتَحْرِيمُ الْبُضْعِ لَا يَرْتَفِعُ بِالضَّرُورَةِ ، وَإِذَا كَانَ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ أَخَفَّ جَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّخْفِيفُ فِي سَبَبِهِ فَيَكُونُ سَبَبُ ثُبُوتِهِ أَخَفَّ ، فَيَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ .
وَالْبُضْعُ لَمَّا كَانَ آكَدَ كَانَ سَبَبُ ثُبُوتِهِ آكَدَ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِبَاحَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَيُزِيلُهَا ، وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَبَحْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ ، حَلَّ لَهُ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْرِيمُ فِيهِ أَيْضًا بِقَوْلِ الْوَاحِدِ .
وَإِبَاحَةُ الْبُضْعِ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَوَّجَ أَوْ وَهَبَ أَوْ بَاعَ جَارِيَةً فَمَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْآخَرِ قَبُولٌ وَقَبْضٌ لَا يُبَاحُ لَهُ ، فَتَحْرِيمُهُ أَيْضًا جَازَ أَلَّا يَثْبُتَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ .
406 - 406 - وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ طَعَامًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ مَلَكَهَا بِوَجْهِ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَجَاءَ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ فَشَهِدَ أَنَّ هَذَا لِفُلَانٍ الْفُلَانِ غَصَبَهُ مِنْهُ الْبَائِعُ أَوْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَيِّتُ ، فَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ أَكْلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَزَّهْ كَانَ فِي وُسْعِهِ ، وَكَذَلِكَ شَرَابٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَذِنَ لَآخَرَ فِي شُرْبِهِ وَالْوُضُوءِ بِهِ ، فَقَالَ ثِقَةٌ : هَذَا لِفُلَانٍ غَصَبَهُ مِنْهُ وَسِعَهُ اسْتِعْمَالُهُ .
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَحْمٌ أَوْ مَاءٌ فَقَالَ : هَذَا الْمَاءُ نَجِسٌ ، أَوْ هَذَا اللَّحْمُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ لَمْ يَسَعْهُ أَكْلُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي اسْتِعْمَالِهِ جَازَ فَلَمْ يُخْبَرْ بِتَحْرِيمٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا أُخْبِرَ بِتَحْرِيمٍ لِحَقِّ مِلْكِ الْغَيْرِ ، وَالْمِلْكُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ، وَنَقْلُ الْمِلْكِ وَإِثْبَاتُهُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ فَلَمْ يَصِرْ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ فَبَقِيَ الْمِلْكُ فِيهِ لَهُ .
وَأَمَّا فِي ذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ فَقَدْ أُخْبِرَ بِمَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ وَبِكَوْنِهِ حَرَامًا وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ بِإِذْنٍ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ أَخْبَارَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ إذَا قَالَ : هُوَ لِفُلَانٍ فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِمَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ لِفُلَانٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِهِ عَلَيْهِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِهِبَةٍ لَهُ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ فِي يَدِهِ وَلَهُ إبَاحَتُهُ ، فَتَعَلَّقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ إلَّا بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ سَائِرُ
الْحُقُوقِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أُخْبِرَ أَنَّهُ نَجِسٌ ؛ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِمَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ نَجِسًا ، وَإِخْبَارُ الْوَاحِدِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَقْبُولٌ .
407 - 407 - رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَخْبَرَهَا مُخْبِرٌ أَنَّ زَوْجَكِ قَدْ طَلَّقَكِ أَوْ مَاتَ ، وَسِعَهَا أَنْ تُصَدِّقَهُ وَتَتَزَوَّجَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِرَجُلٍ : قَدْ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي ، وَسِعَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ أُخْبِرَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ فَاسِدًا ، وَكَانَ الزَّوْجُ مُرْتَدًّا يَوْمَ الْعَقْدِ لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ هَكَذَا لَمْ يَسَعْ الْأَجْنَبِيُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أُخْبِرَتْ بِمَا يَنْبَنِي عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ ، فَكَانَ إخْبَارًا بِتَحْلِيلِ نَفْسِهَا بِسَبَبٍ مُمْكِنٍ فَصَدَّقَتْ ، كَمَا لَوْ قَالَتْ : حِضْتُ أَوْ طَهُرْتُ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ فَتَزَوَّجْنِي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يُضَادُّ الْمَعْلُومَ الْأَوَّلَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، كَمَا لَوْ عَايَنَ شَيْئًا فَأَخْبَرَهُ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَدَعُ مَعْلُومَهُ بِإِخْبَارِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : لِإِخْبَارِهِ مُنَازِعٌ وَهُوَ أَوْلِيَاءُ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : عَقْدُهُ كَانَ صَحِيحًا ، فَتَعَارَضَ الْقَوْلَانِ فَرُجِعَ إلَى الْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ لِإِخْبَارِهَا مُنَازِعٌ ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ فَقُبِلَ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارُ ثِقَةٍ فِي الدِّيَانَاتِ .
408 - 408 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ : أَنِّي قَتَلْتُ أَبَاكَ عَمْدًا ، وَسِعَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِإِقْرَارِهِ .
وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ يُوجِبُ الْحَقَّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا : لَوْ أَنَّ إنْسَانًا يُقِرُّ لِأَحَدٍ بِدَيْنٍ وَسِعَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَايَنَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ ، فَقَدْ عَلِمَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ لَهُ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَمَا لَوْ شَاهَدَ الْقَتْلَ .
وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الشَّهَادَةِ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْقَاضِي اجْتِهَادًا فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا ، وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا .
وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّهُ لَوْ رَأَى رَجُلًا يَشْهَدُ آخَرُ عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ لِهَذَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْهُ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الشَّهَادَةِ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا اتَّصَلَتْ بِالْقَضَاءِ صَارَتْ مُوجِبَةً لِحَقٍّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي إبْطَالِهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَضَاءَهُ ، فَقَدْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحَقَّ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ .
409 - 409 - إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عِنْدَ امْرَأَةٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَجَحَدَ الزَّوْجُ لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تُمَكِّنَ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَزِمَهُ الْحُكْمُ بِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ .
وَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ قَالَا لِرَجُلٍ : إنَّ فُلَانًا قَتَلَ أَبَاكَ عَمْدًا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِمَا وَيَقْتُلَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ تَقْتَضِي ثُبُوتَهُ ، وَثُبُوتُ الْقَتْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْقِصَاصِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَرِدَ مَعْنًى يُبْطِلُهُ وَيُسْقِطُ الْقِصَاصَ بَعْدَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى ثُبُوتِ الْقِصَاصِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْتُلَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْبُضْعِ - لَا مَحَالَةَ - وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ تُوجِبُ ثُبُوتَهُ ، ثُمَّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ وَفَسْخُهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَايَنَتْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ ، وَلَوْ عَايَنَتْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا امْتِنَاعُ النَّفْسِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
410 - 410 - إذَا اشْتَبَهَتْ الْقِبْلَةُ عَلَى الرَّجُلِ فَلَمْ يَتَحَرَّ ، وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ إلَى جِهَةٍ ، ثُمَّ عَلِمَ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ رَأْيِهِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَهَا بِتَكْبِيرٍ مُسْتَأْنَفٍ .
وَلَوْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ قَدَرَ عَلَى أَصْلِ فَرْضِهِ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ فَرْضِهِ الْقِبْلَةُ لَا مَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ ، فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ ، كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى أَصْلِ فَرْضِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ، كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ .
411 - 411 - إذَا اخْتَلَطَ جَارِيَتُهُ بِجَوَارِي غَيْرِهِ ، أَوْ امْرَأَتُهُ بِنِسَاءِ غَيْرِهِ ، أَوْ قَاتِلُ أَبِيهِ بِرِجَالٍ أُخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى .
وَإِذَا اخْتَلَطَ مَسْلُوخَةٌ مَيْتَةٌ بِمَسَالِيخَ مُذَكَّاةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى ، وَيَأْكُلَ مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّهَا مُذَكَّاةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاشْتِبَاهَ عُذْرٌ ، فَقَدْ أَكَلَ مِمَّا يُسْتَبَاحُ لِلْعُذْرِ بِحَالٍ وَهُوَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، فَلِذَلِكَ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَوَارِي ؛ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ نَوْعُ عُذْرٍ وَالْإِبْضَاعُ لَا يُسْتَبَاحُ لِلْعُذْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ النَّفْسِ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي فِيهِمَا .
412 - 412 - وَدَكُ الْمَيْتَةِ إذَا اخْتَلَطَ بِالسَّمْنِ ، وَالسَّمْنُ هُوَ الْغَالِبُ جَازَ بَيْعُهُ ، فَإِنْ كَانَ الْوَدَكُ هُوَ الْغَالِبُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ .
وَالزَّيْتُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ أَوْ نَجَاسَةٌ جَازَ بَيْعُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَالِبَ إذَا كَانَ هُوَ الْوَدَكَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فِي السَّمْنِ ، فَثَبَتَ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ ، فَهَذِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَيْنِ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ يَقَعُ عَلَى الْعَيْنِ ، وَالْعَيْنُ وَدَكُ الْمَيْتَةِ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ هُوَ السَّمْنَ صَارَ الْوَدَكُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ ؛ إذْ الْأَقَلُّ يُجْعَلُ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ فَكَانَ الْجَمِيعُ سَمْنًا فَجَازَ بَيْعُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفَأْرَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي الزَّيْتِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ ، وَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى الْعَيْنِ ، وَالْعَيْنُ طَاهِرَةٌ فَمُجَاوَرَةُ النَّجَاسَةِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ ، كَالثَّوْبِ النَّجِسِ إذَا بِيعَ .
413 - 413 - إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا ثَوْبَانِ : أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ ، فَتَحَرَّى وَغَلَبَ فِي ظَنِّهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا طَاهِرٌ ، وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَأَدَّى غَالِبُ ظَنِّهِ إلَى أَنَّ الْآخَرَ طَاهِرٌ ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الظُّهْرَ .
وَلَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةِ صَلَاةِ الظُّهْرِ ، ثُمَّ أَدَّى غَالِبُ ظَنِّهِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّ الْقِبْلَةَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ إلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فَرْضَهُ فِي بَابِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ ، وَتَرَكَهَا وَتَوَجَّهَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ، فَإِذَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ مَرَّةً إلَى جِهَةٍ أَنَّهَا الْقِبْلَةُ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ قِبْلَةً لَهُ أَبَدًا ، فَبَقِيَ عَلَى اجْتِهَادِهِ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى وَقْتَ الْعَصْرِ ثَانِيًا وَيَجْتَهِدُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّوْبُ ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ فِي بَابِ الثَّوْبِ أَدَاءُ الْعَصْرِ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ ، لَا مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ طَاهِرٌ ثُمَّ تَرَكَهُ ، وَصَلَّى فِي الثَّوْبِ الْأُخْرَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ جَازَتْ صَلَاتُهُ ، فَإِذَا تَحَرَّى وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي ثَوْبٍ حَكَمْنَا بِجَوَازِ صَلَاتِهِ فِيهِ ، فَقَدْ حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ ، وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ حُكْمٌ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ الْآخَرِ ، فَإِذَا صَلَّى الْعَصْرَ فِيهِ ، فَقَدْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ ، فَلَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ .
414 - 414 - إذَا أَجَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ سَنَةً لِلْخِدْمَةِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي خِلَالِ السَّنَةِ ، وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَوْلَى الْأَجْرَ ، فَاخْتَارَ الْعَبْدُ الْمُضِيَّ عَلَى ( الْإِجَارَةِ ) ؛ ( كَانَ أَجْرُ ) مَا مَضَى لِلْمَوْلَى وَمَا بَقِيَ لِلْعَبْدِ .
وَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى قَبَضَ الْأُجْرَةَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَجَمِيعُ الْأُجْرَةِ لِلْمَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ النَّفْسِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، فَصَارَ كَالْمُبْتَدِئِ لِلْعَقْدِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، وَلَوْ عَقَدَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَإِذَا أَجَازَ فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ بِإِجَازَتِهِ ، فَصَارَ كَتَوْلِيَتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلَوْ عَقَدَ بِنَفْسِهِ سُلِّمَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَمَا مَضَى فِي حَالِ الرِّقِّ إنَّمَا تَمَّ الْعَقْدُ بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى ، وَالْأُجْرَةُ وَجَبَتْ فِي الْحَالِ ، وَهُوَ رَقِيقٌ ، فَسُلِّمَتْ لَهُ .
وَأَمَّا إذَا قَبَضَ الْأُجْرَةَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ ، فَقَدْ مَلَكَ الْأُجْرَةَ بِالتَّعْجِيلِ فِي حَالِ الرِّقِّ ، وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ، فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ سَوَاءٌ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَوُجِدَ الْعَقْدُ فِي حَالِ الرِّقِّ ، فَسُلِّمَ لَهُ الْمَهْرُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
415 - 415 - وَلَوْ أَجَّرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى عَتَقَ فَأُجْرَةُ مَا مَضَى فِي حَالِ الرِّقِّ لِلْمَوْلَى ، وَمَا بَقِيَ فِي حَالِ الْعِتْقِ لِلْعَبْدِ .
وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، أَوْ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ فَالْأُجْرَةُ الْمَقْبُوضَةُ لِلْمَوْلَى خَاصَّةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ، فَلَا تُمْلَكُ الْأُجْرَةُ فِيهِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ ، وَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ الْقَبْضِ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ لَكَانَ أَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَبْدِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى أَوْ أَجَّرَهُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ صَحِيحٌ ، فَإِذَا عُجِّلَتْ الْأُجْرَةُ مَلَكَهَا الْمَوْلَى بِالتَّعْجِيلِ فِي حَالِ رِقِّهِ فَكَانَ لَهُ كَمَا قُلْنَا فِي مَهْرِ الْجَارِيَةِ .
إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ فَوَهَبَهُ مَوْلَاهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ جَازَ .
وَإِنْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ آخَرَ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إبَاقَهُ لَمْ يُزِلْ يَدَ الْمَوْلَى عَنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ يَدٌ عَلَيْهِ ، فَبَقِيَ حُكْمُ يَدِ الْمَوْلَى ، وَهِبَتُهُ مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِيَدٍ لَهُ جَائِزَةٌ ، كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَوَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى أَحَدٍ جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ ، وَالتَّسْلِيمُ فِي الْآبِقِ لَمْ يُوجَدْ فَلَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ .
417 - 417 - إذَا أَجَّرَ الْأَبُ ابْنَهُ الصَّغِيرَ ، أَوْ أَجَّرَ الْوَصِيُّ الْيَتِيمَ مُدَّةً ، فَبَلَغَ الْيَتِيمُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ ، فَلَهُ الْخِيَارُ .
وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدًا لَهُ أَوْ دَارًا لَهُ ، فَبَلَغَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَا خِيَارَ لَهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْغَضَاضَةَ تَلْحَقُهُ فِي أَنْ يَكُونَ أَجِيرَ الْقَوْمِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تَلْحَقُهُ الْغَضَاضَةُ فِي حَالِ الصِّغَرِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الصِّبْيَانَ يُؤَجَّرُونَ لِيَتَعَلَّمُوا الْحِرَفَ ، فَإِذَا لَحِقَتْهُ الْغَضَاضَةُ صَارَ عُذْرًا ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ عَبْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ الْغَضَاضَةُ ، بِأَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ فِي حُكْمِ إجَارَةِ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَصِرْ عُذْرًا ، وَالْإِجَارَةُ لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِعُذْرٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَتْ الْإِجَارَةُ .
418 - 418 - إذَا جَاءَ رَجُلٌ بِالْآبِقِ إلَى صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الْجُعْلَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَنْقُلَ حُمُولَةً إلَى مَنْزِلِهِ ، فَنَقَلَ الْحُمُولَةَ إلَى مَنْزِلِهِ - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إبَاقَ الْعَبْدِ جِنَايَةٌ مِنْهُ ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ جِنَايَةً لَكَانَ خُرُوجًا بِرِضَا الْمَوْلَى فَلَا يَكُونُ إبَاقًا وَرَدُّهُ إبْرَاءٌ لَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ ، بِإِذْنِ مَالِكِهِ حُكْمًا وَاجِبًا لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَرْهُونًا فَقَضَى الدَّيْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ ، لِيَرُدَّ عَلَيْهِ دَيْنَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَمَّالُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَحْمُولَ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ وَالْإِتْلَافِ ، فَلَمْ يَكُنْ نَقْلُهُ إحْيَاءً لِمِلْكِهِ ، وَإِنَّمَا عَمِلَ لَهُ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي عَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ بِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَحْمُولِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الْغَصْبِ 419 - إذَا اسْتَوْلَى عَلَى دَارِ إنْسَانٍ فَانْهَدَمَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ : إذَا شَهِدُوا لِرَجُلٍ بِدَارٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمْ ، ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَمَا انْهَدَمَ الدَّارُ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشُّهُودَ بِشَهَادَتِهِمْ أَتْلَفُوا الْمِلْكَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ ، فَقَدْ نَقَلُوا الْمِلْكَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي فَضَمِنُوا .
وَفِي الْغَصْبِ بِالِاسْتِيلَاءِ لَمْ يُنْقَلْ الْمِلْكُ وَلَا الْعَيْنُ وَلَمْ يُتْلِفْهُ ، فَاسْتَحَالَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ حَبَسَ رَجُلًا حَتَّى ضَاعَ مَالُهُ .
420 - 420 - رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً وَبَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ ، فَاسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا صَاحِبُهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَالْعُقْرِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَلَدَ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْبَائِعِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَلَّمَهُ مَعَ الْأُمِّ كَانَ لَهُ حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ ، حَتَّى يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ ، فَقَدْ يَضْمَنُ بِالْعَقْدِ سَلَامَةَ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ ، دَلِيلُهُ الْأُمُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى جَارِيَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ، فَلَمْ يَضْمَنْ بِالْعَقْدِ سَلَامَةَ الْوَطْءِ لَهُ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ .
421 - 421 - إذَا غَصَبَ دَابَّةً فَقَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا ، فَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا غَرَّمَهُ كَمَالَ الْقِيمَةِ .
وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا غَرَّمَهُ النُّقْصَانَ إنْ شَاءَ وَأَمْسَكَ الْعَيْنَ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ كَمَالَ الْقِيمَةِ وَالدَّابَّةُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فَوَّتَ مُعْظَمَ مَنَافِعِهَا حَيَّةً ، وَلَمْ يُفَوِّتْ مَنَافِعَهَا مَذْبُوحَةً ، فَقَدْ فَوَّتَ بَعْضَ مَنَافِعِهَا وَبَقِيَ الْبَعْضُ - فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ دَابَّةً لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ جَمِيعَ مَنَافِعِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَلَا لِلْأَكْلِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا وَلَوْ قَتَلَهَا غُرِّمَ كَمَالَ قِيمَتِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
422 - 422 - لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ مِنْ إنْسَانٍ فَدَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ مِثْلَ الْعَفْصِ وَغَيْرِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُعْطِيَهُ مَا زَادَ الدَّبَّاغُ فِيهِ .
وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا مِنْ مُسْلِمٍ وَأَلْقَى فِيهِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ فَاِتَّخَذَهَا خَلًّا فَلَا سَبِيلَ لِصَاحِبِهَا عَلَيْهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ صَارَتْ خَلًّا بِنَفْسِهَا أَوْ جَعَلَهَا خَلًّا بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٌ مِنْ مِلْكِهِ فَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْجِلْدِ مَا أَزَالَ الِاسْمَ الْأَوَّلَ ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ مِنْ جِنْسِهِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ ، وَالصَّبْغُ عَيْنُ مِلْكٍ قَائِمٍ لَهُ فِيهِ ، فَلَمْ يَجُزْ تَمَلُّكُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ فَإِذَا أَخَذَهُ ضَمِنَهُ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَمْرُ ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ مِلْكَهُ مَا زَالَ الِاسْمُ الْأَوَّلُ ، وَنَقَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ عَيْنَ مِلْكِهِ بِهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِيهِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ فَانْقَطَعَ حَقُّ صَاحِبِهِ عَنْهُ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا ، وَلَيْسَ لَهُ عَيْنُ مِلْكٍ قَائِمٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ مَالًا فَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا فَيَرُدَّهَا ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُلْقِ فِيهَا شَيْئًا فَهُوَ عَيْنُ مِلْكِهِ انْتَقَلَ مِنْ جِنْسِ الْخَمْرِيَّةِ إلَى جِنْسِ الْخَلِّ ، فَكَانَ لَهُ كَمَا لَوْ صَارَ خَلًّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ .
423 - 423 - إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ فِي يَدِ الْمَوْلَى ضَمِنَ كَمَالَ قِيمَتِهَا ، وَجُعِلَ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) .
وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً حُبْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَمَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ ضَمِنَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا نَاقِصَةً بِالْحَبَلِ ، وَلَمْ تُجْعَلْ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فِي يَدِ الْمَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَبَلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَضْمُونِ يَكُونُ مَضْمُونًا فَتَلِفَتْ فِي ضَمَانِهِ .
وَالْحَبَلُ فِي يَدِ الْمَوْلَى غَيْرُ مَضْمُونٍ ، فَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ لَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ ، وَجُعِلَ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فِي غَيْرِ الْحَبَلِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَضْمَنُ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ نَاقِصَةً ، كَذَلِكَ هَذَا .
424 - 424 - إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ وَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ وَمَاتَتْ الْأُمُّ وَبَقِيَ الْوَلَدُ ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ الْغَصْبِ ، وَيَرُدُّ الْوَلَدَ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْبُيُوعِ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِجَارِيَتَيْنِ إلَى أَجَلٍ ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، فَإِنْ وَلَدَتْ فِي يَدِهِ وَمَاتَتْ الْأُمُّ وَقَدْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ غَرِمَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَلَا يُجْبَرُ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ بِالْوَلَدِ .
وَقَدْ قَالُوا فِي الْغَاصِبِ إذَا قَتَلَ الْجَارِيَةَ الْمَغْصُوبَةَ بَعْدَمَا وَلَدَتْ فِي يَدِهِ وَقَتَلَ الْوَلَدَ أَيْضًا وَقِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَلْفٌ وَقَدْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ مِائَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ مِائَتَانِ ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ أَلْفًا وَيَضْمَنُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ مِائَةً ، وَيُجْبَرُ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ بِبَقِيَّةِ قِيمَةِ الْوَلَدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ لَمَّا مَاتَتْ وَجَبَ إسْنَادُ الضَّمَانِ إلَى حَالَةِ الْغَصْبِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ حَالَةً أُخْرَى يُمْكِنُ إسْنَادُ الضَّمَانِ إلَيْهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يُرَاعِي قِيمَتَهَا وَقْتَ الْغَصْبِ وَحَالَةَ الْغَصْبِ هِيَ كَامِلَةٌ ، فَإِذَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا بِكَمَالِهَا اسْتَغْنَى عَنْ الْجَبْرِ بِالْوَلَدِ ، فَكَذَلِكَ لَا يُجْبَرُ نُقْصَانُهَا بِالْوَلَدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَتَلَهَا ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ هُنَاكَ حَالَةٌ أُخْرَى يَجِبُ الضَّمَانُ بِهِ غَيْرَ حَالَةِ الْغَصْبِ وَهِيَ الْقَتْلُ ، فَيُمْكِنُنَا تَضْمِينَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ نَاقِصَةً ، وَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ .
425 - 425 - إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ وَمَاتَتْ الْأُمُّ - ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَلَا يُجْبِرُ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِالْوَلَدِ .
وَلَوْ لَمْ تَمُتْ الْأُمُّ رَدَّهَا ، وَجَبَرَ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِالْوَلَدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُبْرَانَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ بَقَاءِ الْأَصْلِ ، فَإِذَا بَقِيَ الْأَصْلُ جَازَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ النُّقْصَانَ ، وَإِذَا فَاتَ الْأَصْلُ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْجُبْرَانُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَمَّا كَانَ جَبْرًا لِلصَّلَاةِ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الصَّلَاةِ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ سُجُودِ السَّهْوِ ، وَلَوْ لَمْ يُفْسِدْهَا لَزِمَهُ قَضَاءُ سُجُودِ السَّهْوِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَزِمَهُ دَمٌ فَلَوْ فَسَدَ الْحَجُّ أَصْلًا بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَ الدَّمُ عَنْهُ ، وَوَجَبَ الْقَضَاءُ ، فَسَقَطَ الْجُبْرَانُ عِنْدَ فَوْتِ الْأَصْلِ ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ بَقَائِهِ هَاهُنَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْأَصْلَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ عِنْدَ التَّلَفِ ، فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ ضَمَانُ الْأَجْزَاءِ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ ثُمَّ قَتَلَهُ ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْيَدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ ، كَذَلِكَ هَذَا صَارَ كَأَنَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ يَنْقُصْهَا الْوِلَادَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَمُتْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يَصِرْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ ضَمَانُ الْأَجْزَاءِ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْوَلَدَ بَعْضٌ مِنْ الْأُمِّ ، فَلَوْ جَبَرْنَاهَا بِهِ لَأَقَمْنَا بَعْضَ الشَّيْءِ قَائِمًا مَقَامَ كُلِّهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قَوِيٌّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ تَمُتْ الْأُمُّ ؛ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ لَأَقَمْنَا بَعْضَ الشَّيْءِ مَقَامَ بَعْضِهِ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، إذْ الْبَعْضُ نَظِيرُ الْبَعْضِ ، وَمِثْلُهُ فِي الضِّعْفِ ، فَجَازَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ
الْكُلِّ .
426 - 426 - إذَا غَصَبَ مَمْلُوكًا أَمْرَدَ فَجَرَحَ وَجْهَهُ ، وَرَدَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا آخَرَ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا .
وَلَوْ غَصَبَ غُلَامًا شَابًّا ، فَصَارَ شَيْخًا فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهُ - فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ شَابًّا وَيُقَوَّمُ شَيْخًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللِّحْيَةَ لَيْسَتْ بِنُقْصَانٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ حَلَقَهَا فَلَمْ تَنْبُتْ ضَمِنَ أَرْشَهَا ، فَصَارَ هُوَ زِيَادَةً ، وَالزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ عَيْبًا وَنُقْصَانًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّيْخُوخَةُ ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَتَغَيَّرُ وَالْقِيمَةُ تَذْهَبُ وَالْقِيمَةُ تَنْقُصُ ، فَصَارَ كَقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ .
427 - 427 - إذَا غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ خَلًّا ، وَلَبَنًا فَصَارَ مَاخِضًا وَاخْتَارَ صَاحِبُهُ أَخْذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ النُّقْصَانَ .
وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَصِيرَ وَاللَّبَنَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِمَا الرِّبَا فَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَأْخُذَ النُّقْصَانَ لَصَارَ مُعْتَاضًا عَنْ الْجَوْدَةِ بَدَلًا ، فَيَحْصُلُ لَهُ مِثْلُ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَزِيَادَةٌ ، فَكَانَ رِبًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَأَصَابَهَا مَاءٌ فَعَقَّتْ فَاخْتَارَ صَاحِبُهَا أَخْذَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّوْبُ ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَإِذَا أَخَذَ عَنْ النُّقْصَانِ بَدَلًا صَارَ مُعْتَاضًا عَنْ الْجَوْدَةِ وَالْقِيمَةِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَجَازَ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَقَطَعَ أُصْبُعًا مِنْهُ ضَمِنَ النُّقْصَانَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
428 - 428 - رَجُلٌ غَصَبَ ثَوْبًا وَعُصْفُرًا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فَصَبَغَهُ بِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا وَيُبَرِّئَهُ مِنْ الضَّمَانِ .
وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ وَالصِّبْغُ لِآخَرَ وَقَدْ صَبَغَهُ الْغَاصِبُ بِهِ فَرَضِيَا بِأَخْذِهِ وَأَبْرَآهُ مِنْ النُّقْصَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ وَيَرُدَّ عَلَى الْغَاصِبِ مَا زَادَ قِيمَةَ الصِّبْغِ ، وَيَتْبَعُ صَاحِبُ الْعُصْفُرِ الْغَاصِبَ بِعُصْفُرٍ مِثْلَ عُصْفُرِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصِّبْغَ إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ وَالثَّوْبَ لِآخَرَ فَإِذَا صَبَغَهُ بِهِ صَارَ الصِّبْغُ مُسْتَهْلَكًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَزَالَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ ، فَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ لِوَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْإِنْسَانِ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِخَلْطِهِ بِمَالِهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ نَاقِصًا ، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْ الصِّبْغِ فَلَا يَضْمَنُهُ ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَخْذُهُمَا .
429 - 429 - إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ ثَوْبًا وَسِعَهُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّوْبِ وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَسَعْهُ التَّصَرُّفُ فِي الدَّنَانِيرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِالْمَقْبُوضِ فَإِذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مَغْصُوبًا فَلَمْ يَصِرْ مَالِكَهُ وَبِالْأَخْذِ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الثَّوْبِ ، فَجَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ ؛ لِأَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْمَقْبُوضُ لِكَوْنِهِ مَغْصُوبًا وَجَبَ رَدُّ الدَّنَانِيرِ ، وَيَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى عَقْدٍ فَاسِدٍ ، فَلَمْ يَسَعْهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ أَصْحَابُنَا : أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ اُسْتُحِقَّ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَارِيَةِ ، فَهِيَ مَقْبُوضَةٌ عَلَى عَقْدٍ فَاسِدٍ .
وَلَوْ تَزَوَّجَ عَلَى ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ حَلَّ لَهُ وَطْءُ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَفْسَخْ النِّكَاحَ ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَةَ الثَّوْبِ .
430 - 430 - إذَا اسْتَأْجَرَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَ الْعَبْدَ الْخَبْزَ وَالْكِتَابَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عَلَى ضَمَانِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْغَصْبُ ثَوْبًا فَاسْتَأْجَرَ صَاحِبُ الثَّوْبِ الْغَاصِبَ أَنْ يَفْتِلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ الضَّمَانِ .
وَلَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ عَبْدًا فَأَجَرَهُ مِنْ الْغَاصِبِ لِلْخِدْمَةِ ، أَوْ كَانَ ثَوْبًا فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَلْبَسَهُ ، أَوْ كَانَتْ دَابَّةً فَاسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا ، فَقَبِلَ الْغَاصِبُ الْإِجَارَةَ بَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْغَاصِبِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعَبْدِ الْخَبْزَ وَفَتْلَ الثَّوْبِ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ يَدِهِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمَوْلَى ، فَلَمْ يُوجِبْ لَهُ يَدًا فِيهِ ، فَلَمْ يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلُّبْسِ أَوْ الرُّكُوبِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الرُّكُوبِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ إلَيْهِ ، لِيَجِبَ الْأَجْرُ بِالتَّسْلِيمِ ، وَكَذَلِكَ اللُّبْسُ وَالْخِدْمَةُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ وَلَمْ يَرْكَبْ وَاسْتَصْحَبَهُ مَاشِيًا فِي الطَّرِيقِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ ، فَقَدْ أَوْجَبَ لَهُ يَدًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ ، فَكَأَنَّهُ ارْتَجَعَهُ مِنْهُ ثُمَّ أَجَرَهُ إيَّاهُ .
431 - 431 - إذَا غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ دِيَتَهُ .
وَلَوْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى جَاءَ آخَرُ وَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُمْسِكُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَاصِبَ قَرَّبَ الصَّبِيَّ مِنْ الْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِ وَالِدَيْهِ دَفَعُوا الْقَاتِلَ عَنْهُ ، فَصَارَ بِتَقْرِيبِهِ مُنْشِئًا التَّلَفَ فَصَارَ جَانِيًا ، فَضَمِنَ ، كَمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْفَ وَضَرَبَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهِ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا وَدَفَعَ إنْسَانًا فِيهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُمْسِكُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَرِّبْهُ إلَى الْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَكَانِهِ فَهُوَ مُسَبِّبٌ فَقَطْ غَيْرُ نَاقِلٍ وَلَا جَانٍ وَبِمُجَرَّدِ التَّسَبُّبِ لَا يَضْمَنُ ، كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ .
432 - 432 - إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَقَتَلَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ قَتِيلًا فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَفَدَاهُ أَوْ دَفَعَهُ فِي الدِّيَةِ رَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ .
وَلَوْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ شَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُسْتَحَقُّ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ فِي ضَمَانِهِ ، فَكَأَنَّ الْغَاصِبَ أَخَذَ ذَلِكَ الْعَبْدَ مِنْ مَالِهِ فَسَلَّمَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ - يَضْمَنُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّبِيُّ ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَا يَضْمَنُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَرْشَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى فِي ضَمَانِهِ ، فَلَا يَضْمَنُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ كَالْمُقَرِّبِ إيَّاهُ مِنْ الْجِنَايَةِ .
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ 433 - إذَا رَمَى صَيْدًا فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ ، فَوَقَعَ فِي مَاءٍ ، فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ .
وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ ، ثُمَّ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ فَمَاتَتْ حَلَّ أَكْلُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ مُسْتَقِرٌّ حُكْمُهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهُ حَيًّا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ ، فَوُقُوعُ التَّلَفِ بِمَعْنًى لَيْسَ بِذَكَاةٍ بَعْدَهُ تُوجِبُ التَّحْرِيمَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَرْمِهِ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ ، لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ، فَوُجُودِ مَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ بَعْدَهُ لَا يَمْنَعُ إبَاحَتَهُ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ جَاءَ مَجُوسِيٌّ وَأَبَانَ رَأْسَهُ .
434 - 434 - إذَا طَارَ فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ ، أَوْ وَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ حِجَارَةٍ مُحَدَّدَةٍ أَوْ فِي مَاءٍ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ .
وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ يَحِلُّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ وُقُوعَهُ فِي الْمَاءِ وَتَرَدِّيهُ مِنْ الْجَبَلِ لَيْسَ مِنْ مُوجِبِ الرَّمْيَةِ ، لِجَوَازِ أَنْ يُصِيبَهُ السَّهْمُ فَلَا يَسْقُطَ فِي الْمَاءِ ، فَإِذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ يَجُوزُ وُقُوعُ التَّلَفِ مِنْهُ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ مَا يَقَعُ بِهِ الذَّكَاةُ وَمَا لَا يَقَعُ ، فَحَرُمَ أَكْلُهُ ، دَلِيلُهُ لَوْ شَارَكَهُ مَجُوسِيٌّ فِي ذَبْحِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ ، لِأَنَّ سُقُوطَهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مُوجِبِ الرَّمْيِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَبْقَى فِي الْهَوَاءِ مَيِّتًا ، فَقَدْ تَلِفَ بِمَعْنًى هُوَ مِنْ مُوجَبِ الرَّمْيِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ ، فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ كَذَلِكَ هَذَا .
435 - 435 - إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَهُ وَتَجَاوَزَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ حَلَّ أَيْضًا .
وَلَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ثُمَّ أَخَذَهُ لَمْ يَحِلَّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تِلْكَ الْجِهَةَ جِهَةُ ذَكَاةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا وَاحِدًا لَوَقَعَ فِعْلُهُ ذَكَاةً ، وَحَلَّ أَكْلُهُ فَمَا أَخَذَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ يَكُونُ مُذَكَّاةً وَقَدْ أَصَابَ الثَّانِي فِي تِلْكَ الْجِهَةِ ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا نَقْلٌ لَا يَقْطَعُ تِلْكَ الْجِهَةَ إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِعَمَلٍ آخَرَ ، وَلَمْ يَمْكُثْ طَوِيلًا وَقَلِيلُ الْفَصْلِ لَا يَقْطَعُ الْجِهَةَ فَحُمِلَ الْجَمِيعُ ، كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَنَفَذَ وَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ الْجَمِيعُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا جَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَثَمَ طَوِيلًا فَقَدْ انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْجِهَةُ ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا يَكْثُرُ فَصَارَ الثَّانِي ابْتِدَاءَ ذَهَابٍ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ فَلَمْ يَحِلَّ ، كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ ذَهَبَ بِنَفْسِهِ وَاصْطَادَ .
436 - 436 - وَإِذَا رَدَّ سَبُعٌ أَوْ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ صَيْدًا عَلَى كَلْبٍ مُعَلَّمٍ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحْلُلْ أَكْلُهُ .
وَلَوْ رَدَّ مَجُوسِيٌّ عَلَيْهِ صَيْدًا حَتَّى قَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ إعَانَةٌ لَهُ ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : إعَانَةٌ بِالسَّبَبِ وَإِعَانَةٌ بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَالْكَلْبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِعَانَةِ بِالسَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْإِعَانَةَ بِالسَّبَبِ أَنْ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ ، أَوْ يَنْصِبَ الشَّبَكَةَ ، أَوْ يَحْفِرَ حَفِيرَةً ، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلْبِ ، فَجُعِلَ إعَانَتُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ ، وَالْإِعَانَةُ مِمَّنْ لَا يَقَعُ بِفِعْلِهِ الذَّكَاةُ ، فَهُوَ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ ذَلِكَ الْكَلْبُ الْآخَرُ مَعَهُ ، أَوْ شَارَكَ الْمَجُوسِيُّ الْمُسْلِمَ فِي ذَبْحِ شَاةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مَجُوسِيٌّ ، ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ إعَانَةٌ لَهُ ، وَالْإِعَانَةُ بِالسَّبَبِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ تَصِحُّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحِدَّ السِّكِّينَ ، وَيَشُدَّ قَوَائِمَ الصَّيْدِ ، فَجُعِلَ رَدُّهُ سَبَبًا ، وَالسَّبَبُ إذَا وُجِدَ مِمَّنْ لَا تَقَعُ بِهِ الذَّكَاةُ لَا يَحْرُمُ ، كَمَا لَوْ شَدَّ الْمَجُوسِيُّ قَوَائِمَ الشَّاةِ فَذَبَحَهَا الْمُسْلِمُ يَحِلُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
437 - 437 - الْجَرَادُ إذَا مَاتَتْ بِغَيْرِ سَبَبٍ حَلَّتْ .
وَالسَّمَكُ إذَا مَاتَتْ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ وَطَفَا كُرِهَ .
فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّمَا يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَفَا نَتِنَ وَتَغَيَّرَ فَكُرِهَ أَكْلُهُ ، كَمَا يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْمُنْتِنِ ، وَأَمَّا الْجَرَادُ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَنْتُنُ فَحَلَّ .
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّ السَّمَكَ إذَا مَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ وَلَمْ يَنْتُنْ يُكْرَهُ أَيْضًا ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَرَادِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَرَادَ لَا يَتَغَيَّرُ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ عَلَيْهِ ، وَلَا يُحِلُّهُ نَجَاسَةُ الْمَوْتِ إذَا صَارَ بِحَالَةٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ طَهُرَ وَهُوَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِذَا قَارَبَ الْمَوْتَ مَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْلَى أَلَّا يُنَجِّسَهُ .
وَأَمَّا السَّمَكَةُ فَإِنَّهَا تَنْتُنُ بِمُرُورِ الْأَيَّامِ عَلَيْهَا فَمَوْتُهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُنَجِّسُهُ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ .
438 - 438 - إذَا أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ فَانْتَهَشَ مِنْهُ قِطْعَةً فِي حَالَ اتِّبَاعِهِ فَأَكَلَهُ ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ .
وَإِنْ أَلْقَى تِلْكَ الْقِطْعَةَ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ وَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ تِلْكَ الْقِطْعَةَ حَلَّ أَكْلُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُسَلِّمْهُ ، إلَى صَاحِبِهِ حَتَّى أَكَلَ مِنْهُ عُلِمَ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ ، فَخَرَجَ عَنْ حَدِّ التَّعْلِيمِ ، فَصَارَ صَيْدُ كَلْبٍ غَيْرَ مُعَلَّمٍ ، فَلَا يَحِلُّ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهُ ثُمَّ أَكَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ إمْسَاكُهُ فِي جِهَةِ الْإِرْسَالِ ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَهَذَا الْجُزْءُ مِنْهُ مَيْتَةٌ ، فَقَدْ أَكَلَ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إمْسَاكُهُ عَلَى صَاحِبِهِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا ، كَمَا لَوْ سَلَخَهُ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ جَاءَ وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
439 - 439 - إذَا رَمَى بِالْمِعْرَاضِ إلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَجَرَحَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ .
وَإِنْ أَمَاتَهُ بِحَدِّهِ وَقَطَعَهُ وَبَعَّضَهُ حَلَّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْجُرْحِ بِعَرْضِ الْمِعْرَاضِ أَوْ السَّهْمِ فَهُوَ شَقٌّ ، وَلَيْسَ بِخَرْقٍ وَلَا قَطْعٍ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " { وَإِنْ لَمْ يَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ ، } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمَوْقُوذَةُ } .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَصَابَ حَدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِحَدِّهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ بِالسَّهْمِ وَالْمِزْرَاقِ وَالسَّيْفِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ " { إذَا خَرَقَ الْمِعْرَاضُ فَكُلْ } .
440 - 440 - بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا وَسَمَّى ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَرْسَلَهَا وَأَضْجَعَ أُخْرَى فَذَبَحَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ .
وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَخْطَأَهُ وَأَصَابَ آخَرَ فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُسَمِّيَ عَلَى كُلِّ ذَبِيحَةٍ ، فَإِذَا سَمَّى وَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ يَذْبَحْهَا وَذَبَحَ الثَّانِيَ لَمْ تَقَعْ التَّسْمِيَةُ لِلثَّانِي فَقَدْ ذَبَحَ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّمْيُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْيِينِ التَّسْمِيَةِ مِنْ الصَّيْدِ ؛ لِأَنَّ الرَّامِيَ قَدْ يَقْصِدُ الرَّمْيَ إلَى الصَّيْدِ فَيُصِيبُ غَيْرَهُ ، كَمَا أَنَّ الْكَلْبَ قَدْ يُرْسَلُ عَلَى صَيْدٍ فَيَأْخُذُ غَيْرَهُ ، فَصَارَ عُذْرًا وَسَقَطَ تَعَيُّنُ التَّسْمِيَةِ لِلْعُذْرِ ، فَاسْتَوَى إصَابَةُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ، وَلَوْ أَصَابَ الْأَوَّلَ حَلَّ كَذَلِكَ الثَّانِي .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى : قُلْنَا لَوْ نَظَرَ إلَى صُيُودٍ فَأَرْسَلَ كَلْبًا وَسَمَّى فَأَيُّ صَيْدٍ أَخَذَهُ وَقَتَلَهُ حَلَّ ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى أَغْنَامٍ وَسَمَّى ثُمَّ أَخَذَ وَاحِدَةً وَذَبَحَهَا ظَنَّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى تُجْزِيهِ لَمْ يَجُزْ .
وَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الرَّمْيِ تُعَيَّنُ وَقْتَ الرَّمْيِ لَا وَقْتَ الْإِصَابَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّسْمِيَةِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِعْلِهِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ فِيهِ تَكْلِيفٌ ، وَقَدْ وُجِدَتْ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الرَّمْيِ فَحَلَّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذَّبْحُ ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّبْحِ وَقْتَ الْقَطْعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يُشْتَرَطَ التَّقْدِيمُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَوَقْتَ ذَبْحِ الثَّانِي لَمْ تُوجَدْ تَسْمِيَتُهُ فَلَا يَحِلُّ .
441 - 441 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ شَاةً وَسَمَّى ، ثُمَّ ذَبَحَ أُخْرَى وَظَنَّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى جَازِيَةٌ عَنْهُمَا لَمْ تُؤْكَلْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُحْدِثَ لِكُلِّ ذَبِيحَةٍ تَسْمِيَةً .
وَلَوْ رَمَى بِسَهْمٍ فَقَتَلَ بِهِ مِنْ الصَّيْدِ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَمَّى فَقَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِرْسَالَ وَالرَّمْيَ جُعِلَ ذَكَاةً وَهُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَفْوِيتِ رُوحَيْنِ كَمَا لَوْ وَضَعَ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِ شَاتَيْنِ وَجَرَّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَفَاهُ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الذَّبْحُ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ تَجَدَّدَ مِنْهُ عِنْدَ كُلِّ ذَبِيحَةٍ ، فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ أَيْضًا تَجْدِيدُ التَّسْمِيَةِ ، كَمَا لَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِمُدَّةٍ .
فَإِنْ قِيلَ ظَنُّهُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الشَّاةِ الْأُولَى تُجْزِئُ عَنْ الثَّانِيَةِ عُذْرٌ فَهُوَ كَنِسْيَانِهِ التَّسْمِيَةَ .
قُلْنَا : إنَّ الْجَهْلَ يُفَارِقُ النِّسْيَانَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ أَنَّ الْأَكْلَ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ فَأَكَلَ بَطَلَ صَوْمُهُ ، وَلَوْ نَسِيَ الصَّوْمَ فَأَكَلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ فَافْتَرَقَا .
442 - 442 - إذَا أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَأَخَذَ السِّكِّينَ وَسَمَّى ثُمَّ أَلْقَى ذَلِكَ السِّكِّينَ وَأَخَذَ آخَرُ فَذَبَحَهَا بِهِ أَجْزَأَتْ التَّسْمِيَةُ الْأُولَى .
وَلَوْ أَخَذَ سَهْمًا وَسَمَّى وَوَضَعَهُ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا آخَرَ وَرَمَى بِهِ وَلَمْ يُسَمِّ لَمْ يُؤْكَلْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الرَّمْيِ تَقَعُ عَلَى السَّهْمِ دُونَ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى وَاحِدٍ وَسَمَّى فَأَصَابَ آخَرَ حَلَّ فَوَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ لِلسَّهْمِ الْأَوَّلِ ، فَلَا يَحِلُّ الثَّانِي بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السِّكِّينُ ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَقَعُ عَلَى الْمَذْبُوحِ دُونَ الْآلَةِ ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ نَفْسَ التَّسْمِيَةِ شَرْطٌ ، فَوَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ لِتِلْكَ الشَّاةِ فَلَا يَعْتَبِرُ آلَةً دُونَ آلَةٍ ، فَبِأَيِّ سِكِّينٍ ذَبَحَ حَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ 443 - إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وَلَا مَكَانًا وَلَا وَقْتًا فَأَعَارَهَا مِنْهُ ثُمَّ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ أَعَارَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ .
وَلَوْ أَجَّرَهَا ضَمِنَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَلَمْ يَخُصَّ لَهُ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ ، وَإِعَارَتُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ يُكَافِئُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَشْكُرُهُ ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ بِهِ الرَّدَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ، كَمَا لَوْ انْتَفَعَ بِنَفْسِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَجَّرَ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فَقَدْ عَقَدَ عَلَى الْمُسْتَعَارِ عَقْدًا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ ، وَيَمْنَعُ الرَّدَّ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ صَاحِبِهِ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ عَقْدَ الْمَنْعِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ .
444 - 444 - وَإِذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمِ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا ضَمِنَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَتِهَا .
وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ فَرَكِبَهَا وَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا أَثْقَلَ مِنْهُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَلَا يُعْتَبَرُ الثِّقَلُ هَاهُنَا .
وَلَوْ أَذِنَ لِرَجُلٍ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَضَرَبَهُ أَحَدَ عَشَرَ سَوْطًا فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْحِنْطَةِ التَّلَفُ وَقَعَ بِالثِّقَلِ ، وَالْجُزْءُ الْوَاحِدُ لَا يُعَادِلُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ فِي وُقُوعِ التَّلَفِ بِهِ إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتْلَفَ بِجُزْءٍ ، وَيَسْلَمَ مِنْ عَشَرَةٍ ، فَصَارَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا جِنَايَتَهُ عَلَى حِدَةٍ ، فَقَدْ تَلِفَ النَّفْسُ بِإِحْدَى عَشْرَةَ جِنَايَةً ، عَشَرَةٌ مَأْذُونٌ فِيهَا وَوَاحِدٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فَضَمِنَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الضَّرْبُ ؛ لِأَنَّ السَّوْطَ الْوَاحِدَ يُعَادِلُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ ، وَوُقُوعُ التَّلَفِ بِهِ مُمْكِنٌ ، لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ مِنْ وَاحِدٍ ، وَيَسْلَمَ مِنْ عَشَرَةٍ فَصَارَتْ الْعَشَرَةُ كَالْوَاحِدِ ، فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَأْذُونٍ فَيَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهِ .
وَأَمَّا الرُّكُوبُ فَنَفْسُ الرُّكُوبِ جِنَايَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَرْكَبَ وَاحِدٌ فَيُفْسِدَ الدَّابَّةَ وَيَقْتُلَهَا بِحَيْثُ لَا يَهْتَدِي إلَى الْفُرُوسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا ، وَآخَرُ يَرْكَبُ الدَّابَّةَ فَيُصْلِحُهَا وَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَسْلَمَ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْكَبِيرَةِ وَتَتْلَفَ بِالصَّغِيرَةِ ، فَقَدْ تَلِفَتْ النَّفْسُ بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَأْذُونٌ فِيهَا وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِوَاحِدٍ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ سَوْطًا فَضَرَبَهُ سَوْطَيْنِ ، فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
445 - 445 - إذَا أَعَارَهُ دَابَّةً فَجَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهَا وَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُعِيرِ بِشَيْءٍ .
وَلَوْ أَجَّرَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْجَبَ سَلَامَةَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ يَلْحَقُهُ ، وَالْإِجَارَةُ عَقْدُ ضَمَانٍ ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَالْمُعِيرُ لَمْ يَضْمَنْ سَلَامَةَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا فَاسْتُحِقَّ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
أَوْ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ يَدٌ لِمَنْ أَجَّرَ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْأُجْرَةَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَصَارَ يَدًا لَهُ فَقَدْ ضَمِنَ بِيَدٍ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ بِعَقْدٍ ، وَلَوْ ضَمِنَ بِعَقْدٍ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ إذَا ضَمِنَ بِيَدٍ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدٌ لِنَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَيْهِ ، وَسَلِمَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ ، فَقَدْ ضَمِنَ بِيَدِ نَفْسِهِ ، فَلَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ فَجَاءَهُ إنْسَانٌ وَاسْتَحَقَّهُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِشَيْءٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
446 - 446 - وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ : اسْتَوْدَعْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَاعَتْ ، وَقَالَ الطَّالِبُ : بَلْ غَصَبْتَهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ .
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : أَخَذْتُ مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَضَاعَتْ ، وَقَالَ الطَّالِبُ : لَا بَلْ غَصَبْتَهَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ اسْتَوْدَعْتَنِي فَلَمْ يَحْكِ عَنْ نَفْسِهِ فِعْلًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى غَيْرِهِ ، فَأَفْرَدَهُ بِالْفِعْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : وَضَعْتهَا بِالْقُرْبِ مِنِّي فَضَاعَتْ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : " أَخَذْتهَا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ فِعْلَ الْأَخْذِ إلَى نَفْسِهِ ، وَالْأَخْذُ فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ } ، فَقَدْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ ، وَادَّعَى الْبَرَاءَةَ فَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى دَعْوَى الْبَرَاءَةِ وَغَرِمَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : " هَدَمْت جِدَارَك بِإِذْنِك ، وَمَزَّقْت ثَوْبَك بِإِذْنِك .
447 - 447 - إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ مِثْلُ الرَّحَى وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَمَئُونَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ، وَكَذَلِكَ مَئُونَةُ الرَّدِّ عَلَى الْغَاصِبِ .
وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ فَمَئُونَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُكْرِي دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ يَدٌ لِنَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا ، وَكَذَلِكَ الْغَاصِبُ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَئُونَةَ الرَّدِّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعِيرِ ، فَجَازَ أَنْ تَلْزَمَهُ ، الْمَئُونَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدٌ لِلْمُكْرِي ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ فِيمَا يَرُدُّ لَجَعَلْنَا لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ ، فَمِنْ حَيْثُ يَرُدُّ يَرْجِعْ عَلَيْهِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوُجُوبِ .
448 - 448 - قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ : بَعَثْتُ الْوَدِيعَةِ إلَيْك مَعَ رَسُولِي وَسَمَّى أَجْنَبِيًّا فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يُقِرَّ الْمُعِيرُ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ .
وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ ، وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْإِمْسَاكَ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ ، وَالْإِعَارَةُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ ، وَانْتِفَاعُهُ وَانْتِفَاعُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ وَصَارَ مَأْذُونًا فَلَا يَغْرَمُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَوْدَعَهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِي أُذِنَ لَهُ فِيهَا ، وَهُوَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ بِالْإِيدَاعِ فَإِذَا لَمْ يُمْسِكْهُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ ، لَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يُودِعَ لَجَعَلْنَاهُ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ ، فَيُؤَدِّي إلَى إلْزَامِ رَبِّ الْمَالِ مَئُونَةَ الرَّدِّ ، وَسَقَطَ مَئُونَةُ الْمُودِعِ عَنْ الْمُسْتَعِيرِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَعَارَ ؛ لِأَنَّ مَئُونَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي ، وَتَسْقُطُ مَئُونَةُ الْمُودِعِ إذَا جَعَلْنَا إعَارَتَهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى الْمَالِيِّ ، فَكَأَنَّهُ أَعَارَهُ بِنَفْسِهِ ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى إغْرَامِ رَبِّ الْمَالِ مَئُونَةَ الرَّدِّ ، فَجَازَ ذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الشَّرِكَةِ 449 - إذَا اشْتَرَكَا بِعَيْنِ مَالٍ عَلَى أَنَّ مَا اشْتَرَيَا مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَا الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ كَانَتْ الشَّرِكَةُ جَائِزَةً وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .
وَلَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً وَشَرَطَ أَنْ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ فَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَلَّطَ صَاحِبَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَلِنَفْسِهِ فَصَارَ وَكِيلًا لَهُ ، وَالْوَكَالَةُ لَا يُبْطِلُهَا الشَّرْطُ الْفَاسِدُ ، فَوَقَعَ الشِّرَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَإِذَا شُرِطَ ثُلُثَا الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا فَقَدْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بَعْضَ بَدَلِ مِلْكِهِ ، وَهُوَ عِوَضٌ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : " بِعْ هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ ثَمَنِهِ لَك " فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْمَالِ الدَّرَاهِمَ ، فَإِذَا شُرِطَ لِلْمُضَارَبَةِ ثُلُثَا الرِّبْحِ فَقَدْ شَرَطَ بَعْضَ بَدَلِ دَرَاهِمَ لَهُ ، وَلَوْ شَرَطَ جَمِيعَ بَدَلِ دَرَاهِمِهِ لَهُ بِأَنْ يُقْرِضَهُ إيَّاهُ جَازَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ لَهُ عَمَلٌ فِي مَالِ صَاحِبِهِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ زِيَادَةَ رِبْحٍ كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ إذَا شَرَطَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ زِيَادَةَ رِبْحٍ .
قُلْنَا : " إنْ شَرَطَ الْعَمَلَ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِهِ رِبْحًا كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ رِبْحًا كَمَا لَوْ قَالَ : أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَنَا وَلَمْ يَدْفَعْ الْمَالَ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَمْ تَجُزْ الْمُضَارَبَةُ .
450 - 450 - إذَا أَبْضَعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِضَاعَةً عِنْدَ رَجُلٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا شَيْئًا ، ثُمَّ تَفَرَّقَ الْمُتَفَاوِضَانِ ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالْبِضَاعَةِ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِفُرْقَتِهِمَا فَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ وَعَلَى شَرِيكِهِ .
وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالًا وَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى اشْتَرَى كَانَ مَا اشْتَرَى لِلْآمِرِ خَاصَّةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شِرَاءَهُ وَقَعَ لَهُمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذَلِكَ الْمَالَ فِي عَقْدٍ عَقَدَهُ لَا يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ الْآمِرِ شَيْئًا ، وَتَسْلِيمُ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْعَقْدِ إذَا لَمْ يُوجِبْ ضَمَانًا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْعَقْدِ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ بِالْعَقْدِ ، ثُمَّ افْتَرَقَا فَاشْتَرَى ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُمَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ الْمَالَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِعَقْدِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شِرَاءَهُ وَقَعَ لَهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ امْتِنَاعُ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِتَسْلِيمِ مَالِ الْغَيْرِ فَلَمْ يَقَعْ لَهُمَا بِالْأَمْرِ ، فَصَارَ وُقُوعُهُ لَهُمَا بِالْمُفَاوَضَةِ ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمُفَاوَضَةُ ، فَوَقَعَ لِلْآمِرِ خَاصَّةً ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ الْآنَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ .
451 - 451 - وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْمَالُ فِي يَدِ الْبَاقِي فَادَّعَى وَرَثَةُ الْمَيِّتِ الْمُفَاوَضَةَ وَجَحَدَ ذَلِكَ الْحَيُّ ، فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ ، وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا ، أَوْ أَنَّ الَّذِي فِي يَدَيْهِ كَانَ فِي يَدِهِ يَوْمَ مَاتَ ، فَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّيْءُ مُشْتَرَكًا .
وَلَوْ كَانَا حَيَّيْنِ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تَثْبُتْ الْمُفَاوَضَةُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُفَاوَضَةِ ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْمُفَاوَضَةُ حَالَ الْحَيَاةِ ، وَثُبُوتُ الْمُفَاوَضَةِ يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ كَانَ فِي يَدِهِ وَقْتَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ مِنْ بَعْدُ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَا حَيَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ تَثْبُتُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ ، وَالْمُفَاوَضَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُسَاوَاةِ ، وَلَا يَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدَيْهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا .
452 - 452 - وَإِذَا اسْتَعَارَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ ، وَإِنْ اسْتَعَارَهَا الْأَوَّلُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا لِشَرِيكِهِ خَاصَّةً كَانَ ضَامِنًا .
وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ أَوْ مِنْ الشَّرِكَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا شَرِيكُهُ مِنْ الشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً لَمْ يَضْمَنْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُمَا فِي أَحْكَامِ عُقُودِ التِّجَارَاتِ ، وَالِاسْتِعَارَةُ مِنْ عَمَلِ التِّجَارَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُعِيرَ اسْتِحْسَانًا ، وَيَجُوزُ عَلَيْهِمَا ، فَكَذَلِكَ تَقَعُ اسْتِعَارَتُهُ لَهُ ، فَكَأَنَّهُمَا جَمِيعًا اسْتَعَارَا ، ثُمَّ وَضَعَ أَحَدُهُمَا حِنْطَةً لِنَفْسِهِ أَوْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَجَازَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَرِكَةُ الْعَنَانِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي أَحْكَامِ عُقُودِ التِّجَارَات فَلَمْ تَجُزْ اسْتِعَارَتُهُ عَلَيْهِمَا ، فَجَازَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ خَاصَّةً ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَالْمَأْذُونِ وَالْمُسَلَّطِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فِيمَا عَمِلَ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ ، فَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ صَرِيحًا فَجَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ .
وَإِنْ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ وَبِأَجِيرِهِ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَعَارِ ، فَلَا يَضْمَنُ ، وَلَيْسَ بِمَأْذُونٍ وَمُسَلَّطٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ فِيمَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَجْنَبِيٍّ ، وَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مِنْ إنْسَانٍ فَجَاءَ أَجْنَبِيٌّ وَحَمَلَ عَلَيْهَا لِنَفْسِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
453 - 453 - وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ ثَبَتَ لَهُ وِلَايَةٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فَصَارَ كَالْأَبِ ، وَلِلْأَبِ أَنْ يُكَاتِبَ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ ، كَذَا هَذَا ، وَلِأَنَّ فِي الْكِتَابَةِ تَنْمِيَةَ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ أَمْنِ الضَّرَرِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْرِجُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ بِدَلِهِ فِي مِلْكِهِ ، فَصَارَ كَالْبَيْعِ ، وَلَوْ بَاعَ جَازَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ خُرُوجَ الرَّقَبَةِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْبَدَلُ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِأَنْ يَمُوتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، أَوْ يَعِيشَ فَلَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَنْ الضَّرَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ رَقَبَتَهُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ ، وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ ؛ لِأَنَّهُ أَمِنَ الضَّرَرَ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَإِمْسَاكَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَفِيدُ الْمَهْرَ فَجَازَ عَلَيْهِ .
454 - 454 - وَإِذَا أَجَّرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ نَفْسَهُ فِي خِيَاطَةٍ وَنَقْلِ شَيْءٍ فَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَى أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِيَخْدُمَ إنْسَانًا شَهْرًا لَا تَكُونُ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا .
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَلَى صَاحِبِهِ مَا يَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ مِمَّا يَصِحُّ الضَّمَانُ فِيهِ ، وَضَمَانُ الْخِيَاطَةِ عَنْ شَرِيكِهِ ، وَضَمَانُ النَّقْلِ جَائِزٌ ، فَصَارَ مَضْمُونًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى شَرِيكِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَدَلَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخِدْمَةُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُدَّةِ ، وَالْخِدْمَةُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى شَرِيكِهِ ، فَجَازَ أَلَّا يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ مَعَ عَدَمِ الضَّمَانِ .
فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ شَيْءٍ أَوْ نَقْلِهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا بِأَجْرٍ أَوْ كَسَبَ كَسْبًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا ، وَحِفْظُ شَيْءٍ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَجِبُ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُمَا [ كَمَا ] قُلْنَا .
455 - 455 - إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِدَيْنٍ لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ .
وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَاشِ بَاقٍ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا ، وَيَبْقَى لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ وَالتَّسْلِيطِ فِي مَالِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، فَصَارَ بِإِقْرَارِهِ مُوجِبًا لِنَفْسِهِ حَقَّ التَّسْلِيطِ وَالتَّصَرُّفِ ، فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ مِنْ أَحْكَامِ الْفِرَاشِ ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِغَيْرِ الْفِرَاشِ ، وَهُوَ الْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَ مَوْلَاهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا حُكْمُ فِرَاشٍ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ فَجَازَ إقْرَارُهُ لَهَا .
456 - 456 - إذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا ثُمَّ تَفَرَّقَا ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بَعْد الْفُرْقَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ إلَّا الْبَائِعُ .
وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَقَدْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ قَبْلَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إنَّمَا يَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ بِالرَّدِّ وَالرَّدُّ وَقَعَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ، فَصَارَ هَذَا دَيْنًا لَزِمَهُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَى شَرِيكِهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بَعْدَ الْفُرْقَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ نَقَضَ قَبْضَهُ فِيهِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ ، فَصَارَ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ ، وَالْقَبْضُ كَانَ قَبْلَ الْفُرْقَةِ ، فَصَارَ هَذَا دَيْنًا لَزِمَهُ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ بِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قَبْلَ التَّفْرِقَةِ .
457 - 457 - إذَا جَنَى الْمُدَبَّرُ جِنَايَتَيْنِ فَقَتَلَ قَتِيلَيْنِ وَقَدْ أَخَذَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ نِصْفَ الْقِيمَةِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ .
وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلَيْنِ فَسَوَاءٌ قَضَى بِالْقِيمَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ فِي رَقَبَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الدَّفْعُ فِيهِ ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ ، فَلَمْ يُرَاعِ الْمَنْقُولَ ، وَهُوَ حَقُّ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ ، إذْ لَوْ رَاعَيْنَا الْمَنْقُولَ لَرَاعَيْنَاهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّقْلِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَبَقِيَ الْوُجُوبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ حَقُّ الْوَلِيِّ فِي ذِمَّةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ أَصْلٍ مُشْتَرَكٍ ، فَكَانَ مُشْتَرَكًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا ، وَلَهُ وَلِيَّانِ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ فَجِنَايَتُهُ تُوجِبُ الْحَقَّ فِي رَقَبَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ، وَبِالْقَضَاءِ يُنْقَلُ الْحَقُّ مِنْ الرَّقَبَةِ إلَى الْقِيمَةِ ، وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى النَّقْلِ رُوعِيَ الْمَنْقُولُ ، وَالْمَنْقُولُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِهَذَا فِي دَمِ ذَاكَ ، وَلَا لِذَاكَ فِي دَمِ هَذَا ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَنْقُولُ لَمْ يُشَارِكْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، كَمَا نَقُولُ فِي عَبْدَيْنِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ عَبْدَهُ فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى أَوْ فِي صَفْقَةٍ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يُشَارِكْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي ثَمَنِ عَبْدِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
458 - 458 - رَجُلٌ أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَقْضِيَا عَنْهُ غَرَامَةَ كَذَا دِرْهَمًا فَأَدَّيَاهُ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَلَوْ أَمَرَ رَجُلَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَا لَهُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ فَاشْتَرَيَاهَا ، وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالٍ فِيهِ شَرِيكَانِ أَوْ غَيْرُ شَرِيكَيْنِ ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا قَبَضَ مِنْ الْآخَرِ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا وَهِيَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي شَيْءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وُجُوبُ الرُّجُوعِ بِالْأَدَاءِ لَا بِالْمِلْكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ أَرَادَا أَنْ يَرْجِعَا قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ مَلَكَا ذَلِكَ الْمَالَ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْآمِرِ وَإِذَا كَانَ الْمُؤَدَّى مُشْتَرَكًا كَانَ الْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكًا ، كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْغَاصِبِ شَيْئًا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْآمِرُ بِالشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الرُّجُوعِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا بِالْأَدَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، وَمَا وَقَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ غَيْرُ مَا وَقَعَ لِلْآخَرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حُقُوقَ عَقْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ ، وَلَا يُطَالَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ ، وَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْمَبِيعِ ، فَلَمْ يَشْتَرِكَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلرُّجُوعِ ، فَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَالِ الَّذِي رَجَعَا ، كَمَا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنًا مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ لَا يَشْرَكُهُ صَاحِبُهُ فِيهِ كَذَا هَذَا .
459 - 459 - رَجُلَانِ غَصَبَا عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ وَبَاعَاهُ ، فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمَّنَ أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ نِصْفَ الْقِيمَةِ ، فَأَخَذَ هُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّ الْمَوْلَى ضَمَّنَ الْغَاصِبَ الثَّانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ الْبَاقِيَةِ ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ الثَّانِي لَا يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِيمَا قَبَضَ .
وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْغَاصِبُ الَّذِي ضُمِّنَ أَوَّلًا نِصْفَ الثَّمَنِ حَتَّى ضَمَّنَ الْمَوْلَى الْغَاصِبَ الثَّانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ أَيْضًا ثُمَّ قَبَضَ الْأَوَّلُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ يُشَارِكُهُ صَاحِبُهُ فِيمَا قَبَضَ .
وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَهُ ، وَأَجَازَ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ فَأَجَازَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَلِلَّذِي أَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ ، وَقَبْضُهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ أَوْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَاهُنَا الْإِجَازَةُ تَسْتَنِدُ إلَى ذِي الْعَقْدِ ، وَذُو الْعَقْدِ أَوْجَبَ قَبْضَ جَمِيعِ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِرِضَا الشَّرِيكِ لَكَانَ حَقُّ قَبْضِ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَهُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ أَوْجَبَ قَبْضَ جَمِيعِ الثَّمَنِ لَهُ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَقْبُوضِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ قَبْضَ جَمِيعِ الثَّمَنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ جَمِيعَ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ اثْنَانِ ، فَلَمْ يَكُنْ قَبْضُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْعَقْدِ ، فَصَارَ فِيهِ مُسْتَنِدًا إلَى وُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ ، فَإِذَا قَبَضَ أَوَّلًا نِصْفَهُ قَبْلَ أَنْ يُضَمِّنَ الْمَوْلَى الْغَاصِبَ الثَّانِي ، فَلَمْ يَجْتَمِعْ حَقُّهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَقَّ الثَّانِي لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ فَرَاغِ ذِمَّتِهِ عَنْ حَقِّ
الْأَوَّلِ ، وَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَقْبُوضِ .
وَإِذَا لَمْ يَأْخُذْ حَتَّى ضَمَّنَ الْمَوْلَى الْغَاصِبَ الثَّانِي فَقَدْ اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّضْمِينِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِمَا بِمَعْنًى مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْبَيْعِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَا مِلْكَ أَنْفُسِهِمَا ، وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ وَقَعَ مُجْتَمِعًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَتَأَخَّرَتْ الْإِجَازَةُ فِي الْغَصْبِ ، فَلَا تُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ ، كَرَجُلَيْنِ بَاعَا عَبْدًا صَفْقَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَأَسْقَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، وَالثَّانِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ الْعَقْدُ بِتَفْرِيقِ الْإِجَازَةِ صَفْقَتَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَقَدْ اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَاشْتَرَكَا فِي الْمَقْبُوضِ ، كَمَا لَوْ بَاعَا مِلْكَ أَنْفُسِهِمَا .
460 - 460 - إذَا قَالَ لِآخَرَ : مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا بِكَذَا دِرْهَمًا أَوْ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ مِنْ الْحِنْطَةِ فَبَيْنِي وَبَيْنَك ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَهَذَا جَائِزٌ .
وَلَوْ قَالَ : مَا اشْتَرَيْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا وَلَا ثَمَنًا وَلَا وَقْتًا لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ قَالَ : مَا اشْتَرَيْنَا أَوْ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُنَا مِنْ تِجَارَتِهِ فَبَيْنَنَا فَهَذَا جَائِزٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشِّرَاءَ دُونَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ شَرِكَةَ الْعُقُودِ عُلِمَ أَنَّهَا وَكَالَةٌ ، وَفِي التَّوْكِيلِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدُهُمَا فِي الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا تَصِحُّ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ الْكَثِيرَةِ وَعَدِمَ التَّخْصِيصِ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَقَعُ عَامَّةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك لَمْ يَصِحَّ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي مَالِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَخُصَّ لَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَقِلُّ ، وَقَلِيلُ الْجَهَالَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْوَكَالَةِ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : مَا اشْتَرَى بَيْنَنَا أَوْ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُنَا فَقَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا عَقْدَ الشَّرِكَةِ ، إذْ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُوَكِّلُ الْمُوَكَّلَ ، فَعُلِمَ أَنَّهَا شَرِكَةٌ وَالشَّرِكَةُ تَقَعُ عَامَّةً فَلَا تَحْتَاجُ إلَى التَّخْصِيصِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ شَارَكْتُك مُفَاوَضَةً أَوْ عِنَانًا صَحَّ ، فَعَدَمُ ذِكْرِهِ الْجِنْسَ لَا يُبْطِلُهَا .
461 - 461 - وَلَوْ كَانَ كُرُّ حِنْطَةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَسَأَلَ رَجُلٌ أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَفَعَلَ ، فَلَمْ يُجِزْهُ شَرِيكُهُ ، فَلِهَذَا الْمُشْتَرَكِ نِصْفُ النِّصْفِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْنِي نِصْفَهُ ، فَبَاعَهُ ، فَلَمْ يُجِزْهُ شَرِيكُهُ ، فَلِلْمُشْتَرِي النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لِلْبَائِعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ الِاشْتِرَاكَ فَلَوْ قُلْنَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ جَمِيعَ نَصِيبِهِ إلَيْهِ صَارَ مُفْرِدًا لَهُ بِمِلْكِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ أَشْرَكَهُ فَيَجِبُ تَنْقِيصُ شَيْءٍ ، لِيَكُونَ مُشْتَرِكًا إيَّاهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْبَيْعِ لَا يَقْتَضِي بَقَاءَ حَقِّهِ فِيهِ فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى أَنْ يَبْقَى لَهُ حَقٌّ فِيهِ ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْ شَرِيكُهُ فِي حِصَّتِهِ نَفَذَ فِي نَصِيبِ الْبَائِعِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ .
كِتَابُ الْهِبَةِ 462 - إذَا وَهَبَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا وَأَعْلَمَهُ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ غَيْرُهُ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ .
وَلَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ الْبَالِغِ لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ مَا لَمْ يُسْلِمْهُ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةً عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ ، فَوَقَعَ قَبْضُهُ لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَجْنَبِيًّا لَوْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ شَيْئًا فَالْأَبُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقَبْضَ ، فَإِذَا جَازَ قَبْضُهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ جَازَ قَبْضُهَا مِنْ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَالِغُ ، فَإِنَّهُ لَا يَلِي عَلَيْهِ ، فَلَا يَنْفُذُ قَبْضُهُ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَجْنَبِيًّا لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ قَبْضُهُ ، فَصَارَتْ هَذِهِ هِبَةً عَرِيَتْ عَنْ الْقَبْضِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ نَقُولَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ صَارَ يَجُرُّ نَفْعًا مِنْ غَيْرِ يَدٍ وَلَا وِلَايَةٍ فَلَمْ يَجُزْ ، كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا قَبَضَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّغِيرُ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ فَصَارَ يَجُرُّ نَفْعًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ وَجَرُّ النَّفْعِ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ جَائِزٌ .
463 - 463 - وَلَوْ وَهَبَ لِإِنْسَانٍ هِبَةً فَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ صَحَّتْ الْهِبَةُ .
وَلَوْ قَبَضَهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ ، وَالْقَبْضُ شَرْطٌ فِي تَمَامِهِ ، وَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى تَتْمِيمِهِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَا يَقْتَضِي تَسَلُّطَهُ عَلَى تَتْمِيمِهِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ كَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ لِمَا كَانَ شَرْطًا فِي تَتْمِيمِ الْعَقْدِ ، فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ رِضَاهُ تَمَّ ، وَإِلَّا بَطَلَ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا ، إنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ تَمَّ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ ، وَإِلَّا بَطَلَ .
464 - 464 - رَجُلٌ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ ، ثُمَّ بَاعَهَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فِي الْأُمِّ .
وَلَوْ وَهَبَهَا تَصِحُّ الْهِبَةُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنِينِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا مُتَّصِلٌ بِهَا ، فَصَارَ كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ثُمَّ وَهَبَ الْأُمَّ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ الْهِبَةِ ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَوَهَبَهُمَا تَصِحُّ الْهِبَةُ فِي الْعَبْدِ ، وَبَطَلَ فِي الْحُرِّ .
وَفِي الْبَيْعِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ .
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ شُرِطَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ صَارَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا أُلْحِقَ بِعَقْدِ الْهِبَةِ ، فَلَا يُبْطِلُهَا وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ كَالْعُمْرَى ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْخَبَرُ " { لَا تُعْمِرُوا أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُتْلِفُوهَا } وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ إذَا أُلْحِقَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَبْطَلَهُ .
465 - 465 - وَلَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ ، ثُمَّ وَهَبَ الْأَمَةَ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ وَهَبَ الْأُمَّ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْمَوْلَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا ، وَبَقَاءُ مِلْكِهِ فِيهَا يُوجِبُ بَقَاءَ يَدِهِ وَبَقَاءُ يَدِ الْوَاهِبِ فِي الْهِبَةِ تَمْنَعُ جَوَازَ الْهِبَةِ كَمَا لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارِ مُشَاعًا ، ثُمَّ سَلَّمَ جَمِيعَ الدَّارِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُوجِبُ زَوَالَ يَدِ الْمَوْلَى عَنْهُ ، فَلَمْ يَبْقَ حُكْمُ يَدِ الْوَاهِبِ فِي الْهِبَةِ ، فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْهِبَةِ .
466 - 466 - إذَا عُوِّضَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْهِبَةِ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعَوَّضِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ .
وَلَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنًا بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَبَرَّعَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَبَرُّعٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَقْسُومًا مَقْبُوضًا ، وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ فَبَدَلُهُ أَيْضًا يَكُونُ تَبَرُّعًا ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَبَرَّعَ عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ تَصَدَّقْ عَنِّي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، فَقَدْ قَضَى عَنْهُ مَضْمُونًا بِإِذْنِهِ فَقَامَ فِيهِ مَقَامَهُ ، وَمَنْ لَهُ الضَّمَانُ إذَا أَدَّى يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ ، وَهَاهُنَا قَامَ مَقَامَهُ مَنْ أَخَذَ الْعِوَضَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ، كَذَلِكَ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ .
467 - 467 - وَإِذَا وَهَبَ لِإِنْسَانٍ هِبَةً فَعَوَّضَهُ عَنْهَا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْهِبَةِ .
وَلَوْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ فَلِلْمُعَوِّضِ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِ الْعِوَضِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَوِّضَ إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعِوَضِ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلَّمَ لَهُ الْهِبَةُ ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عَوَّضَ ، فَإِذَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُ رَجَعَ فِي الْعِوَضِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَبِيعِ إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ رَجَعَ فِيمَا بِإِزَائِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الْعِوَضُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَهَبَ لَمْ يَمْلِكْ الْعِوَضَ ، وَإِنَّمَا مَلَكَ بَعْدَهُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ لِاتِّصَالِهَا بِعِوَضٍ ، وَقَدْ بَقِيَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا إذْ لَوْ لَمْ يُعَوِّضْهُ فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَقِيَ الْجَمِيعُ ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا ، كَذَلِكَ هَذَا ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ رَدَّ النِّصْفَ الْبَاقِي فَحِينَئِذٍ بَقِيَتْ هِبَةً بِلَا عِوَضٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا .
468 - 468 - إذَا وَهَبَ لِإِنْسَانِ جَارِيَةً فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا فَقَالَ : وَهَبْتُهَا لِي وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَكَبِرَتْ وَازْدَادَتْ خَيْرًا ، وَكَذَّبَهُ الْوَاهِبُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ .
وَإِنْ كَانَتْ أَرْضًا فَقَالَ وَهَبْتُهَا لِي وَهِيَ صَحْرَاءُ فَأَنَا غَرَسْتُ فِيهَا وَبَنَيْت وَكَذَّبَهُ الْوَاهِبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَيْنَ وَاحِدَةٌ فِي الْجَارِيَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ إفْرَادَ الثَّمَنِ بِالْهِبَةِ لَا يَصِحُّ فَهُوَ لَمْ يَدَّعِ هِبَةَ شَيْئَيْنِ ، وَإِنَّمَا ادَّعَى هِبَةً وَاحِدَةً ، وَادَّعَى حَقَّ الرُّجُوعِ فِيهِ ، وَظَاهِرُ الْعَقْدِ أَوْجَبَ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ ، فَإِذَا أَرَادَ إبْطَالَهُ لَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَرْضُ ؛ لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِالْهِبَةِ فَصَارَ هُوَ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ يُقِرُّ بِأَحَدِهِمَا ، وَلَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ فِي إفْرَادِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إحْدَاثُ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ وَهَبْت مِنِّي هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَهُوَ يَقُولُ لَا بَلْ وَهَبْتُك أَحَدَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
469 - 469 - إذَا وَلَدَتْ الْمَوْهُوبَةُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْوَلَدِ .
وَالْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ مِنْهُمْ فَوَلَدَتْ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ ، وَالْوَلَدُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَفَسْخُ الْعَقْدِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَأْسُورَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ فَسْخِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ الْبِنَاءِ ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا فِي السِّيَرِ ، وَحَقُّ صَاحِبِهِ كَانَ ثَابِتًا فِي الْأُمِّ فَسَرَى إلَى الْوَلَدِ ، كَالْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ .
وَإِنْ شِئْت قُلْت لَمَّا انْفَصَلَ الْوَلَدُ فَقَدْ اتَّصَلَتْ بِزِيَادَةٍ ، وَاتِّصَالُ الْمَوْهُوبِ بِالزِّيَادَةِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الرُّجُوعِ ، كَمَا لَوْ سَمُنَتْ ، وَاتِّصَالُ الْمَأْسُورَةِ بِزِيَادَةٍ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ ، كَمَا لَوْ سَمُنَتْ .
أَوْ نَقُولُ : حَقُّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ضَعِيفٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يُبْطِلَهُ بِأَنْ يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ اتَّصَلَتْ بِزِيَادَةٍ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ ، وَحَقُّ الْمَوْلَى فِي الْمَأْسُورَةِ قَوِيٌّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ ، وَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهَا بِزِيَادَةٍ وَالْحَقُّ الضَّعِيفُ جَازَ أَلَّا يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ وَالْحَقُّ الْقَوِيُّ يَسْرِي .
كِتَابُ الْبُيُوعِ 470 - وَإِذَا شَارَكَ رَبُّ الْمُسْلَمِ وَالْمُسْلَمَ إلَيْهِ السَّلَمَ بَعْدَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ .
وَلَوْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَإِذَا ، تَحَالَفَا عَادَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَوْ أَنَّا أَوْجَبْنَا التَّحَالُفَ لَفَسَخْنَا الْإِقَالَةَ وَلَوْ فَسَخْنَا الْإِقَالَةَ لَأَعَدْنَا السَّلَمَ ابْتِدَاءً بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، وَإِعَادَةُ السَّلَمِ بِدَيْنٍ ابْتِدَاءً فِي ذِمَّةِ لَمُسَلَّمَ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك الْعَشَرَةَ الَّتِي لِي عَلَيْك فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ لَوْ أَوْجَبْنَا التَّحَالُفَ لَأَعَدْنَا الْبَيْعَ بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْك بِالْعَشَرَةِ الَّتِي لِي عَلَيْك فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ جَائِزٌ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِذَا تَتَارَكَا سَقَطَ ذظ ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ ، كَمَا لَوْ قَالَ وَهَبْت مِنْك الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْك ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَبْقَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ ، فَلَا يَتَحَالَفَانِ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ فَإِذَا تَحَالَفَا سَقَطَ حَقُّهُ عَلَى الْعَيْنِ ، وَالْحَقُّ إذَا سَقَطَ عَنْ الْعَيْنِ جَازَ أَنْ يَعُودَ كَمَا لَوْ وَهَبَ لِإِنْسَانٍ عَيْنًا ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَقَدْ بَقِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ فَجَازَ أَنْ يَجِبَ التَّحَالُفُ ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الْبَيْعِ .
471 - 471 - إذَا قَالَ رَبُّ السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ : كُلُّ مَا لِي عَلَيْك مِنْ الطَّعَامِ فِي غَرَائِرِي هَذِهِ فَفَعَلَ وَلَيْسَ رَبُّ السَّلَمِ بِحَاضِرٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْضًا .
وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ مُكَايَلَةً ، وَدَفَعَ إلَيْهِ غَرَائِرَ وَقَالَ كُلُّهُ فِي غَرَائِرَ فَفَعَلَ وَهُوَ غَائِبٌ صَارَ قَابِضًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ عَيْنًا بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ، وَلِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ مِلْكَهُ فِي أَيِّ حِنْطَةٍ شَاءَ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْحِنْطَةَ بِتَعْيِينِ الْمُسْلِمِ إلَيْهِ ، فَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَ فِي غَرَائِرِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَيَعْزِلَ بَعْضَ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضٍ ، وَيَنْفَرِدَ بِتَمَلُّكِهِ ، وَبِعَزْلِ بَعْضِ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضٍ لَا يَصِيرُ قَابِضًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَرَّدَ بِتَمَلُّكِهِ ، دَلِيلُهُ لَوْ عَزَلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ رَبُّ السَّلَمِ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ عَيْنَ الطَّعَامِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ حِنْطَةً مِنْ مَكَان آخَرَ لَمْ يَجُزْ ، فَلَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَكِيلَهُ فِي غَرَائِرِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُوصِلَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ فَجَازَ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا ، دَلِيلُهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ فَصًّا وَقَالَ رَكِّبْهُ فِي خَاتَمِي فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَطَحَنَهَا الْبَائِعُ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي صَارَ قَابِضًا ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَطَحَنَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّ السَّلَمِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ نَقِرَةً إلَى صَائِغٍ وَقَالَ : زِدْ مِنْ عِنْدِك دِرْهَمًا آخَرَ وَاصْنَعْ لِي خَاتَمًا فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالصَّائِغُ قَدْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَانْفَرَدَ بِتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ .
قُلْنَا : إنَّهُ إذَا قَالَ : " زِدْ مِنْ عِنْدِك دِرْهَمًا فَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَمَلُّكِهِ ،
وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَصِحُّ ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنِّي فَبَاعَهُ مِنْهُ وَجَارِيَةً لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَإِذَا بَطَلَ مَرَّةً صَارَ كَأَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ ، وَاخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَصَارَ الدَّرَاهِمُ مِلْكًا لَهُ كَذَلِكَ هَذَا ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا بَطَلَ أَمْرُهُ بِالْكَيْلِ وَعَزْلِهِ وَكَلَامِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّ غَيْرَهُ كَالَ حِنْطَتَهُ فِي غَرَائِرِهِ فَلَا يَصِيرُ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
472 - 472 - إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يَأْخُذَ لَهُ دِرْهَمًا فِي كُرِّ طَعَامٍ سَلَمًا لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ أَنَّهُ وَكَّلَهُ لِيَأْخُذَ لَهُ دَرَاهِمَ وَيَبِيعَ كُرَّ طَعَامٍ لِلْمُوَكِّلِ فِي بَيْتِهِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَعَقْدُهُ عَلَى حِنْطَةٍ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ كُرَّ حِنْطَةٍ مِنْ ذِمَّةِ نَفْسِهِ وَيَجْعَلَ بَدَلَهُ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِ الْوَكِيلِ ، وَيَجْعَلَ بَدَلَهُ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَبِيعَ كُرًّا مِنْ ذِمَّتِهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ بَدَلُ مِلْكِهِ لَهُ فَجَازَ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ وَلَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ ، صَحَّ كَذَا هَذَا .
473 - 473 - إذَا اشْتَرَى مَسْلُوخَتَيْنِ فَإِذَا إحْدَاهُمَا ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِيهِمَا جَمِيعًا .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْعَبْدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَا تُرِكَ عَلَيْهِ التَّسْمِيَةُ عَامِدًا غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِهِ لَا يَجُوزُ وَلَا يُفِيدُ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ النَّصَّ ، فَقَدْ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ ، وَبَيْنَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنْ حَاكِمًا لَوْ حَكَمَ بِجَوَازِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِفَسَادِهِ ، وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَ مُدَبَّرًا مُعَارَضٌ بِنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ فَدَخَلَا جَمِيعًا فِي الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ ، وَفَسْخُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ فَسْخَهُ فِي الْآخَرِ ، فَجَازَ فِي الْعَبْدِ ، وَبَطَلَ فِي الْمُدَبَّرِ .
474 - 474 - إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِكَذَا دِرْهَمًا ، وَلَمْ يُسَمِّ كَيْلَ الْجَمِيعِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ كُلَّ شَاةٍ بِكَذَا دِرْهَمًا وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدَ الْجَمِيعِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الْجَمِيعِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِقَدْرٍ وَالْوَاحِدُ فِي نَفْسِهِ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ مَعَ الشَّاةِ تَخْتَلِفُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك شَاةً مِنْ هَذِهِ الْأَغْنَامِ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَمْ يَجُزْ لِلْجَهَالَةِ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحِنْطَةُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَفِيزٍ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ ، وَالْوَاحِدُ مَعْلُومٌ ؛ لِأَنَّ الْقَفِيزَ مَعَ الْقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَخْتَلِفُ ، وَمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ مَجْهُولٌ ، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ وَجَازَ فِي الْوَاحِدِ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْت مِنْك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِكَذَا ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
475 - 475 - ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُبَاع عَبْدَهُ نَسَمَةً فَالْبَيْعُ جَائِزٌ .
قُلْت لِلْقَاضِي الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ : " أَلَيْسَ الْبَيْعُ نَسَمَةً بَيْعٌ بِشَرْطِ الْعِتْقِ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ؟ .
فَقَالَ : إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ نَسَمَةً فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِمَّنْ يُعْتَقُ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يُعْتِقَهُ ، وَلَكِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِثُبُوتِ حَقِّ الْإِعْتَاقِ لِلْعَبْدِ بِالْوَصِيَّةِ .
قَالَ وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْعِتْقَ جَازَ فِي التَّسْمِيَةِ ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِبَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً جَائِزَةٌ ، وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلْعَبْدِ ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَجَوَّزْنَا بَيْعَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ ، فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَلَّا يُعْتِقَهُ فَيُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ ، وَسُقُوطِ حَقِّ الْعَبْدِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ نَسَمَةً وَيُعْتِقَ عَنْهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ مُطْلَقًا ، وَلَا يَشْتَرِطَ الْعِتْقَ فِي الْبَيْعِ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَلَّا يُعْتِقَهُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ نَوْعِ وَصِيَّةٍ وَقُرْبَةٍ ، وَلِإِسْقَاطِ حَقِّ الْعَبْدِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْعَبْدِ حَقُّ الْعِتْقِ ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ فَلَيْسَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ إبْطَالُ نَوْعِ قُرْبَةٍ وَغَرَضِ أَحَدٍ ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى إبْطَالِ حَقِّ أَحَدٍ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ .
476 - 476 - إذَا بَاعَ جَارِيَةً حَامِلًا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا .
وَلَوْ وَهَبَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ فَيَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْعَقْدِ ، وَيَكُونُ لِمَنْ لَهُ الْأُمُّ .
وَلَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ ، وَالْوَلَدُ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنِينِ فِيهِ فِي حُكْمِ عَقْدِ الْأُمِّ ، وَإِفْرَادُ الْجَنِينِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ ، فَاسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ لَا يَجُوزُ ، فَصَارَ شَرْطًا فَاسِدًا أُلْحِقَ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ فَأَبْطَلَهُمَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ فَمُطْلَقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنِينِ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا ، فَإِذَا اسْتَثْنَى صَارَ شَرْطًا فَاسِدًا أُلْحِقَ بِعَقْدِ الْهِبَةِ فَلَا يُبْطِلُهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُعْمِرُوا أَمْوَالَكُمْ فَتُتْلِفُوهَا فَمَنْ أُعْمِرَ لَهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ } فَنَهَى عَنْ الْعُمْرَى ثُمَّ حَكَمَ بِوُقُوعِ الْمِلْكِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالْخُلْعُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فَصَحَّتْ هَذِهِ الْعُقُودُ ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالْوَصِيَّةُ لَا يُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ ، فَثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ صِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَفَسَادِهَا ،
وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ فِي الْهِبَةِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ ، وَالْوَلَدُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ جَائِزٌ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ جَارِيَةُ إنْسَانٍ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِآخَرَ ، كَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ مَمْلُوكَةً لِوَاحِدٍ وَيَدُهَا وَرِجْلُهَا لِآخَرَ ، إذْ الْجَنِينُ جُزْءٌ مِنْهَا كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ إذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ تَلِدُ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ هَاهُنَا ؟ .
قُلْنَا : التَّرِكَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا وَصِيَّةٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ وَصِيَّةٌ أُخْرَى شَارَكَ الثَّانِي الْأَوَّلَ ، فَصَارَتْ الْجَارِيَةُ بَاقِيَةً عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، تَلِدُ وَلَدًا عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ وَلَدًا يُولَدُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، فَيَبِيعُ الْأُمَّ كَمَا يُولَدُ عَلَى حَقِيقَةِ مِلْكِهِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبَةُ إذَا وَلَدَتْ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى ، كَمَا كَانَتْ الْأُمُّ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَالْأُمُّ لِلْمَرْأَةِ وَتَلِدُ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ فَهَلَّا كَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ .
قُلْنَا لِأَنَّهَا لَا تَلِدُ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ ، وَإِنَّمَا تَلِدُ وَلَدًا مَمْلُوكًا لِلْمَرْأَةِ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِالِانْفِصَالِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ لِلزَّوْجِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ ، كَمَا لَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْوَلَدَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ لِمَا
اسْتَحَقَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا وَجَبَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْوَلَدَ حَالَ الِاتِّصَالِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْجَنِينَ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا نَفَذَ قُلْنَا إنَّا لَا نَحْكُمُ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ حَالَةَ الِاتِّصَالِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ يَكُونُ مَوْقُوفًا ، فَإِذَا وَلَدَتْ وَتَحَقَّقَ مِلْكُهُ فِيهِ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ حَاصِلًا مِنْ قَبْلُ ، كَالْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ وَفِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ ثُمَّ أَدَّى الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَ الْمَيِّتَ مِنْهُ نَفَذَ عِتْقُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُ الْوَلَدِ بِالْعِتْقِ فَجَازَ اسْتِبْقَاؤُهُ ، إلَّا أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ الْحُرَّةُ رَقِيقًا فَعِتْقُ الْوَلَدِ بِعِتْقِ الْأُمِّ لَا بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ .
477 - 477 - إذَا اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَمْلَ زِيَادَةٌ فِي الشَّاةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُشْتَرَى إذَا كَانَتْ حَامِلًا بِأَكْثَرَ مِمَّا تُشْتَرَى إذَا كَانَتْ حَائِلًا ، وَتُشْتَرَى الشَّاةُ ، لِكَيْ تَحْبَلَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا الْوَلَدُ وَالْغَالِبُ مِنْ الْوِلَادَةِ السَّلَامَةُ ، فَإِذَا اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ صَارَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ فَصَارَ بَائِعًا الْوَلَدَ ، فِي الْبَطْنِ ، وَبَيْعُ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ شَرْطًا فَاسِدًا أُلْحِقَ بِالْعَقْدِ فَبَطَلَ الْعَقْدُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ الْحَمْلَ نُقْصَانٌ فِيهَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُشْتَرَى حَامِلًا بِأَقَلَّ مِمَّا تُشْتَرَى حَائِلًا ، وَلِأَنَّ التَّلَفَ مِنْ وِلَادَتِهَا يَكْثُرُ ، وَلَا تُشْتَرَى أَيْضًا الْجَارِيَةُ لِيُمْلَكَ نَسْلُهَا وَوَلَدُهَا غَالِبًا ، فَلَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ لِارْتِبَاطِهِ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْحَمْلُ عَيْبًا بِهَا ، فَإِذَا اشْتَرَطَ الْحَمْلَ صَارَ شَرْطًا لِلتَّبَرِّي مِنْ الْعَيْبِ ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعَيْبِ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا عَمْيَاءُ أَوْ عَرْجَاءُ أَوْ عَوْرَاءُ جَازَ الْعَقْدُ كَذَلِكَ هَذَا .
478 - 478 - إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ ، وَقَالَ أَجَزْت الْبَيْعَ لَمْ تَصِحَّ إجَازَتُهُ ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا رَآهُ .
وَلَوْ أَنَّهُ قَالَ رَدَدْت الْبَيْعَ ، قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ رَدَّهُ ، وَلَوْ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُجِيزَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجَازَةَ تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالرِّضَا بِالْمَعْقُودِ لَا يَمْتَنِعُ بِدُونِ رُؤْيَةٍ فَلَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ مَعَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْقِدُ لِيَفْسَخَ ، ثُمَّ نَفْسُ الْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ ، فَكَذَلِكَ الْإِجَازَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفَسْخُ ، لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا ، وَعَدَمُ الرِّضَا عِنْدَ الْعَقْدِ يَمْنَعُ لُزُومَ حُكْمِهِ ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَوَجَدَهُ بَعْدَهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ جَازَ أَنْ يَمْنَعَ لُزُومَهُ ، كَفَوْتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ .
فَصْلٌ 479 - وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ قَمِيصًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَرَكِبَهَا فِي حَاجَتِهِ لِيَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِلَى سَيْرِهَا ، أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ لِيَنْظُرَ إلَى قَدْرِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ .
وَلَوْ اشْتَرَاهَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَكِبَهَا أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ كَانَ هَذَا رِضًا بِالْعَيْبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِلِاخْتِبَارِ ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِمَّا يَقَعُ بِهَا الِاخْتِبَارُ فَلَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا ، وَأَمَّا فِي الْعَيْبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَبِرَ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ خُيِّرَ لِيَخْتَبِرَ فَلَمْ يَكُنْ رُكُوبُهُ وَلُبْسُهُ لِلِاخْتِبَارِ اخْتِيَارًا .
وَأَمَّا فِي الْعَيْبِ فَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ أَنْ يَخْتَبِرَ فَصَارَ بِاخْتِبَارِهِ مُخْتَارًا .
480 - 480 - وَإِذَا وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ عَيْبًا فَاسْتَخْدَمَهَا لَمْ يَكُنْ رِضًا بِالْعَيْبِ وَلَوْ وَجَدَ بِالدَّابَّةِ الْمُشْتَرَاةِ عَيْبًا فَرَكِبَهَا فِي حَاجَتِهِ كَانَ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّكُوبَ جِنَايَةٌ ، فَقَدْ حَلَّهَا فِعْلُهُ وَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَعْنًى هُوَ جِنَايَةٌ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا أَوْ جَنَى عَلَيْهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِخْدَامُ ، لِأَنَّ نَفْسَ الِاسْتِخْدَامِ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ، وَهُوَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْعَبْدِ بِمَا هُوَ جِنَايَةٌ ، وَإِنَّمَا فَعَلَ الْعَبْدُ فِعْلًا فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا أَوْ رَاضِيًا بِالْعَيْبِ ، كَمَا لَوْ وُجِدَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْدَامِهِ .
481 - 481 - وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَبَلَغَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَبَقَ عِنْدَهُ ، أَوْ بَالَ فِي فِرَاشٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ آبِقًا فِي حَالَ الصِّغَرِ أَوْ بَالَ فِي الْفِرَاشِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَلَوْ بَالَ أَوْ أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ ، وَلَوْ بَالَ أَوْ أَبَقَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي حَالَ الصِّغَرِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَبَقَ أَوْ بَالَ فِي الْفِرَاشِ قَبْلَهُ فِي حَالَ الصِّغَرِ أَيْضًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ وَلَوْ جُنَّ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ قَبْلَهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ جُنَّ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْإِبَاقَ وَالْبَوْلَ مِنْ فِعْلِ الصَّبِيِّ وَفِعْلُهُ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، لِأَنَّ فِعْلَ الْكَبِيرِ يَصْدُرُ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ ، وَفِعْلُ الصَّغِيرِ يَصْدُرُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلصَّغِيرِ قَصْدٌ صَحِيحٌ فِي فِعْلِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَمْدًا لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ ، وَلَوْ قَتَلَ الْكَبِيرُ عَمْدًا يَجِبُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ بَعْدَ الْكِبَرِ غَيْرَ الْمَوْجُودِ قَبْلَهُ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لَرَدَّهُ بِعَيْبٍ أَكْبَرَ مِمَّا اسْتَوْجَبَهُ بِالْعَقْدِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَأَمَّا إذَا بَالَ عِنْدَهُ فِي حَالِ الصِّغَرِ فَالْمَوْجُودُ عِنْدَهُ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ صَحِيحٍ ، فَلَا يَرُدَّهُ بِعَيْبٍ زَائِدٍ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَوْجَبَهُ بِالْعَقْدِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَأَمَّا الْجُنُونُ فَلَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِعْلُهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ، فَصَارَ الثَّانِي مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ فَكَانَ هَذَا بِعَيْنِهِ كَمَا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ، وَلَا يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ زَائِدٍ أَكْثَرَ
مِمَّا اسْتَوْجَبَهُ بِالْعَقْدِ ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِهِ مَتَى حَدَثَ عِنْدَهُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ ادَّعَى عَيْبَ الْجُنُونِ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَمَا جُنَّ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلَوْ ادَّعَى عِنْدَهُ الْإِبَاقَ وَالْبَوْلَ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَمَا أَبَقَ وَلَا بَالَ فِي الْفِرَاشِ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَال .
482 - 482 - إذَا اشْتَرَى أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ .
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا وَيُمْسِكَ الْآخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّفْرِيقَ وَقَعَ بِحَقٍّ ، لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُرَدُّ لَفَوَّتْنَا عَلَيْهِ حَقَّهُ وَيَبْقَى الْعَيْبُ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ بَدَلُهُ ، وَلَا يَجُوزُ الْإِضْرَارُ بِالْمُشْتَرِي لِنَفْيِ الْإِضْرَارِ عَنْ الْبَيْعِ ، فَصَارَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ كَمَا لَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ بَيْعِهِ وَحْدَهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ ، إذْ يَقْدِرُ عَلَى جَمْعِهِمَا فِي الْبَيْعِ ، فَإِذَا أَمْكَنَ صَوْنُهُمَا عَنْ ضَرَرٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَفْعَلَ .
483 - 483 - إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ زَوَّجَهَا فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حُكْمٌ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ لِأَنَّ كَوْنَ رَحِمِهَا مَشْغُولًا بِمَاءِ الْغَيْرِ مَنَعَ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَإِذَا حُكِمَ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ ، وَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِفَرَاغِ رَحِمِهَا ، لِأَنَّ الْحَبَلَ لَا يُنَافِي الشِّرَاءَ ، فَمَا لَمْ يَعْلَمْ فَرَاغَ رَحِمِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا .
484 - 484 - وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَحُمَّ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَرَدَّهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ زَالَتْ الْحُمَّى فِي الثَّلَاثِ وَلَمْ يُحْدِثْ رَدًّا حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَلَوْ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ الْحُمَّى حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ ، ثُمَّ زَالَتْ الْحُمَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ أَبَدًا .
وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الرَّدِّ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ حُمَّ فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا رَدَّهُ وَهُوَ مَحْمُومٌ وَقَعَ الرَّدُّ مَوْقُوفًا ، لِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ يَجِبُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ يَجِبُ لِلْآخَرِ مِثْلُهُ عِنْدَ الْفَسْخِ ، وَلَوْ حَدَثَتْ الْحُمَّى عِنْدَ الْبَائِعِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، فَإِذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي الْقَبُولِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ وَقَعَ مَوْقُوفًا ، وَالشَّيْءُ الْمَوْقُوفُ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي حَالَةٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ فَأَجَازَهُ مَالِكُهُ جَازَ ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ جَائِزٌ ، وَلَوْ فَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَجَازَ لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ فَوَاتِهِ لَمْ يَجُزْ فَلَمْ يَنْفُذْ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا ، فَإِذَا زَالَتْ الْحُمَّى فِي الثَّلَاثَةِ فَابْتِدَاءُ الرَّدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَائِزٌ فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، وَابْتِدَاءُ الرَّدِّ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ ، فَجَازَ أَنْ لَا يَنْفُذَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ فَبَطَلَ .
وَأَمَّا إذَا شَهِدَ عَلَى الرَّدِّ وَهُوَ صَحِيحٌ ، ثُمَّ حُمَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالرَّدُّ وَقَعَ تَامًّا ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا حُمَّ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ سَقَطَ خِيَارُهُ .
485 - 485 - إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْعَبْدِ سَقَطَ عَنْهُ نِصْفُ الثَّمَنِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ .
وَلَوْ أَنَّ أَجْنَبِيًّا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَسْلِيمَ نِصْفِ الْقِيمَةِ مِنْ الذِّمَّةِ ، لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَى الْبَائِعِ لَأَوْجَبْنَاهُ لِحَقِّ الْعَقْدِ ، إذْ لَوْلَا الْعَقْدُ وَإِلَّا لَمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْقِيمَةِ مِنْ الذِّمَّةِ لِحَقِّ الْعَقْدِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ بِقِيمَةِ عَبْدٍ مِنْ الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً لَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيمَةَ مِنْ الذِّمَّةِ لِحَقِّ الْعَقْدِ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ ، إذْ لَوْلَا شِرَاؤُهُ لَكَانَ جَانِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ الضَّمَانُ أَيْضًا ، وَإِيجَابُ الضَّمَانِ فِي الذِّمَّةِ بِالْجِنَايَةِ جَائِزٌ ، وَلَا يَأْمَنُ حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ يُسْقِطُهُ ، لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا قَطَعَ فَوَّتَ التَّسْلِيمَ فِي ذَلِكَ فَانْحَلَّ الْعَقْدُ فَوَجَبَ إعَادَتُهُ إلَى مِلْكِهِ ، وَفِي إعَادَتِهِ إلَى مِلْكِهِ مَعَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَانِيًا عَلَى مِلْكِهِ ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِهِ لَا تُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَفِي مَنْعِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ إبْطَالُ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَفُوتُ لَا إلَى خَلْفٍ ، فَإِذَنْ مِنْ حَيْثُ يَلْزَمُ الضَّمَانُ يُسْقِطُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ، وَفِي الْأَجْنَبِيِّ لَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَيْهِ لَا نُسْقِطُهُ ، لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّ جِنَايَتَهُ تُوجِبُ انْحِلَالَ الْعَقْدِ عَنْهُ لَأَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَانِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ ، وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ تُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَفِي إيجَابِ الضَّمَانِ اسْتِبْقَاءُ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَفُوتُ إلَى خَلْفٍ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ
بِبَقَائِهِ ، فَمِنْ حَيْثُ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ لَا نُسْقِطُهُ ، فَجَازَ أَنْ نُوجِبَهُ .
486 - 486 - إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ، ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ، فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ ، وَلَا يُجْعَلُ الْمُشْتَرِي بِالْجِنَايَةِ قَابِضًا لِبَاقِي الشَّخْصِ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ صَارَ قَابِضًا لِلْعَبْدِ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ بِقَطْعِ الْيَدِ فَوَّتَ نِصْفَهُ ، وَشِرَاؤُهُ جِنَايَتَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ حَقِيقِيٌّ مُضَمَّنٌ بَعْدَ الْقَطْعِ ، حَتَّى يَقْطَعَ حُكْمُ شِرَائِهِ جِنَايَةَ الْبَائِعِ بِوُجُودِ قَبْضِهِ الْحُكْمِيِّ وَإِذَا لَمْ يَقْطَعْ حُكْمُ شِرَائِهِ جِنَايَتَهُ بَقِيَ حُكْمُ يَدِهِ ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ بِجِنَايَتِهِ لِبَقَاءِ شِرَائِهِ جِنَايَة الْبَائِعِ فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا إلَّا أَنَّهُ بِالْقَطْعِ صَارَ قَابِضًا نِصْفَ الثَّمَنِ ، وَهُوَ الرُّبْعُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُ حُكْمَ شِرَائِهِ فَلَمْ يَقْطَعْ أَيْضًا شِرَاؤُهُ جِنَايَتَهُ ، وَبَقِيَ رُبْعُ سِرَايَةِ الْجِنَايَتَيْنِ فَصَارَتْ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَسِرَايَتُهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ ، وَفَاتَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ خَمْسَةُ أَثْمَانٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا بِقَطْعِ الْيَدِ وَلَيْسَ هَاهُنَا مَانِعٌ يَمْنَعُ قَبْضَهُ ، فَصَحَّ الْقَبْضُ ، فَإِذَا مَاتَ لَزِمَهُ تَمَامُ الثَّمَنِ .
487 - 487 - وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ، ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ لَمْ يُجْعَلْ قَابِضًا بِالْجِنَايَةِ لِبَاقِي الشَّخْصِ ، وَلَا يَنْقَطِعُ سِرَايَةُ الْبَائِعِ ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ ، وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ .
وَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي بِالْقَطْعِ حُكْمِيٌّ ، وَلِلْبَائِعِ أَيْضًا يَدٌ حُكْمِيَّةٌ لِأَنَّ قَبْضَهُ أَيْضًا بِالشِّرَاءِ ، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ مُضَمَّنٌ حَقِيقِيٌّ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشِّرَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ قَبْضٌ حُكْمِيٌّ فَاسْتَوَيَا فَلَمْ يَدْفَعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَسَرَتْ الْجِنَايَتَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذَا قَبْضٌ مَضْمُونٌ وُجِدَ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ مِنْ طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ، فَقَطَعَ حُكْمَ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ إنْسَانٍ ، فَجَاءَ غَاصِبٌ وَغَصَبَهُ فَمَاتَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ مِنْ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ ، وَيَنْقَطِعُ سِرَايَةُ الْجَانِي كَذَلِكَ هَذَا .
488 - 488 - إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَقَبَضَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْبَائِعِ فَقَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، فَمَاتَ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْيَدِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا نِصْفُ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يُجْعَلُ الْبَائِعُ قَابِضًا بِالْجِنَايَةِ .
وَلَوْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْبَائِعُ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِي اسْتَحَقَّ قَبْضَ الْعَيْنِ وَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ فَقَدْ تَنَاوَلَ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِ الْبَاقِي ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْ قَبْضِ مَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ يَكُونُ قَبْضًا ، كَالتَّخْلِيَةِ فِي الْمَبِيعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، وَإِذَا صَارَ قَابِضًا لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَائِعُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ قَبْضَ الْعَيْنِ ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ حَقُّهُ فِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْعُدُولَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ صَارَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَبْضِ عَيْنٍ مُسْتَحَقٍّ ، فَلَا يَكُونُ قَابِضًا كَالتَّخْلِيَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَمْ يُتْلَفْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ .
489 - 489 - وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ ، فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ ابْنَةً ، وَوَلَدَتْ الِابْنَةُ ابْنَةً ، وَأَنْقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُنَّ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُنَّ .
وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ الْوَلَدُ وَنَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ أَوْ لَحِقَهَا عَيْبٌ آخَرُ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوِلَادَةَ تُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْأُمِّ ، وَهُوَ إنَّمَا رَضِيَ بِأَخْذِ الْأُمِّ نَاقِصَةً بِسَلَامَةِ الْوَلَدِ سَلِيمًا ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ سَلِيمًا لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الرِّضَا بِالنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ فِي الْأُمِّ ، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى ثَوْبٍ فَاسْتَحَقَّ ، رَجَعَ فِي دَعْوَاهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّاةُ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تُعَدُّ نُقْصَانًا فِي الشَّاةِ فَلَمْ يَنْقُصْ الْمَبِيعُ ، فَلَوْ رَدَّ لِنُقْصَانٍ فِي الْوَالِدَةِ وَفَوَّتَ الْوَلَدَ لَا يُوجِبُ خِيَارًا ، فَالنُّقْصَانُ بِهِ أَوْلَى أَلَّا يُوجِبَ خِيَارًا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِزَاءِ الْوَلَدِ بَدَلٌ فَلَا يُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا .
490 - 490 - إذَا فَقَأَ الْبَائِعُ عَيْنَ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ وَلَدَتْ سَقَطَ نِصْفُ الثَّمَنِ وَأَخَذَ الْوَلَدَ وَالْأُمَّ بِمَا بَقِيَ ، وَلَحِقَ الْوَلَدَ بَاقِي الْعَقْدِ .
وَلَوْ فَقَأَ الْمُرْتَهِنُ عَيْنَ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، وَغَرِمَ نِصْفَ قِيمَةِ الرَّهْنِ ، وَلَحِقَ الْوَلَدَ أَصْلُ الْعَقْدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ تُوجِبُ الْقِيمَةَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ جَمِيعَ الرَّهْنِ غَرِمَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَلِفَ بَعْضُهُ ، وَالْقِيمَةُ تَخْلُفُ الْعَيْنَ وَتَقُومُ مَقَامَهُ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْفَائِتِ بِبَقَاءِ خَلَفِهِ ، وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ لَحِقَ الْوَلَدَ جَمِيعُ الْعَقْدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ عَمَّا جَنَى عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ مَا جَنَى انْفَسَخَ الْعَقْدُ عَنْهُ ، وَبَقِيَ الْبَاقِي ، فَإِذَا وَلَدَتْ لَحِقَ الْوَلَدَ بَاقِي الْعَقْدِ .
491 - 491 - وَلَوْ أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ أُعْوِرَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي .
وَلَوْ أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ أُعْوِرَتْ سَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْهُونَةَ مَضْمُونَةٌ بِضَمَانِ قَبْضٍ ، وَالْعَيْنُ صِفَةٌ ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْقَبْضِ ، لِأَنَّهَا تُفْرَدُ بِالْقَبْضِ ، فَتُفْرَدُ بِضَمَانِ الْقَبْضِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ مَضْمُونًا فَفَوْتُهُ يُسْقِطُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعَةُ ، لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْعَقْدِ وَالْأَوْصَافُ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ ، لِأَنَّهَا لَا تُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَلَا تُفْرَدُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِزَائِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ .
492 - 492 - الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا أُعْوِرَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ لَحِقَ أَصْلَ الْوَلَدِ الْعَقْدُ .
وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ إذَا فَقَأَ الْبَائِعُ عَيْنَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لَحِقَ الْوَلَدَ بَاقِي الْعَقْدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اعْوِرَارَ الْمَرْهُونَةِ جُزْءٌ مِنْ الرَّهْنِ ، وَفَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الرَّهْنِ يُوجِبُ دُخُولَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ ، وَإِذَا دَخَلَ فِي الِاسْتِيفَاءِ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ ، لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُعْقَدُ لِلِاسْتِيفَاءِ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ ، فَلَحِقَ الْوَلَدَ الْجَمِيعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا فَقَأَ عَيْنَ الْمَبِيعَةِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ عَنْهُ كَمَا بَيَّنَّا ، فَلَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ فِيهِ ، فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدَ إلَّا مِقْدَارُ مَا بَقِيَ الْعَقْدُ فِيهِ .
493 - 493 - إذَا أَنْفَذَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ ، ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ وَجَدَ الثَّمَنَ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَحْبِسَهُ .
وَلَوْ فَكَّ الرَّهْنَ وَأَدَّى الدَّيْنَ وَقَبَضَ الرَّهْنَ ، ثُمَّ وَجَدَ الدَّرَاهِمَ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَجُوزُ بِهِ جَازَ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْجِيَادِ مُتَفَاضِلًا ، فَدَخَلَ فِي الْقَضَاءِ ، فَقَدْ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ فَيُسَلِّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَإِذَا سَلَّمَ لَهُ فِي وَقْتٍ سَلَّمَ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ إذَا أَعَارَ الْمَبِيعَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّ سَلَامَةَ الرَّهْنِ لَهُ سَاعَةً لَا تُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ مِنْ الْحَبْسِ ، وَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهُ كَمَا لَوْ أَعَارَ الرَّهْنَ مِنْ الرَّاهِنِ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ فِيهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَالْمَعْنَى فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ ، فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَقَدْ أَدَّى مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ كَالْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاهِنِ ، وَإِذَا سَلَّمَ صَارَ بِالتَّسْلِيمِ مُتَبَرِّعًا وَلِلْمُتَبَرِّعِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
494 - 494 - وَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا ضَمَانُ الثَّمَنِ .
وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَكِيلَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ فَيَحْبِسَهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَالْعَقْدُ بَاقٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ لَأَوْجَبْنَا فِي الْمَضْمُونِ ضَمَانًا آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ بَقَاءِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ الْأَوَّلَ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَيْئًا فَزَادَتْ قِيمَتُهُ ، لَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُوجِبْ كَوْنَ الشَّيْءِ مَضْمُونًا عَلَى الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ ، إذْ لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ عَقْدٌ ، فَلَمَّا أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ عَلَيْهِ لَمْ يُؤَدِّ إلَى إيجَابِ ضَمَانٍ آخَرَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ بَقَاءِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ الْأَوَّلَ ، فَجَازَ إيجَابُهُ .
495 - 495 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَادَّعَى أَنَّ لَهَا زَوْجًا غَائِبًا وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِي خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ إقْرَارِهِ ، لِأَنَّ ثُبُوتَ إقْرَارِهِ يُوجِبُ لَهُ حَقَّ الرَّدِّ ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ الزَّوْجِيَّةَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ ثَبَتَ حَقُّ الرَّدِّ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ ، فَإِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ حَقًّا لَهُ وَكَانَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِهِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيِّنَةُ عَلَى نَفْسِ النِّكَاحِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَفْصِلُ عَنْ ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ لِجَوَازِ ثُبُوتِ كُلِّ وَاحِدٍ دُونَ صَاحِبِهِ ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ الزَّوْجِيَّةُ هَاهُنَا لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ وَهُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ ، فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فِي الْإِقْرَارِ بِالشَّيْءِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ نَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي بَاعَهُ مِنِّي قَدْ كَانَ عَتَقَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
496 - 496 - إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ شَيْئًا ، ثُمَّ بَاعَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُودِعِ ، الْوَدِيعَةُ غَائِبَةٌ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعِيدَةٌ مِنْهُ ، لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لَهَا حَتَّى تَصِلَ يَدَهُ إلَيْهَا ، وَلَوْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِيَحْبِسَهَا عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ قَبْلَ وُصُولِ يَدِهِ إلَيْهَا ، كَانَ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ حَاضِرَةً عِنْدَ الْبَيْعِ صَارَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَابِضًا ، وَلَوْ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا مِنْهُ لِيَحْبِسَهَا عَلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَبْضَ الْمُودِعِ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ تَلِفَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ فَأَرَادَ حَبْسَهَا عَلَى الثَّمَنِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، كَذَا هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً ، لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ بِالْإِيدَاعِ صَارَ كَالْمُسْتَحْفِظِ لَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ، وَلَوْ أَوْدَعَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ فَسَلَّمَهَا إلَيْهِ صَارَ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ رَضِيَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ، فَإِذَا أَرَادَ ارْتِجَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى .
497 - 497 - إذَا رَهَنَ عَبْدًا مِنْ إنْسَانٍ فَبَاعَهُ مِنْهُ وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يَصِرْ قَابِضًا .
وَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ وَلَيْسَ الْعَبْدُ بِحَضْرَتِهِمَا صَارَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَابِضًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْهُونَ أَمَانَةٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ إنْسَانٌ لِلرَّاهِنِ الرَّهْنَ لَمْ يَصِحَّ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَضْمُونًا لَمْ يَخْلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ، أَوْ بِمَا يُلَاقِيهِ وَالرَّهْنُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقِيمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ لَمْ يَغْرَمْ الزِّيَادَةَ عَلَى الدَّيْنِ ، وَلَا هُوَ مَضْمُونٌ بِمَا يُلَاقِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفَيْنِ ، فَإِذَا تَلِفَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ وَلَا بِمَا يُلَاقِيهِ ثَبَتَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ ، إلَّا أَنَّ الدَّيْنَ سَقَطَ بِتَلَفِهِ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْقَبْضِ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَلَمْ يَنُبْ مَنَابَهُ ، كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ ثُمَّ بَاعَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَصْبُ ، لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ وَالْبَيْعُ يُقْبَضُ قَبْضًا مَضْمُونًا ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَنَابَ مَنَابَهُ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ بَعْدَ الْعَقْدِ .
وَإِنْ شِئْت قُلْت لَمَّا كَانَ الْمَرْهُونُ أَمَانَةً فَإِذَا اشْتَرَاهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ الضَّمَانِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ نَقْلُ الْعَيْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَغْصُوبُ ، لِأَنَّهُ نَقْلُ الضَّمَانِ ، لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ ، وَقَدْ نَقَلَهُ إلَى ضَمَانِ الثَّمَنِ ، فَقَدْ وُجِدَ نَقْلُ الضَّمَانِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَقَلَ الْعَيْنَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فَيَصِيرُ بِهِ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
498 - 498 - إذَا بَاعَ عَبْدًا آبِقًا لَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ ضَمَانَ التَّسْلِيمِ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْآبِقِ فَلَمْ يَجُزْ إيجَابُ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ ، فَصَارَ بَيْعًا لَا يُوجِبُ ضَمَانَ التَّسْلِيمِ ، فَكَانَ بَاطِلًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْهِبَةُ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تُوجِبُ ضَمَانَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يُوجِبَ ضَمَانًا ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ نَقْلَ الْيَدِ ، وَقَدْ نَقَلَ حُكْمَ يَدِهِ إلَيْهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا .
وَلِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْأَبِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَالْهِبَةُ تَقْتَضِي قَبْضَ أَمَانَةٍ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ : مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ قَائِمٌ مَقَامَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا ، وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْأَبِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ ، فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا مَا لَمْ تَصِلْ يَدُهُ إلَيْهِ .
499 - 499 - إذَا أَرْسَلَ الْأَبُ غُلَامَهُ فِي حَاجَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ ، فَلَمْ يَرْجِعْ الْعَبْدُ حَتَّى بَلَغَ الِابْنُ ثُمَّ رَجَعَ الْعَبْدُ فَقَبَضَهُ الْأَبُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِلِابْنِ ، وَإِذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الِابْنِ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْأَبِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْأَبُ غُلَامًا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يَقْبِضْ فَبَلَغَ الِابْنُ ثُمَّ قَبَضَ الْأَبُ جَازَ قَبْضُهُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَبْضَ الْأَبِ مِنْ نَفْسِهِ إذَا بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إنَّمَا يَكُونُ بِحَقِّ الْوِلَايَةِ لَا بِحَقِّ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالِابْنِ فِيمَا يَبِيعُهُ الْأَبُ مِنْهُ ، لِأَنَّ الْأَبَ مِنْ الْوِلَايَةِ مَا يُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ، وَيَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ بِعَقْدِهِ ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّ حَقَّ الْقَبْضِ يَجِبُ لِلْأَبِ لَصَارَ مُوجِبًا وَمُسْتَوْفِيًا لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ ، فَوَجَبَ أَلَّا يَجُوزَ ، فَلَمَّا جَازَ دَلَّ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ يَجِبُ لِلِابْنِ ، وَإِنَّمَا يَقْبِضُهُ الْأَبُ لَهُ بِحَقِّ الْوِلَايَةِ ، فَإِذَا بَاعَ زَالَتْ وِلَايَتُهُ فَصَارَ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ ، فَلَمْ يَقَعْ قَبْضُهُ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَهُوَ الْأَبُ ، وَالْقَبْضُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ بِالْعَقْدِ لَا بِالْوِلَايَةِ ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ فَبَقِيَ حُقُوقُهُ ، فَإِذَا قَبَضَهُ جَازَ كَمَا لَوْ كَانَ وَكِيلًا لِبَالِغٍ .
500 - 500 - إذَا أَوْدَعَ رَجُلًا شَيْئًا فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ ، ثُمَّ الْتَقَيَا وَلَيْسَ الشَّيْءُ بِحَضْرَتِهِمَا فَوَهَبَهُ مِنْ الْمُودِعِ جَازَتْ الْهِبَةُ وَصَارَ قَابِضًا .
وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ حَتَّى تَصِلَ يَدُهُ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ كَالْهِبَةِ ، وَالْهِبَةُ تَقْتَضِي قَبْضًا غَيْرَ مَضْمُونٍ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَنَابَ مَنَابَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا ، الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ الْقَبْضِ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ فَلَمْ يَقَعْ عَنْهُ .
501 - 501 - وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى وَهَبَهُ لِلْبَائِعِ وَقَبِلَهُ الْبَائِعُ كَانَتْ الْهِبَةُ نَقْضًا لِلْبَيْعِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ لَمْ يَنْتَقِضْ الْبَيْعُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدَيْ الْبَائِعِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عَلَى غَيْرِهِ تَسْلِيمُ مَا هُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، فَصَارَ هَذَا شِرَاءً لَا يُوجِبُ التَّسْلِيمَ فَكَانَ بَاطِلًا ، وَإِذَا بَطَلَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي رَفْعِ الْعَقْدِ .
وَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَا تَقْتَضِي ضَمَانَ التَّسْلِيمِ ، وَالشَّيْءُ فِي يَدِهِ مَقْبُوضٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ ، فَصَارَ الْمَوْجُودُ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْجَبَهُ بِالْهِبَةِ فَصَحَّتْ الْهِبَةُ ، وَإِذَا جَازَتْ الْهِبَةُ فَاتَ الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ ، فَبَطَلَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ ، وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْهِبَةِ فَبَطَلَ الْجَمِيعُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ لَفْظٌ عَامٌّ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ ، وَيَصْلُحُ لِدَفْعِ مَا كَانَ ، تَقُولُ : هَبْ لِي ضَرْبَ عَبْدِك يَعْنِي ارْفَعْ عَنْهُ وَاعْفُ عَنْهُ ، وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ ، لِأَنَّ هِبَةَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ ، لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْقَبْضُ فِي الْمَبِيعِ ، وَفَوْتُ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ ، وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْهِبَةِ فَلَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ ، وَإِذَا لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْهِبَةِ حُمِلَ عَلَى رَفْعِ مَا كَانَ ، فَصَارَ كَأَنَّهُمَا تَقَايَلَا وَقَالَا رَفَعْنَا ذَلِكَ ، فَكَانَتْ إقَالَةً .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَفْظُ الْبَيْعِ ، لِأَنَّ الْبَيْعَ عِبَارَةٌ عَنْ ابْتِدَاءِ التَّمْلِيكِ ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي رَفْعِ مَا كَانَ ، وَابْتِدَاءُ تَمْلِيكِهِ لَا يَجُوزُ ، وَاللَّفْظُ لَا يَصْلُحُ لِرَفْعِ مَا كَانَ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعًا وَلَا إقَالَةً ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَبَقِيَ الْبَيْعُ بِحَالِهِ .
502 - 502 - إذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ عَبْدًا فَأَبَقَ مِنْهُ ثُمَّ وَهَبَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْمُودِعِ جَازَ .
وَلَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ ، ثُمَّ وَهَبَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْمُودِعِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْغَصْبِ زَالَتْ يَدُ الْمُودِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَدَثَتْ يَدٌ أُخْرَى عَلَيْهِ وَصَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ ، وَلَمْ يَصِرْ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَابِضًا ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَبَقَ ، لِأَنَّ حُكْمَ يَدِهِ بَاقٍ فِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ تَحْدُثْ يَدٌ أُخْرَى عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَقِيَ حَقِيقَةُ الْيَدِ وَلَوْ بَقِيَ فِي يَدِ الْمُودِعِ وَوَهَبَهُ مِنْهُ صَحَّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
503 - 503 - إذَا اشْتَرَى الصَّحِيحُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، ثُمَّ مَرِضَ الْمُشْتَرِي فَوَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ، وَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى الْقَبُولِ .
وَلَوْ مَاتَ وَأَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ وَجَبَ لَهُ بِظَاهِرِ الْعَقْدِ ، وَحَقُّ الْغَرِيمِ مَشْكُوكٌ فَجَازَ لَهُ رَدُّهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ، لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالِ الْمَيِّتِ ، وَهَذَا الْعَبْدُ مَالُهُ ، فَتَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ فَهُوَ بِالرَّدِّ يُبْطِلُ حَقَّ الْغَرِيمِ مِنْ غَيْرِ تَرِكَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ آثَرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ .
504 - 504 - فَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُشْتَرِي مِنْ مَرَضِهِ خُيِّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ أَنْ يَغْرَمَ نِصْفَ الثَّمَنِ لِلْغُرَمَاءِ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْعَبْدَ وَيُبْطِلَ الرَّدَّ وَلَوْ رَدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ مَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ لِلْغُرَمَاءِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَاضِي ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِمِقْدَارِ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً ثُمَّ جَعَلَهُ قِصَاصًا بِمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، فَيَصِيرُ مُؤْثِرًا بَعْضَ الْغُرَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ ، فَلَمْ يَجُزْ وَرَدَّ النِّصْفَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ لِأَنَّ الرَّدَّ بِقَضَاءٍ يَقَعُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَمَلَكَهُ لَا بِعَقْدِ ضَمَانٍ ، فَوَجَبَ حَقُّ الْغَيْرِ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَيُخَيِّرُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الْعَيْنَ لِيَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْدِيَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ لَهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَبْدِ إذَا جَنَى جِنَايَةً .
505 - 505 - الْمَرِيضُ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرَى بِالْعَيْبِ ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي نَقَدَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ .
وَلَوْ رَدَّهُ الْوَصِيُّ وَقِيمَتَهُ أَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرِيضَ هُوَ الْمُوجِبُ لِدَيْنِ الْغُرَمَاءِ ، فَإِذَا رَدَّ الْمَبِيعَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ فَهُوَ يُبْطِلُ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْحَقِّ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الدَّيْنَ فَلَمْ يُبْطِلْ مَا أَوْجَبَهُ ، وَيَجُوزُ أَلَّا يَقْدِرَ وَهُوَ عَلَى أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ ، وَغَيْرُهُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ، وَلَوْ أَقَامَ أَجْنَبِيٌّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قُبِلَتْ ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ لَوْ بَاعَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ ، وَرَبُّ الْمَالِ إذَا بَاعَ مَالَ الْمُضَارَبَةِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
506 - 506 - إذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الَّذِي فِي يَدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ الَّذِي فِي يَدِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَعَلَيْهِ الثَّمَنَانِ جَمِيعًا ، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمَا وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ آخَرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَمَتَى أَخْذَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ ، وَمَتَى رَدَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ عَلَى الْآخَرِ ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّدِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّدِّ شَرْطًا فِي الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ اسْتَوَى رُجُوعُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَدَمُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي ، كَذَلِكَ إذَا رَجَعَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ .
507 - 507 - إذَا اشْتَرَى زِقَّ زَيْتٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، عَلَى أَنَّ الزِّقَّ وَمَا فِيهِ لَهُ ، عَلَى أَنَّ وَزْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ مِائَةُ رَطْلٍ ، فَوَزَنَ فَوَجَدَ ذَلِكَ تِسْعِينَ رَطْلًا فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ ، وَكَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ مَذْكُورَةٌ فِي الْجَامِعِ .
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعِدْلَ عَلَى أَنَّ فِيهِ خَمْسِينَ ثَوْبًا فَوَجَدَهُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الزَّيْتِ فِي الذِّمَّةِ ، وَشَرْطُ إيفَائِهِ مِنْ الْعَيْنِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْت مِنْك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ : بِعْتُك قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ، انْعَقَدَ عَلَى قَفِيزٍ مِنْ الذِّمَّةِ لِيُوَفِّيَهُ مِنْ الْعَيْنِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى قَفِيزٍ شَائِعٍ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ قَفِيزٍ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، وَلَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْجَمِيعُ إلَّا قَفِيزًا فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى قَفِيزٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الزَّيْتِ فِي الذِّمَّةِ ، فَإِذَا وُجِدَ أَقَلُّ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ فِيهِ فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ ، وَانْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي بَعْضٍ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ فِي الْبَاقِي ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ وَبَاعَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّوْبُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الثِّيَابِ لَا يَنْعَقِدُ فِي الذِّمَّةِ ، لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا مُؤَجَّلًا ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِثَوْبٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا مُؤَجَّلًا ، وَيَصِيرُ سَلَمًا ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ بِالْحِنْطَةِ فَقَدْ انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى الْعَيْنِ ، فَقَدْ عُقِدَ عَلَى أَعْيَانٍ مَوْجُودَةٍ وَمَعْدُومَةٍ ، وَالْمَعْدُومُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ فَقَدْ جَمَعَ فِي
الْعَقْدِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ دُخُولُهُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَصِحُّ دُخُولُهُ ، وَسَمَّى ثَمَنًا وَاحِدًا فَبَطَل الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ .
508 - 508 - إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَبَاعَهُ ، ثُمَّ تَصَادَقَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ الَّذِي بَيْنَهُمَا كَانَ فَاسِدًا ، أَوْ كَانَ تَلْجِئَةً ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَيْبًا دَلَّسَهُ لَهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ ، وَأَبَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنْ يَقْبَلَهُ لِمَا كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي الْآخَرِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ ، وَلَمْ يُصَدَّقَا عَلَى ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ رَفْعَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَفَسْخَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ الْأَوَّلِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِبَائِعِهِ الْأَوَّلِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى فَسَادِ عَقْدٍ الْحَقُّ فِيهِ لَهُمَا ، فَصَدَقَا وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ حَقٌّ فِي عَقْدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ، فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى فَسَادِ عَقْدٍ ، وَالْحَقُّ فِيهِ لِغَيْرِهِمَا ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ فَلَمْ يُصَدَّقَا عَلَى إبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِمَا وَصَارَ وِزَانُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنْ لَوْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى فَسَادِ الْبَيْعِ صَدَقَا ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
509 - 509 - إذَا قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : فَهُوَ حُرٌّ .
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : هُوَ حُرٌّ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الثَّمَنُ وَلَا يُعْتَقُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ فَهُوَ حُرٌّ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ ابْتِدَاءَ الْكَلَامِ ، لِأَنَّهُ لَا يُبْتَدَأُ بِالْفَاءِ ، فَصَارَ جَوَابًا لِإِيجَابِ الْمَاضِي ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : قَبِلْت فَهُوَ حُرٌّ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ عَتَقَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ هُوَ حُرٌّ ، لِأَنَّ هَذَا يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ إضْمَارٍ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ هُوَ حُرٌّ فَلَا أَشْتَرِيهِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى إضْمَارِ الْقَوْلِ فِيهِ وَأَنَّهُ جَوَابٌ لِلْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لَمْ يُضْمَرْ فِيهِ شَيْءٌ ، فَلَمْ يَكُنْ الْقَبُولُ مُضْمَرًا فِيهِ ، فَبَقِيَ إعْتَاقٌ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ ، فَلَمْ يَجُزْ .
510 - 510 - إذَا قَالَ : " بِعْتُك هَذِهِ النَّعْجَةَ فَإِذَا هُوَ كَبْشٌ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ " .
وَإِذَا قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَارِيَةِ الِاسْتِخْدَامُ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَالِاسْتِفْرَاشُ ، وَأَمَّا الْمَقْصُودُ مِنْ الْغُلَامِ التَّصَرُّفُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَالتِّجَارَةُ ، فَالْأَغْرَاضُ مِنْهُمَا تَتَبَاعَدُ فَصَارَ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ كَاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ ، وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا وَأَشَارَ إلَى جِنْسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّعْجَةُ وَالْكَبْشُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا يَتَقَارَبُ ، وَهُوَ اللَّحْمُ فَلَمْ يَصِرْ كَالْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، فَقَدْ سَمَّى جِنْسًا وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ .
فَإِنْ قِيلَ الْمَقْصُودُ مِنْ النَّعْجَةِ اللَّبَنُ .
قُلْنَا : اللَّبَنُ رُبَّمَا يُوجَدُ وَرُبَّمَا لَا يُوجَدُ ، وَلَا تَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِاخْتِلَافِهِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّحْمِ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ غَالِبًا لَا اللَّبَنُ .
511 - 511 - إذَا اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ ، فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، وَتُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَشَارَ إلَى عَمْرَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى عَمْرَةَ دُونَ زَيْنَبَ وَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَاقُوتَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الزُّجَاجِ ، فَقَدْ سَمَّى جِنْسًا وَأَشَارَ إلَى جِنْسٍ آخَرَ فَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ الْمُسَمَّى مِنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَإِيفَاءُ الْمُسَمَّى مِنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ لَا يُمْكِنُ فَبَطَلَ الْعَقْدُ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَمْرَةُ وَزَيْنَبُ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَقَدْ سَمَّى جِنْسًا ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ ، وَالْإِشَارَةُ آكَدُ لِأَنَّهَا فِعْلٌ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، وَفِي التَّسْمِيَةِ شَارَكَهُمَا غَيْرُهُ فَكَانَ أَوْلَى .
512 - 512 - إذَا مَلَكَ جَارِيَةً وَابْنًا لَهَا صَغِيرًا وَزَوْجَهَا وَهُوَ أَبُ الصَّغِيرِ ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ ، لَا يُبَاعُونَ إلَّا مَعًا .
وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ إخْوَةٍ وَأَحَدُهُمْ صَغِيرٌ وَالْبَاقِيَانِ كَبِيرَانِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْكَبِيرَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَاهُنَا الْحُرْمَةَ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ جِهَةُ الْأُخُوَّةِ ، وَكُلُّهُمْ يُدْلُونَ إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْأُمُومَةُ أَوْ الْأُبُوَّةُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ فِيهِمْ لَا يَتَرَتَّبُ دَلَّ أَنَّ الْجِهَةَ وَاحِدَةٌ فَفِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ قَطْعُ جِهَةِ الْأُخُوَّةِ عَنْهُ ، فَجَازَ كَمَا لَوْ لَمْ يَبِعْ وَاحِدًا مِنْهُمْ .
وَفِي الْأَبَوَيْنِ الْجِهَاتُ اخْتَلَفَتْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي الْحَضَانَةِ ، لِأَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى مَا دَامَ صَغِيرًا ، وَإِذَا كَبِرَ فَالْأَبُ أَوْلَى ، لِأَنَّ جِهَةَ الْإِدْلَاءِ مِنْهُمَا مُخْتَلِفَةٌ ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُدْلِي بِالْأُمُومَةِ وَالْآخَرُ بِالْأُبُوَّةِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَوْفِيرُ حَقِّهِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ ، لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ التَّرْبِيَةُ وَالتَّغْذِيَةُ ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ التَّأْدِيبُ ، فَفِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ حَقِّهِ عَنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَحَدُهُمَا مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
513 - 513 - رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَارًا فِي يَدِ ثَالِثٍ بِعَبْدٍ وَدَفْعَ الْعَبْدُ إلَيْهِ ، فَخَاصَمَ الْمُشْتَرِي صَاحِبَ الْيَدِ ، فَلَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ الدَّارَ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِفَسْخِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا ، وَرَدَّ الْعَبْدِ إلَى الْمُشْتَرِي لِلدَّارِ ، ثُمَّ تَصَدَّقَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ بِالدَّارِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، أَوْ وَهَبَهَا مِنْهُ لَا يُكَلَّفُ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْبَائِعِ ، وَلَا يُقَالُ أَنْتَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ أَقْرَرْت بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَيَلْزَمُك التَّسْلِيمُ وَلَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِلْبَائِعِ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ، ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ لِتَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ يُكَلَّفُ تَسْلِيمَهَا إلَى بَائِعِ الدَّارِ الْمُقَرِّ لَهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ بِالدُّخُولِ مَعَ الْبَائِعِ فِي الشِّرَاءِ ، مُقِرٌّ بِأَنَّ الدَّارَ لَهُ ، إلَّا أَنَّ إقْرَارَهُ مِنْ ضِمْنِ عَقْدِ الْبَيْعِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْهُ مِنْ الْعَقْدِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي فَسْخِ الْعُقُودِ ، فَإِذَا فَسَخَ الْعَقْدَ فَسَخَ الْإِقْرَارَ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِهِ ، كَمَرِيضٍ بَاعَ عَبْدًا لَهُ يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَارَ مُحَابِيًا لِلْمُشْتَرِي وَمُوصِيًا لَهُ بِهِ وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي رُدَّ فِي الثَّمَنِ بِقَدْرِ ثُلُثَيْ الْمُحَابَاةِ ، وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ ، وَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ فُسِخَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ الْمُحَابَاةُ وَالْوَصِيَّةُ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَاهُنَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهَا لِلْبَائِعِ صَرِيحًا ، لِأَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالْإِقْرَارِ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي إبْطَالِ الْأَقَارِيرِ وَهُوَ بِالشُّرُوعِ مَعَهُ فِي الْعَقْدِ مُقِرٌّ بِالْمِلْكِ لَهُ ضِمْنًا لِلْعَقْدِ ، وَقَدْ أَقَرَّ أَيْضًا صَرِيحًا فَإِذَا فَسَخَ الْعَقْدَ بَطَلَ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهِ فِي الْإِقْرَارِ ، وَبَقِيَ إقْرَارُهُ صَرِيحًا بِالْمِلْكِ لَهُ ، فَيُكَلَّفُ تَسْلِيمَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ
أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِثُلُثِ دَارِهِ وَبَاعَ الْبَاقِي مِنْهُ بِالْمُحَابَاةِ ثُمَّ لَمْ يَزِدْ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَفُسِخَ الْعَقْدُ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ فِي ضِمْنِ الشَّيْءِ لِمَ يَبْطُلُ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَلَا يَبْطُلُ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهِ ؟ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ ، وَيُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ قُلْنَا لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ بِالْأُخُوَّةِ فِي حَقِّهِ ، وَهَاهُنَا حُكِمَ بِبُطْلَانِ إقْرَارِهِ ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ .
.
514 - 514 - إذَا أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ، ثُمَّ إنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ ، وَقَالَ لِرَبِّ السَّلَمِ اذْهَبْ وَكَّلَهُ لِنَفْسِك ، فَذَهَبَ وَكَالَهُ كَيْلًا وَاحِدًا ، لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ كَيْلًا لِلْمُشْتَرِي وَكِيلًا لِنَفْسِهِ .
وَلَوْ اسْتَقْرَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ فَأَمَرَ رَبُّ السِّلْمِ لِيَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ وَيَقْبِضَهُ فَقَبَضَهُ كَيْلًا وَاحِدًا جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْكَيْلِ ، لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مُكَايَلَةً فَمَا لَمْ يُكَلْ لَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِلْكُهُ ، فَإِذَا كَالَهُ لَهُ صَارَ كَالْوَكَالَةِ بِنَفْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكِلْهُ ثَانِيًا لَمْ يَصِرْ قَابِضًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَرْضُ ، لِأَنَّ الْقَرْضَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ، فَلَا يُحْتَاجُ فِي تَمَامِهِ إلَى الْكَيْلِ ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ حِنْطَةً مُجَازَفَةً جَازَ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ مَعَ يَمِينِهِ فِي مِقْدَارِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ كَيْلُهُ لِلْمُسْتَقْرِضِ مُسْتَحَقًّا فَصَارَ الْمُسْتَحَقُّ كَيْلُهُ لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَهُ جُزَافًا ثُمَّ إنَّهُ كَالَهُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ تَعَيَّنَ فِيهِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْخَبَرُ ، وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِأَجْلِهِ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ الصَّاعَانِ : صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي ، وَلَمْ يَشْرُطْ فِيهِ قَبْضَ يَدٍ لَهُ إذَا كَانَ وَزَنَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَجَازَ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ كَيْلَهُ مَرَّتَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ .
515 - 515 - إذَا اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً ، وَقَبَضَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ، مَا لَمْ يَكِلْهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُذَارَعَةً وَقَبَضَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَذْرَعَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ بِالْكَيْلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَالَهُ فَوَجَدَهُ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ رُدَّ عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكِلْهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِلْكُهُ فِيهِ ، فَقَدْ بَاعَ قَبْلَ تَعْيِينِ مِلْكِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَذْرُوعُ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ قَبْلَ الذَّرْعِ ، لِأَنَّ الذُّرْعَانَ صِفَةٌ لِلثَّوْبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ الثَّوْبِ لَمْ يَجُزْ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ الذِّرَاعِ الزَّائِدِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الذَّرْعَ صِفَةٌ لِلثَّوْبِ ، وَلَا يَكُونُ مَعْرِفَةُ الصِّفَةِ شَرْطًا فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ ، فَتَعْيِينُ مِلْكِهِ فِيهِ بِالْقَبْضِ ، فَقَدْ بَاعَ بَعْدَ تَعْيِينِ مِلْكِهِ فَجَازَ ، وَفِي الْمَعْدُودِ - رِوَايَتَانِ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ .
516 - 516 - رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ : بِعْ عَبْدَك هَذَا مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ ، فَبَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ ، وَعَلَى هَذَا خَمْسُمِائَةٍ سِوَى الْأَلْفِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْ هَذَا لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ ، فَبَاعَهُ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّامِنِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ ضَمَانَ الثَّمَنِ ، فَإِذَا قَالَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخَمْسِمِائَةٍ مِنْ الثَّمَنِ فَقَدْ أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ ، فَقَدْ ضَمِنَ مَضْمُونًا فَصَحَّ الضَّمَانُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا سِوَى الثَّمَنِ فَإِذَا لَمْ يُضِفْ إلَى الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا ، فَقَدْ ضَمِنَ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ .
517 - 517 - إذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدٍ : " اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك ، فَيَقُولُ نَعَمْ ، فَيَأْتِي مَوْلَاهُ فَيَقُولُ : بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا ، فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَهُ " .
وَلَوْ قَالَ : بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ فَهُوَ حُرٌّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : بِعْنِي لِفُلَانٍ ، فَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ نَقْلَ الْمِلْكِ مِنْ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ بِبَدَلٍ ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ ، فَإِذَا أَجَابَهُ الْمَوْلَى إلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَجَابَهُ إلَى مَا يُوجِبُ بَقَاءَ الرِّقِّ ، فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَقًا فَلَا يُعْتِقُ ، وَيَكُونُ بَيْعًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْنِي نَفْسِي ، لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ ، فَقَدْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَعْقِدَ لَهُ عَقْدَ بَيْعٍ فَخَالَفَهُ ، وَطَلَبَ عَقْدَ عَتَاقٍ ، فَإِذَا أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ صَارَ مُجِيبًا إلَى مَا سَأَلَهُ الْعَبْدُ فَصَارَ حُرًّا كَمَا لَوْ قَالَ : أَعْتِقْنِي ، فَقَالَ : أَعْتَقَتْك .
518 - 518 - إذَا قَالَ غُلَامٌ لِرَجُلٍ : اشْتَرِنِي مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ ، فَاشْتَرَاهُ ، فَإِذَا هُوَ حُرٌّ ، وَالْبَائِعُ غَائِبٌ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ .
وَلَوْ قَالَ : خُذْنِي رَهْنًا مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي عَبْدُهُ ، فَارْتَهَنَهُ بِمَالٍ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حُرٌّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدُهُ فَقَدْ ضَمِنَ سَلَامَةَ رَقَبَتِهِ لَهُ بِبَدَلٍ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ صَارَ غَارًّا عَلَى عِوَضٍ هُوَ مَالٌ ، فَصَارَ كَالْبَائِعِ ، وَكَمَا لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجْنِي فَإِنِّي أَمَةٌ فَإِذَا هِيَ حُرَّةٌ كَانَتْ غَارَّةً ، كَذَا هَذَا ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا أَدَّى غُرُورُهُ إلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الثَّمَنُ ، فَرَجَعَ عَلَى الْغَارِّ ، وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا لَمْ يُؤَدِّ غُرُورُهُ إلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ سَلَامَةَ رَقَبَتِهِ لَهُ ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الدَّيْنِ ، وَإِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ سَلَامَةَ عِوَضٍ هُوَ مَالٌ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا .
519 - 519 - إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ، ثُمَّ إنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ إلَى رَبِّ السَّلَمِ ، فَحَلَّ الْأَجَلُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا بِسَلَمِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَإِنْ غَصَبَهُ كُرًّا بَعْدَ عَقْدِ السَّلَمِ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ غَصَبَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ، فَيَجْعَلَهُ قِصَاصًا بِهِ صَارَ قِصَاصًا ، سَوَاءٌ كَانَ الْكُرُّ الْمَغْصُوبُ بِحَضْرَتِهِمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ .
وَلَوْ أَوْدَعَهُ كُرًّا بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِمَا ، أَوْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ فَتَصِلَ يَدُهُ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي قَبْضَ مَضْمُونًا بَعْدَ الْوُجُوبِ الْمَقْبُوضِ ، لِأَنَّ مَنْ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِضَّةً فَقَضَاهُ عَشَرَةً صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ ، أَوْ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ قَاصَّهُ بِهِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ لَصَارَ قَابِضًا بِالسَّلَمِ دَيْنًا ، لَا مُقْتَصًّا لِلسَّلَمِ ، وَقَضَاؤُهُ الدَّيْنَ بِهِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، تَصَرُّفُهُ فِيهِ لَا يَجُوزُ فَلَمْ يَصِرْ قِصَاصًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا غَصَبَ ، لِأَنَّهُ وُجِدَ قَبْضٌ مَضْمُونٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ ، فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا السَّلَمَ مِنْهُ ، فَجَازَ كَمَا لَوْ قَضَاهُ وَأَمَّا إذَا غَصَبَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَمْ يُوجَدْ قَبْضٌ مَضْمُونٌ بَعْدَ وُجُوبِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَهُوَ مَقْبُوضٌ مَضْمُونٌ فِي يَدِهِ ، فَإِذَا قَاصَّهُ بِهِ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِنَفْسِ الْمُقَاصَّةِ قَبْضًا مَضْمُونًا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ .
وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَمَقْبُوضَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ ، فَلَمْ يُوجَدْ
الْقَبْضُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ ، فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا إلَّا أَنْ تَصِلَ يَدُهُ إلَيْهِ ، فَإِذَا وَصَلَتْ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَقَدْ وُجِدَ الْقَبْضُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ ، فَصَارَ قَابِضًا .
520 - 520 - وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنَى الْبَيْعِ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ مَلَّكْتُك أَوْ أَعْطَيْتُك فَقَدْ أَتَى بِمَعْنَى الْبَيْعِ ، فَصَارَ بَيْعًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ وَالْإِبَاحَةِ صَارَ صَدَقَةً وَإِبَاحَةً ، وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْفَقِيرَ قِطْعَةً أَوْ يَنْتُرُ السُّكَّرَ عَلَى صَدَقَةٍ صَارَ مُبِيحًا لِمَنْ الْتَقَطَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَى الْبَقَّالِ كِسْرَةً وَأَخَذَ فَاكِهَةً صَارَ بَيْعًا ، وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ ، وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الْمُفَاوَضَةِ فَلَمْ يَأْتِ بِمَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ عَامٌّ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ إلَّا فَقِيهٌ ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِمَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ تَصِرْ مُفَاوَضَةً .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ : " فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا يَأْتِي بِجَمِيعِ مَعَانِي الْمُفَاوَضَةِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ صَارَتْ مُفَاوَضَةً أَيْضًا ، وَلَا رِوَايَةَ تَدْفَعُ هَذَا " .
رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ اشْتَرَى صَدَفَةً فَوَجَدَ فِيهَا لُؤْلُؤَةً أَوْ سَمَكَةً فَوَجَدَ فِيهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي .
وَلَوْ اشْتَرَى دَجَاجَةً فَوَجَدَ فِيهَا لُؤْلُؤَةً فَهِيَ لِلْبَائِعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللُّؤْلُؤَةَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الصَّدَفَةِ فَصَارَ كَبَيْعِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ ، وَأَمَّا السَّمَكُ فَاللُّؤْلُؤَةُ مِنْ عَلَفِهِ ، لِأَنَّهُ يَأْكُلُ حَيَوَانَ الْبَحْرِ ، وَالصَّدَفُ حَيَوَانٌ فَصَارَ كَسَمَكَةِ خَرَجَتْ مِنْ جَوْفِهِ .
وَأَمَّا الدَّجَاجَةُ فَلَا تُخْلَقُ اللُّؤْلُؤَةُ مِنْهَا ، وَلَا هِيَ مِنْ عَلَفِهَا فَلَا تُمَلَّكُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى صُنْدُوقًا فَوَجَدَ فِيهِ مَتَاعًا .
522 - 522 - رَجُلٌ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَاشْتَرَى رَجُلٌ آخَرُ النِّصْفَ الثَّانِي مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بَاعَاهُ مُسَاوَمَةً بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَتَيْنِ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَلَوْ بَاعَاهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ دِرْهَمٍ كَانَ الرِّبْحُ وَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسَاوَمَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى مَضْمُونِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَقْدِ ثَمَنٌ مَضْمُونٌ مِثْلَ أَنْ وُهِبَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُسَاوَمَةً ، وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ مَضْمُونُ عَقْدِهِمَا صَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِيَاهُ وَلَكِنَّهُمَا وَرِثَاهُ فَبَاعَاهُ مُسَاوَمَةً ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرَابَحَةُ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ بَيْعٌ بِمَضْمُونِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ شَيْئًا أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً ، وَمَضْمُونُ عَقْدِهِمَا فِيهِ مُخْتَلِفٌ فَقُسِّمَ أَثْلَاثًا ، فَانْقَسَمَ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا .
كِتَابُ الصَّرْفِ 523 - إذَا اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَلَيْسَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ مَا سَمَّاهُ فِي بَيْعِهِ ، وَدَفَعَهُ إلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ .
وَلَوْ بَاعَ كُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرِّ شَعِيرٍ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَاعَ ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَا وَأَحْضَرَا وَسَلَّمَا فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ ، إذْ لَوْ عُيِّنَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ مَا عَيَّنَ ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّتِهِمَا ، إلَّا أَنَّهُ عَقْدُ صَرْفٍ ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ ، فَإِنْ وُجِدَ تَمَّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ ، لِأَنَّهُمَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيُسَلِّمَ قَفِيزًا مِثْلَهُ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِذَا تَغَيَّرَ فِي الثَّانِي تَعَيَّنَ الْعَقْدُ فِيهِ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ ذَلِكَ الْعَيْنَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ ، فَقَدْ بَاعَ مَا لَا يَكُونُ عِنْدَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْخَبَرُ .
إذَا قَالَ : أَسْلَمْت إلَيْك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَنَقَدَ الدَّنَانِيرَ ، فَقَالَ لِلْآخَرِ : اجْعَلْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِي عَلَيْك قِصَاصًا وَلَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَفَعَلَ ذَلِكَ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ عَقْدِ الصَّرْفِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَالَ : اشْتَرَيْت مِنْك بِهَا دِينَارًا وَنَقَدَهُ فِي الْمَجْلِسِ ، جَازَ وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ جَازَ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فِي كِيسٍ ، جَازَ لَهُ أَنْ يَنْقُدَهُ مِنْ كِيسٍ آخَرَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ السَّلَمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ عَقْدِ السَّلَمِ بِمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ ، فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ ، دَلِيلُهُ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ إلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَنْقُدْهُ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ .
525 - 525 - إذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَنَقَدَهُ الدِّينَارَ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَصَارَ لَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، فَقَالَ اجْعَلْهَا قِصَاصًا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا وَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ .
وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَوْلُهُ : اجْعَلْ الدَّرَاهِمَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لِي عَلَيْك قِصَاصًا ، وَلَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَفَعَلَ ذَلِكَ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الدَّرَاهِمُ وَجَبَتْ عَلَى بَائِعِ الدَّنَانِيرِ بِعَقْدِ الصَّرْفِ ، وَابْتِدَاءُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ ، فَجَازَ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : بِعْتُك بِعَشَرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِيسِ ، ثُمَّ نَقَدَهُ مِنْ كِيسٍ آخَرَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ وَاجِبَةً بَعْدَ عَقْدِ الصَّرْفِ ابْتِدَاءً ، وَابْتِدَاءُ عَقْدِ الصَّرْفِ بِدَرَاهِمَ تَجِبُ فِي ثَانِي الْحَالِ لَا يَجُوزُ فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَيْهِ ، كَالرَّصَاصِ وَالسَّتُّوقِ .
526 - 526 - إذَا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهُ بِالْبَصْرَةِ ، كَانَ جَائِزًا ، فَإِذَا حَلَّ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ إلَّا حَيْثُ شُرِطَ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةً عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا .
وَلَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ فَاسِدًا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَجَّلَ فِي الثَّمَنِ أَجَلًا مَعْلُومًا وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً ، وَهُوَ الْإِيفَاءُ بِالْبَصْرَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَجْوَدَ أَوْ أَكْثَرَ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ إلَى شَهْرٍ ، وَقَالَ : عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ بِالْبَصْرَةِ فَقَدْ شَرَطَ أَجَلًا مَجْهُولًا ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَهَا وَرُبَّمَا تَزِيدُ مُدَّةُ الْإِتْيَانِ بِهَا ، وَرُبَّمَا تَنْقُصُ فَصَارَ مُشْتَرِيًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَأَمَّا الْقَرْضُ إذَا شَرَطَ التَّسْلِيمَ ، فَقَدْ شَرَطَ التَّسْلِيمَ بِالْبَصْرَةِ ، فَصَارَ مُشْتَرِطًا فِيهِ أَجَلًا مَجْهُولًا ، كَمَا بَيَّنَّا وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ أَيْضًا مَنْفَعَةً ، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خَوْفَ الطَّرِيقِ وَخَطَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا شَرَطَ مَنْفَعَةً زَائِدَةً لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ .
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بَيْنَ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ وَمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مَئُونَةَ ، أَنَّ التَّسْلِيمَ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْصَافِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمَئُونَةٌ بِبَلَدٍ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِبَلَدٍ آخَرَ ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ ، ثُمَّ لَوْ شَرَطَ الثَّمَنَ بِصِفَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ بِصِفَةٍ أُخْرَى
لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا مَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مَئُونَةَ فَالتَّسْلِيمُ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اغْتَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مَئُونَةَ بِبَلَدٍ فَأَرَادَ رَدَّهُ بِبَلَدٍ آخَرَ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ ، وَإِذَا كَانَ تَسْلِيمُهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَفِي مَكَان آخَرَ لَا يَخْتَلِفُ اسْتَوَتْ الْأَمَاكِنُ كُلُّهَا فِيهِ ، فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ .
527 - 527 - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ ، وَقَالَ اصْرِفْهَا وَخُذْ حَقَّك مِنْهَا فَقَبَضَهَا ، فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَهَا فَإِنَّهَا تَهْلِكُ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ .
وَلَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ شَيْئًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ سَقَطَ دَيْنُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ قَالَ اصْرِفْهَا ثُمَّ خُذْ حَقَّك مِنْهَا فَصَارَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ ، كَمَا لَوْ أَجَرَ مِنْهُ عَبْدًا لَمَّا قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ مَنَافِعِهِ كَانَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْ عَيْنِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ عَيْنِهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ فَكَانَ مَضْمُونًا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي .
528 - 528 - إذَا اسْتَهْلَكَ الْإِنْسَانُ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إذَا كَانَ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا ، فَلَوْ أَجَّلَهُ فِيهِ شَهْرًا جَازَ .
وَلَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَجَّلَهُ بِهَا شَهْرًا لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَلَ الْإِنَاءِ دَيْنٌ مَضْمُونٌ يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ أَصْلًا ، وَإِذَا جَازَ الْإِبْرَاءُ جَازَ التَّأْجِيلُ ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ الطَّلَبِ لَا إلَى غَايَةٍ ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَلَأَنْ يَجُوزَ إلَى مُدَّةٍ أَوْلَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَرْضُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِهِ ، فَلَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَالْأَعْيَانِ الْمُودَعَةِ عِنْدِهِ .
529 - 529 - إذَا بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِسَيْفٍ مُحَلَّى وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ ، وَلَا يَجْعَلُ حِلْيَةَ هَذَا تُبْطِلُ ذَاكَ ، حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَوْ بَاعَ دِينَارًا وَدِرْهَمًا ، بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ ، جَعَلَ الدِّرْهَمَ بِالدِّينَارِ ، وَالدِّينَارِ بِالدِّرْهَمَيْنِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ بَيْعَ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالسَّيْفِ الْمُحَلَّى جَائِزٌ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِتَرْكِ الْقَبْضِ ، وَنَحْنُ لَا نَحْتَالُ لِانْتِفَاءِ الْعُقُودِ ، وَإِنَّمَا نَحْتَالُ لِتَصْحِيحِهَا ، وَالْعَقْدُ قَدْ صَحَّ فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَوْ لَمْ يَصْرِفْ الْجِنْسَ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ لَأَبْطَلْنَا الْعَقْدَ أَصْلًا ، وَظَاهِرُ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ ، فَمَتَى أَمْكَنَنَا أَنْ نَحْمِلَ الْعَقْدَ عَلَى جِهَةِ صِحَّةٍ حَمَلْنَا عَلَيْهِ لِيَصِحَّ الْعَقْدُ ، وَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَرَضُهُمَا .
530 - 530 - إذَا اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى عَلَى أَنَّ فِيهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَتَفَرَّقَا وَتَقَابَضَا فَإِذَا فِي السَّيْفِ مِائَتَا دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ السَّيْفَ .
وَلَوْ اشْتَرَى إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ فِيهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا فَإِذَا فِيهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْفِضَّةَ بِمِثْلِ وَزْنِهَا ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ، وَالْفَضْلُ رِبًا } فَصَارَ جَعْلُ الشَّرْعِ إيَّاهَا بِمِثْلِ وَزْنِهَا كَجَعْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَلَوْ تَعَاقَدَا وَبَاعَ مِنْهُ نِصْفَ إبْرِيقٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ صَحَّ ، كَذَا هَذَا .
وَلَوْ بَاعَ مِنْهُ نِصْفَ حِلْيَةِ سَيْفٍ لَمْ يَجُزْ ، كَذَا هَذَا .
531 - 531 - إذَا اشْتَرَى إبْرِيقَ فِضَّةٍ عَلَى أَنَّ فِيهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ ، فَوَجَدَ فِيهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ ، كَانَ كُلُّهُ لَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى نُقْرَةَ فِضَّةٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَنَّ فِيهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَوَجَدَ فِيهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي نِصْفُهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَزْنَ فِي الْإِبْرِيقِ صِفَةٌ ، وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ إفْرَادَهُ بِالْعَقْدِ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : بِعْتُك وَزْنَ مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ هَذَا الْإِبْرِيقِ لَمْ يَجُزْ ، فَقَدْ زَادَتْ صِفَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَيَجُوزُ تَمَلُّكُهُ بِهَذَا الْبَدَلِ ، فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْجَمِيعَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ ، فَوَجَدَهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا سَلَّمَ لَهُ الذِّرَاعَ الزَّائِدَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَزْنُ النُّقْرَةِ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي النُّقْرَةِ تَقْدِيرٌ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك وَزْنَ عَشْرِ دَرَاهِمَ مِنْ هَذِهِ النُّقْرَةِ جَازَ ، فَقَدْ أَرَادَ تَقْدِيرَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِمِقْدَارِهِ ، فَإِذَا وُجِدَ أَكْثَرُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَقْدُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ ، فَوَجَبَ رَدُّهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ ، فَوَجَدَهَا أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَهُ رَدُّ الْقَفِيزِ الزَّائِدِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
532 - 532 - إذَا بَاعَ قَلْبَ فِضَّةٍ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَزَنَ فَوَجَدَ وَزْنَهُ أَكْثَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ كُلَّهُ بِمِثْلِ وَزْنِهِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ وَزْنِ دَرَاهِمِهِ .
وَلَوْ تَفَرَّقَا فَوَجَدَ وَزَنَهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَيْهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَتِمَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، وَالشَّرْعُ جَعَلَ الدَّرَاهِمَ بِمِثْلِ وَزْنِهِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ فَقَدْ تُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَالشَّرِكَةُ فِي الْقَلْبِ عَيْبٌ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا إذَا تَقَابَضَا فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ بِالْقَبْضِ ، وَالْمُشْتَرِي يُفَرِّقُ الصَّفْقَةَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ فِي الصَّرْفِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ هَاهُنَا ثَبَتَ الْفَسْخُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَهُنَاكَ ثَبَتَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي .
.
ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَكَذَلِكَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ خَمْسُونَ دِينَارًا ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَقَالَ قَدْ بِعْتُك الدَّنَانِيرَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي لَك عَلَيَّ ، فَقَالَ قَدْ قَبِلْت لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَكَانَ بَاطِلًا .
وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِأَنِّي بِعْتُك عَبْدِي الَّذِي فِي مَكَانِ كَذَا بِكَذَا دِرْهَمًا فَقَبِلَ كَانَ جَائِزًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّسُولَ سَفِيرٌ وَلَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ ، وَهُمَا مُتَفَرِّقَانِ ، وَالتَّفْرِيقُ عَنْ الْمَجْلِسِ لَوْ طَرَأَ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَبْطَلَهُ ، فَإِذَا قَارَنَ الْعَقْدَ أَوْلَى فَقَدْ قَارَنَهُ مَا يُبْطِلُهُ ، فَمَنَعَ انْعِقَادَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ لِأَنَّ التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَافْتِرَاقُهُمَا مِنْ الْمَجْلِسِ لَوْ طَرَأَ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُبْطِلُهُ ، فَإِذَا قَارَنَهُ لَا يُبْطِلُهُ أَيْضًا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ هَذَا دَيْنٌ بِدِينٍ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَفِي الْبَيْعِ هُوَ عَيْنٌ بِدَيْنٍ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَقَابُضٌ .
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا إنَّهُ لَوْ نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ : بِأَنِّي بِعْتُك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَيْك ، بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي لَك عَلَيَّ ، لَمْ يَجُزْ ، وَلَوْ نَادَاهُ : بِأَنِّي بِعْتُكَ عَبْدِي فُلَانًا بِالدَّيْنِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ ، جَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى كَذَلِكَ هَذَا .
534 - 534 - إذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَامَا يَمْشِيَانِ وَلَمْ يَتَقَابَضَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ ، وَلَهُمَا أَنْ يَتَقَابَضَا .
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ لَوْ قَالَ الْأَبُ : اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْتُ هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، ثُمَّ فَارَقَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يَزِنَ الْعَشَرَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ ، فَمُفَارَقَتُهُ إبْطَالُ الْعَقْدِ فِي الْأَبِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ .
وَالْفَرْقُ فِي الْعَاقِدَيْنِ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ بِالتَّفَرُّقِ بِالْبَدَنِ وَالتَّقَابُضِ ، لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْمُفَارَقَةُ بَيْنَهُمَا فَعَلَّقْنَاهُ بِهِ فَإِذَا مَشَيَا لَمْ يُوجَدْ التَّفَرُّقُ بِالْبَدَنِ فَلَمْ يَبْطُلْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَبُ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْقَبْضِ بِالِافْتِرَاقِ ، لِأَنَّهُ شَخْصٌ وَاحِدٌ ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْمُفَارَقَةُ ، فَاعْتُبِرَ الْمُفَارَقَةُ عَنْ الْمَجْلِسِ إذْ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ لَأَدَّى إلَى أَلَّا يَبْطُلَ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْأَبُ لِلِابْنِ قَطُّ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَإِذَا مَشَى الْأَبُ فَقَدْ فَارَقَ الْمَجْلِسَ فَبَطَلَ .
535 - 535 - إذَا بَاعَ قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَثَوْبًا بِعَشْرَيْنِ دِرْهَمًا ، فَنَقَدَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، وَقَالَ نِصْفُهَا ثَمَنُ الْقَلْبِ ، وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ ثُمَّ تَفَارَقَا ، وَقَدْ قَبَضَ الثَّوْبَ وَالْقَلْبَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْقَلْبِ .
وَلَوْ قَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِهِمَا جَمِيعًا ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ خَاصَّةً ، وَيَجُوزُ الْعَقْدُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ هُوَ مِنْ ثَمَنِهِمَا فَهُوَ تَفْسِيرُ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَتَفْسِيرُ مُوجَبِ الْعَقْدِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ ، فَصَارَ وُجُودُ هَذَا الْقَوْلِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً .
وَلَوْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ ثَمَنِهِمَا كَانَ مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ ، لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الْقَلْبِ يُسْتَحَقُّ فِي الْمَجْلِسِ ، فَانْصَرَفَ الْمَقْبُوضُ إلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ مُوجِبٍ لِلْعَقْدِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ بِإِزَاءِ نِصْفِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَقْسُومًا عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَفْسِيرًا مُوجِبًا لِلْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلْ تَفْصِيلُهُ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ بِتَفْسِيرِهِ فَصَارَ نِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ فَإِذَا افْتَرَقَا فَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِ الْقَلْبِ ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ وَجَازَ فِيمَا قُبِضَ .
536 - 536 - وَإِذَا بَاعَ سَيْفًا وَنَقَدَ بَعْضَ الثَّمَنِ ، فَقَالَ : نِصْفُ هَذَا الثَّمَنِ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ وَتَفَرَّقَا لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ .
وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا مَضَى مِنْ الْقَلْبِ وَالثَّوْبِ ، إذْ قَالَ نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ فِي نِصْفِ الْقَلْبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَلْبَ وَالثَّوْبَ عَيْنَانِ يَنْفَصِلَانِ ، وَيُمْكِنُ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَنْفَصِلَا فِي الْعَقْدِ جَازَ أَنْ يَنْفَصِلَا فِي الْقَضَاءِ وَإِذَا انْفَصَلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ فَقَدْ قَضَى نِصْفَ ثَمَنِ الْقَلْبِ وَلَمْ يَقْبِضْ النِّصْفَ ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ فِي النِّصْفِ ، وَجَازَ فِي النِّصْفِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي السَّيْفِ وَالْحِلْيَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَصِلَانِ فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ أَحَدَهُمَا بِالْعَقْدِ لَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ يَنْفَصِلَا فِي الْعَقْدِ لَمْ يَنْفَصِلَا فِي الْقَضَاءِ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَطْلَقَ وَقَالَ هُوَ مِنْ ثَمَنِهِمَا جَمِيعًا ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُ الْمَقْبُوضِ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
537 - 537 - إذَا بَاعَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ .
وَلَوْ بَاعَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ يَثْبُتُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ إنْ عُيِّنَا ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَرَجَعَ بِمِثْلِهِ ، فَلَا يَسْتَدْرِكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ .
وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ إذَا عُيِّنَا ، فَلَوْ قُلْنَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا يَسْتَدْرِكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا بِإِزَائِهِ لَا بِمِثْلِهِ ، فَلَهُ فِي الرَّدِّ فَائِدَةٌ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ .
لِهَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْمَهْرِ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمَهْرِ ، وَالْعَيْنُ أَعْدَلُ مِنْهَا ، فَلَا يَسْتَدْرِكُ بِالرَّدِّ بَدَلًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
538 - 538 - ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ : إذَا اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةٍ ، وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، وَتَقَابَضَا وَتَفَرَّقَا ، ثُمَّ زَادَهُ دِينَارًا جَازَ ، وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ بِإِزَاءِ النَّصْلِ وَالْجَفْنِ .
وَلَوْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةٍ ، وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، أَوْ بِدَهٍ يازده فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَلَا يُجْعَلُ الرِّبْحُ بِإِزَاءِ الْجَفْنِ ، لِيَصِحَّ الْعَقْدُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْحَقُ الْعَقْدَ ، فَيَصِيرُ كَالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ بَاعَهُ السَّيْفَ الْمُحَلَّى ابْتِدَاءً بِالنَّصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَازَ ، كَذَلِكَ إذَا أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الزِّيَادَةَ مُرَابَحَةً عَلَى جَمِيعِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، فَلَوْ أَلْحَقْنَا الرِّبْحَ بِالسَّيْفِ وَحْدَهُ لَصَارَ بَعْضُ الْعَقْدِ مُرَابَحَةً ، وَبَعْضُهُ تَوْلِيَةً ، فَلَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي التَّوْلِيَةِ ، فَاسْتَحَالَ إلْزَامُهَا .
539 - 539 - إذَا اشْتَرَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ ، وَقَبَضَ الدَّنَانِيرَ فَبَاعَهَا مِنْ آخَرَ ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ ، ثُمَّ إنَّ الْآخَرَ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَى الْأَوْسَطِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَقَبِلَهُ ، فَلِلْأَوْسَطِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْأَوَّلِ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الدَّنَانِيرِ عُرُوضًا فَقَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى مِثْلِهَا فِي الذِّمَّةِ ، ثُمَّ يَصِيرُ الْمَقْبُوضُ قَضَاءً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَنْفَسِخُ الصَّرْفُ بَيْنَهُمَا ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْعِوَضَ بِالْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا مَلَكَ بِالْقَبْضِ ، فَإِذَا رَدَّ انْفَسَخَ الْقَبْضُ بِالرَّدِّ فَعَادَتْ إلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ ، فَكَانَ لِمَنْ عَادَتْ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُرُوض لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، فَيَمْلِكُ عَيْنَهَا بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَقَعَ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَاضِي ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ الْمَانِعُ مِنْ الرَّدِّ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا إنَّهُ لَا تُرَدُّ الْعُرُوض بِالْعَيْبِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ بِرِضًا ، وَتُرَدُّ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الشُّفْعَةِ 540 - إذَا كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا الشُّفْعَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَوْ يَدَعَهَا .
وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا وَلِيُّ أَحَدِهِمَا لَمْ يَبْقَ لِلْآخَرِ ( ) إلَّا نِصْفُ الرَّقَبَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ وَجَبَ لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ عَنْ دَمِ الْمَقْتُولَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا وَامْرَأَةً وَعَبْدًا ، ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي رَقَبَتِهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ ، فَصَارَتْ الرَّقَبَةُ مُسْتَحَقَّةً عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ عَنْ حَقِّهِ ، وَمَا يُمْلَكُ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ عَنْ مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ بِكَمَالِهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا لَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ جَمِيعَهُ ، فَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الْجَمِيعِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِي نِصْفِهِ ، فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ وَأُسْقِطَ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي نِصْفِهِ .
وَأَمَّا فِي الشُّفْعَةِ فَلَا يَأْخُذُ الدَّارَ بَدَلًا عَنْ حَقٍّ لَهُ ، وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ بِسَبَبٍ يُسْتَحَقُّ بِهَا الْحَقُّ ، فَأَشْبَهَتْ الْبُنُوَّةَ وَالْأُخُوَّةَ ، ثُمَّ كُلُّ ابْنٍ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ ، وَيَرُدُّ إلَى النِّصْفِ لِلْمُزَاحَمَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ دَمُ الْعَمْدِ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ قَتْلُ الْعَمْدِ أَخْذَ الرَّقَبَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِوَضِ ، لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الدَّمِ كَانَ لِلْآخَرِ أَلَّا يَقْتُلَهُ بِخِلَافِ الْخَطَأِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُهَا إيَّاهُ بِأَلْفٍ وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَنَقَدْتُهُ الثَّمَنَ ، لَمْ يَأْخُذْهَا الشَّفِيعُ إلَّا بِأَلْفٍ .
وَلَوْ قَالَ بِعْتهَا إيَّاهُ وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا قَالَ بِعْتهَا بِأَلْفٍ وَاسْتَوْفَيْت ، فَقَدْ بَيَّنَ مِقْدَارَ الثَّمَنِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ ، وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ ، فَقَدْ بَيَّنَ الثَّمَنَ فِي وَقْتٍ يُرْجَعُ فِي بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ صَارَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِهَا .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إذَا قَالَ : بِعْت وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفٌ ، فَقَدْ بَيَّنَ مِقْدَارَ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُرْجَعُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ إلَى قَوْلِ الْبَائِعِ ، فَقَدْ بَيَّنَ الثَّمَنَ فِي وَقْتٍ لَا يُرْجَعُ فِي بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ فَاسْتَوَى وُجُودُ قَوْلِهِ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هُوَ شَيْئًا ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفَيْنِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
542 - 542 - الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الدَّارَ مِنْ آخَرَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَيَنْقُضَ الْبَيْعَ الثَّانِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ إذَا بَاعَ الْمَوْهُوبَ مِنْ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ نَقْضُ الْبَيْعِ لِلرُّجُوعِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ نَقْضُ بَيْعِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ الْوَاهِبَ سَلَّطَ الْمُشْتَرِيَ وَالْمَوْهُوبَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ ، فَتَصَرُّفُهُمَا وَقَعَ بِتَسْلِيطِهِ وَإِذْنِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا نَقْضُهُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا .
وَفِي الشُّفْعَةِ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِتَسْلِيطِ الشَّفِيعِ وَأَمْرِهِ ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حَقِّهِ ، فَإِذَا بَاعَهُ فَقَدْ عَقَدَ عَلَى حَقِّهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِهِ ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِهِ كَانَ لَهُ إبْطَالُهُ ، مِثْلَ أَنْ اسْتَحَقَّهُ ، كَذَلِكَ إذَا عَقَدَ عَلَى حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَإِبْطَالُ تَصَرُّفِهِ .
543 - 543 - وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ شِرَاءُ نِصْفِ الدَّارِ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَهَا كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ .
وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ كُلِّ الدَّارِ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ كَانَ تَسْلِيمُهُ جَائِزًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ عَيْبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهَا ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيُقِلُّ رَغَائِبَ النَّاسِ فِيهِ ، فَقَدْ سَلَّمَ مَعَ الْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ تَسْلِيمًا مَعَ عَدَمِ الْعَيْبِ ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ ، لِأَنَّ التَّبْعِيضَ عَيْبٌ كَمَا ذَكَرْنَا ، فَقَدْ سَلَّمَ مَعَ عَدَمِ الْعَيْبِ ، فَكَانَ تَسْلِيمًا مَعَ وُجُودِهِ ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ ، كَذَا هَذَا ، وَلِأَنَّ النِّصْفَ دَاخِلٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَتَسْلِيمُهُ الْجَمِيعَ تَسْلِيمٌ لِهَذَا النِّصْفِ الَّذِي بِيعَ ، وَلَيْسَ الْأَوَّلُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى النِّصْفِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ عَلَى الْجَمِيعِ ، فَلَا يَكُونُ بِتَسْلِيمِ النِّصْفِ تَسْلِيمٌ لِلْجَمِيعِ .
544 - 544 - إذَا اشْتَرَى دَارًا فَغَرِقَ بِنَاؤُهَا وَانْهَدَمَ ، لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَلَوْ غَرِقَ بَعْضُ الْأَرْضِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبِنَاءَ صِفَةٌ لِلدَّارِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِمُطْلَقِ الْعَقْدِ عَلَى الدَّارِ ، وَفَوْتُ الصِّفَةِ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ خِيَارًا ، وَلَا يُوجِبُ غُرْمًا ، كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ .
وَأَمَّا بَعْضُ الْأَرْضِ فَلَيْسَ يَتْبَعُ لِلْبَعْضِ وَلَا هُوَ صِفَةٌ لَهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ ، وَفَوْتُ نِصْفِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَفَاتِ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْبَائِعِ ، وَإِذَا فَاتَ بَعْضُ الثَّمَنِ أَخَذَهُ بِالْبَاقِي .
545 - 545 - لَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَاعَهُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِالشُّفْعَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ الْتَزَمَ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ يُنَاقِضُ مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ ، لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ اسْتَوْجَبَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ وَبِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ يَتَمَلَّكُهُ ، وَيَسْتَوْجِبُهُ أَيْضًا ، فَلَمْ يُنَاقِضْ مَا أَوْجَبَهُ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى بِالشُّفْعَةِ ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَاعَ بِالشُّفْعَةِ .
546 - 546 - إذَا بَاعَ الْمَوْلَى دَارًا وَعَبْدُهُ الْمَدْيُونُ شَفِيعُهَا ، فَشَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى أَنَّ الْعَبْدَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي ، وَالدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ .
وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَيْنِ لِلدَّارِ شَهِدَا بِأَنَّ الشَّفِيعَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي ، فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ ، وَلَا تُقْبَلُ ، لِأَنَّهُ يُتَمِّمُ مَا أَوْجَبَ لِلْمُشْتَرِي بِعَقْدٍ ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنَيْ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ كَانَ يُتَمِّمُ مَا أَوْجَبَهُ أَبُوهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي فَهُمَا يُصَحِّحَانِ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا نَفْعٌ فِيهِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا ، لِأَنَّهُمَا يَحْكِيَانِ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِابْنَانِ ، لِأَنَّهُمَا لَا يُتَمِّمَانِ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا ، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ جَرِّ النَّفْعِ إلَى أَبِيهِمَا ، وَلَا يَقَعُ لِأَبِيهِمَا نَفْعٌ فِي تَسْلِيمٍ لِلْمُشْتَرِي ، فَخَلَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ جَرِّ نَفْعٍ إلَى أَبِيهِمَا ، وَعَنْ حِكَايَةِ فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا ، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا كَالْأَجَانِبِ .
وَلِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ خَصْمًا فِيهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَصَارَ شَاهِدًا عَلَى مَا كَانَ خَصْمًا فِيهِ ، فَلَمْ يُقْبَلْ ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَكِيلِ إذَا عُزِلَ ثُمَّ شَهِدَ ، وَالِابْنُ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيهِ قَطُّ وَلَا مَنْفَعَةَ لِلْأَبِ فِيهِ ، فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ .
547 - 547 - إذَا قَالَ قَدْ أَوْصَيْت بِدَارِي بَيْعًا لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَاتَ الْمُوصِي ، فَقَالَ فُلَانٌ قَدْ قَبِلْت فَالْبَيْعُ لَازِمٌ ، وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ .
وَلَوْ قَالَ بِعْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ ، فَقَالَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ قَدْ قَبِلْت لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ، وَلَا تَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ .
وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ قَالَ : يَحْتَاجُ إلَى بَيْعٍ جَدِيدٍ مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ ، فَالْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا .
وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ إنَّهُ جَعَلَ الْبَيْعَ تَبَعًا لِلْوَصِيَّةِ وَجَعَلَهُ فِي ضِمْنِهَا ، وَأَضَافَهُ لِلْوَصِيِّ ، إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَإِضَافَةُ الْوَصِيَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ جَائِزٌ ، وَجُعِلَ كَالْمُوجِبِ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ، كَذَلِكَ مَا هُوَ فِي ضِمْنِهِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخَلَ الشَّيْءُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ تَبَعًا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ قُلْنَا فِي ضَمَانِ الْمَجْهُولِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ تَبَعًا ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَإِذَا قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ مَلَكَ الدَّارَ بِعِوَضٍ ، فَوَجَبَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ الدَّارَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ لَهُ الدَّارَ فَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ ، ثُمَّ قَبِلَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ ، فَبَطَلَ بِالتَّفَرُّقِ ، وَصَارَ يَقْبَلُ بَعْدَ بُطْلَانِهِ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ ، وَلَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ .
548 - 548 - إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ دَارَيْنِ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلْفًا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِ أَحَدِهِمَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُضَارِبِ نَفْسِهِ فِيهَا .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا وَاحِدَةً بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَلِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بِيعَ بِجَانِبِهَا بِالْعَقْدِ لِنَفْسِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى دَارَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُسَاوِي أَلْفًا فَلَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا فِي الدَّارَيْنِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّارَيْنِ مَشْغُولَةٌ بِجَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْغَلَ الْأَلْفُ الْوَاحِدِ مِنْ الْمَحَلَّيْنِ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِهِ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكَفَلَ بِهِ كَفِيلٌ .
فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْكَفِيلِ فِي مِقْدَارِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ ، وَالْأَلْفُ أَلْفٌ وَاحِدٌ وَشَغْلُ الْمَحَلَّيْنِ مِنْ وَاحِدٍ إلْغَاءٌ ، كَذَلِكَ هَاهُنَا صَارَتْ كُلُّ دَارٍ مَشْغُولَةً بِرَأْسِ الْمَالِ ، فَلَمْ يَظْهَرْ الرِّبْحُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ فِيهِمَا الشُّفْعَةَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّارُ الْوَاحِدَةُ ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلٌّ وَاحِدٌ ، فَلَا يَشْتَغِلُ الْمَالُ الْوَاحِدُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِهِ ، فَصَارَ الْأَلْفُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَظَهَرَ أَلْفٌ رِبْحٌ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ نِصْفَهُ ، فَصَارَ جَائِزًا ، فَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ .
549 - 549 - إذَا طَلَبَ وَكِيلُ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : إنَّ الشَّفِيعَ قَدْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، وَأَرَادَ يَمِينَهٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ : سَلِّمْ الدَّارَ إلَى الْوَكِيلِ ، ثُمَّ انْطَلِقْ وَاطْلُبْ يَمِينَ الشَّفِيعِ ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الدَّيْنِ وَقَبْضِهِ إذَا طَلَبَ الْمَالَ مِنْ الْغَرِيمِ ، قَالَ الْغَرِيمُ : إنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأَنِي وَقَبَضَ الدَّيْنَ مِنِّي ، وَأَرَادَ يَمِينَهٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ : سَلِّمْ الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ انْطَلِقْ وَاطْلُبْ يَمِينَ الْمُوَكِّلِ .
وَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ فَقَالَ الْبَائِعُ : إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ مُوَكِّلُك قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ ، فَلَا أَقْبَلُ حَتَّى يَحْلِفَ ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالرَّدِّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ وَيَحْلِفَ ، ثُمَّ يُرَدَّ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ عَقْدُ الْبَيْعِ ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ ، وَلَمْ يُعْلَمْ التَّسْلِيمُ ، فَقَدْ وَجَبَ حَقُّ الْقَبْضِ لِلشَّفِيعِ حَالًّا ، وَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْحَلِفِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مُؤَجَّلًا ، وَهُوَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ الْمُعَجَّلُ لِحَقِّهِ الْمُؤَجَّلِ ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُعَجَّلٌ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ الْمُعَجَّلُ بِالْمُؤَجَّلِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ سَبَبُ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الدَّيْنِ قَدْ ظَهَرَ وَهُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِمَعْنًى آخَرَ ، وَلَمْ يُعْلَمْ كَمَا بَيَّنَّا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَوْنُهُ جَاهِلًا بِالْعَيْبِ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يُعْلَمْ ، فَسَبَبُ وُجُوبِ الرَّدِّ لَمْ يَظْهَرْ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالرَّدِّ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ مَا لَمْ يَحِلَّ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ حَقٌّ فِي الْقَبْضِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
550 - 550 - وَإِذَا كَانَ الدَّرْبُ غَيْرَ نَافِذٍ وَفِي أَقْصَاهُ مَسْجِدُ خُطَّةٍ ، بَابُ الْمَسْجِدِ فِي الدَّرْبِ فِي ظَهْرِ الْمَسْجِدِ ، وَجَانِبُهُ الْآخَرُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ ، فَبَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ دَارِهِ ، فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ إلَّا لِمَنْ يُجَاوِرَهَا بِالْجِدَارِ ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ النَّافِذِ .
وَلَوْ كَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ دُورٌ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ ، كَانَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْآنَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ نَافِذٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَطَّ الْإِمَامُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ ، فَجُعِلَ كَأَنَّهُ تَرَكَ الْمَحَلَّ فَضَاءً ، وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ فَضَاءً كَانَ شَارِعًا ، فَلَا يَجِبُ لَهُمْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ حَوْلَهُ دُورٌ ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَوْلَهُ دُورٌ صَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ فَضَاءً وَحَوْلَهُ دُورٌ ، فَلَا يَكُونُ شَارِعًا ، فَوَجَبَتْ لَهُمْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِلْكًا ثُمَّ اخْتَطَّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مِلْكًا وَجَبَتْ لَهُمْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ، فَإِذَا أَعَادَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا لَمْ تَبْطُلْ شَرِكَتُهُمْ ، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا بِالشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ .
551 - 551 - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحَهُ عَلَى دَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الدَّارَ عَلَى الْمُصَالَحِ ، وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ فِيهَا .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا مِنْهُ بِحَقٍّ يَدَّعِيه عَلَيْهِ وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ رَدُّ الدَّارِ عَلَيْهِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ لَيْسَ بِعَقْدِ ضَمَانٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جَازَ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ وَجَبَ رَدُّ الدَّارِ إلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ بِالدَّارِ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ ضَمَانٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ ، فَانْعَقَدَ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ ، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَصِرْ قِصَاصًا فَبَقِيَ عَقْدُ شِرَاءٍ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، فَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ ، إلَّا أَنَّ تَصَادُقَهُمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَجُوزُ فِي حَقِّهِمَا ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ، فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ ، وَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ .
552 - 552 - إذَا صَالَحَ مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ .
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى مَالِ لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ فَقَدْ آثَرَ غَيْرَ الشُّفْعَةِ عَلَى الشُّفْعَةِ ، فَكَانَ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ يَهَبَهُ .
وَأَمَّا فِي بَابِ الْكَفَالَةِ فَقَدْ آثَرَ غَيْرَ الْكَفَالَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ ، وَإِيثَارُ غَيْرِ الْكَفَالَةِ لَا يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ ، كَمَا لَوْ طَلَبَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا آخَرَ ، أَوْ يَبِيعَ بِدَيْنِهِ شَيْئًا .
553 - 553 - إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعَانِ فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا فَصَالَحَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ الدَّارِ وَيُسَلِّمَ لَهُ النِّصْفَ ، ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ الْآخَرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ ، فَيُسَلِّمَ أَوْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ ، وَيَصِيرُ أَخْذُهُ نِصْفَ الدَّارِ شِرَاءً جَدِيدًا ، وَصَارَ مُسَلِّمًا الشُّفْعَةَ فِي الْجَمِيعِ .
وَلَوْ أَخَذَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ جَمِيعَ الدَّارِ ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ الْآخَرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْ يَدِهِ ، وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَبْعِيضَ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ تَبْعِيضُ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ يُسَلِّمَ الْجَمِيعَ ، فَلَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ لِلنِّصْفِ أَخْذًا عَلَى الشُّفْعَةِ ، فَصَارَ ابْتِدَاءَ عَقْدٍ جَرَى بَيْنَهُمَا ، فَكَأَنَّ أَحَدَ الشَّفِيعَيْنِ اشْتَرَى نِصْفَ الدَّارِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيهَا ، فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَهُوَ شَفِيعٌ لِمَا اشْتَرَى فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَ نِصْفَهُ ، وَلِلشَّفِيعِ الْغَائِبِ نِصْفُهُ ، وَالنِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي صَارَ الْأَوَّلُ مُسَلَّمًا لِلشُّفْعَةِ فَأَخَذَهُ الثَّانِي .
وَأَمَّا إذَا أَخَذَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الْجَمِيعَ ، ثُمَّ أَخَذَهُ الثَّانِي مِنْهُ فَالتَّبْعِيضُ عَلَى الشَّفِيعِ مِنْ مُوجَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الدَّارِ ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ ، وَإِذَا كَانَ التَّبْعِيضُ مِنْ مُوجَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ كَانَ أَخْذُهُ نِصْفَ الدَّارِ أَخْذًا عَلَى الشُّفْعَةِ ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ ابْتِدَاءَ عَقْدٍ ، فَلَمْ يَصِرْ مُسَلِّمًا الشُّفْعَةَ فَكَانَ لِأَحَدِهِمَا النِّصْفُ ، وَلِلْآخَرِ النِّصْفُ .
554 - 554 - إذَا بَاعَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْ رَجُلٍ فَجَاءَ جَارُ الدَّارِ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ قَاسَمَ شَرِيكَهُ فِي الدَّارِ ثُمَّ حَضَرَ شَفِيعٌ بِطَرِيقٍ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ قِسْمَتَهُ .
وَلَوْ أَنَّ دَارًا بِيعَتْ وَلَهَا شَفِيعَانِ فَأَخَذَاهَا بِالشُّفْعَةِ وَاقْتَسَمَاهَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ الثَّالِثُ ، كَانَ لِلثَّالِثِ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالْقِسْمَةِ ، وَلِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ ، وَتَعَيُّنُ الْمَبِيعِ حَقُّ الْعَقْدِ ، وَمَا كَانَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَتَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ ، كَمَا قُلْنَا فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قِسْمَةُ الشَّفِيعَيْنِ ، لِأَنَّ تِلْكَ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَاقَدَا عَقْدًا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مُوجَبِ مِلْكِهِمَا ، وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ مُوجَبِ الْبَيْعِ فَإِذَا تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْبَائِعِ نَقْضُهُ كَبَيْعٍ آخَرَ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ نُعِيدُهَا ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ ثَانِيًا فَتَقَعُ تِلْكَ الْقِطْعَةُ فِي حِصَّتِهِ ، وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ مِنْ حَيْثُ يُنْقَضُ يُعَادُ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الشَّفِيعَيْنِ لِأَنَّا مِنْ حَيْثُ تُنْقَضُ تِلْكَ الْقِسْمَةُ لَا نُعِيدُهَا لِأَنَّا نَحْتَاجُ أَنْ نُفَرِّقَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ، فَلَا نُعِيدُ تِلْكَ الْقِسْمَةَ فَكَانَ فِي نَقْضِهَا فَائِدَةٌ فَجَازَ أَنْ يُنْقَضَ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّا مِنْ حَيْثُ نَنْقُضُ الْقِسْمَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ، لَا نُلْحِقُ ضَرَرًا بِالشَّفِيعِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ حَقِّهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ ، فَجَازَ أَنْ لَا يُنْقَضَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى ، لِأَنَّ تَرْكَ نَقْضِ الْقِسْمَةِ يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ ضَرَرٍ بِالشَّفِيعِ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ فِي
مَحَلٍّ آخَرَ فَتُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِهِ جَازَ أَلَّا يَتْرُكَ الْقِسْمَةَ وَتُنْقَضُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الضَّرَرِ .
555 - 555 - إذَا بَاعَ دَارًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَهِيَ قِيمَتُهَا ، وَوَارِثُ الْبَائِعُ شَفِيعُهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ مَرِضَ الْبَائِعُ فَحَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ مَاتَ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ ، فَالْحَطُّ بَاطِلٌ عَنْ الْمُشْتَرِي .
وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَلَّى الْبَيْعَ وَارِثَ الْبَائِعُ ، أَوْ بَاعَهَا مُرَابَحَةً مِنْهُ ، ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ فِي مَرَضِهِ أَلْفًا عَنْ الْمُشْتَرِي جَازَ حَطُّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَدَلَّ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ فَصَارَ أَخْذُ الشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ ، وَحَطُّهُ يَلْحَقُ عَقْدَهُ فَكَأَنَّ الْبَائِعَ أَوْجَبَهُ لِوَارِثِهِ ، فَكَانَتْ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ ، فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ لِأَنَّ الَّذِي وَلَّاهُ الْمُشْتَرِي لَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً ، وَالْبَالِغُ بِالْحَطِّ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَوْجَبَ الْمُرَابَحَةَ وَالْمَوْلَى ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ مُوجِبًا الْحَقَّ لِوَارِثِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ ، فَجَازَ حَطُّهُ .
556 - 556 - وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ فَتَسْلِيمُهُ جَائِزٌ .
وَلَوْ سَاوَمَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالشِّرَاءِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ صَرِيحًا إسْقَاطُ الْحَقِّ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ ، كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْإِعْرَاضِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دَلِيلَ الْإِعْرَاض فَلَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ .
557 - 557 - إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ ، ثُمَّ إنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ ، فَإِنَّ تِلْكَ الْقِيمَةَ لِلْبَائِعِ ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الدَّارِ .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا بِحِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَقَبَضَ الدَّارَ ثُمَّ وَلَّى الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ رَجُلًا آخَرَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ تَلِفَتْ الْحِنْطَةُ ، قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَإِنَّ الْبَائِعَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الثَّمَنَ ، ذَلِكَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الشَّفِيعِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الدَّارِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ ، وَبِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا ، وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِهِ فَقَدْ وُجِدَ الرِّضَا مِنْ الْبَائِعِ بِتَمْلِيكِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ دَارِهِ فَبَاعَهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ لَا غَيْرُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، لِأَنَّ الْمَوْلَى لَهُ الْبَيْعُ لَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْمُشْتَرِي ، بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا ، فَلَمْ يُوجِبْ الْبَائِعَ بِتَمْلِيكِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ ذَلِكَ الثَّمَنَ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا رَضِيَ بِهِ ثَمَنًا ، وَهُوَ الْحِنْطَةُ ، لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْحِنْطَةِ ، وَعَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّ مَا بِإِزَائِهِ ، وَهُوَ الدَّارُ الْمَبِيعَةُ ، وَلَا يَقْدِرُ ، لِأَخْذِ الشَّفِيعِ إيَّاهَا ، فَغَرِمَ قِيمَتَهَا كَالْغَاصِبِ .
558 - 558 - إذَا أُخْبِرَ الشَّفِيعُ بِأَنَّ الثَّمَنَ كُرُّ حِنْطَةٍ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ كُرُّ شَعِيرٍ ، قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الْحِنْطَةِ ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ .
وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ مِائَةُ دِينَارٍ وَقِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ .
وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ أَوْ ثِيَابٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، فَإِذَا الثَّمَنُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ الثِّيَابِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحِنْطَةَ لَهُ مِثْلُ جِنْسِهَا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِمِثْلِهَا ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ حِنْطَةٌ فَسَلَّمَ بِهِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ شَعِيرٌ فَلَمْ يُسَلِّمْ الشُّفْعَةَ بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ ، لِأَنَّ الرَّغَائِبَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ مِقْدَارُ الثَّمَنِ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ عِنْدَهُ جِنْسٌ فَرَغِبَ فِي أَخْذِ الدَّارِ ، وَلَا يَرْغَبُ فِي أَخْذِهَا لِعَدَمِ جِنْسِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ خَمْسُمِائَةٍ ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ دَرَاهِمُ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ دَنَانِيرُ فَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، لِأَنَّهُمَا ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ ، وَيَسْهُلُ نَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى صَاحِبِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَدْ سَلَّمَ فِيمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ .
وَأَمَّا إذَا أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا كَانَ مَا أُخْبِرَ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ مِثْلَ قِيمَتِهِ ، فَقَدْ
سَلَّمَ لَهُ الشُّفْعَةَ بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَمْ يُسَلِّمْ الشُّفْعَةَ بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ ، فَبَقِيَتْ شُفْعَتُهُ ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ خَمْسُمِائَةٍ .
559 - 559 - إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَتَحَالَفَانِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فِي الثَّمَنِ يَحْلِفَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَمْ يَمْلِكْهُ بِعَقْدٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي ، وَلَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدُ ، وَالتَّحَالُفُ لِدَفْعِ مِلْكٍ حَاصِلٍ بِالْعَقْدِ اخْتَلَفَا فِي بَدَلِهِ كَالْبَيْعِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَتَحَالَفَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ حَصَلَ لِلْآخَرِ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ ، وَاخْتَلَفَا فِي بَدَلِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَتَحَالَفَا لِرَفْعِ ذَلِكَ الْمِلْكِ ، كَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ .
كِتَابُ الْقِسْمَةِ 560 - إذَا حَضَرَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مِيرَاثٌ لَنَا وَلِفُلَانٍ الْغَائِبِ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا ، وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ ، وَيُوَكِّلُ وَكِيلًا لِحِفْظِهِ .
وَلَوْ ادَّعَيَا شِرَاءً أَوْ مِلْكًا مُطْلَقًا ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ ، وَلَهُمَا شَرِيكٌ ثَالِثٌ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّرِكَةَ مُبَقَّاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ ، وَتُنَفَّذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ ، فَلَهُ أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ الْخَصْمَ ، وَيَقْضِيَ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
فَإِذَا سَمِعَ الْبَيِّنَةَ مِنْهُمَا فَقَدْ جَعَلَ الْحَاضِرِينَ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ حَاضِرًا فَصَحَّتْ الْقِسْمَةُ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَى الْغَائِبِ ، وَلَا عَلَى الْحَاضِرِينَ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا ، فَلَوْ قَسَمَ لَكَانَتْ قِسْمَتُهُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ ، فَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
561 - 561 - فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ ، وَلَيْسَ فِي الْوَرَثَةِ إلَّا صَغِيرٌ وَوَارِثٌ كَبِيرٌ غَائِبٌ ، فَأَقَامَ الْوَاحِدُ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُ بِبَيِّنَتِهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ .
وَإِنْ حَضَرَ اثْنَانِ ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ ، وَالثَّالِثُ غَائِبٌ قَسَمَهَا بَيْنَهُمَا ، وَيَعُودُ قَسْمُهُ عَلَى الْغَائِبِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ حَاضِرٌ كَبِيرٌ وَوَارِثٌ صَغِيرٌ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ لِلصَّغِيرِ قَيِّمًا وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُقْسَمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى مِيرَاثٍ عَنْ الْمَيِّتِ ، وَالْبَيِّنَةُ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِخَصْمٍ وَإِنْكَارٍ ، فَإِذَا حَضَرَ وَاحِدٌ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ ، فَلَا يُقْسَمُ ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِغَيْرِ الْبَيِّنَةِ ، إلَّا أَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْمُنَاقَلَةِ فِيهَا ، فَصَارَ كَالْبَيْعِ ، وَالْبَيْعُ يَتِمُّ بِاثْنَيْنِ ، وَلَا يَتِمُّ بِوَاحِدٍ ( 38 ) كَذَلِكَ الْقِسْمَةُ .
وَأَمَّا إذَا حَضَرَ اثْنَانِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مِنْ حُضُورِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَسُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ وَوُجِدَ مُوجِبٌ وَقَابِلٌ لِلْإِيجَابِ فَيَتِمُّ الْعَقْدُ بِهِمَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ فَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَهُ أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ فَيُنَصِّبَ خَصْمًا فَيَكُونَ قَضَاءً عَلَى خَصْمٍ ، فَكَأَنَّهُمَا كَبِيرَانِ حَضَرَا وَأَقَامَا بَيِّنَةً فَقُبِلَتْ .
إذَا كَانَ بَيْتٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا قَلِيلًا يَنْتَفِعُ بِهِ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ قَسَمَهُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى صَاحِبِ الْأَقَلِّ .
وَلَوْ أَنَّ طَرِيقًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَنَصِيبُ أَحَدِهِمَا لَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَهُ وَحْدَهُ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ صَاحِبَ الْأَقَلِّ فِي الْبَيْتِ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ ، لِأَنَّ نَصِيبَهُ وَحْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ ، فَلَوْ بَقِيَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا لَبَقَّيْنَاهُ يَنْفَعُ صَاحِبَ الْأَقَلِّ بِمِلْكِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّرِيقُ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ بِحَقٍّ يَسِيرٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ لَهُ ، وَيَسْتَطْرِقُ مِلْكَ غَيْرِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ ، فَلَأَنْ يَجُوزَ ثُبُوتُهُ مَعَ مِلْكِ حَقِّ الْأَرْضِ أَوْلَى وَأَحَقُّ ، وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ بِنَصِيبِهِ الْقَلِيلِ فَإِذَا قَسَمَ ( 3 ) لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِطْرَاقُ فَيَصِلُ إلَيْهِ حَقُّهُ مِنْ الْأَرْضِ وَيُفَوَّتُ عَلَيْهِ حَقُّ الِاسْتِطْرَاقِ ، وَتَفْوِيتُ حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ ، فَلَمْ تَجُزْ قِسْمَتُهُ .
563 - 563 - إذَا وَقَعَ حَائِطٌ بَيْنَ قِسْمَيْنِ ، وَذَلِكَ الْحَائِطُ لِأَحَدِهِمَا وَعَلَيْهِ جُذُوعٌ لِآخَرَ ، وَلَمْ يَذْكُرَا فِي الْقِسْمَةِ تَرْكَهَا وَلَا رَفْعَهَا ، فَإِنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْجُذُوعُ عَنْ الْحَائِطِ .
وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ مَسِيلَ مَاءٍ عَلَى سَطْحِ الْآخَرِ وَيُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَلَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ ، أُمِرَ بِتَحْوِيلِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْوِيلُهُ ، بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ ، وَاسْتَأْنَفَا قِسْمَةً أُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَضْمَنُ سَلَامَةَ مَا هُوَ سَقْفٌ ، وَجُذُوعٌ لِشَرِيكِهِ وَالْجِذْعُ يُسَمَّى جِذْعًا مَا دَامَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ ، فَإِذَا نُقِضَ سُمِّيَ خَشَبًا ، وَالسَّقْفُ يُسَمَّى سَقْفًا مَا دَامَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَلَوْ قُلْنَا إنَّ لَهُ نَقْضَهُ ، لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا تُضْمَنُ سَلَامَتُهُ لَهُ بِالْقِسْمَةِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسِيلُ لِأَنَّهُ بِالْقِسْمَةِ يَضْمَنُ سَلَامَةَ مَا هُوَ سَقْفٌ لَهُ ، وَالْقِسْمَةُ لِتَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْأَنْصِبَاءِ ، وَظَاهِرُ الْقِسْمَةِ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّهِ عَمَّا صَارَ فِي يَدِ شَرِيكِهِ ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَصْرِفُ ( 39 ) مَسِيلَهُ عَنْ سَطْحِهِ ، يُسَلَّمُ لَهُ مَا تُضْمَنُ سَلَامَتُهُ لَهُ وَهُوَ السَّطْحُ ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ .
564 - 564 - إذَا صَبَّ مَاءً فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَشَبَّ الْمَاءُ فَانْهَدَمَ جِدَارُ جَارِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ صَبَّ مَاءً عَلَى سَطْحِهِ فَسَالَ مِنْ مِيزَابِهِ وَأَصَابَ ثَوْبَ غَيْرِهِ ضَمِنَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّبِّ لَا يُوجِبُ انْهِدَامَ الْجِدَارِ ، لِجَوَازِ أَنْ لَا يُهْدَمَ ، وَسُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا فِعْلَ لَهُ ، فَلَمْ يَهْدِمْ الْحَائِطَ ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا مُوجِبًا لِلْهَدْمِ لَا يَضْمَنُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى الْمِيزَابِ ، لِأَنَّ مَسِيلَهُ مِنْ الْمِيزَابِ مِنْ مُوجَبِ صَبِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى كَذَلِكَ ، فَصَارَ فَسَادُ ثَوْبِهِ مِنْ مُوجَبِ فِعْلِهِ فَضَمِنَ ، كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِيَدِهِ .
كِتَابُ الْإِجَارَاتِ 565 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِكَذَا دِرْهَمًا وَلَمْ يُسَمِّ الَّذِي يُرِيدُهَا لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلنَّاسِ عُرْفًا وَعَادَةً فِي كَيْفِيَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالدَّارِ ، فَإِذَا كَانَتْ خَرِبَةً يُرْبَطُ فِيهَا الدَّوَابُّ ، وَإِذَا كَانَتْ مُزَخْرَفَةً يُسْكَنُ فِيهَا وَلَا يُرْبَطُ ، فَيَصِيرُ تَعْيِينُهُ بِالْعُرْفِ كَتَعْيِينِهِ بِالشَّرْطِ ، وَلَوْ عَيَّنَ بِالشَّرْطِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْبُطَ فِيهَا الدَّوَابَّ ، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا ، الدَّلِيلُ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ وَاحِدٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ عَقْدُهُ ، وَيَصِيرُ تَعْيِينُهُ بِالْعُرْفِ كَتَعْيِينِهِ بِالشَّرْطِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَرْضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ عُرْفٌ وَعَادَةٌ فِي كَيْفِيَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرَضِينَ وَفِي زِرَاعَتِهَا ، وَقَدْ تُزْرَعُ زَرْعًا يُفْسِدُ الْأَرْضَ ، وَتُزْرَعُ زَرْعًا وَيُصْلِحُهَا ، فَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الْمَنْفَعَةُ لَا بِالْعُرْفِ وَلَا بِالشَّرْطِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَوْعٍ إلَّا وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَقُولَ انْتَفِعْ بِنَوْعٍ آخَرَ ، فَلَا يَصِلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا ، فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ .
566 - 566 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى سَنَةٍ عَقِيبَ الْعَقْدِ .
وَلَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً أَوْ سُكْنَى دَارِهِ سَنَةً ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ الْعَقْدِ ، وَلَا عَقِيبَ الْمَوْتِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي عَقْدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ تَصْحِيحَهُ وَإِبْرَامَهُ ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَقِيبَ الْعَقْدِ لَصَارَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ مَجْهُولَةً ، وَالْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ لَا يَجُوزُ ، فَحُمِلَ عَلَى مَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ وَهُوَ عَقِيبَ الْعَقْدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُعَيِّنْهُ عَقِيبَ الْعَقْدِ لَبَقِيَتْ مُدَّةُ الْوَصِيَّةِ مَجْهُولَةً وَجَهَالَةُ الْمُدَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا ، فَخِلَافُ الْإِجَارَةِ كَذَلِكَ هَذَا .
567 - 567 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً ، وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ حَتَّى مَضَى شَهْرٌ ، ثُمَّ تَحَاكَمَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ فِي بَاقِي السَّنَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْآخَرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ أَوْجَبَ انْعِقَادُ الْعَقْدِ تَسْلِيمَ الْمَنَافِعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً ، فَصَارَ افْتِرَاقُ التَّسْلِيمِ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، وَمُوجَبُ الْعَقْدِ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَثْبُت لَهُ الْخِيَارُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهُ بِذَلِكَ ، وَيَجْبُرَهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ جُمْلَةً فَلَمْ يَبْقَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، فَافْتَرَقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِهِ ، فَخُيِّرَ فِيهِ .
568 - 568 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا وَشَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إخْرَاجَ مَا يُجَدِّدُ الْمُسْتَأْجِرَ فِيهَا مِنْ تُرَابٍ وَرَمَادٍ وَسِرْقِينٍ كَانَ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ جَائِزَيْنِ .
وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ تَفْرِيغَ بِئْرِ الْبَالُوعَةِ وَنَزْحَ مَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الدَّارَ وَيُلْقِي الرَّمَادَ وَيُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِالدَّارِ دُونَ إلْقَاءِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الدَّارِ ، فَلَمْ يَكُنْ إلْقَاؤُهُ فِي الدَّارِ انْتِفَاعًا بِهَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ انْتِفَاعًا بِهَا يَكُونُ شَاغِلًا لِمَوْضِعِ السُّكْنَى ، فَكُلِّفَ تَفْرِيغَهُ كَمَا لَوْ شَغَلَهُ بِمَتَاعِهِ فَصَارَ تَفْرِيغُهُ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، وَاشْتِرَاطُ مُوجَبِ الْعَقْدِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّسْلِيمَ وَالْمُسْتَلِمَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَالُوعَةُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِالدَّارِ دُونَ الصَّبِّ فِي الْبَالُوعَةِ فَصَارَ صَبُّهُ انْتِفَاعًا بِالدَّارِ ، وَنَوْعَ سُكْنَى وَلَهُ الِانْتِفَاعُ ، فَلَوْ كَلَّفْنَاهُ تَفْرِيغَهَا لَكَلَّفْنَاهُ نَقْصَ السُّكْنَى ، وَالِانْتِفَاعَ بِالدَّارِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، فَلَمْ يَكُنْ تَفْرِيغُهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا شَرَطَ ذَلِكَ فَقَدْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يُضَادُّهُ ، فَأَبْطَلَهُ ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ .
إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى هَذِهِ الْأَغْنَامَ شَهْرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا شَيْئًا اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَغْنَامًا كَثِيرَةً مَعْدُودَةً عَلَى أَنْ يَرْعَاهَا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُدَّةِ ، فَلَا يُحْتَاجُ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ إلَى تَعْيِينِ الْغَنَمِ ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا عَلَى أَنْ تَرْعَى لِي ، وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ جَازَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ إلَى ذِكْرِ الْأَغْنَامِ وَتَعْيِينِهَا ، فَاسْتَوَى وُجُودُ تَعْيِينِ الْأَغْنَامِ وَعَدَمُهَا ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقَالَ اسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا لِتَرْعَى لِي فَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ الرَّعْيِ مَا يُطِيقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى رَعْيِ تِلْكَ الْأَغْنَامِ لَا عَلَى الْمُدَّةِ ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ لَأَبْطَلْنَا تَعْيِينَ الْأَغْنَامِ ، وَفِي إبْطَالِهِ إبْطَالُ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ لَا إلَى مُدَّةٍ ، وَلَا إلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ إبْطَالُ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ إبْطَالُ تَعْيِينِهِ ، فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى حِفْظِ تِلْكَ الْأَغْنَامِ بِعَيْنِهَا فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهَا ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا لَمْ يَجُزْ الزِّيَادَةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
570 - 570 - إذَا اسْتَأْجَرَ قَمِيصًا لِيَلْبَسَهُ أَوْ ثَوْبًا إلَى اللَّيْلِ فَاتَّزَرَ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ إنْ تَخَرَّقَ ، وَإِنْ سَلِمَ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ .
وَلَوْ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ فَلَبِسَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَهُوَ ضَامِنٌ إنْ تَخَرَّقَ أَوْ يُصِيبُهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ سَلِمَ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاتِّزَارَ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ نَوْعُ لُبْسٍ ، إلَّا أَنَّهُ أَضَرَّ بِالثَّوْبِ ، فَقَدْ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ، وَزَادَ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أُمَنَاءَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَهُ الْأَجْرُ فِي مِقْدَارِ الْعَشَرَةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الزِّيَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَبِسَهُ ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَبِسَهُ بِنَفْسِهِ ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ مَأْذُونًا فِيهِ وَلَا مَعْقُودًا عَلَيْهِ ، فَصَارَ اسْتِيفَاءُ غَيْرِهِ الْمَنْفَعَةَ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةً مِنْ حِنْطَةٍ ، فَحَمَلَ غَيْرُهُ عَلَيْهَا مِائَةً مِنْ حَدِيدٍ وَيَصِيرُ غَاصِبًا فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ غَاصِبًا لَهُ وَيَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ .
571 - 571 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا كَذَا كَيْلًا شَعِيرًا ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ كَيْلِهِ حِنْطَةً ، ضَمِنَ إنْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةً ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا وَبَلَغَ الْمَكَانَ ثُمَّ عَطِبَتْ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ ، وَيَضْمَنُ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ وَزْنَ كَيْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَثْقَلُ مِنْ وَزْنِ كَيْلِ شَعِيرٍ مِثْلِهِ ، فَيَكُونُ أَضَرَّ بِالدَّابَّةِ ، فَقَدْ خَالَفَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ بِالدَّابَّةِ فَضَمِنَ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ الْحِنْطَةَ فَحَمَلَ مِثْلَ وَزْنِهَا حَدِيدًا ، فَضَمِنَ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا حَمَلَ مِائَةً وَعَشَرَةً ، لِأَنَّهُ وَافَقَهُ فِي مِقْدَارِ الْمِائَةِ وَخَالَفَهُ فِي مِقْدَارِ الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ ، فَضَمِنَ مِقْدَارَ الْمُخَالَفَةِ وَالْأَجْرَ فِي قَدْرِ الْمُوَافَقَةِ ، فَقَدْ قَالَ فِي الْعَارِيَّةِ : لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا كَيْلًا مِنْ حِنْطَةٍ ، فَحَمَلَ كَيْلًا مِنْ الشَّعِيرِ لَا يَضْمَنُ ، لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ مِنْ الشَّعِيرِ ، فَقَدْ خَالَفَهُ إلَى مَا هُوَ أَخَفُّ وَأَنْفَعُ لِلدَّابَّةِ فَلَا يَضْمَنُ ، لِأَنَّهُ حَمَلَ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
572 - 572 - لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةَ رَجُلٍ لِحُمُولَةٍ ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا فَسَاقَ رَبُّ الدَّابَّةِ الدَّابَّةَ فَعَثَرَتْ وَسَقَطَتْ الْحُمُولَةُ عَنْهَا فَفَسَدَتْ ، وَصَاحِبُ الدَّابَّةِ مَعَهَا ضَمِنَ الْحُمُولَةَ .
وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا عَبْدًا صَغِيرًا وَسَاقَ رَبُّ الدَّابَّةِ الدَّابَّةَ ، فَعَثَرَتْ فَسَقَطَ عَنْهَا الْغُلَامُ وَمَاتَ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّوْقَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُكَارِي ، وَالْحُمُولَةُ فِي يَدِهِ ، لِأَنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِهِ ، لَا بُدَّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَإِذَا تَلِفَ بِمَعْنًى كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَضْمُونٌ ، كَالْقَصَّارِ إذَا دَقَّ فَتَخَرَّقَ مَا دَقَّهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَصَرَّفَ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ ، فَإِذَا فُقِدَ تَلِفَ بِيَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ عَلَى غَيْرِهِ .
573 - 573 - إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الرَّيِّ أَوْ إلَى فَارِسَ ، وَلَمْ يُسَمِّ مَدِينَتَهَا وَلَا رَسَاتِيقَهُ الْبَصْرَةِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّيَّ اسْمٌ لِلْقَصَبَةِ وَنَوَاحِيهَا ، فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ صَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَصْرَةَ لِأَنَّهَا اسْمٌ مُطْلَقٌ عَلَى الْمَدِينَةِ ، وَالْقَصَبَةُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَانْصَرَفَ مُطْلَقُ عَقْدِهِ إلَى الْمُعْتَادِ الْمُتَعَارَفِ ، كَمَا لَوْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ انْصَرَفَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الرَّيِّ ثُمَّ سَارَ بِهَا إلَى أَدْنَى الرَّيِّ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهَا ، وَإِنْ نَقَصَ مِنْ الْمُسَمَّى .
وَلَوْ سَارَ بِهَا إلَى أَقْصَى الرَّيِّ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ الْمُسَمَّى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا سَارَ إلَى أَدْنَى الرَّيِّ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ عَلَى عَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا الْتَزَمْت الْمُسَمَّى إذَا سَارَ إلَى أَقْصَى الرَّيِّ ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِ الْمُسَمَّى لَمْ يَلْتَزِمْ ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَارَ إلَى أَقْصَى الرَّيِّ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ يَقُولُ رَضِيت بِتَسْلِيمِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ بِإِزَاءِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ ، وَقَدْ أَوْفَيْتُك مَا شَرَطْت فَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى ، فَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ .
575 - 575 - إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا يَزْرَعُهَا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ شُرْبُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا لَمْ يَكُنْ الشُّرْبُ إلَّا بِالشَّرْطِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِالْأَرْضِ دُونَ الشُّرْبِ ، فَصَارَ بِاشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ لَهُ مُشْتَرِطًا الشُّرْبَ ، وَلَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ لَزِمَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، كَالصَّبِيِّ الصَّغِيرِ ، فَلَمْ تَكُنْ سَلَامَةُ الشُّرْبِ لَهُ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ .
576 - 576 - إذَا اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِلْيَتِيمِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ لِلْيَتِيمِ جَازَ .
وَلَوْ أَجَّرَ الْأَبُ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِلصَّبِيِّ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ إنَّمَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ النَّفْعُ لِلصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهَذَا لَيْسَ بِالنَّفْعِ ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ دَرَاهِمَهُ وَهِيَ مَالٌ فِي نَفْسِهِ وَيُسَلِّمُ الْعَمَلَ ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي نَفْسِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْفَعَ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَأَمَّا إذَا بَاعَ مِنْهُ فَالْبَيْعُ مَالٌ ، وَالثَّمَنُ مَالٌ ، فَهُوَ يُعَاقِدُ نَفْسَهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ النَّفْعُ لِلصَّبِيِّ ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيُعْطِيهِ مَالًا هُوَ اثْنَا عَشَرَ فَجَازَ .
وَأَمَّا الْأَبُ فَتَصَرُّفُهُ يَجُوزُ مَعَ نَفْسِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَعَ لِلصَّبِيِّ ، إذَا كَانَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ، وَاسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ بِالدَّرَاهِمِ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَجَازَ عَلَيْهِ .
577 - 577 - الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا أَجَرَ نَفْسَهُ مِنْ رَجُلٍ ، فَنَقَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَلِفَ مِنْ الْعَمَلِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ ، فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ .
وَالصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ رَجُلٍ فَنَقَلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ فَتَلِفَ بِحَرْقٍ أَوْ صَاعِقَةٍ ، فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ وَالْأَجْرُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَ الْعَبْدَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ صَارَ غَاصِبًا لَهُ ، فَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، وَمِنْ شَرْطِ إمْسَاكِ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، فَلَمَّا صَارَ مَضْمُونًا ثَبَتَ أَنَّهُ أَمْسَكَ لَا عَلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأَجْرَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّبِيُّ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الضَّمَانَ الَّذِي يَلْزَمُهُ ضَمَانُ اسْتِهْلَاكٍ ، لَا ضَمَانُ غَصْبٍ ، لِأَنَّ الصَّبِيَّ حُرٌّ وَالْحُرُّ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ ، وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ ، وَضَمَانُ الِاسْتِهْلَاكِ لَا يُسْقِطُ ضَمَانَ الْأَجْرِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا ثُمَّ إنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَالْأَجْرَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
875 - 875 - إذَا كَانَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهَا مِنْ شَرِيكِهِ جَازَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ .
وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَهَا مِنْ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرِ يَصِلُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا اسْتَأْجَرَ وَإِذَا وَصَلَ إلَى الِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ ، كَالْغَاصِبِ إذَا اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى إمْسَاكِ الْعَيْنِ ، وَلَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الْمُشَاعِ لَوَجَبَتْ ، الْمُهَايَأَةُ فَيَنْتَفِعُ بِالْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُمْسِكُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِالْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، فَيُمْسِكُ يَوْمًا عَلَى حُكْمِ الرَّهْنِ ، وَيَوْمًا لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ عَلَى حُكْمِ عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَالْمُسْتَفَادُ بِالْعَقْدِ إذَا اسْتَحَقَّ بِمَعْنًى قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَحَقًّا .
ج4444......................
=======================================ج4.................========
ججج4.===========================
كتاب : الفروق
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي
579 - 579 - إجَارَةَ الْمُشَاعِ لَا تَجُوزُ ، وَيَسْتَوِي فِيهَا مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ ، وَكَذَلِكَ رَهْنُ الْمُشَاعِ لَا يَجُوزُ .
وَهِبَةُ الْمُشَاعِ لَا تَجُوزُ فِيمَا يُقْسَمُ ، وَتَجُوزُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ صِحَّةِ رَهْنِ الْمُشَاعِ اسْتِحْقَاقُ قَبْضِهِ فِي الثَّانِي بِمَعْنًى قَارَنَ الْعَقْدَ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَاعِ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَقْبَلُ فَلَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَالْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ الْإِجَارَةِ فِي الْمُشَاعِ إيجَابُ الْمُهَايَأَةِ وَاسْتِحْقَاقُ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَعْنًى قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَأَمَّا الْهِبَةُ فَالْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ الْهِبَةِ فِي الْمُشَاعِ إيجَابُ ضَمَانِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْوَاهِبِ ، فَيَكُونُ فِيهِ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ بِتَبَرُّعِهِ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ لِمَنْ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ دُونَ مَا لَا يَنْقَسِمُ ، وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ إلَى إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ بِتَبَرُّعِهِ جَازَتْ الْهِبَةُ وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا .
580 - 580 - إذَا اكْتَرَى إبِلًا بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا لِتَحْمِلَ لَهُ حُمُولَةً إلَى مَكَّةَ وَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْحُمُولَةِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ شَهْرًا يَخْدُمُهُ وَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ بِعَيْنِهَا فَالْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى الْحَمْلِ ، وَالْحَمْلُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ ، فَقَدْ ضَمِنَ مَضْمُونًا بِمَضْمُونٍ لَهُ قَبْلَهُ ، فَصَحَّ الضَّمَانُ ، كَمَا لَوْ ضَمِنَ عَنْهُ دَيْنًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدُ ، لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ دُونَ الْخِدْمَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدَ وَلَمْ يَسْتَخْدِمْهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ ، فَلَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَقَدْ ضَمِنَ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُودِعِ .
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ 581 - كَافِرٌ شَهِدَ عَلَى مُسْلِمٍ ، فَرَدَّهَا الْقَاضِي لِكُفْرِهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ - قُبِلَتْ .
وَلَوْ شَهِدَ فَاسِقٌ بِشَهَادَةٍ فَرَدَّهُ الْقَاضِي لِفِسْقِهِ ، ثُمَّ تَابَ ، فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَصَارَ إخْبَارًا لَا شَهَادَةً ، فَإِذَا رَدَّهَا الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ الْمَرْدُودُ شَهَادَةً فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ مِنْ بَعْدُ ، كَمَا فِي الْعَبْدِ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِرِقِّهِ ، ثُمَّ عَتَقَ فَأَقَامَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ قُبِلَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفَاسِقُ ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ حَاكِمًا لَوْ حَكَمَ بِجَوَازِ شَهَادَتِهِ لَجَازَ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ مَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ شَهَادَةً ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ ، فَإِذَا رَدَّ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَبُولٌ مِنْ بَعْدُ كَالْعَدْلِ إذَا شَهِدَ فِي شَيْءٍ هُوَ شَرِيكُهُ فِيهِ ، أَوْ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ ، ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ أَعَادَ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا هَذَا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ ، أَنَّ هَذَا حُكْمٌ جَرَى مِنْ الْقَاضِي بِفَسْخِ عَقْدٍ ، فَلَا جَوَازَ لَهَا مِنْ بَعْدُ ، كَمَا لَوْ قَضَى بِفَسْخِ عَقْدٍ آخَرَ مِنْ الْعُقُودِ .
582 - 582 - الْكَافِرُ إذَا مَاتَ وَأَوْصَى إلَى مُسْلِمٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا ، وَأَقَامَ شُهُودًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ أَجْزَأَتْ شَهَادَتُهُمْ ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ خَصْمَهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ كَافِرٌ مُسْلِمًا بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ تَقَعُ عَلَى الْمَيِّتِ ، لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ عَقْدَهُ وَقَوْلَهُ ، وَهُوَ كَافِرٌ ، وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ .
وَفِي الْوَكِيلِ الشَّهَادَةُ تَقَعُ عَلَى الْوَكِيلِ ، لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ عَقْدَ الْوَكِيلِ وَقَوْلَهُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَصَارَتْ هَذِهِ شَهَادَةَ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا يُقْبَلُ .
583 - 583 - إذَا أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ يَوْمَ كَذَا وَأَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ، فَقُضِيَ بِذَلِكَ ، ثُمَّ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَهَا يَوْمَ كَذَا ، لِيَوْمٍ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ .
وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا قُتِلَ يَوْمَ كَذَا فَقُضِيَ بِذَلِكَ ، ثُمَّ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي شَهِدُوا بِقَتْلِهِ ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ شُهُودِهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي إثْبَاتِ الْمَوْتِ ، لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي الْمِيرَاثَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْمِيرَاثَ مَعَ حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ ، بِأَنْ يَرْتَدَّ وَيَلْحَقَ بِالدَّارِ ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ لَهُ بِالْمِيرَاثِ حُكْمُهُ بِمَوْتِهِ لَا مَحَالَةَ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ الْأُولَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقَتْلُ لِأَنَّ لِلْوَارِثِ حَقًّا فِي إثْبَاتِ الْقَتْلِ ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْقِصَاصَ أَوْ الدِّيَةَ ، وَيَسْتَحِيلُ إثْبَاتُ الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ دُونَ الْقَتْلِ ، فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِالْقِصَاصِ حُكْمُهُ بِالْقَتْلِ ، فَقَدْ صَحَّ الْحُكْمُ بِقَتْلِهِ بِبَيِّنَةِ الْوَارِثِ ، فَلَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِحَيَاتِهِ بَعْدَهُ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى ، فَلَا تُقْبَلُ الثَّانِيَةُ .
584 - 584 - إذَا ادَّعَى شِرَاءَ دَارِ وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ بِالشِّرَاءِ ، وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ الثَّمَنَ ، فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ .
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ ، وَقَبْضِ الثَّمَنِ ، وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِالثَّمَنِ ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَقَدْ جُهِلَ الثَّمَنُ فِي وَقْتٍ يُحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ بِهِ .
وَالثَّمَنُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا ، فَلَوْ قَضَيْنَاهُ لَقَضَيْنَا بِعَقْدِ بَيْعٍ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ لَا يَصِحُّ ، فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا أَنَّ الْبَائِعَ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِالثَّمَنِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ جُهِلَ بِالثَّمَنِ فِي وَقْتٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ بِهِ ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ ، كَمَا لَوْ جَهِلَا الْكِيسَ الَّذِي فِيهِ الدَّرَاهِمُ .
585 - 585 - إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَدْ مَاتَ أَبُوهُ ، وَالْبَائِعُ يَجْحَدُ ، فَإِنِّي لَا أُكَلِّفُهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا .
وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ الْبَائِعِ ، سَأَلْتُهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي حُقُوقِ عَقْدِهِ ، وَتَنْتَقِلُ الْعُهْدَةُ إلَيْهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ ، وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ ، وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ بِحَقِّ الْعَقْدِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِنَفْسِهِ مِنْهُ ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يُكَلَّفْ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ الْبَائِعِ ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ بِحَقِّ الْمِلْكِ لَا بِحَقِّ الْعَقْدِ ، لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي الشِّرَاءَ مِنْهُ ، وَإِذَا ادَّعَى الِاسْتِحْقَاقَ بِحَقِّ الْمِلْكِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةِ الْمِلْكِ ، فَكُلِّفَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ .
586 - 586 - إذَا بَاعَ الرَّجُلُ جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ ، ثُمَّ غَابَ الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنِّي أَبِيعُ الْجَارِيَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَأَنْقُدُ الْبَائِعَ الثَّمَنَ ، هَذَا كَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَقِيلَ إنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَأَسْنَدَهُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَ عَرَضًا آخَرَ لِلْمُشْتَرِي غَيْرَ هَذَا عُيِّنَ هَذَا الْعَقْدُ ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ فِي ثَمَنِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ ذَلِكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ بَطَلَ حَقُّهُ ، وَالْمُشْتَرِي بِتَعْيِينِهِ عَجَزَ عَنْ حِفْظِ مَالِهِ ، فَصَارَ مُوَلِّيًا عَلَيْهِ ، فِي حِفْظِهِ وَبَيْعِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْئًا يَتَسَارَعُ الْفَسَادُ إلَيْهِ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ ، فَصَارَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي بَيْعِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِيُوَفِّيَهُ حَقَّهُ ، دَلِيلُهُ لَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعُرُوض ، لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِحَقِّهِمْ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ الدَّيْنِ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَبِعْهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
587 - 587 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا فِي يَدِ فُلَانٍ ، ثُمَّ مَكَثَ حِينًا ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَبْدٍ فِي يَدِ فُلَانٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ ، لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَشْهَدُوا عَلَى غَصْبِهِ بَعْدَ إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ جَمِيعُ مَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ لِفُلَانٍ ، فَمَكَثَ أَيَّامًا ، فَحَضَرَ فُلَانٌ لِيَأْخُذَ مَا فِي يَدِهِ فَادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِهِ أَنَّهُ مَلَكَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : كَانَ فِي يَدَيْك يَوْمَ إقْرَارِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْعَبْدُ عَبْدُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إبْرَاءٌ ، وَالْإِبْرَاءُ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ جَمِيعِ حُقُوقِهِ وَدُيُونِهِ جَازَ ، فَصَحَّتْ الْبَرَاءَةُ ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا وَلَمْ يَأْتِ بِتَارِيخٍ بَعْدَهُ لَمْ يُقْبَلْ ، حَتَّى يُتَيَقَّنَ وُجُوبُهُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ فَحُمِلَ إقْرَارُهُ عَلَى الْخُصُوصِ ، فَانْصَرَفَ إلَى مَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ فِي يَدَيْهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ ، فَلَمَّا عُلِمَ كَوْنُهُ فِي يَدَيْهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ كُلِّفَ تَسْلِيمَهُ ، وَإِلَّا فَلَا ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ ، فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ كَوْنُهُ فِي يَدَيْهِ فَكُلِّفَ تَسْلِيمَهُ إلَيْهِ .
588 - 588 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَمِعَا رَجُلًا يَقُولُ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا ، وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُمَا اشْهَدَا عَلَيَّ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ سَمِعَا رَجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَسَعْهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَقُولَا لَهُمَا : اشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِنَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْحَقِّ بِنَفْسِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْقَاضِي اجْتِهَادًا فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ رَجَعَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ جَازَ رُجُوعُهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْحَقِّ ، وَإِنَّمَا هِيَ سَبَبٌ يَجِبُ الْحَقُّ بِغَيْرِهَا ، فَلَمْ يَسْتَدْرِكَا الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلْحَقِّ لَهُمَا ، فَلَا يَسَعُهُمَا أَنْ يَشْهَدَا فَاخْتَصَّ بِذَلِكَ الْحَقِّ مَنْ خُصَّ بِهِ ، كَمَا لَوْ سَمِعَاهُ يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ لَمْ يَسَعْهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِبَيْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَنَفْسُ الْإِقْرَارِ مُوجِبٌ لِلْحَقِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَقَدْ اسْتَدْرَكَا الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلْحَقِّ ، فَوَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ ، كَمَا لَوْ رَأَيَا رَجُلًا يُتْلِفُ مَالَ إنْسَانٍ ، أَوْ يَقْتُلُ إنْسَانًا وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
589 - 589 - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَادَّعَى الْأَدَاءَ ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَّلَهُ مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ ، جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا .
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَحَلَّهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّحْلِيلَ تَفْعِيلٌ مِنْ الْحِلِّ ، وَالْحِلُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِكَاكِ ، يُقَالُ حَلَّ رَقَبَتَهُ أَيْ فَكَّهُ ، وَيُقَالُ حَلَّ الرَّهْنَ وَحَلَّ الْقَيْدَ ، أَيْ فَكَّهُ وَفِكَاكُ الذِّمَّةِ قَدْ يَكُونُ بِالْأَدَاءِ ، فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ ، فَكَأَنَّهُ ادَّعَى الْأَدَاءَ فَشَهِدَا لَهُ أَنَّهُ فَكَّ ذِمَّتَهُ بِالْأَدَاءِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِحْلَالُ لِأَنَّ الْإِحْلَالَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِبَاحَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وَقَوْلِهِ : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ، وَالْأَدَاءُ لَا يَكُونُ إبَاحَةً لِمَا لَهُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُقَالُ إبَاحَةُ مَا لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ ، وَلَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ ، إذَا أَبَاحَهُ ، فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا .
590 - 590 - أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ شَهِدُوا عَلَى أَخِيهِمْ بِالزِّنَا وَهُوَ مُحْصَنٌ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالرَّجْمِ فَإِنَّ الشُّهُودَ يَبْدَءُونَ ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ لَا يَقْصِدُوا الْقَتْلَ .
بِخِلَافِ الْقَتْلِ لِأَجْلِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يَسَعُهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَتْلَهُ لِأَجْلِ كُفْرِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكُفْرَ قَطَعَ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا يُفْرَضُ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَتْلِ لِأَجْلِ الصِّلَةِ ، وَلَا صِلَةَ بَيْنَهُمَا ، فَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا قَتْلَهُ .
وَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصِّلَةَ بَيْنَهُمَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إلَى أَنْ يُقْتَلَ تُفْرَضُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ إنْ احْتَاجَ ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الْقَتْلِ لِأَجْلِ الصِّلَةِ وَالصِّلَةُ بَاقِيَةٌ فَلَا يُقْتَلُ .
591 - 591 - وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَخٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ادَّعَى وَلَدَ أَمَتِهِ هَذِهِ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِكَوْنِهِ ابْنًا لَهُ ، ثُمَّ مَاتَ فَوَرَّثَهُ الْقَاضِي مَالَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا .
وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِالنَّسَبِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْمِيرَاثِ ، ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْأَخِ مَا أُخِذَ مِنْ الْمِيرَاثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْأَبِ لَا تَكُونُ شَهَادَةً بِالْمِيرَاثِ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْوَالِدِ ، فَلَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالنَّسَبِ شَهَادَةً بِالْمِيرَاثِ ، فَلَمْ يَقَعْ الْإِتْلَافُ بِشَهَادَتِهِمْ ، فَلَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ شَهَادَةٌ بِالْمِيرَاثِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا مَعْنًى مُوجِبٌ لِلْمِيرَاثِ غَيْرَ الشَّهَادَةِ ، فَقَدْ وَقَعَ التَّلَفُ بِالشَّهَادَةِ ، فَغَرِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ مَا أَتْلَفَا .
592 - 592 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ، فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِهِ ، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ لَهُ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالرُّجُوعِ وَرَدَّهُ إلَى الْوَرَثَةِ ، ثُمَّ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِأَعْيَانِهِمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِهَذَا الثُّلُثِ لِهَذَا ، الْآخَرِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلثَّانِي ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا ثُلُثًا لِلْوَرَثَةِ ، وَثُلُثًا لِلْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلِ .
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الثُّلُثِ وَشَهِدَا لِلثَّانِي بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ مَعًا ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا ثُلُثًا وَاحِدًا لِلْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَغْرَمَانِ لِلْوَرَثَةِ شَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَقَضَى بِذَلِكَ فَقَدْ أَتْلَفَا الثُّلُثَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَصَارَ الثُّلُثُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِهَذَا الْآخَرِ فَقَدْ أَتْلَفَا ثُلُثًا أَيْضًا عَلَى الْوَرَثَةِ ، فَإِذَا رَجَعَا غَرِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ مَا أَتْلَفَا .
وَأَمَّا إذَا شَهِدَا بِالرُّجُوعِ وَالْوَصِيَّةِ مَعًا ، لَمْ يُتْلِفَا عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا أَقْرَنَا بِالشَّهَادَةِ بِالرُّجُوعِ مَا يَمْنَعُ عَوْدَ الثُّلُثِ إلَى الْوَرَثَةِ وَهُوَ شَهَادَتُهُمَا بِالْوَصِيَّةِ لِلثَّانِي ، فَلَمْ يَقَعْ الْإِتْلَافُ عَلَى الْوَرَثَةِ ، فَلَا يَغْرَمَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ شَيْئًا .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ لِهَذَا الرَّجُلِ ، فَقَضَى الْقَاضِي ، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِالْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ لِهَذَا الْآخَرِ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ لَهُ ، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَيْضًا نَحْوَهُ ، ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعَلَى كُلِّ شَاهِدَيْنِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِلرَّجُلِ الَّذِي شَهِدَا لَهُ .
وَلَوْ شَهِدَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ ، كُلُّ نَفَرٍ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِجَمِيعِ ثُلُثِهِ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ رَجَعُوا ، فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَغْرَمُ نِصْفَ الثُّلُثِ ، وَلَا يَغْرَمُ الْجَمِيعَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِالْعَبْدِ لِلْأَوَّلِ صَارَ الْمِلْكُ فِيهِ لَهُ ، فَشُهُودُ الثَّانِي أَتْلَفُوا عَلَيْهِ مِلْكَهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لَبَقِيَ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِلْأَوَّلِ ، وَشُهُودُ الثَّالِثِ أَتْلَفُوا جَمِيعَ الْعَبْدِ عَلَى الثَّانِي ، وَلَوْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لَبَقِيَ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِلثَّانِي ، فَإِذَا رَجَعُوا غَرِمُوا جَمِيعَ مَا أَتْلَفُوا ، وَقَدْ أَتْلَفَ الشُّهُودُ الْأُوَلُ جَمِيعَ الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَغَرِمُوا .
وَأَمَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ شُهُودَ الثَّانِي لَمْ يُتْلِفُوا جَمِيعَ الثُّلُثِ عَلَى الْأَوَّلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ لَكَانَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ ، وَلَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الثُّلُثِ لِلْأَوَّلِ ، وَإِذَا لَمْ يُتْلِفُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَغْرَمُوا إلَّا قَدْرَ مَا أَتْلَفُوا عَلَيْهِ .
شَاهِدَانِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا وُهِبَ عَبْدَهُ هَذَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهُ ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ وُهِبَهُ مِنْ فُلَانٍ الْآخَرِ وَقَبَضَهُ ، وَقَضَى الْقَاضِي بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَرْبَاعًا ، وَلَا يَغْرَمُونَ لِلْوَاهِبِ لَهُ شَيْئًا .
وَلَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِهَذَا ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِهَذَا الْآخَرِ ، وَقَضَى الْقَاضِي بِالثُّلُثِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَجَعُوا فَإِنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَغْرَمُ لِلْمُوصَى لَهُ نِصْفَ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَقَدْ فَسَخَ عَقْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نِصْفِ الْعَبْدِ ، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقْضِيَ بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِهِ ، فَبَقِيَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ ، وَقَدْ سَلِمَ لَهُ ذَلِكَ ، فَلَا يَغْرَمُ الشَّاهِدُ لَهُ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسَخْ الْعَقْدَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الثُّلُثِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ أَجَازُوا الْوَصِيَّتَيْنِ سَلِمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعَبْدِ ، فَلَمَّا رَجَعَا فَقَدْ أَتْلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفَ الثُّلُثِ فَغَرِمَ لَهُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ .
595 - 595 - رَجُلٌ لَهُ عَلَى الْقَاضِي دَيْنٌ ، فَغَابَ صَاحِبُ الْمَالِ ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ، فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ قَضَى الدَّيْنَ ، أَوْ قَضَى الدَّيْنَ ثُمَّ قَضَى بِوَكَالَتِهِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ بِالْوَكَالَةِ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَكِيلِ وَصِيٌّ فَقَضَى بِالْوَصِيَّةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ قَضَى الدَّيْنَ ، جَازَ قَضَاؤُهُ ، وَلَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ إنْ كَانَ قَضَى الدَّيْنَ أَوَّلًا .
وَفَرَّقَ أَنَّ الْقَاضِيَ خَصْمٌ فِي سَمَاعِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ ، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ وَيَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ، فَصَارَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ فِيمَا هُوَ خَصْمٌ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ السَّمَاعُ ، فَبَقِيَ تَوْكِيلًا مِنْ غَيْرِ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ بِاخْتِيَارِهِ ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ وَكِيلًا فِي مَالِ الْغَائِبِ .
وَأَمَّا فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ فَهُوَ خَصْمٌ فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَلَمْ يَجُزْ سَمَاعُهُ فَبَقِيَ قَاضِيًا وَصِيًّا فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِاخْتِيَارِهِ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ ، فَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ عَنْهُ خَصْمًا وَصِيًّا ، فَإِذَا قَضَى الدَّيْنَ وَابْتِدَاء الْقَضَاءِ ، وَقَعَ لِنَفْسِهِ ، فَبَقِيَ بَاطِلًا ، وَإِذَا كَانَ بَعْدَ النَّصْبِ ، فَابْتِدَاءُ الْقَضَاءِ يَقَعُ لِلْمَيِّتِ ، وَثُبُوتُ حَقِّ الْبَرَاءَةِ بَاقٍ ، لِلْقَضَاءِ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الثَّانِي ، كَمَا لَوْ قَضَى لِأَخِيهِ جَازَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِهِ بِالْفَقْرِ وَغَيْرِهِ كَذَلِكَ هَذَا .
596 - 596 - وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، فَقَضَى لَهُ لَمْ يَجُزْ قَضَاءُ الثَّانِي إذَا لَمْ يَجْعَلْ الْخَلِيفَةُ إلَى الْأَوَّلِ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ .
وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إلَى الْأَوَّلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ مِمَّا إذَا خُصَّ اُخْتُصَّ بِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ خُصَّ بِبَلَدٍ اخْتَصَّ بِهِ ، فَكَذَلِكَ إذَا خُصَّ شَخْصٌ أَوْ نَوْعٌ اخْتَصَّ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إذَا خُصَّتْ لَا تَخْتَصُّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ صَارَ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، وَوَقَعَتْ عَامَّةً فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَوْصِ إلَى غَيْرِك .
وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِطْلَاقِ وَالْإِبْهَامِ ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْإِمَامُ : جَعَلْتُك قَاضِيًا لَمْ يَصِحَّ ، وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِالْإِبْهَامِ فَإِذَا فُسِّرَ انْعَقَدَ بِتَفْسِيرِهِ كَالْوَكَالَةِ .
وَأَمَّا الْوِصَايَةُ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِالْإِبْهَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ إلَيْك ، صَارَ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، وَيَقَعُ عَامًّا فَإِذَا خُصَّ صَارَ تَخْصِيصًا لِبَعْضِ مَا شَمِلَهُ ، عُمُومُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَلَا يُوجِبُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ، فَبَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَكَأَنَّهُ عَمَّ لَهُ الْإِذْنَ فِي الْوِصَايَةِ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِذَا فَعَلَ جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
597 - 597 - إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى أَمَةٍ فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا حُرَّةٌ ، فَوَضَعَهَا الْقَاضِي عَلَى يَدِ عَدْلٍ لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ ، فَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ .
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ ، لِيَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا طَلَبَتْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ لِأَجْلِ التَّسْلِيمِ ، وَقَدْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بِالْحَيْلُولَةِ ، فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ ، وَلَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا .
وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَالنَّفَقَةُ تَجِبُ لِحَقِّ الْمِلْكِ لَا بِالتَّسْلِيمِ وَوُقُوعُ الْحَيْلُولَةِ لَهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَبَقِيَ الْمُوجِبُ لِلنَّفَقَةِ ، فَوَجَبَتْ كَالْمَرْهُونَةِ وَالْمُؤَاجَرَةِ .
598 - 598 - إذَا أَقَرَّ وَارِثَانِ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَفِي مِيرَاثِهِمَا وَفَاءً بِالْأَلْفِ فَلَمْ يَدْفَعَا لِلْغَرِيمِ دَيْنَهُ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ الْقَاضِي لَهُ بِالْأَلْفِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّا أَوَّلًا بِالْأَلْفِ .
وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ ، ثُمَّ جَاءَ مَعَ ثَلَاثَةٍ ، فَشَهِدَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الزَّوْجِ شَهَادَةً لَيْسَ بِتَقْرِيرٍ لِمُوجَبِ إقْرَارِهِ ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُ تُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ ، وَالْقَذْفُ الْأَوَّلُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا ، فَصَارَتْ شَهَادَتُهُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تَقْرِيرًا ، فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ شَهِدَ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ .
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَشَهَادَتُهُ تَقْرِيرٌ لِمُوجَبِ إقْرَارِهِ ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ إقْرَارٌ عَلَى الْمَيِّتِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ مِنْ التَّرِكَةِ ، وَلَكِنْ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ مِنْ نَصِيبِهِمْ بِجُحُودِهِمْ فَجُعِلَ كَالْمَالِكِ ، فَصَارَتْ شَهَادَتُهُمَا تَقْرِيرًا لِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ ، فَجَازَتْ شَهَادَتُهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ فِي حَالَ حَيَاتِهِ ، ثُمَّ شَهِدَ هُوَ وَآخَرُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ أَيْضًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
599 - 599 - إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ بِمَحْضَرِ الْقَاضِي فَخَاصَمَ الْوَكِيلُ الْمَطْلُوبَ فِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ الْوَكَالَةِ ، فَشَهِدَ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْقَاضِي ، وَأَشْهَدَ عَلَى الْوَكَالَةِ ، فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ ، ثُمَّ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ فَعَزَلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ ، فَشَهِدَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِمَّا كَانَتْ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، قَبْلَ قَضَائِهِ لِلْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى بِالْوَكَالَةِ ، فَقَدْ قَضَى بِكَوْنِهِ خَصْمًا فِي جَمِيعِ حُقُوقِهِ ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ بِشَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، صَارَ يَشْهَدُ فِيمَا صَارَ خَصْمًا فِيهِ ، فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِمَحْضَرِ الْقَاضِي ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ عَلِمَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا فِي جَمِيعِ حُقُوقِهِ ، وَعِلْمُهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً مَا لَمْ يَقْضِ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ عَزْلِهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ ، أَنَّ الْأَوَّلَ عَلِمَ بِكَوْنِهِ وَكِيلًا ، لَمْ يَقْضِ بِذَلِكَ فَلَمْ يَصِرْ خَصْمًا فِي الْجَمِيعِ ، فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ .
600 - 600 - وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِ ، ثُمَّ أَدْرَكَ جَازَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِهِ .
وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِ ، ثُمَّ أَدْرَكَ فَجَاءَ الشَّاهِدَانِ وَأَدَّيَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ يُرِيدُ أَنْ يُعَلِّقَ بِقَوْلِهِ حُكْمًا [ وَيَتَعَلَّقُ ] بِقَوْلِهِ حُكْمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالدُّيُونِ فَتُقْبَلُ ؟ فَلَوْ جَوَّزْنَا التَّحَمُّلَ لَعَلَّقْنَا بِقَوْلِهِ ، وَهَذَا جَائِزٌ فَقَدْ صَحَّ التَّحَمُّلُ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ فَجَازَ .
وَأَمَّا فِي الصَّبِيِّ فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُمَا تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ لَعَلَّقْنَا بِقَوْلِ الصَّبِيِّ حُكْمًا ، وَقَوْلُهُ لَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالدُّيُونِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّحَمُّلُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ ، فَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الدَّعْوَى 601 - إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِ هَذَا الرَّجُلِ كَانَتْ لِأَبِيهِ ، مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ ، يُقْضَى لِلْحَاضِرِ ، وَلَا يُقْضَى فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ عَمْدًا ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ .
وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَمْ يُحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى قَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ قَامَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلْقَضَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ أَيْضًا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ فُسَّاقًا فَلَا يُقْضَى بِهَا ، وَإِذَا حَضَرَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِعَادَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْوَالُ وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً ، لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَضَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْضَى بِنَصِيبِ الْحَاضِرِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ بِنَصِيبِ الْغَائِبِ لِعَدَمِ الدَّعْوَى ، فَإِذَا حَضَرَ وَادَّعَى وَاقْتَرَنَ الدَّعْوَى بِالْبَيِّنَةِ وَقُضِيَ ، بِهَا ، صَارَ كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
زَيْتٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ، أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ خَطَأً أَنَّهُ عَصَرَهُ وَسَلَّاهُ فِي مِلْكِهِ ، وَأَقَامَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةَ كَذَلِكَ ، قُضِيَ بِهَا لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ .
وَلَوْ أَنَّ شَاةً فِي يَدِ رَجُلٍ ، أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا شَاتُهُ ضَحَّى بِهَا وَسَلَخَهَا فِي مِلْكِهِ ، وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّيْتَ مِمَّا لَا يَنْعَصِرُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَهُوَ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَصْرِ ، فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ أَوَّلُ مِلْكٍ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْآخَرُ قَبْلَهُ وَالْآخَرُ كَذَلِكَ ، فَكَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى ، كَمَا قُلْنَا فِي النِّتَاجِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْلُوخَةُ ، لِأَنَّ السَّلْخَ لَيْسَ هُوَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ ، لِأَنَّ مَنْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ ، وَسَلَخَهَا لَا يَمْلِكُهَا فَلَمْ تُبَيِّنْ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ أَوَّلُ مَالِكٍ لَهُ ، وَإِنَّمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَقَطْ ، فَكَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى ، كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الْمِلْكَ مُطْلَقًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ بِالْعَصْرِ تَجَدَّدَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ، فَقَدْ أَثْبَتَ زَائِدًا عَلَى الِاسْمِ الْأَوَّلِ ، صَارَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ النِّتَاجُ ، فَصَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّاةُ ، لِأَنَّهُ بِالسَّلْخِ لَمْ يَتَجَدَّدْ اسْمٌ آخَرُ فَبَقِيَ الِاسْمُ الْأَوَّلُ ، فَكَأَنَّهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ، فَكَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى ، كَذَلِكَ هَذَا .
دَجَاجَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ، أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْبَيْضَةَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهَا هَذِهِ الدَّجَاجَةِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالدَّجَاجَةِ .
وَلَوْ أَنَّ شَاةً فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي وَلَدَتْ هَذِهِ الشَّاةَ لَهُ ، قُضِيَ لَهُ بِالْأُمِّ وَالْوَلَدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَ الْبَيْضَةِ لَهُ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْخُ لَهُ ، لِأَنَّهُ لَوْ غَصَبَ بَيْضَةً وَأَحْضَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ فَالْفَرْخُ لِلْغَاصِبِ ، لَا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةً تُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُ بِهَا ، فَلَا يُقْضَى لَهُ بِهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النِّتَاجُ لِأَنَّ كَوْنَ الْأُمِّ لَهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِلْكًا لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ مِنْ إنْسَانٍ شَاةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ كَانَتْ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ تُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُ بِهَا فِي الْوَلَدِ ، فَقُضِيَ بِهَا لَهُ .
ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْضَةِ إذَا غَصَبَهَا وَأَحْضَنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ حَتَّى خَرَجَ الْفَرْخُ فَالْفَرْخُ لِلْغَاصِبِ ، وَلَوْ غَصَبَ أُمَّهُ ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَالْوَلَدُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ فِي وِلَادَةِ الشَّاةِ وَالْأَمَةِ ، فَصَارَ هَذَا مِمَّا حَصَلَ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَتَبِعَ مِلْكَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْضَةُ ، لِأَنَّ لَهُ فِعْلًا فِيهِ ، وَهُوَ إحْضَانُهُ تَحْتَ الدَّجَاجَةِ ، فَقَدْ نَقَلَهُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ آخَرَ بِفِعْلِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِصَاحِبِهِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا ، وَوِزَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ النِّتَاجِ أَنْ لَوْ بَاضَتْ الدَّجَاجَةُ احْتَضَنَتْ بِنَفْسِهَا فَخَرَجَ فَرْخٌ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ .
604 - 604 - سُفْلٌ لِرَجُلٍ ، وَعُلْوُهُ لِآخَرَ انْهَدَمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى إصْلَاحِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ بِئْرًا وَقَنَاةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَانْهَدَمَ أُجْبِرَ الشَّرِيكُ عَلَى إصْلَاحِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ السُّفْلَ خَالِصُ مِلْكِهِ لَهُ ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى إصْلَاحِهِ ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ دَارٍ لَهُ لِأَجْلِ جَارٍ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبِئْرُ وَالْقَنَاةُ ، لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ، فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ ، وَفِي إصْلَاحِهِ نَفْعٌ لَهُمَا ، فَأُجْبِرَا عَلَى الْإِنْفَاقِ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، أُجْبِرَ الشَّرِيكُ عَلَى الْإِنْفَاقِ كَذَلِكَ هَاهُنَا .
605 - 605 - إذَا ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِ وَكَّلَهُ بِالْخُصُوصِ فِيهِ قَضَيْت لَهُ بِهِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُوصِ فِيهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَكَّلَهُ بِالْخُصُوصِ فِيهِ ، أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّعْوَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى نَقْلِ مِلْكِ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ ، فَصُدِّقَ فِيهِ وَجُعِلَ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ نَقَلَ إلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِغَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْقُلَ مِلْكِهِ إلَى نَفْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَدَّعِ انْتِقَالَهُ مِنْ جِهَتِهِ إلَيْهِ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهِ إلَيْهِ ، صَارَ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ مُكَذِّبًا لَهُ شَرْعًا فِي دَعْوَى الثَّانِي ، فَلَا يُصَدَّقُ .
وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُضِيفُ مِلْكَ مُوَكِّلِهِ إلَى نَفْسِهِ ، فَيَقُولُ هَذَا لِي بِمَعْنَى أَنَّ لِي حَقَّ الْخُصُومَةِ فِيهِ ، وَحَقَّ الْقَبْضِ ، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهَا لِي ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا لِمُوَكِّلِي أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ فَصُدِّقَ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَوَّلًا لِمُوَكِّلِهِ ، لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِمُوَكِّلِهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَأَقَرَّ أَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ لَهُ ، فَإِذَا قَالَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُ شُهُودٌ ، فَقَوْلُ الشُّهُودِ ، لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّفْسِيرِ لِدَعْوَاهُ ، وَهُوَ لَا يُضِيفُ مِلْكَ نَفْسِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ ، فَصَارَ بِدَعْوَاهُ الْأُولَى مُكَذِّبًا شُهُودَهُ فِي الثَّانِي ، فَلَا يُقْبَلُ .
606 - 606 - إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِوَلَدِ جَارِيَتِهِ أَنَّهُ مِنْهُ ، ثُمَّ أَرَادَ نَفْيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ نَسَبَ الزَّوْجَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ حُكْمًا ، لَا بِقَوْلِهِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ بِالنَّفْيِ رَاجِعًا عَنْ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ ، فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ ، لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ صَرِيحًا ، وَثَبَتَ لِلصَّبِيِّ حَقُّ النَّسَبِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُسْقِطَ مَا ثَبَتَ لِلصَّبِيِّ مِنْ الْحَقِّ بِصَرِيحِ إقْرَارِهِ بِقَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْإِنْسَانُ بِدَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ .
يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ بِإِقْرَارِهِ صَرِيحًا يُخَالِفُ ثُبُوتَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدِهِ فِي يَدِهِ لِرَجُلٍ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ حَتَّى اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ ، ثُمَّ مَلَكَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَوْ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَفَسَخَا الْبَيْعَ ، ثُمَّ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَحِقِّ ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى الْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ مَعَهُ مَعَ الْبَيْعِ اعْتِرَافًا لَهُ بِالْمِلْكِ حُكْمًا ، فَدَلَّ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ بِصَرِيحِ الْإِقْرَارِ آكَدُ ، وَيُخَالِفُ حُكْمُهُ مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، فَجَازَ أَلَّا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ الْآكَدِ ، وَيَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ الْأَضْعَفِ .
607 - 607 - إذَا بَاعَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَأَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْوَلَدَ إلَى الْبَائِعِ دُونَ الْأُمِّ وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ وَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا ، وَيَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَلَدَ يَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ مِنْ حُرِّيَّةِ الِاسْتِيلَادِ ، بِدَلِيلِ الْمَغْرُورِ فَلَمْ يَكُنْ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ شَاهِدًا فِي بُطْلَانِ عِتْقِ الْأُمِّ ، فَلَوْ أَبْطَلْنَا لَأَبْطَلْنَاهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّوْأَمَانِ ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ عِتْقُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِالِاسْتِيلَادِ لِأَنَّ الْحَبَلَ وَاحِدٌ ، فَصَارَ ثُبُوتُ نَسَبِ إحْدَاهُمَا شَاهِدًا فِي إبْطَالِ عِتْقِ الْآخَرِ ، وَإِبْطَالُ الْعِتْقِ بِالشَّهَادَةِ جَائِزٌ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ أَبْطَلَ عِتْقَ الْمُشْتَرِي ، كَذَلِكَ هَذَا .
608 - ثُمَّ يَرُدُّ الْوَلَدَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ صُدِّقَ ، وَيَرُدُّ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي عِتْقِ الْأُمِّ سَلَّمَ لَهُ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَبَتَ مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَالْوَلَاءُ مِنْ أَحْكَامِ ذَلِكَ الْمِلْكِ ، فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ سَلَّمَ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا الْوَلَاءُ وَلَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
فَإِنْ قِيلَ : الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا دَخَلَ أَيْضًا فِي التَّسْلِيمِ الْمُوجَبِ بِالْعَقْدِ ، فَلِمَاذَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ ؟ قُلْنَا : إنَّهُ يُفْرَدُ الْوَلَدُ عَنْ الْأُمِّ بِالْحُكْمِ وَهُوَ
الرَّدُّ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ بِانْفِرَادِهِ ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَعَدَّدُ دَعْوَاهُ فِيهِ ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي مَلْكِهِ وَيَدِهِ وَقْتَ التَّسْلِيمِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ فَلِلْوَلَدِ حِصَّتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
609 - 609 - الْأَبُ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَأَخَذَهَا وَعَقَرَهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْأَبُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الِابْنِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا إنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ لَمْ يَتَضَمَّنْ سَلَامَةَ الْوَلَدِ لِلْأَبِ ، فَقَدْ اغْتَرَّ مِنْ غَيْرِ تَغْرِيرٍ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ بِمَا ضَمِنَ ، كَالشَّفِيعِ إذَا بَنَى دَارًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا إنْسَانٌ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشْتَرِي ، لِأَنَّ الْبَائِعَ يَضْمَنُ سَلَامَةَ الْوَلَدِ لَهُ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ فَقَدْ غَرَّهُ مِنْ سَلَامَةِ الْوَلَدِ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَبَنَى فِيهَا ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
610 - 610 - إذَا قَالَ : هَذِهِ الْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدِي ، فِي مَرَضِهِ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ ، سَوَاءٌ مَلَكَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ .
وَلَوْ مَلَكَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ فَقَالَ : هُوَ ابْنِي ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ .
وَإِنْ مَلَكَ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يَسْعَ فِي قِيمَتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَهُ لَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَابْتِدَاءَ اسْتِيلَادِهِ لَا يَخْتَلِفُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ فَاسْتَوْلَدَهَا فِي حَالِ الْمَرَضِ ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ عَلَيْهَا ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا ثَبَتَ الْوَلَاءُ أَيْضًا ، فَإِذَا أَقَرَّ جُعِلَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ فَاسْتَوْلَدَهَا وَلَوْ ابْتَدَأَ فَاسْتَوْلَدَهَا لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا ، لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ اسْتِيلَادِهِ ، وَإِقْرَارَهُ لَهُ بِالنَّسَبِ يَخْتَلِفُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ ابْنُهُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَى الْوَلَدِ ، وَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ اسْتِيلَادِهِ وَإِقْرَارُهُ لَهُ بِالنَّسَبِ يَخْتَلِفُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْإِقْرَارُ كَالِابْتِدَاءِ فَجَازَ أَنْ تَجِبَ السِّعَايَةُ بِالْإِقْرَارِ ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ بِالِابْتِدَاءِ .
ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَوْ مَلَكَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، ثُمَّ ادَّعَاهُ أَنَّهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَلَكَهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ أَنْ يَبْرَأَ عَنْ السِّعَايَةِ بِقَوْلِهِ : هَذَا وَلَدِي ، وَهَذَا الْحَقُّ قَدْ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَا لَهُ فِي مَرَضِهِ ، فَصَارَ حَقُّ الْوَلَدِ مُتَقَدِّمًا عَلَى حَقِّهِمْ ، فَكَانَ أَوْلَى فَلَا سِعَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَلَكَهُ فِي الْمَرَضِ ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ أَنْ يَبْرَأَ عَنْ السِّعَايَةِ بِقَوْلِهِ :
هَذَا وَلَدِي ، وَهَذَا الْحَقُّ ثَبَتَ لِلْعَبْدِ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ انْتَقَلَ إلَى مَالِهِ ، وَتَعَلَّقَ بِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ فَصَارَ حَقُّهُمْ مُتَقَدِّمًا عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ فَكَانُوا أَوْلَى .
611 - 611 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ دَارٌ ادَّعَاهَا رَجُلٌ ، فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : مَا كَانَتْ لِي قَطُّ ، وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ آخَرَ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ ، فَهِيَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْآخَرِ .
وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِهَا ، ثُمَّ قَالَ : مَا كَانَتْ لِي قَطُّ ، وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ ، وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَوَّلُ : لَمْ تَكُنْ لِي هَذِهِ الدَّارُ ، وَسَكَتَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : هِيَ لِفُلَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَكَانَتْ الدَّارُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْكَلَامَ الْمَوْصُولَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيِّنَةِ لَمَّا قَالَ : لَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ ، فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فِيهَا ، وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ لَا يُوجِبُ الْحَقَّ ، فَكَأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَكُنْ ، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يَدَّعِي الدَّارَ لِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يُقِرَّ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ، لِأَنَّهُ يَقُولُ أَجْبَرَنِي ظُلْمًا ، فَجَازَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا ، وَالْإِقْرَارُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ يُوجِبُ الْحَقَّ ، وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَقَرَّ بِأَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ لَهُ ، فَاسْتَحَالَ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيِّنَةِ لَمَّا قَالَ لَمْ يَكُنْ لِي قَطُّ رَدَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ مِنْ جِهَةٍ ، وَتَمَسَّكَ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ وَجْهٍ بِقَوْلِهِ : وَإِنَّمَا هِيَ لِفُلَانٍ ، لِأَنَّ فُلَانًا يَسْتَفِيدُ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ جِهَتِهِ الْمِلْكَ وَلَا يَكُونُ لَهُ الْمِلْكُ ، وَرَدُّ الْبَيِّنَةِ مِنْ جِهَةٍ يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِالْبَيِّنَةِ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ وَشَهِدَ شُهُودٌ بِالْهِبَةِ لَمْ تُقْبَلْ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ رَدَّ إقْرَارَهُ مِنْ وَجْهٍ ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مِنْ وَجْهٍ ،
فَكَأَنَّهُ أَكْذَبَ الْمُقِرَّ مِنْ وَجْهٍ ، وَقَالَ : هُوَ كَاذِبٌ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَذَاكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ جِهَةِ ثَمَنِ الْمَتَاعِ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : إنَّمَا هِيَ غَصْبٌ ، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا لَوْ وَصَلَ الْإِقْرَارَ وَفَصَلَ هُوَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَاسْتَوَى التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ ، وَلَوْ قَالَ أَوَّلًا إنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِفُلَانٍ لَمْ تَكُنْ لِي قَطُّ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِذَا فَصَلَ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَلَا يَسْتَوِي التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَصَارَ بِالنَّفْيِ رَادًّا إقْرَارَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبُولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحُكْمُ بَيْنَ مَا لَوْ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِفُلَانٍ ، كَانَ بَيْنَهُمَا ، وَلَوْ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ : وَلِفُلَانٍ ، كَانَ لِلْأَوَّلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، كَذَلِكَ هَذَا وَقَوْلُهُ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ يُوجِبُ رَدًّا لِإِقْرَارِهِ ، وَقَوْلُهُ هِيَ لِفُلَانٍ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ : هِيَ لِفُلَانٍ لَمْ يَكُنْ رَادًّا ، وَكَانَ قَابِلًا ، فَقَدْ اتَّصَلَ الْقَبُولُ بِالرَّدِّ ، فَلَمْ يَتَمَحَّضْ رَدًّا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا فَصَلَ ، لِأَنَّهُ يُجَرِّدُ النَّفْيَ عَنْ الْإِثْبَاتِ ، فَتَمَحُّضُ قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِي رَدًّا مِنْ وَجْهٍ مُتَمَسَّكًا بِهِ مِنْ وَجْهٍ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَدًّا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، فَبَطَلَ إقْرَارُهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ : لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ ، فَقَالَ : لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ ثَمَنِ الْمَتَاعِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ جِهَةِ غَصْبٍ لَمْ يُصَدَّقْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
612 - 612 - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْعَبْدِ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِهِ ، فَقَالَ الْوَارِثُ : هَذِهِ الشُّهُودُ شُهُودُ زُورٍ ، وَالْعَبْدُ وَصِيَّةٌ لِهَذَا الرَّجُلِ ، ثُمَّ مَلَكَ الْعَبْدَ الْوَارِثُ مِنْ جِهَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ كُلِّفَ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِهَذَا الرَّجُلِ ، وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالدَّيْنِ ، بَاعَ الْعَبْدَ فِي دَيْنِهِ وَقَضَاهُ الْغَرِيمَ ، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ عَادَ إلَى الْوَارِثِ شِرَاءً أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلَّفْ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي زَعْمِ الْوَارِثِ أَنَّ الشُّهُودَ شُهُودُ زُورٍ ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِتَسْلِيمِ الْمَالِ لَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْعَيْنِ ، فَعَادَ حَقُّهُ لِي الْعَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَى الْمُوصَى لَهُ فِي حَقِّهِ فَكُلِّفَ تَسْلِيمَهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْوَارِثِ أَنَّ الشُّهُودَ شُهُودُ زُورٍ وَقَضَاءُ الْقَاضِي يَنْفُذُ فِي الْفُسُوخِ وَالْبِيَاعَاتِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، لِأَنَّ لِلْقَاضِي اجْتِهَادًا فِي بَيْعِ مَالِ الْمَيِّتِ ، فَانْقَطَعَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ عَنْ الْعَيْنِ ، فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ الْعَيْنُ مِنْ بَعْدُ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ بِالْبَيِّنَةِ يُوجِبُ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمَالِ كَالْجُنُونِ وَالصِّبَا وَالْغَيْبَةِ ، وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي بَيْعِ مَالِ هَؤُلَاءِ ، كَذَلِكَ هَذَا ، فَثَبَتَ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي بَيْعِهِ ، وَثُبُوتُ الْوَصِيَّةِ فِي الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِإِنْسَانٍ وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا وَلِلْمَيِّتِ مَالٌ غَائِبٌ دَيْنًا فَبَاعَ الْقَاضِي الْعَبْدَ فِي دَيْنِهِ ، ثُمَّ أَحْضَرَ الْمَالَ الْغَائِبَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا
يُبْطِلُ الْبَيْعَ ، فَدَلَّ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي فِي بَيْعِهِ بَاقِيَةٌ ، فَجَازَ بَيْعُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْعَيْنِ سَبِيلٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةً فِي إيجَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فَلَمْ يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْ الْعَيْنِ ، فَجَازَ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ .
613 - 613 - وَإِذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِهَذَا الْعَبْدِ ، فَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي لَهُ ، وَأَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِهَذَا الرَّجُلِ الْآخَرِ وَجَحَدَ الْوَصِيَّةَ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ زَكَّى شُهُودٌ الْأَوَّلَ ، فَقَضَى الْقَاضِي بِالْعَبْدِ لَهُ وَأَبْطَلَ وَصِيَّةَ الْمُقَرِّ لَهُ ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْعَبْدَ ، ثُمَّ إنَّ الْوَارِثَ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْمُوصَى لَهُ لَمْ يُعْتَقْ الْعَبْدُ بِالْعِتْقِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُجَدِّدَ عِتْقًا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ ، فَأَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ يُبْرِئُ الْغُرَمَاءُ الْمَيِّتَ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ عِتْقِ الْمُوصَى لَهُ عَتَقَ بِعِتْقِهِ الْأَوَّلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمُقَرِّ لَهُ مَوْقُوفَةٌ ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ لِلْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ فَقَدْ جَرَى تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ بَاعَهُ الْبَائِعُ مِنْ آخَرَ بَطَلَ الْعِتْقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الدَّيْنِ ، لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْإِبْرَاءِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَوْتِ فَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ لَمْ يَجْرِ تَمْلِيكٌ فِيمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، فَجَازَ أَنْ لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ ، وَلَكِنَّهُ امْتَنَعَ نَفَاذُ عِتْقِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَإِذَا أَبْرَءُوا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ عِتْقِهِ فَنَفَذَ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ اسْتَحَقَّ مَا بِهِ نُفُوذُ الْعِتْقِ ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ بِالْوَصِيَّةِ ، وَإِذَا قُضِيَ بِالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِ بَطَلَ عِتْقُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ ،
بَطَلَ عِتْقُ الْأَوَّلِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا بِهِ نُفُوذُ الْعِتْقِ ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُبْطِلْ الْوَصِيَّةَ وَإِنَّمَا حَكَمَ بِالدَّيْنِ ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَامْتَنَعَ نَفَاذُ الْعِتْقِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَإِذَا زَالَ حَقُّ الْغَيْرِ نَفَذَ ذَلِكَ الْعِتْقُ .
614 - 614 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَلَهُ ابْنٌ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِأَبِيهِ ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الِابْنُ جَعَلْته خَصْمًا وَقَضَيْت بِإِثْبَاتِ الْوَلَاءِ .
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنٌ لِأَبِيهِ وَلَمْ يَدَّعِ الْمِيرَاثَ ، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ يَخْلُفُ الْأَبَ فِي الْوَلَاءِ ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّ غَيْرَهُ أَعْتَقَ ، وَانْتَقَلَ إلَيْهِ ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ إذَا ثَبَتَ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى آخَرَ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَاءُ لِلْحَيِّ دُونَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ بِالِانْتِقَالِ لَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ نِصْفُ وَلَاءِ الْمَيِّتِ إلَى أَوْلَادِهِ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ابْنًا وَابْنَةً وَأَعْتَقَ عَبْدًا فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ الِابْنَةِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَالِ لَثَبَتَ لَهُمَا جَمِيعًا كَالْمِيرَاثِ فَصَارَ كَأَنَّهُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الِابْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَكَانَ فِيهِ خَصْمًا فَقُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّسَبُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ أَمَةً ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ ابْنًا لِلِابْنِ لَا أَخًا لَهُ وَإِذَا لَمْ يَخْلُفْ الِابْنُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ ، وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَ صَارَ يَدَّعِي اسْتِيلَادَ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ يَحْجُبُ الِابْنَ يَحْجُبُ الْأَبَ وَمَنْ شَارَكَ الِابْنَ شَارَكَ الْأَبَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ عَبْدًا وَأَخًا وَأَبًا ، فَإِنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ ، كَمَا أَنَّ الْأَخَ لَا يَرِثُ مَعَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ، فَدَلَّ أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ ، فَصَارَ الِابْنُ وَالْأَبُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ
الْوَلَاءِ ، كَذَلِكَ الِابْنُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّسَبُ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ بِالنَّسَبِ يَخْتَلِفُ بِالْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ يَحْجُبُهُ الِابْنُ لَا يَحْجُبُهُ الْأَبُ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ يَحْجُبُ الْأَخَ وَلَا يَحْجُبُ الْأَبَ ، حَتَّى لَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَخًا فَإِنَّ الِابْنَ يَحْجُبُ الْأَخَ عَنْ الْمِيرَاثِ وَلَا يَحْجُبُ الْأَبَ ، فَدَلَّ أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالنَّسَبِ يَخْتَلِفُ بِالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ فَلَا يَقُومُ الِابْنُ مَقَامَ الْأَبِ فِي النَّسَبِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّ الِابْنَ اسْتَوْلَدَ أُمَّ الْمُدَّعِي فَصَارَ الْفِعْلُ يَدَّعِي عَلَى الْغَيْرِ ، فَلَا يَكُونُ الِابْنُ خَصْمًا عَنْهُ .
615 - 615 - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَ عَبْدٍ لَهُ ، وَالْعَبْدُ حَيٌّ وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُنْكِرِ لِلْفَقْءِ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْعَبْدِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَ دَابَّةٍ لَهُ وَهِيَ حَيَّةٌ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ الدَّابَّةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ فَقَأَ عَيْنَ عَبْدٍ لَهُ وَالْعَبْدُ غَائِبٌ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْعَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الرِّقَّ ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ كَانَ حُرًّا إلَى أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَى الرِّقِّ ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْيَدِ فِي الْمُدَّعَى لِغَيْرِهِ ، فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا وَلَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ .
وَفِي الدَّابَّةِ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهَا ، وَهِيَ تَحْتَ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يُقِرَّ لِغَيْرِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا ، فَجَازَ أَنْ تُسْمَعَ دَعْوَاهُ .
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَالْقَطْعُ إقْرَارٌ بِالتَّنَازُلِ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّ عَبْدَهُ فِي يَدِهِ ، فَكُلِّفَ رَدَّهُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الْيَدُ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ لِغَيْرِهِ .
616 - 616 - وَإِذَا ادَّعَى الْوَالِدُ النَّصْرَانِيُّ وَلَدَ جَارِيَةِ وَلَدِهِ ، وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ لَمْ تَجُزْ دَعْوَاهُ .
وَلَوْ ادَّعَى الْوَالِدُ الْمُسْلِمُ وَلَدَ جَارِيَةِ وَلَدِهِ النَّصْرَانِيِّ جَازَتْ دَعْوَتُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَالِدَ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى ابْنِهِ الْمُسْلِمِ ، فَلَوْ نَفَّذْنَا دَعْوَاهُ لَنَفَّذْنَا قَوْلَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَوْ نَفَّذْنَا دَعْوَاهُ لَنَفَّذْنَا قَوْلَهُ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُ الْمُسْلِمِ يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ عَلَى الْكَافِرِ ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ .
617 - 617 - عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ أَجَرَهُ مِنْهُ ، وَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ ، غَصَبَهُ مِنْهُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لِلْمُدَّعِي بِالْعَبْدِ ، فَإِنْ حَضَرَ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ فَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ قَضَى عَلَى الْمُدَّعِي الَّذِي أَخَذَهُ لَهُ .
وَلَوْ أَقَامَ الْعَبْدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَعْتَقَهُ وَأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لَهُ ، وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لِفُلَانٍ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِتْقِهِ ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ ، وَلَا يُرَدُّ الْعَبْدُ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِتْقِ يَقَعُ عَامًّا عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ ؛ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا فِي حَقٍّ وَاحِدٍ مَمْلُوكًا فِي حَقِّ آخَرَ ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ عَامًّا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ فِي الرِّقِّ ، كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِالْعِتْقِ عَلَى هَذَا الْمُسْتَوْدَعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْوَالُ ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي بَابِ الْأَمْوَالِ يَقَعُ خَاصًّا لَا عَامًّا ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مِلْكًا فِي حَقِّ وَاحِدٍ غَيْرَ مِلْكٍ فِي حَقِّ آخَرَ ، فَلَمْ يَقَعْ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْمُدَّعِي ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ .
وَلِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا الْبَيِّنَةَ لَفَسَخْنَا الْعِتْقَ ، وَالْعِتْقُ إذَا وَقَعَ لَا يُفْسَخُ ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ، وَكَانَ الْقَضَاءُ وَقَعَ عَامًّا ، وَفَسْخُ الْأَمْلَاكِ وَنَقْلُهَا جَائِزٌ ، فَجَازَ أَنْ يُفْسَخَ ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ .
618 - 618 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ دَارٌ ادَّعَى ابْنُ أَخِيهِ أَنَّهَا دَارُهُ وَوَرِثَهَا عَنْ أَبِيهِ ، وَادَّعَى رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ أَنَّهَا دَارُهُ ، وَأَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْعَمِّ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يُقِمْ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ شَاهِدَيْنِ حَتَّى مَاتَ الْعَمُّ ، فَصَارَتْ فِي يَدِ ابْنِ الْأَخِ ، ثُمَّ أَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَزُكِّيَتْ الْبَيِّنَتَانِ قَضَيْت بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَلَوْ أَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الْعَمُّ ، ثُمَّ أَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْعَمِّ ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِجَمِيعِ الدَّارِ لِلْأَجْنَبِيِّ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَمَّا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَمِّ لَزِمَهُ نَوْعُ حَجْرٍ فِي حَقِّهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْيَدِ فِيهَا إلَى غَيْرِهِ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالدَّارِ لِغَيْرِهِ ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، فَاسْتُبْقِيَتْ يَدُ الْعَمِّ فِيهِ فِي الْحُكْمِ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ بَقِيَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ حَتَّى أَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، لِأَنَّ كِلَاهُمَا يَكُونَانِ خَارِجَيْنِ ، فَقُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَأَمَّا إذَا أَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ فِي حَيَاةِ الْعَمِّ ثُمَّ مَاتَ الْعَمُّ ، وَصَارَتْ الدَّارُ فِي يَدِ ابْنِ الْأَخِ ، فَلَمْ تُسْبَقْ يَدُهُ فِي الْحُكْمِ ، لِأَنَّ الْحَقَّ وَجَبَ لِابْنِ الْأَخِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَانْتِقَالُهُ إلَى يَدِ ابْنِ الْأَخِ حَقُّهُ أَيْضًا ، فَصَارَ الْمَنْعُ عَنْ انْتِقَالِ الْيَدِ إلَى ابْنِ الْأَخِ حَقَّهُ ، وَحَقُّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّهُ ، فَانْتَقَلَتْ الْيَدُ إلَى ابْنِ الْأَخِ وَصَارَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْهِ ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ فِي الْمَرِيضِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَأَقَرَّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ فِي مَرَضِهِ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ حَقَّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً مِنْهُ
جَازَ ، لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّهُ ، فَلَمَّا أَقَامَ الْأَجْنَبِيُّ الْبَيِّنَةَ صَارَتْ بَيِّنَتُهُ بَيِّنَةَ خَارِجٍ وَبَيِّنَةُ ابْنِ الْأَخِ بَيِّنَةَ صَاحِبِ يَدٍ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَصَاحِبِ الْيَدِ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى .
وَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ .
وَالْمَوْلَى إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ يُرَاعَى قِيمَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ فِي يَدِ الْمُكَاتِبِ فِي الظَّاهِرِ ، لِأَنَّهُ وَلَدُ جَارِيَتِهِ وَالْمَوْلَى بِالدَّعْوَى صَارَ كَالْمُنْتَزِعِ الْوَلَدَ مِنْ يَدِهِ مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ عِنْدَ الدَّعْوَى ، فَكَأَنَّهُ انْتَزَعَ الْوَلَدَ مِنْ يَدِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيُرَاعَى قِيمَتُهُ وَقْتَ الِانْتِزَاعِ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا حَدَثَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَصَارَ أَمِينًا فِيهِ ، فَلَا يَغْرَمُ إلَّا بِالْمَنْعِ ، وَالْمَنْعُ إنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلَبِ ، وَالطَّلَبُ يَكُونُ بِالْخُصُومَةِ ، فَيُرَاعَى قِيمَتُهُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ ، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي وَلَدِ جَارِيَةِ الْمُكَاتِبِ قِيمَتُهُ وَقْتَ الدَّعْوَى .
كِتَابُ الْإِقْرَارِ 620 - إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بِمَالٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَالْآخَرُ مَرِيضٌ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَرِيضِ ، وَيَكُونُ الدَّيْنُ دَيْنَ مَرَضٍ حَتَّى يُؤَخَّرَ عَنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ الَّذِي وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ .
وَلَوْ قَالَ الصَّحِيحُ لِرَجُلٍ : مَا كَانَ لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ ، فَمَرِضَ ، ثُمَّ وَجَبَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ دَيْنٌ ، وَجَبَ عَلَى الْكَفِيلِ ، وَيَكُونُ الدَّيْنُ دَيْنَ الصِّحَّةِ ، فَيُقْضَى مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الدَّيْنُ وَجَبَ بِإِقْرَارِهِ لَا بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ ، لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ إلَى حَالِ الْعَقْدِ إبْطَالُهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عِنْدَ الْعَقْدِ وَاحِدًا بِالضَّمَانِ فَبَقِيَ ضَمَانًا لِلْمَجْهُولِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : ضَمِنْت لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ مَا يَلْزَمُهُ عَلَيْك ، وَإِذَا كَانَ فِي إسْنَادِهِ إبْطَالُهُ لَمْ يُسْنِدْهُ وَجَعَلْنَا الْوُجُوبَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَالْإِقْرَارُ وُجِدَ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، فَكَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ مَرَضٍ ، وَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : مَا بَايَعْت فُلَانًا أَوْ مَا دَارَ لَكَ ، لِأَنَّا لَوْ أَسْنَدْنَا الْوُجُوبَ إلَى الْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلْ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَمَانًا لِلْمَعْلُومِ فِيمَا يُمْكِنُ إسْنَادُهُ إلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ فَأَسْنَدْنَاهُ .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَسْخَ الْمُفَاوَضَةِ وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ ، فَصَارَ بِتَرْكِ الْفَسْخِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الشَّرِيكُ مُلْتَزِمًا حُكْمَ إقْرَارِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَكَانَ دَيْنَ مَرَضٍ ، فَيُؤَخَّرُ عَنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ إذَا وَكَّلَ الصَّحِيحُ وَكِيلًا بِأَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ، فَمَرِضَ الْمُوَكِّلُ وَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ كَانَ فَارًّا ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَرَ عَلَى الْعَزْلِ وَلَمْ يَعْزِلْهُ صَارَ كَأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنْ يَبِيعَ
مَالَهُ فَمَرِضَ ، ثُمَّ بَاعَهُ الْوَكِيلُ مِنْ وَارِثِ الْمَرِيضِ لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى عَزْلِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ صَارَ كَأَنَّهُ جَدَّدَ الْوَكَالَةَ فِي الْمَرَضِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ مَا دَارٌ لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ قَبُولِهَا إلَّا بِرِضَا الْمَكْفُولِ لَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ بِتَرْكِ الْفَسْخِ مُلْتَزِمًا حُكْمَهُ فَلَمْ يَصِرْ كَالْمُجَدِّدِ الْتِزَامًا ، فَلَا يَصِيرُ دَيْنَ مَرَضٍ .
621 - 621 - إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالدَّيْنِ ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَالْوَارِثُ مَرِيضٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَكُونُ دَيْنَ مَرَضٍ ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ صَادِرًا عَنْ الْقَوْلِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ .
وَلَوْ قَالَ الصَّحِيحُ لِرَجُلٍ : مَا كَانَ لَكَ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ ، فَمَرِضَ الْكَفِيلُ ، ثُمَّ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ فَالدَّيْنُ دَيْنُ الصِّحَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الضَّمَانَ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَهُوَ عَقْدُ الْكَفَالَةِ ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لِمَا لَزِمَهُ ، وَذَلِكَ الْقَوْلُ وُجِدَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَكَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ الصِّحَّةِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ فَوُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَارِثِ بِمِلْكِهِ التَّرِكَةَ لَا لِلْإِقْرَارِ إذْ الْإِقْرَارُ سَبَبٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَلَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ شَيْءٌ ، دَلَّ أَنَّ الْوُجُوبَ بِمِلْكِهِ وَالْمِلْكُ حَصَلَ لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَصَارَ الدَّيْنُ دَيْنَ مَرَضٍ .
أَوْ نَقُولُ لَوْ أَسْنَدْنَا الضَّمَانَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ إلَى وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَأَبْطَلْنَاهُ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُقِرًّا عَلَى الْغَيْرِ ، وَهُوَ الْمُوَرِّثُ ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ ، وَإِذَا كَانَ فِي إسْنَادِهِ إبْطَالُهُ لَمْ نُسْنِدْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْكَفَالَةِ ، لِأَنَّا لَوْ أَسْنَدْنَاهُ لَمْ يُبْطِلْهُ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ جَائِزٌ فَأَسْنَدْنَاهُ .
622 - 622 - وَإِذَا قَالَ : هَذَا الثَّوْبُ عِنْدِي عَارِيَّةٌ لِحَقِّ فُلَانٍ ، لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لَهُ بِالْمِلْكِ .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَارِيَّةٌ عِنْدِي لِحَقِّ فُلَانٍ ، كَانَ إقْرَارًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حَقًّا بِعَارِيَّةِ الثَّوْبِ ، وَالْحَقُّ الَّذِي بِعَارِيَّةِ الثَّوْبِ قَدْ يَكُونُ مِلْكًا ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مِلْكٍ ، لِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ ، وَكَذَلِكَ لِأَبِ الصَّغِيرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِلْكٌ ، وَاللَّامُ تَكُونُ لَامَ سَبَبٍ ، وَسَبَبُ الشَّيْءِ يَتَقَدَّمُهُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : هَذَا الثَّوْبُ عِنْدِي عَارِيَّةٌ لِجَارِهِ فُلَانٍ وَعَرَّفَهُ ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حَقًّا بِعَارِيَّةِ الدَّرَاهِمِ وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ تَكُونُ قَرْضًا وَيَكُونُ فِي جِهَاتٍ وَالْحَقُّ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْإِقْرَاضُ إنَّمَا يَكُونُ هُوَ الْمِلْكُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنْ يُقْرِضَا مَالَ الصَّغِيرِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عِنْدِي عَارِيَّةٌ لِمِلْكِ فُلَانٍ : فَكَانَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ ، كَذَا هَذَا .
623 - 623 - إذَا قَالَ لَهُ : عَلَيَّ مِائَةٌ لَا بَلْ مِائَتَيْنِ ، لَزِمَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ لَا بَلْ اثْنَتَانِ ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبٍ سَابِقٍ ، وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْإِيجَابِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَوْجَبْتُ لَكَ عَلَى نَفْسِي كَذَا دِرْهَمًا ، لَا يَلْزَمُهُ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ : لَا بَلْ مِائَتَانِ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي إخْبَارًا ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْإِيجَابِ ، لِأَنَّ فِيهِ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعَادَ الْمِائَةَ الْأُولَى ، وَاسْتَدْرَكَ مِائَةً أُخْرَى وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَزِمَاهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَقَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ظَاهِرُهُ إخْبَارٌ ، إلَّا أَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ ظَاهِرِهِ ، مَجْعُولٌ فِي الشَّرْعِ اسْمًا لِابْتِدَاءِ إيجَابِ الطَّلَاقِ ، فَصَارَ اللَّفْظُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً فِيهِ ، فَصَارَ ابْتِدَاءَ إيقَاعٍ ، فَقَدْ أَوْقَعَ وَاحِدًا وَرَجَعَ عَنْهُ ، وَرُجُوعُهُ لَا يَصِحُّ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَاسْتَدْرَكَ اثْنَتَيْنِ وَاسْتِدْرَاكُهُ يَصِحُّ ، فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا .
624 - 624 - إذَا قَالَ : لَا تَشْهَدْ لِفُلَانٍ عَلَيَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا .
وَلَوْ قَالَ : لَا تُخْبِرْ فُلَانًا وَلَا تَقُلْ لَهُ إنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ .
كَانَ إقْرَارًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تَشْهَدْ لَيْسَ بِنَهْيٍ عَنْ إقَامَةِ الشَّهَادَةِ ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لَا يَصِحُّ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَيَأْثَمُ بِهِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ كَلَامُهُ ، فَلَا يُجْعَلُ نَهْيًا فَصَارَ نَفْيًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا شَهَادَةَ عِنْدَك لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ ، كَذِبًا عَلَيَّ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا .
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : لَا تُخْبِرْ ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْإِخْبَارِ يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنْ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ } فَذَمَّهُمْ عَلَى الْإِخْبَارِ مَعَ وُجُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْإِخْبَارِ بِشَيْءٍ صَحَّ وَلَا يَأْثَمُ ، فَحُمِلَ لَفْظُهُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِخْبَارِ ، وَفِي شَرْطِهِ صِحَّةُ الْإِخْبَارِ بِعَدَمِ الْمُخْبَرِ فِي الْإِثْبَاتِ ، كَذَلِكَ فِي النَّهْيِ ، فَكَأَنَّهُ أَثْبَتَ الْخَبَرَ عَنْهُ فَقَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَلَا يُخْبِرُهُ بِأَنَّ لَهُ عَلَيَّ ذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ إقْرَارًا ، كَذَلِكَ النَّهْيُ .
625 - 625 - إذَا أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَاتَ عَنْهَا ، أَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ وَالَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ عَنْهُ وَهُوَ وَارِثُهُ جَازَ إقْرَارُهُ .
وَلَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ وَمَاتَ الْمَرِيضُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَخُ وَارِثُهُ بَطَلَ إقْرَارُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ فِي الْأَخِ بِالْقَرَابَةِ ، وَالْقَرَابَةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ فَقَدْ سَبَقَ سَبَبُ الْحَجْرِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَمَنَعَ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، كَمَا لَوْ مَرِضَ وَأَقَرَّ لِوَارِثِهِ .
وَأَمَّا فِي الْوَلَاءِ وَالزَّوْجِيَّةِ فَاسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِالْعَقْدِ ، وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالنِّكَاحُ ، وَالْعَقْدُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْإِقْرَارِ ، فَقَدْ تَأَخَّرَ سَبَبُ الْحَجْرِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
626 - 626 - إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَابْنًا فَقَالَ الِابْنُ فِي كَلَامِ مُتَّصِلٍ : لِهَذَا عَلَى أَبِي دَيْنٌ أَلْف دِرْهَمٍ ، وَلِهَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ .
فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ، وَلَوْ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ وَسَكَتَ ، ثُمَّ أَقَرَّ لِلثَّانِي فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالْأَلْفِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِالْأَوَّلِ وَلَا يَقَعُ الثَّانِي ، سَوَاءٌ قَالَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : لِهَذَا عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ إخْبَارٌ ، فَلَوْ قُلْنَا يَقِفُ عَلَى آخِرِ الْكَلَامِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ كَوْنِهِ إخْبَارًا ، وَالْكَلَامُ مِمَّا يَقِفُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ، فَقُلْنَا إنَّهُ يَقِفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى الْأَخِيرِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِمَا مَعًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ - إيقَاعٌ ، فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَقَعُ وَيَقِفُ الطَّلَاقُ عَلَى الثَّانِي لَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا ، وَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا ، وَهُوَ قَدْ قَصَدَ الْإِيقَاعَ لَا التَّعْلِيقَ ، فَقُلْنَا : لَا يَقِفُ فَأَوْقَعْنَاهُ ، وَإِذَا وَقَعَ الْأَوَّلُ بَانَتْ فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ قَوْلَهُ : لِفُلَانٍ عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ، إيجَابُ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ بِإِضَافَةٍ إلَى عَيْنٍ ، وَتَعَلُّقُ الْأَلْفِ الثَّانِي أَيْضًا بِذِمَّتِهِ ، وَتَعَلُّقُ الشَّيْءِ بِذِمَّتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْآخَرِ فَثَبَتَا جَمِيعًا ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى التَّرِكَةِ ، كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَيْنِ بِدُخُولِ وَادٍ ثُمَّ دَخَلَ وَقَعَ الطَّلَاقَانِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مُخْتَلِفًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْ بِالشَّرْطِ فِيهِمَا فَقَدْ أَوْقَعَ الْأَوَّلَ لِإِضَافَتِهِ إلَى عَيْنٍ وَنَفَذَ فَصَارَ يُوقِعُ الثَّانِيَ بَعْدَ نُفُوذِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَعْمَلْ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ أَقَرَّ تِلْكَ الْعَيْنَ لِآخَرَ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
627 - 627 - لَوْ قَالَ : لِهَذَا عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ ، لَا بَلْ لِهَذَا ، قُضِيَ بِالْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الْأَلْفُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ ، لَا بَلْ لِفُلَانٍ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلثَّانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ آخَرَ غَرِمَ لِلثَّانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّرِكَةَ مُبَقَّاةٌ عَلَى حُكْمِ مَالِ الْمَيِّتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ .
فَقَدْ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ بِالْأَلْفِ ، وَتَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ وَتَرْكِ التَّضْيِيعِ ، فَإِذَا أَقَرَّ لِلثَّانِي فَقَدْ ضَيَّعَ الْوَدِيعَةَ فَغَرِمَهَا ، كَمَا لَوْ دَلَّ السَّارِقُ عَلَى الْوَدِيعَةِ ، وَكَذَلِكَ الْغَصْبُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِوُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ ، فَإِذَا أَقَرَّ أَوَّلًا فَقَدْ أَوْجَبَ رَدَّ الْقِيمَةِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يُوجِبْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا ، وَلَا الْتَزَمَ ضَمَانًا ، فَلَا يَغْرَمُ .
إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْهَا لِرَجُلٍ ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَقْسِمُ لَهُ نِصْفَ الدَّارِ ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ سَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَوْ كَانَ عِدْلُ زُطِّيٍّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَوْبٍ بِعَيْنِهِ مِنْهُ لِرَجُلٍ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الثَّوْبِ لِلْمُقَرِّ لَهُ ، وَلَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يُقَاسِمَ شَرِيكَهُ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ سَلَّمَ الْجَمِيعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي الدَّارِ وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا إقْرَارَهُ بِنِصْفِ الْبَيْتِ لَأَدَّى إلَى إضْرَارِ شَرِيكِهِ ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَقْسِمَ الدَّارَ قِسْمَتَيْنِ قِسْمَةً مَعَ الْمُقِرِّ وَقِسْمَةً مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَرُبَّمَا يَتَعَيَّنُ نَصِيبُهُ فِي الدَّارِ فِي مَوْضِعَيْنِ ، وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ الضَّرَرِ عَلَى شَرِيكِهِ بِإِقْرَارِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ فِي نِصْفِ الْبَيْتِ ، وَلَكِنَّ الشَّرِكَةَ اتَّصَلَتْ بِحَقِّ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الثَّلَاثِ الْقِسْمَةَ قَسَمَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِدْلُ لِأَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَإِذَا أَقَرَّ بِثَوْبٍ فَقَدْ أَقَرَّ بِنِصْفِ ثَوْبٍ لَهُ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا إقْرَارَهُ فِيمَا يُصَادِفُ مِلْكَهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِشَرِيكِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَةِ الثِّيَابِ مَرَّتَيْنِ ، وَيَبْقَى ذَلِكَ الثَّوْبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُقِرِّ ، وَلَا يُؤَدِّي تَنْفِيذُ إقْرَارِهِ إلَى الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ .
إذَا قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاهَا فَإِنَّهُ لِي .
لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْبِنَاءِ وَسَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا - مَعْلُومًا - فَإِنَّهُ لِي صُدِّقَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْبَيْتِ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ إلَّا بِنَاهَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْبِنَاءِ أَنَّ الْبِنَاءَ تَبَعٌ لِلدَّارِ وَصِفَةٌ لَهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْبِنَاءِ بِالْعَقْدِ ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ ، فَإِذَا اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ فَقَدْ اسْتَثْنَى التَّبَعَ ، وَبَقِيَ الْمَتْبُوعُ ، فَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْإِقْرَارِ مَا يُوجِبُ دُخُولَ الْبِنَاءِ فِيهِ ، فَدَخَلَ كَمَا لَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ إلَّا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْتُ ، لِأَنَّ الْبَيْتَ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلدَّارِ وَلَا صِفَةٍ لَهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ بَعْضٌ مِنْهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ، فَصَارَ كَدِرْهَمٍ مِنْ الْعَشَرَةِ ، وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا ، كَانَ إقْرَارًا بِالتِّسْعَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْبِنَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فِي الدَّارِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْبِنَاءَ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى تَسْلِيمِ الْأَرْضِ إلَّا بِنَقْضِ الْبِنَاءِ فَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ وَإِذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ .
وَأَمَّا الْبَيْتُ لَيْسَ بِمُسْتَهْلَكٍ فِي الدَّارِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ فَجَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ الْبِنَاءِ ، فَقَدْ بَقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَا يُوجِبُ دُخُولَ الْبِنَاءِ فِيهِ وَهُوَ اسْمُ الدَّارِ ، وَقَوْلُهُ إلَّا الْبِنَاءَ رُجُوعٌ وَرُجُوعُهُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ لَا يَجُوزُ فَبَقِيَ الْإِقْرَارُ مُطْلَقًا بِالدَّارِ فَدَخَلَ
الْبِنَاءُ فِيهِ .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ صَارَ رُجُوعًا عَمَّا أَوْجَبَ ، وَرُجُوعُهُ عَمَّا أَوْجَبَ لِلْمُشْتَرِي جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبُولِ فَلَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ عُشْرَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ اللَّفْظِ مَا يُوجِبُ دُخُولَ الْجَمِيعِ فِيهِ وَهُوَ الدَّارُ ، لِأَنَّ ثُلُثَيْ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
630 - 630 - رَجُلٌ لَهُ جَارِيَةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَأَقَرَّ بِالْجَارِيَةِ لِإِنْسَانٍ لَا يَدْخُلُ الْوَلَدُ فِي الْإِقْرَارِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ .
وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ لَهُ قُضِيَ لَهُ بِهَا وَبِوَلَدِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُبْهَمِ يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الْأَصْلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبِيَاعَاتِ تَنْفَسِخُ إذَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدَيْ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأَصْلِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمْ تَزَلْ كَانَتْ لَهُ فَيَكُونُ وَلَدُهَا لَهُ .
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ الْأَصْلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبِيَاعَاتِ لَا تَصِحُّ إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرُ لِإِنْسَانٍ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ اسْتِحْقَاقًا مِنْ الْأَصْلِ صَارَ اسْتِحْقَاقًا فِي الْحَالِ فَصَارَ اسْتِحْقَاقًا بِالْإِقْرَارِ فِي الْحَالِ كَاسْتِحْقَاقِهَا فِي الْحَالِ بِالشِّرَاءِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا لَمْ يَتْبَعْهَا وَلَدُهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُجْعَلَ يَدُهُ يَدَ غَصْبٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ يَدُ غَصْبٍ لَمَا جَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الشَّيْءَ مِنْ فُلَانٍ وَأَنْكَرَهُ فُلَانٌ ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ يَدَهُ لَمْ تَكُنْ يَدَ غَصْبٍ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ جِهَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ غَصْبٍ فَهَذِهِ جَارِيَتُهُ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِقْرَارِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ يَدَ غَصْبٍ ، إذْ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ يَدَهُ يَدَ غَصْبٍ لَجَازَ أَنْ يُقِرَّ لِغَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ يَدَهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ فِي
الْأَصْلِ ، فَيَكُونَ الْوَلَدُ حَادِثًا لَهُ ، ثُمَّ مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَقَرَّ لَهُ بِهِ فَلَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ .
631 - 631 - وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَانَ جَائِزًا ، إذَا كَانَ الدَّيْنُ وَجَبَ فِي الصِّحَّةِ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِقَبْضِهِ فِي مَرَضِهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ وَاجِبًا فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَحَقُّ الْعَقْدِ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ لَهُ بِقَوْلِهِ لَهُ اسْتَوْفَيْت ، وَالْعَقْدُ وُجِدَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، فَقَدْ سَبَقَ وُجُوبُ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ لَهُ اسْتَوْفَيْت - تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ، فَصَارَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ مُتَأَخِّرًا عَنْ حَقِّهِ ، وَالْحَقُّ السَّابِقُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ .
وَأَمَّا إذَا أَوْجَبَ الدَّيْنَ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَحَقُّ الْعَقْدِ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْت فِي أَثْنَاءِ الْمَرَضِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، فَقَدْ سَبَقَ تَعَلُّقَ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ فِي وُجُوبِ حَقِّ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْت ، وَالْحَقُّ السَّابِقُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ فَكَانَ أَوْلَى .
أَوْ نَقُولُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إنَّ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْت وَالْعَقْدُ بَاقٍ فَبَقِيَ حُكْمُهُ فَيَبْرَأُ بِقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْتُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ فِي حَالِ الْمَرَضِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْعَقْدِ لَمْ يُوجِبْ لَهُ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ اسْتَوْفَيْت فَصَارَ بِالْإِقْرَارِ يُسْقِطُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ بِبَدَلٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي تَجْوِيزِ إقْرَارِهِ بِقَبْضِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِبَدَلٍ ، فَكَذَلِكَ جَازَ إقْرَارُهُ ، وَأَمَّا إذَا وَجَبَ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَلِأَنَّ وُجُوبَهُ بِتَرْكِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ، فَكَانَ فِي تَجْوِيزِ إقْرَارِهِ
بِقَبْضِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
632 - 632 - وَإِذَا وَكَّلَ الْمَرِيضُ رَجُلًا بِقَبْضِ دَيْنٍ لَهُ ، فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ الْوَكِيلُ : قَبَضْتُ وَدَفَعْتُ إلَيْهِ .
لَمْ يُصَدَّقْ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ، فَبَاعَهُ بِالْقِيمَةِ بِشُهُودٍ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ : قَبَضْت الثَّمَنَ وَدَفَعْته إلَيْهِ .
فَهُوَ مُصَدَّقٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارًا بِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْقَبْضُ ، فَلَمْ يَبْرَأْ الْمَطْلُوبُ .
وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ وَاجِبٌ لَهُ بِالْعَقْدِ لَا التَّوْكِيلِ ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ فَبَقِيَ حُقُوقُهُ ، فَكَانَ لَهُ الْقَبْضُ فَصُدِّقَ فِي إقْرَارِهِ ، فَقَدْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى مَنْ جُعِلَ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، كَالْمُودَعِ إذَا قَالَ : رَدَدْت الْوَدِيعَةَ .
633 - 633 - وَإِذَا وَكَّلَ الْمَرِيضُ وَكِيلًا بِبَيْعِ مَتَاعٍ لَهُ ، فَمَاتَ الْمَرِيضُ وَالْمَتَاعُ مُسْتَهْلَكٌ ، فَقَالَ الْوَكِيلُ : بِعْت الْمَتَاعَ وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَضَاعَ .
وَلَمْ يُعْرَفْ مَنْ اشْتَرَاهُ ، فَالْوَكِيلُ مُصَدَّقٌ .
وَلَوْ كَانَ الْمَتَاعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ، وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ مَعْرُوفٌ ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ ، وَيَكُونُ الْمَتَاعُ لِلْوَرَثَةِ ، إذْ التَّرِكَةُ أَعْيَانٌ فَتُوَرَّثُ .
وَالْفَرْقُ لَيْسَ هَا هُنَا عَيْنٌ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُمْ بِإِقْرَارِهِ ، فَصَارَ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ، وَحَقُّ الْقَبْضِ وَجَبَ لَهُ بِالْعَقْدِ وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَقَبَضَهُ فَصُدِّقَ فِي إقْرَارِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعَيْنَ مُوَرَّثٌ لِلْوَارِثِ وَأَنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ ، وَحَقُّ التَّصَرُّفِ وَجَبَ بِالتَّوْكِيلِ وَالتَّوْكِيلُ بَطَلَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ ، فَصَارَ يُقِرُّ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا يُصَدَّقُ .
634 - 634 - إذَا أَقَرَّ الْوَصِيُّ بِقَبْضِ جَمِيعِ مَالِ الْمَيِّتِ عَلَى فُلَانٍ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ فُلَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَدْ قَبَضَهَا الْوَصِيُّ ، فَقَالَ الْوَصِيُّ : أَنَا مَا قَبَضْتُ مِنْك إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْغَرِيمِ تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ لَهُ فِي الْأَصْلِ كَانَ هُوَ الْعَاقِدُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْغَرِيمُ : لَا بَلْ كَانَتْ أَلْفًا وَقَدْ قَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْفِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَفَسَّرَ الْجَمِيعَ بِالْمِائَةِ ، وَهُوَ فِي الْكَلَامِ لَمْ يُفَصِّلْ ، وَلَمْ يَقْطَعْ ، حَتَّى انْعَقَدَ بِتَفْسِيرِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِائَةٌ ، وَلَمْ يُصَدَّقْ هَذَا عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ بِتَسْمِيَةِ الْمِائَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ صَارَ مُبَرَّئًا عَمَّا زَادَ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَكَأَنَّهُ قَبَضَ مِائَةً ، وَالْبَرَاءَةُ عَنْ الْبَاقِي لَا تَصِحُّ ، لِأَنَّ إبْرَاءَ الْوَصِيِّ عَنْ مَالِ الصَّبِيِّ لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْعَاقِدُ ، فَبَقِيَ الْمَالُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا كَانَ هُوَ الْعَاقِدُ أَوْ كَانَ الْمَالُ لَهُ جَازَ إبْرَاؤُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا فَافْتَرَقَا .
635 - 635 - وَلَوْ أَنَّ وَصِيًّا بَاعَ خَادِمًا لِلْوَرَثَةِ فَأَشْهَدَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ ثَمَنِهَا وَهُوَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي : بَلْ كَانَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ ، وَلَا يَكُونُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتْبَعَهُ بِالْخَمْسِينَ الْفَاضِلَةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَهُوَ جَمِيعُ الثَّمَنِ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ مِائَةً وَخَمْسِينَ .
كَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالْخَمْسِينَ الْفَاضِلَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : قَبَضْت جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ .
فَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِ جَمِيعِ الثَّمَنِ ، وَقَوْلُهُ : وَهُوَ كَذَا تَفْسِيرٌ لَهُ ، فَقَدْ فَسَّرَ الْمَقْبُوضَ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ كَفَى ، فَلَغَا التَّفْسِيرُ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَلَا يُتْبِعُهُ بِشَيْءٍ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : قَبَضْت مِائَةً .
فَقَدْ سَمَّى الثَّمَنَ فِي حَالٍ : يُرْجَعُ فِي بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ ، لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِالِاسْتِيفَاءِ ، فَصُدِّقَ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ مِائَةٌ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالزِّيَادَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُتْبِعَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ قَوْلَهُ : اسْتَوْفَيْت جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مُبْهَمٌ ، وَهُوَ هَكَذَا مُفَسَّرٌ مَعْلُومٌ ، وَالْمُبْهَمُ يُفَسَّرُ بِالْمَعْلُومِ فَانْعَقَدَ بِتَفْسِيرِهِ ، وَصَارَ بِتَسْمِيَتِهِ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِ مِيرَاثًا عَنْ الْبَاقِي فَصَحَّ إبْرَاؤُهُ ، لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ ، وَحَقُّ الْقَبْضِ وَجَبَ لَهُ وَإِذَا قَالَ : اسْتَوْفَيْت مِائَةَ دِرْهَمٍ وَهُوَ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِ ، فَقَدْ فَسَّرَ الْمَعْلُومَ بِالْمُبْهَمِ ، وَالْمَعْلُومُ لَا يُفَسَّرُ بِالْمُبْهَمِ فَلَغَا التَّفْسِيرُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَبَقِيَ مُقِرًّا بِقَبْضِ الْمِائَةِ فَلَهُ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالزِّيَادَةِ .
636 - 636 - وَلَوْ أَنَّ وَصِيًّا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ مَا فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ مِنْ مَتَاعِهِ وَمِيرَاثِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : مِائَةُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ أَثْوَابٍ ، فَأَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ مَاتَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ ثَوْبٍ لَمْ يَلْزَمْ الْوَصِيَّ أَكْثَرُ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى جَمِيعَ مَا لِلْمَيِّتِ عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ ، ثُمَّ أَقَامَ الْوَارِثُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَهُ فِي مِيرَاثِهِ يَوْمَ مَاتَ لَا يُنْبِئُ عَنْ كَوْنِهِ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ قَبَضَ الْوَصِيُّ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ قَبَضَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْوَصِيَّ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ شَيْءٌ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ جَمِيعِ الدَّيْنِ ، لِأَنَّ كَوْنَهُ عَلَيْهِ يَوْمَ مَاتَ يُنْبِئُ عَنْ كَوْنِهِ يَوْمَ قَبَضَ ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِغَيْرِ الْوَصِيِّ أَنْ يَقْبِضَ دَيْنَهُ ، فَوَجَبَ اسْتِبْقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ ، فَلَزِمَهُ مِقْدَارُ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ .
637 - 637 - وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : تَزَوَّجْتُك أَمْسِ فَقَالَتْ : لَا ، ثُمَّ قَالَتْ : بَلَى ، فَقَالَ : لَا .
لَزِمَهُ النِّكَاحُ .
وَلَوْ قَالَ : لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : لَا ، ثُمَّ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : نَعَمْ ، فَقَالَ الْمُقِرُّ : لَا .
لَا يَلْزَمُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنِّكَاحِ إقْرَارٌ تَحْتَهُ دَعْوَى ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ ، وَالتَّكْذِيبُ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ ، وَلَا يُبْطِلُ الدَّعْوَى فَبَقِيَ دَعْوَاهُ فَإِذَا صَدَّقَهُ نَفَذَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالْمَالِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَا يَسْتَوِي بِهِ دَعْوَةُ الْإِبْرَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ ، وَتَكْذِيبُهُ يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فَلَمْ يَبْقَ إقْرَارٌ ، فَلَا يُصَدَّقُ بِهِ .
638 - 638 - إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : أَنَا عَبْدُك ، ثُمَّ قَالَ : لَا ، ثُمَّ قَالَ : بَلْ أَنْتَ عَبْدِي ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَبْدَهُ ، وَلَا يَكُونُ نَفْيُهُ هَذَا شَيْئًا .
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ فَقَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لَكَ ، فَقَالَ : لَا ، ثُمَّ قَالَ : نَعَمْ .
فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ ، وَيَكُونُ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جُحُودَهُ لَا يُبْطِلُ الرِّقَّ ، فَإِذَا ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالرِّقُّ بَاقٍ صَحَّ دَعْوَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِمَا .
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَمَّا رَدَّ إقْرَارَهُ ارْتَدَّ وَحُكِمَ بِالْمِلْكِ لَهُ ، فَلَوْ قَبِلْنَا دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِ الْيَدِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَحِقًّا لِلْحَقِّ بِدَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ .
639 - 639 - وَإِذَا قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ اشْتَرَيْته مِنْهُ ، فَوَصَلَهُ بِإِقْرَارِهِ ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ ، فَقُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ اسْتِحْسَانًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْحَالِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَاضِي ، يُقَالُ : هَذِهِ دَارُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ، وَدَارُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ .
يَعْنِي كَانَتْ دَارِهِ ، { وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبِلَالٍ : أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ } فَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ ، فَلَمَّا قَرَنَ بِهِ دَعْوَى الشِّرَاءِ فَقَدْ اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إخْبَارًا عَنْ الْمِلْكِ الْمَاضِي ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : " كَانَ لِفُلَانٍ وَاشْتَرَيْته فَصُدِّقَ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ مَوْصُولًا فَلَمْ يَقْرِنْ بِاللَّفْظِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمِلْكِ فِي الْمَاضِي ، فَصَارَ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ ، فَإِذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ كَانَ مُدَّعِيًا الشِّرَاءَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَيُكَذِّبُهُ إقْرَارُهُ الْأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ الثَّانِي ، فَلَمْ يُصَدَّقْ .
640 - 640 - إذَا كَاتَبَ الْمَرِيضُ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ ، جَازَ ، وَعَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَلَوْ كَانَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ فِي الصِّحَّةِ ، فَأَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ فِي حَالَ الْمَرَضِ ، جَازَ ، وَعَتَقَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، وَحَقُّ الْعَقْدِ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْت ، فِي أَثْنَاءِ مَرَضِهِ ، فَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ ، فَكَانَ الْحَقُّ السَّابِقُ أَوْلَى ، كَدَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، وَثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ حَقُّ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْت فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، وَالْحُقُوقُ الْمُتَأَخِّرَةُ لَا تَمْنَعُ الْحُقُوقَ السَّابِقَةَ ، فَكَانَتْ السَّابِقَةُ أَوْلَى .
وَلِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ، فَمَالُ الْكِتَابَةِ وَجَبَ بَدَلًا عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَوَجَبَ مَالُ الْكِتَابَةِ بِبَدَلٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا لَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ، فَإِقْرَارُهُ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَجَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ .
641 - 641 - إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ عَبْدًا مِنْ آخَرَ وَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ جَازَ ، وَكَانَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ .
وَلَوْ كَاتَبَ فِي الْمَرَضِ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ بِالْبَيْعِ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ ، وَانْقَطَعَ حَقُّ الْوَرَثَةِ عَنْهُ ، فَصَارَ الثَّمَنُ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ لِلْأَجْنَبِيِّ ، فَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَائِهِ ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ .
صُدِّقَ .
وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَمْ يَزَلْ مِلْكَ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، فَصَارَ هُوَ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْتُ مَالَ الْكِتَابَةِ يَقْطَعُ حَقَّ الْوَرَثَةِ عَنْ رَقَبَتِهِ ، فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ .
642 - 642 - إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ، فَصَالَحَهُ مِنْ الْعَمْدِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، صُدِّقَ .
وَلَوْ غُصِبَ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ فَأَقَرَّ بِاسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ ، لَمْ يُصَدَّقْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ الْيَدِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ ، وَحَقَّ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَطْرَافِهِ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْحُرِّ لَا تُسْتَحَقُّ فِي الدُّيُونِ ، فَلَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارِهِ قَاطِعًا بِهِ حَقَّ الْغُرَمَاءِ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَغْصُوبُ ، لِأَنَّهُ مَالٌ : فَوُجُوبُهُ بِبَدَلٍ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ، فَصَارَ بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ يُسْقِطُ حَقَّ الْغُرَمَاءِ ، وَيَقْطَعُ حَقَّهُمْ عَمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ وَهَبَ مَالَهُ فِي مَرَضِهِ ابْتِدَاءً .
فَإِنْ قِيلَ رَقَبَةُ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، وَهُوَ مَالٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَقَطَعَ يَدَهُ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ نِصْفِ الْقِيمَةِ صُدِّقَ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ مَالًا فَوُجُوبُهُ بِالْجِنَايَةِ ، وَهِيَ إتْلَافٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ .
643 - 643 - إذَا بَاعَ الصَّحِيحُ عَبْدًا ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ مَرِضَ الْبَائِعُ ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ ، وَمَاتَ الْمَرِيضُ ، فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْعَبْدِ عَيْبًا ، فَرَدَّهُ بِقَضَاءٍ ، وَلَمْ يَحْبِسْ الْعَبْدَ لِيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ ، وَلَكِنَّهُ سَلَّمَهُ إلَى الْوَرَثَةِ ، فَإِنَّ الْغُرَمَاءَ أَحَقُّ بِمَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ ، فَإِذَا بَقِيَ لَهُمْ شَيْءٌ بِيعَ هَذَا الْعَبْدُ فَضَرَبُوا مَعَ الْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِهِ .
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَبَاعَ الْمَوْلَى مِنْهُ عَبْدًا ، وَلَمْ يُمْسِكْهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ ، وَسَلَّمَهُ إلَى الْعَبْدِ ، لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وَجَبَ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَوْلَى بِإِمْسَاكِهِ ، وَلَهُ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ ، فَإِذَا رَدَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ ، فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ أَيْضًا وَجَبَ فِي الْعَيْنِ ، فَاسْتَوَيَا كَدَيْنِ الصِّحَّةِ .
وَأَمَّا الْمَوْلَى فَقَدْ وَجَبَ لَهُ حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُجُوبُ ضَمَانِ الدَّيْنِ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَإِذَا سَلَّمَهُ لِلْعَبْدِ فَقَدْ أَبْطَلَ اخْتِصَاصَهُ بِالْعَيْنِ فَبَطَلَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي الْعَيْنِ حَقٌّ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهَنُ لَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الرَّهْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ اسْتَهْلَكَهُ لَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْمُرْتَهَنِ ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَيْنِ فَإِذَا رَدَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ فِي الِاخْتِصَاصِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي الْعَيْنِ حَقٌّ ، فَسَاوَى سَائِرَ الْغُرَمَاءِ .
644 - 644 - وَإِذَا بَاعَ الصَّحِيحُ عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ مَرِضَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ فِي صِحَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ صُدِّقَ .
وَالْفَرْقُ : أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ، فَصَارَ مُتَبَرِّعًا بِالْبَرَاءَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ فِي حَالِ مَرَضِهِ أَنَّهُ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى التَّقْدِيمِ ، وَجُعِلَ كَالْوَاهِبِ فِي الْحَالِ ، كَذَلِكَ هَذَا وَتَبَرُّعُهُ فِي الْحَالِ لَا يَصِحُّ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ ، لِأَنَّهُ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ أَقَرَّ بِمَا هُوَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ الْإِقْرَارُ حَقُّ الْمُشْتَرِي ، لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْمُشْتَرِي بِحَقِّ الْعَقْدِ لِلْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ : اسْتَوْفَيْتُ فِي الصِّحَّةِ ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَرَضِهِ ، فَكَانَ السَّابِقُ أَوْلَى ، كَدَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ابْتِدَائِهِ فَيُوجِبُهُ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَبْرَأهُ فِي الْحَالِ لَمْ يَصِحَّ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْتَدِئَ فَيَسْتَوْفِيَ ، فَيَقْدِرَ عَلَى الْإِقْرَارِ ، فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَالَةِ التَّقْدِيمِ جُعِلَ كَالْفَاعِلِ فِي الْحَالِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى فِي حَالِ الْمَرَضِ فَصَحَّ .
645 - 645 - إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا يُعْرَفُ لَهَا نَسَبٌ ، فَأَقَرَّتْ أَنَّهَا ابْنَةُ هَذَا الرَّجُلِ ، وَالرَّجُلُ أَبُو الزَّوْجِ ، فَصَدَّقَهَا الْأَبُ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، صُدِّقَتْ ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِأَجْنَبِيٍّ ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، وَلَمْ يُقِرَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي النِّكَاحِ ، لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كَوْنَهَا مَمْلُوكَةً لِأَجْنَبِيٍّ لَا يُنَافِي عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ النِّكَاحَ جَازَ ، وَالْعَقْدُ قَدْ صَحَّ فِي الظَّاهِرِ وَهِيَ بِإِقْرَارِهَا لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ إثْبَاتَ مَعْنًى يُفْسَخُ بِهِ عَقْدٌ قَدْ صَحَّ فِي الظَّاهِرِ فَلَمْ تُصَدَّقْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّسَبُ ، لِأَنَّ كَوْنَهَا أُخْتًا لَهُ يَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ، فَهِيَ تُبَيِّنُ بِقَوْلِهَا أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ عَقْدًا ، فَجَازَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهَا ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَالِ لَوْ أَرَادَتْ إبْطَالَ عَقْدٍ قَدْ صَحَّ فِي الظَّاهِرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا ، كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ ، قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ، وَسُمِعَتْ دَعْوَاهُ ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِي ، وَإِنَّمَا غَصَبْتُهُ مِنْ فُلَانٍ ، لَمْ يُصَدَّقْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ فِي الظَّاهِرِ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ ، وَالرِّقُّ طَارِئٌ بِإِقْرَارِهَا ، فَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ ، كَالزَّوْجَيْنِ إذَا نُسِبَا .
وَفِي النَّسَبِ الْعَقْدُ قَدْ صَحَّ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْأُخُوَّةُ طَارِئَةٌ ، وَالنَّسَبُ الطَّارِئُ يُبْطِلُ النِّكَاحَ ، كَالْأُخُوَّةِ الطَّارِئَةِ بِالرَّضَاعِ .
646 - 646 - إذَا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً بِأَلْفٍ فَاشْتَرَى ، فَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُكَهَا بِأَلْفٍ ، وَقَالَ الْآمِرُ : اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ ، فَقَالَ الْمَأْمُورُ : إنَّمَا اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةٍ فَهِيَ لِي ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَلْفٍ فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي يَمِينَ الْآمِرِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةٍ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ ، أَخَذَ الْمَأْمُورُ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي : اشْتَرَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَمَا قَالَ الْآمِرُ ، وَأَخَذَ الْآمِرُ الْجَارِيَةَ مِنْ الْبَائِعِ ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْعِلْمِ ، أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ مِنْ الْآمِرِ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي زَعْمِ الْآمِرِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لِلْبَائِعِ فِي حَقِّ الْإِمْسَاكِ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْإِمْسَاكِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَالْآمِرُ لَوْ أَمْسَكَ بَعْدَ مَا نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ لَأَمْسَكَ دَيْنَ الْمَأْمُورِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَفِيدَ بِهِ حَقَّ الْإِمْسَاكِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ ، وَالْبَائِعُ قَدْ أَخَذَ الثَّمَنَ ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الثَّمَنَانِ دَرَاهِمَ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْآمِرِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِلْبَائِعِ فِي حَقِّ الْإِمْسَاكِ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْإِمْسَاكِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَالْآمِرُ لَوْ أَمْسَكَ لَأَمْسَكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةٍ ، فَقَدْ ادَّعَى ذَلِكَ الْحَقَّ وَزِيَادَةً وَادَّعَى حَقَّ الْحَبْسِ بِهِ ، فَكَانَ لَهُ حَبْسُهُ .
647 - 647 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : لَهُ عَلَيَّ مَعَ كُلِّ دِرْهَمٍ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ ، طَلُقَتْ ثَلَاثًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَرْفَ " كُلَّ " إذَا دَخَلَ عَلَى نَكِرَةٍ اقْتَضَى اسْتِيعَابِ الْجَمِيعِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } وَالطَّلَاقُ ذُو عَدَدٍ مَحْصُورٍ ، فَإِذَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ حَرْفُ " كُلٍّ " اقْتَضَى اسْتِيعَابَ الْجَمِيعِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَقَعَ الثَّلَاثُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَ لَهَا حَاصِرٌ يَحْصُرُهَا فَصَارَ إدْخَالُ حَرْفِ الْكُلِّ لَهُ لِلْإِحَاطَةِ بِأَجْزَائِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ أَجْزَاءِ جُمْلَةِ دَرَاهِمَ أُخَرَ ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ ، كَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الْوَكَالَةِ 648 - إذَا قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَأَنْتَ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِهَا .
أُجْبِرَ عَلَى تَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ .
فَإِنَّهُ وَأَنْتَ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ إلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يُصَادِفُ مِلْكَ نَفْسِهِ ، لِأَنَّ الدَّيْنَ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ ، وَمَا فِي ذِمَّتِهِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ إلَى أَنْ يَقْبِضَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ ، فَصَادَفَ إقْرَارُهُ مِلْكَ نَفْسِهِ فَصُدِّقَ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ ، لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُقَرِّ لَهُ ، فَصَادَفَ إقْرَارُهُ مِلْكَ غَيْرِهِ ، فَلَا يَعْمَلُ إقْرَارُهُ .
وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَإِقْرَارُهُ بِالْعَيْنِ يُصَادِفُ مِلْكَ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِ ، وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ يُوجِبُ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ مِنْ الْقَبْضِ ، لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَقْبِضُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ الْقَبْضِ بِنَفْسِهِ ، وَإِقْرَارُهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يُقْبَلُ ، فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ فِي بَابِ الدَّيْنِ لَوْ صَدَّقْنَاهُ فِي إقْرَارِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ( لَمْ يُؤَدِّ إلَى ) إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ ، لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ فَجَحَدَ الْوَكَالَةَ أَمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ الْغَرِيمِ ، وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ قَبْلَ إقْرَارِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ ، لِأَنَّا لَوْ صَدَّقْنَاهُ وَأَلْزَمْنَاهُ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ إلَيْهِ لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعُودُ فَيَجْحَدُ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ عَيْنَ مِلْكِهِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَابِضُ قَدْ أَتْلَفَ ذَلِكَ ، أَوْ غَابَ أَوْ تَلِفَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ ، ( فَإِنْ أَدَّى ) تَصْحِيحُ إقْرَارِهِ وَالْأَمْرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَائِبِ لَمْ يُصَحِّحْهُ .
649 - 649 - إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يُؤَاجِرَ أَرْضَهُ فَآجَرَهَا ، ثُمَّ فَسَخَ الْإِجَارَةَ أَوْ قَبِلَهَا بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَقْبُوضَةً لَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ جَازَ .
وَلَوْ وَكَّلَ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ أَرْضًا فَاسْتَأْجَرَهَا ، ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ ، جَازَ .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَفْسَخَ عَلَى مُوَكِّلِهِ ( قَبَضَ أَوْ لَمْ ) يَقْبِضْ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ مَقْبُوضَةً فَقَدْ تَعَيَّنَ مِلْكُ الْآجِرِ فِي الْأُجْرَةِ وَمَلَكهَا ، فَصَارَ هُوَ بِالْفَسْخِ يَبْطُلُ مِلْكُهُ ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَقْبِضْ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْأُجْرَةَ ، وَإِنَّمَا وُجِدَ سَبَبُ الْمِلْكِ ، فَصَارَ الْوَكِيلُ بِالْفَسْخِ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّمَلُّكِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ مِلْكُهُ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ التَّمَلُّكِ ؛ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالِاسْتِئْجَارِ فَالْمَنَافِعُ بَاقِيَةٌ فِي ضَمَانِ الْمُؤَاجِرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ فَاتَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُكْرِي ، وَالْوَكِيلُ إذَا فَسَخَ فَهُوَ قَدْ امْتَنَعَ مِنْ التَّمَلُّكِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ ابْتِدَاءً وَلَمْ يَعْقِدْ .
وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَقَدْ تَعَيَّنَ مِلْكُ الْآمِرِ فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ ، فَصَارَ بِالْفَسْخِ يَبْطُلُ مِلْكُهُ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ .
650 - 650 - إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِدَرَاهِمَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ طَعَامًا فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا ، وَلَوْ اشْتَرَى لَحْمًا أَوْ فَاكِهَةً لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ حَلَفَ أَلَا يَأْكُلَ طَعَامًا فَأَكَلَ فَاكِهَةً أَوْ لَحْمًا حَنِثَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : اشْتَرِ لِي طَعَامًا .
لَفْظُ عُمُومٍ أُطْلِقَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ ، لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومِهِ لَأَبْطَلْنَا التَّوْكِيلَ ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْعِمَةِ فِي الْعَالَمِ ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ ، فَصَارَ هَذَا لَفْظَ عُمُومٍ أُطْلِقَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ ، فَانْصَرَفَ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ ، وَأَخَصُّ الْخُصُوصِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا ، فَإِذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً فَالْعَادَةُ جَرَتْ بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُشْتَرَى بِهِ الْخُبْزُ ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَى بِهَا الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا ، فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَالْعَادَةُ جَرَتْ بِأَنْ يُشْتَرَى بِهِ الْخُبْزُ ، فَالْعُرْفُ ( قَرِينَةٌ أُقْرِنَتْ ) بِهِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ ، فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا فِي الْيَمِينِ فَقَدْ بَقِيَ أَكْلُ الْمُسَمَّى طَعَامًا وَتَرْكُ أَكْلِ الْجَمِيعِ مُمْكِنٌ ، فَأَمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَعُمُومِهِ ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَكَلَهُ دَخَلَ فِي الِاسْمِ فَحَنِثَ .
651 - 651 - وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْآمِرُ : أَمَرْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، أَوْ بِدَنَانِيرَ ، أَوْ بِحِنْطَةٍ ، أَوْ بِشَعِيرٍ ، وَقَالَ : لَا ، بَلْ أَمَرْتَنِي بِخَمْسِينَ دِينَارًا .
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُضَارِبُ بِالْمَالِ ( وَرَبُّ الْمَالِ ) فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ : أَمَرْتُك أَنْ تَعْمَلَ فِي الْبَزِّ أَوْ الْحِنْطَةِ ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ أَمَرْتَنِي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ تَنْعَقِدُ عَلَى الْخُصُوصِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك بِكَذَا .
فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِي حِفْظِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَقَطْ ، وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي التَّصَرُّفِ فَإِذَا ادَّعَى زِيَادَةً ( فِي التَّصَرُّفِ ) فَهُوَ يَدَّعِي زِيَادَةً لَا يَقْتَضِيهَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي زِيَادَةً تَقْتَضِي خِلَافَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُوجَبِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُضَارَبَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْعُمُومِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : دَفَعْتُ إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ .
اقْتَضَى عُمُومَ التَّصَرُّفِ ، فَإِذَا ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ نَوْعًا مِنْ الْمَالِ دُونَ نَوْعٍ فَقَدْ اقْتَضَى شَرْطًا زَائِدًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا يُصَدَّقُ .
652 - 652 - إذَا وَكَّلَ أَبُو الصَّبِيِّ وَكِيلًا يَبِيعُ مَالَ الصَّبِيِّ فَمَاتَ الْأَبُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ .
وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ نَصَّبَ قَاضِيًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَنْعَزِلْ الْقَاضِي .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْإِمَامِ وَقَعَ لِسَائِرِ النَّاسِ ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُمْ تَوَلَّوْا بِأَنْفُسِهِمْ ، فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْإِمَامِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَبُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ وَقَعَ لِلصَّبِيِّ ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ ، فَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّ الصَّبِيَّ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ فَبَقِيَ الْأَبُ هُوَ الْآمِرُ ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَ أَمْرُهُ فَبَطَلَ أَمْرُ مَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ جِهَتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَلَوْ مَاتَ الِابْنُ وَجَبَ أَلَّا يُبْطِلَ وَكَالَتَهُ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ بَاقٍ .
قُلْنَا : وَإِنْ بَقِيَ الْآمِرُ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي انْعَقَدَ فِيهِ التَّوْكِيلُ قَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ ، فَصَارَ زَوَالُهُ بِمَوْتِهِ كَزَوَالِهِ بِبَيْعِهِ ، وَلَوْ بَاعَ الْمُوَكِّلُ مَا وَكَّلَ بِبَيْعِهِ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
653 - 653 - إذَا قَالَ : بِعْهُ وَاشْهَدْ عَلَيْهِ .
فَبَاعَهُ وَلَمْ يُشْهَدْ ، جَازَ .
وَلَوْ قَالَ : بِعْهُ وَارْتَهِنْ بِثَمَنِهِ ، فَبَاعَ وَلَمْ يَرْتَهِنْ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ ، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ ضَرَرٌ جَازَ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَيْنِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ بِعْ وَارْتَهِنْ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ ضَرَرًا ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ الْتِزَامِ حُكْمِهِ ، فَلَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : اشْتَرِ لِي عَبْدًا تَامًّا ، فَاشْتَرَى لَهُ نِصْفَ عَبْدٍ ، لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَذَا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الرَّهْنَ صِفَةٌ لِلثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّهْنِ ، لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى وَدَفَعَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا رَغِبَ الْبَائِعُ فِي مُبَايَعَتِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ بِالثَّمَنِ رَهْنًا لَا يَرْغَبُ فِي مُبَايَعَتِهِ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ مَوْصُوفٍ ، فَإِذَا بَاعَ بِغَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَأَلْحَقَ بِهِ ضَرَرًا لَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِدَرَاهِمَ جِيَادٍ فَبَاعَهُ بِزُيُوفٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِشْهَادُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ لِلثَّمَنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّغَبَاتِ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْبَيْعِ بِالْإِشْهَادِ وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِثَمَنٍ مَوْصُوفٍ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ ، وَأَمَرَهُ بِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِشْهَادُ ، فَإِذَا بَاعَ فَقَدْ فَعَلَ بَعْضَ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ فَجَازَ .
654 - 654 - إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدٍ لَهُ ، فَبَاعَهُ الْآمِرُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ الْآمِرُ ، ثُمَّ عَجَزَ ، فَرُدَّ فِي الرِّقِّ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُكَاتِبَهُ ثَانِيًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِشَيْئَيْنِ بِأَنْ يَعْقِدَ ، وَيَلْتَزِمَ حُقُوقَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّسْلِيمَ فَإِذَا بَاعَهُ الْآمِرُ فَقَدْ فَعَلَ بَعْضَ مَا أَمَرَ بِهِ وَبَقِيَ الْوَكِيلُ مَأْمُورًا بِالْتِزَامِ حُقُوقِ عَقْدٍ يَقَعُ لَهُ ، وَهُوَ لَا يَصِلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَعْقِدَ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ أَمْرٌ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ ( لَا تَتَعَلَّقُ ) بِالْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ مَالِ الْكِتَابَةِ ، فَإِذَا كَاتَبَهُ فَقَدْ فَعَلَ جَمِيعَ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَانْعَزَلَ الْوَكِيلُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : عَزَلْتُك .
655 - 655 - إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ عَبْدًا ثُمَّ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ الْعَبْدَ ، وَيَضْمَنَ الْوَكِيلُ نِصْفَ قِيمَتِهِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ عَبْدًا لِنَفْسِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ سَقَطَ نِصْفُ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنَايَةَ الْوَكِيلِ أَوْجَبَتْ ضَمَانًا ؛ لِأَنَّا لَوْ فَسَخْنَا الْعَقْدَ لَعَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِ الْمُوَكِّلِ ، فَيُصَادِفُ جِنَايَةُ الْوَكِيلِ مِلْكَ غَيْرِهِ ، فَيَجِبُ الضَّمَانُ ، فَهَذِهِ جِنَايَةٌ أَوْجَبَتْ الضَّمَانَ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَمْ نُوجِبْ الْقِيمَةَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا نُوجِبُ بِجِنَايَتِهِ وَقَدْ فَاتَ الْمَبِيعُ إلَى خَلَفٍ ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ بِبَقَاءِ خَلَفِهِ ، كَالْأَجْنَبِيِّ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ الْمُوَكِّلُ يَدَهُ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا تُوجِبُ ضَمَانًا ، لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الْقِيمَةِ لِحَقِّ الْعَقْدِ لَأَعَدْنَاهُ إلَى مِلْكِهِ ، فَكَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ لَا تُوجِبُ ضَمَانًا ، فَقَدْ فَاتَ الْمَبِيعُ لَا إلَى خَلَفٍ ، فَلَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ لِانْتِفَاءِ خَلَفِهِ فَبَطَلِ ، كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ .
أَوْ نَقُولُ : لَمْ يَسْتَفِدْ الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ ، فَصَارَ الْوَكِيلُ كَالْأَجْنَبِيِّ ، وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ .
وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فَهُوَ قَدْ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ تُوجِبُ تَفْوِيتَ التَّسْلِيمِ ، وَتَفْوِيتُ التَّسْلِيمِ يُوجِبُ عَوْدَهُ إلَى مِلْكِهِ ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى مِلْكِهِ لَا تُوجِبُ ضَمَانًا ، فَمِنْ حَيْثُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا يُوجِبُهُ فَسَقَطَ أَصْلًا ، وَفَاتَ لَا إلَى خَلَفٍ ، فَبَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ مَاتَ .
656 - 656 - الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ .
وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ زَالَتْ الْيَدُ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا التَّصَرُّفَ فَزَالَ ذَلِكَ التَّسْلِيطُ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ .
وَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ بَعْدُ فَقَدْ بَقِيَتْ الْيَدُ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا التَّصَرُّفَ ، فَبَقِيَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ وَإِنْ زَالَ التَّسْلِيطُ ، كَالْمَوْلَى إذَا حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ ، جَازَ إقْرَارُهُ ، وَلَوْ انْتَزَعَ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ يَدَ الْمُوَكِّلِ لَمْ تُعِدْهُ لِلْبَائِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَهُوَ بِالرَّدِّ يُزِيلُ يَدًا لَمْ تُعِدْهُ لِلْبَائِعِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ ، لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ يُزِيلُ يَدًا قَدْ أَفَادَهُ الْبَائِعُ فِي عَقْدِ تَعَلُّقِ حُقُوقِهِ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ .
657 - 657 - وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ حِنْطَةً مِنْ الْعَرَاءِ فَاشْتَرَاهَا وَاسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ اسْتَحَقَّ الْآجِرُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً مِنْ قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْمِصْرِ وَاسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَنْقُلَهَا إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَجْرُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي الْحِنْطَةَ مِنْ الْمِصْرِ ، وَيَنْقُلُهُ إلَى بَيْتِهِ فَصَارَ كَالْمَنْطُوقِ بِهِ وَتَعْيِينُهُ بِالْعُرْفِ كَتَعْيِينِهِ بِالنُّطْقِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ خَارِجَ الْمِصْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِأَنَّهُ يَشْتَرِي الْحِنْطَةَ مِنْ الْقُرَى ، وَيَنْقُلُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تُنْقَلُ وَرُبَّمَا يَتْرُكُ هُنَاكَ ، فَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِذْنَ فِي النَّقْلِ ، فَصَارَ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكَرِيِّ .
658 - 658 - إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ فَاشْتَرَاهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ ثَانِيًا ، فَإِنْ أَخَذَهُ فَتَلِفَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ ثَانِيًا .
وَلَوْ دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً إلَى إنْسَانٍ ، فَاشْتَرَى شَيْئًا ، فَتَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَى الْبَائِعِ ، فَلِلْمُضَارِبِ الرُّجُوعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، فَإِنْ رَجَعَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْقِدَهُ لِلْبَائِعِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَرَابِعًا وَخَامِسًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ كَانَ مَضْمُونًا لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِضَمَانٍ مُنْعَقِدٍ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَصْلُحُ التَّوْكِيلُ بِهِ ، كَمُسْلِمٍ وَكَّلَ مُسْلِمًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا لَا يَجُوزُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنَ وَأَمَرَهُ بِشِرَائِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، فَدَلَّ أَنَّ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِضَمَانٍ مُنْعَقِدٍ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ ، فَوَقَعَ الْعَقْدُ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ فَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا قَبَضَ فَقَدْ قَبَضَ مَضْمُونًا لَهُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَرْجِعُ ثَانِيًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُضَارِبُ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالَ الْمُضَارِبِ ( لَمْ تَكُنْ ) مُضَارَبَةً ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ مَرَّةً فَتَلِفَ ثُمَّ قَبَضَ ثَانِيًا فَتَلِفَ كَانَ الْجَمِيعُ رَأْسَ الْمَالِ ، فَصَارَ الْمَقْبُوضُ أَمَانَةً ، فَإِذَا تَلِفَ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ ، ( وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ ) كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ ثَانِيًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
659 - 659 - إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِكُلِّ قَلِيلٍ لَهُ وَكَثِيرٍ لَهُ فِي مَالِهِ كَانَ وَكِيلًا فِي حِفْظِهِ ، وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ لَهُ فِي التَّقَاضِي وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِدَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا بِقَبْضِ الدَّيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مُطْلَقَ الْوَكَالَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْحِفْظِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاَللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } يَعْنِي حَفِيظٌ ، يُوجِبُ { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } أَيْ بِحَفِيظٍ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُك بِحِفْظِ كُلِّ مَالِي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : وَكَّلْتُك بِدَيْنِي ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّوْكِيلِ يَقْتَضِي الْحِفْظَ فَقَطْ إلَّا أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ حِفْظُهُ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَصَارَ جَوَازُ الْقَبْضِ مُسْتَفَادًا بِالْأَمْرِ بِالْحِفْظِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : اقْبِضْ وَاحْفَظْ ، فَإِذَا قَبَضَهُ كَانَ بِإِذْنِهِ .
660 - 660 - وَإِذَا وَكَّلَ الْوَصِيُّ وَكِيلًا بِدَفْعِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ جَازَ .
وَالْوَكِيلُ بِالدَّفْعِ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِالدَّفْعِ لَا يَجُوزُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالْوِلَايَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ سُقُوطِ أَمْرِ الْآمِرِ وَيَجُوزُ ، فَصَارَ كَالْأَبِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ بَعْدَ ( مَوْتِ الْآمِرِ ) وَقَدْ خَصَّهُ الْآمِرُ بِالْأَمْرِ ، فَاخْتَصَّ بِهِ ، وَلَمْ يَعْدُهُ ، كَمَا لَوْ خَصَّهُ بِالْحِفْظِ ، بِأَنْ أَوْدَعَهُ شَيْئًا اخْتَصَّ بِهِ وَلَمْ يَعْدُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
661 - 661 - إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا آخَرَ ، وَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي إنْ يُوَكِّلَ ثَالِثًا .
وَلَوْ دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً إلَى رَجُلٍ ، وَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ .
جَازَ لَهُ أَنْ يُضَارِبَ غَيْرَهُ ، وَلَوْ قَالَ الثَّانِي لِلثَّالِثِ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، فَلِلثَّانِي أَنْ يُضَارِبَ الثَّالِثَ وَكَذَلِكَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَكَّلْتُكَ ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْحِفْظَ فَقَطْ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ أَيْضًا ، وَإِذَا كَانَ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ فِي قَوْلِهِ مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ زِيَادَةً مُلْحَقَةً بِالْعَقْدِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ وَهُوَ الْخُصُوصُ فَلَمْ ( يَتَعَدَّ إلَى ) غَيْرِهِ .
وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَمُطْلَقُهَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : دَفَعْتُ إلَيْك مُضَارَبَةً .
فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً وَأَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَتَصَرَّفَ ، وَقَوْلُهُ : مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، زِيَادَةٌ أُلْحِقَتْ بِالْعَقْدِ ، فَكَانَ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ حُكْمُ أَصْلِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْمَهْرِ وَغَيْرِهِ ، وَأَصْلُ الْمُضَارَبَةِ لَا يُحْفَظُ وَيَتَعَدَّاهُ ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُضَارِبَ فَكَذَلِكَ مَا أُلْحِقَ بِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ أَصْلِهِ ، فَلِلثَّانِي أَنْ يُضَارِبَ .
662 - 662 - وَإِذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَرْهَنَ لَهُ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فَرَهَنَهُ عِنْدَ ابْنِهِ الْكَبِيرِ ، أَوْ عِنْدَ تَاجِرٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ .
وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ ، أَوْ عَبْدِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْأَبِ فِي رَهْنٍ عِنْدَ ابْنِهِ وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَأْذُونِ فَهُوَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ رَهَنَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ .
وَأَمَّا فِي الْمَبِيعِ فَلَهُ حَقٌّ فِي مَالِ ابْنِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ إلَى مَالِهِ فِي النَّفَقَةِ أُوجِبَ لَهُ ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ صَحَّ ، فَإِذَا بَاعَ مِنْ ابْنِهِ فَقَدْ اسْتَوْجَبَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَوْجَبَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا رَهَنَ عِنْدَ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ يُعَاقِدُ نَفْسَهُ ، فَلَمْ يَجُزْ .
663 - 663 - إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَمَاتَ الْمُوَكِّلُ ، فَقَالَ الْغَرِيمُ : قَدْ أَدَّيْت الدَّيْنَ إلَى الْوَكِيلِ ، وَقَالَ الْوَكِيلُ : قَدْ كُنْتُ قَبَضْتُ الْمَالَ وَدَفَعْتُ إلَى الْمُوَكِّلِ ، لَا يُصَدَّقُ الْغَرِيمُ وَلَا الْوَكِيلُ .
وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ وَدِيعَةً ، وَوَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِهَا ، وَمَاتَ الْمُوَكِّلُ ، فَقَالَ الْمُودَعُ : قَدْ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ إلَى الْوَكِيلِ ، وَقَالَ الْوَكِيلُ : قَدْ كُنْتُ قَبَضْتُ وَرَدَدْتُهَا إلَى الْمُوَكِّلِ .
فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ فِي إقْرَارِهِ ، كَالْوَكِيلِ إذَا قَالَ بَعْدَ الْعَزْلِ : قَدْ كُنْتُ بِعْتُ لَمْ يُصَدَّقْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي بَابِ الْوَدِيعَةِ أَقَرَّ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْقَبْضِ ، إلَّا أَنَّ الْمُودَعَ أَمِينٌ فِيهِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ جُعِلَ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ نُغَرِّمْهُ فَيُجْعَلُ الشَّيْءُ كَالتَّالِفِ فِي يَدِهِ ، وَلَوْ أُتْلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَذَلِكَ هَذَا .
664 - 664 - إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ إنْسَانٍ عَبْدًا وَوَكَّلَ بِقَبْضِهِ ، فَقُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً ، كَانَ لِلْمُسْتَوْدِعِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَبْدِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ .
وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ مِنْ الْمُودَعِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْمُودَعِ فِي الْحِفْظِ ثَبَتَ فِي الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ إنْسَانًا لَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ كَانَ خَصْمًا فِي ارْتِجَاعِهِ ، وَلَوْ سَرَقَهُ سَارِقٌ كَانَ لِلْمُودَعِ حَقُّ الْقَطْعِ ، إذَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ سَرَى إلَى الْبَدَلِ ، كَالرَّهْنِ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحِفْظِ فِي الْعَيْنِ وَلَا يَصِلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِقَبْضِ الْقِيمَةِ ، فَكَانَ لَهُ قَبْضُهَا وَحِفْظُهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَلِأَنَّهُ بِالتَّوْكِيلِ لَمْ يَجِبْ لَهُ حَقٌّ فِي الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبِضَ عَبْدًا مِنْ زَيْدٍ فَغُصِبَ مِنْ يَدِ زَيْدٍ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ خَصْمًا فِي قَبْضِهِ مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْقَبْضِ جِنَايَةٌ فَلَمْ يَثْبُتْ وَحَقُّهُ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَسْرِي إلَى الْبَدَلِ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَقُتِلَ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ قِيمَتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
665 - 665 - إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ أَمَةٍ فَوَلَدَتْ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ .
وَلَوْ قُتِلَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالْقَبْضِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحِفْظِ فِي الْعَيْنِ ، فَاسْتَنَدَ ثُبُوتُ هَذَا الْحَقِّ إلَى الْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَلَوْ قَبَضَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ فَسَرَى حَقُّ حِفْظِهِ إلَى النَّمَاءِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فِي الْعَيْنِ حَتَّى يَسْتَنِدَ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَجِبْ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ ، فَلَا يَسْرِي إلَى النَّمَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَأَخَذَ الْوَكِيلُ الْأُمَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْأَرْشِ سَبِيلٌ ، وَلَا يُقَالُ أَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِي الْعَيْنِ بِالْقَبْضِ فَاسْتَنَدَ كَمَا يُقَالُ فِي الْوَلَدِ .
قُلْنَا : الْأَرْشُ بَدَلُ الْيَدِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فِي الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ فَلَمْ يَصِرْ قَابِضًا الْعَيْنَ بِكَمَالِهِ ، فَلَمْ يَسْرِ هَذَا الْقَبْضُ إلَى النَّمَاءِ الَّذِي تَوَلَّدَ مِنْ الْجُزْءِ الْمَقْطُوعِ ، وَصَارَ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْبُضِ الْعَيْنَ أَصْلًا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقَبْضِ الْأَمَةِ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا مُتَّصِلٌ بِهَا فَصَارَ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّهُ يَقْبِضُ الْأُمَّ كُلَّهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْقِيمَةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ بِجُزْءٍ مِنْهَا وَهُوَ قَدْ خَصَّ الْقَبْضَ بِهَا فَلَا يَعْدُوهَا ، فَصَارَ كَمَالٍ لَهُ آخَرَ ، وَلَا يَأْخُذُ مَالًا آخَرَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
666 - 666 - وَإِذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَكِيلًا فِي شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِهِ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ وَكِيلًا .
وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدُ أَوْ اشْتَرَى فَوَكَّلَ وَكِيلًا فِي حُقُوقِ عَقْدِهِ ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حُقُوقَ الْقَبْضِ وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ لَا بِالْإِذْنِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَبِالْحَجْرِ لَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْعَقْدُ فَلَمْ يُبْطِلْ حُقُوقَهُ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْتَدِئَ فَيَقْبِضَ وَيَتَوَلَّى حُقُوقَ عَقْدِهِ بِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ .
وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِهِ فَجَوَازُ تَصَرُّفِهِ بِالْأَمْرِ ، وَالْأَمْرُ ارْتَفَعَ بِالْحَجْرِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَبْتَدِئَ فَيَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ وَكِيلُهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ ، جَازَ ، وَكَانَتْ امْرَأَتَهُ .
وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ ، وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ خَالَفَهُ الْوَكِيلُ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَوَّجَهُ يَقُولُ : زَوَّجْتُك مِنْ فُلَانٍ ، وَلَوْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ ( لَقَالَ تَزَوَّجْتُ ) فُلَانَةَ ، وَإِذَا خَالَفَهُ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ لَقَالَ : اشْتَرَيْتُ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ لَقَالَ أَيْضًا : اشْتَرَيْتُ ، فَقَدْ وَافَقَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَهُوَ قَدْ الْتَزَمَ بِعَقْدِ التَّوْكِيلِ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ لَهُ ، فَإِذَا عَقَدَ كَذَلِكَ وَقَعَ لَهُ ، وَلَوْ قُلْنَا لَا يَقَعُ لَهُ لَصَارَ عَازِلًا نَفْسَهُ ، وَعَزْلُهُ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ ، فَلَمْ يَنْعَزِلْ .
668 - 668 - وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ عَبْدٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَوَكَّلَ الْغَرِيمُ الْمَوْلَى أَنْ يُبْرِئَ عَبْدَهُ ، جَازَ ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ الَّذِي لَهُ عَلَى الْعَبْدِ ، لَا يَجُوزُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِيفَاءِ يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْغَرِيمِ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ اسْتَوْفَيْتُ ، وَيَلْحَقُ الْمَوْلَى التُّهْمَةُ فِي إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الْوَكَالَةَ يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ التُّهْمَةِ ، فَلَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْإِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطُ الْحَقِّ ، وَلَا يَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِيهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا التَّوْكِيلَ لَبَرِيءَ بِقَوْلِهِ : أَبْرَأْتُكَ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَلْحَقَهُ التُّهْمَةُ فِيهِ ، فَوُجِدَ مُقْتَضَى التَّوْكِيلِ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَبْرِئْ نَفْسَكَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ ، جَازَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
669 - 669 - إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا جَارِيَةً ، فَاشْتَرَى وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ فَوَجَدَهَا الْبَائِعُ زُيُوفًا فَرَدَّهَا عَلَى الْوَكِيلِ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهَا تَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ .
وَلَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَرَدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانٌ وَهَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْآمِرِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الزُّيُوفَ أَوْ الْبَهْرَجَةَ تَدْخُلُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِهِ لَجَازَ ، فَالْمُشْتَرِي قَدْ قَضَى بِهَا مَضْمُونًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ قَدْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَجَعَلَهَا أَمَانَةً عِنْدَهُ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ ، فَإِذَا قَضَى فَقَدْ ارْتَفَعَ عَقْدُ الْأَمَانَةِ وَقَدْ قَضَى مَضْمُونًا ، فَإِذَا رَدَّ عَادَ إلَى الضَّمَانِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدِ عَقْدِ أَمَانَةٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّتُّوقَةُ لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ، فَلَمْ يَصِرْ الْمَنْقُودُ قَبْضًا ، وَهُوَ قَدْ جُعِلَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ ، فَلَمْ يَقَعْ الْقَضَاءُ بِالْأَدَاءِ فَإِذَا رَدَّ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ ، فَبَقِيَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ ، فَإِذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ .
670 - 670 - وَلَوْ أَنَّ مُدَبَّرًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَشْتَرِيه لِلْعَبْدِ عَتَقَ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُشْتَرِي سَبِيلٌ .
وَلَوْ أَمَرَهُ الْعَبْدُ الْقِنُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَاشْتَرَاهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَشْتَرِيه لِلْعَبْدِ ، فَالْعَبْدُ حُرٌّ ، وَالْأَلْفُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالدُّخُولِ مَعَهُ فِي الشِّرَاءِ مُلْتَزِمٌ حُكْمَ عَقْدِهِ ، وَشِرَاءُ الْمُدَبَّرِ لَا يُوجِبُ ضَمَانَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي .
وَفِي الْعَبْدِ بِالدُّخُولِ مَعَهُ فِي الشِّرَاءِ الْتَزَمَ حُكْمَ عَقْدِهِ ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْعَبْدِ يُوجِبُ ضَمَانَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَزِمَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ نَفْسَ الْعَقْدِ لَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْبَدَلِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِضَمَانِ الْبَدَلِ وُجُوبُ حَقِّ الْقَبْضِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي لَا يُوجِبُ لِلْعَاقِدِ حَقَّ الْقَبْضِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانَ الْبَدَلِ ، كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ فَثَبَتَ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ يُوجِبُ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ وَالْمُدَبَّرُ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ نَفْسَهُ مِنْ الْمَوْلَى ، فَلَزِمَ الْوَكِيلَ إلْزَامًا بِقَبْضِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّ الْوَكِيلَ قَبَضَهُ ، وَلَوْ قَبَضَ الْمُدَبَّرَ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ لَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ، وَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ أَيْضًا ، فَلَزِمَ الْوَكِيلَ الرِّضَا بِقَبْضِهِ ، فَكَأَنَّ الْوَكِيلَ قَبَضَ ، وَلَوْ قَبَضَ الْوَكِيلُ مِنْ الْمَوْلَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ كَانَ الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَكَانَ قَبْضُهُ مَضْمُونًا ، كَذَلِكَ هَذَا .
671 - 671 - إذَا قَالَ : أَنْتَ وَكِيلُ فُلَانٍ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ .
وَدَفَعَ الدَّيْنَ إلَيْهِ ، فَتَلِفَ عِنْدَهُ الْوَكِيلُ وَجَحَدَ الْوَكَالَةَ ، فَلَيْسَ لِلدَّافِعِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلَ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا الشَّيْءُ لَك فَبِعْهُ مِنِّي .
فَبَاعَهُ مِنْهُ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي ، رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِغَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ قَبَضَ ثَمَنَ مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَقَبْضُ ثَمَنِ مِلْكِ الْغَيْرِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَلْزَمُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَفِي الْوَكَالَةِ لَمَّا جَحَدَ لَمْ يُثْبِتْ الْوَكَالَةَ ، فَصَارَ قَابِضًا مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَكَالَةٍ ، فَصَارَ مُؤْتَمَنًا ، وَقَبْضُهُ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ يُوجِبُ أَلَا يَكُونَ مَضْمُونًا كَمَا لَوْ دُفِعَ إلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لِيُوَصِّلَهُ إلَى الْغَرِيمِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ، وَكَوْنُ الْمِلْكِ لَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الثَّمَنِ عِنْدَ فَوْتِ التَّسْلِيمِ ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَجَعَ الثَّمَنُ ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ .
وَفِي الْوَكَالَةِ إقْرَارُ الْمِلْكِ لِلْغَرِيمِ ، فَإِذَا كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقَضَاءُ ، فَبَقِيَ مُؤْتَمِنًا إيَّاهُ ، وَكَوْنُهُ أَمَانَةً يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ .
672 - 672 - إذَا قَالَ رَجُلٌ لِلرَّجُلِ : اشْتَرِ لِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ جَارِيَةً ، فَقَالَ الْمَأْمُورُ : نَعَمْ ، وَالدَّرَاهِمُ سَتُّوقَةٌ أَوْ بَهْرَجَةٌ أَوْ رَصَاصٌ أَوْ زُيُوفٌ لَا يَعْرِفُ الْمَأْمُورُ ، وَالْآمِرُ يَعْرِفُ ، فَالْوَكَالَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الْجِيَادُ ، وَكَذَلِكَ إنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ ، فَإِذَا عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ انْعَقَدَ بِالْمَعْنَى .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِدَرَاهِمَ إلَى بَائِعٍ وَقَالَ : بِعْنِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ كَذَا وَكَذَا .
فَبَاعَهُ مَا قَالَ فَإِذَا الدَّرَاهِمُ زُيُوفٌ أَوْ بَهْرَجَةٌ وَعَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ بِالْمَعْنَى ، وَإِذَا كَانَتْ سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصَةً فَعَلَى الْمُشْتَرِي بَدَلُهُ جَيِّدَ نَقْدِ الْبَلَدِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزُّيُوفِ عِلْمُ كُلِّ وَاحِدٍ بِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَتِهِ لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ ، إمَّا لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ أَوْ لِإِلْحَاقِ ضَرَرٍ ، وَفِي الْوَكَالَةِ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهَا لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ يَلْحَقُهُ لِكَوْنِ الدَّرَاهِمِ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً ، فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ إزَالَةَ جَمِيعِ جِهَاتِ الضَّرَرِ وَالْجَهَالَةِ ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهُ فَعِنْدَهُ أَنَّ صَاحِبَهُ غَارٌّ لَهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ وَاحِدٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ فَإِذَا لَمْ تَزُلْ جَمِيعُ جِهَاتِ الضَّرَرِ فَاعْتُبِرَ التَّسْمِيَةُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَائِعِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَةِ الدَّرَاهِمِ لِزَوَالِ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُهُ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ زُيُوفًا أَوْ بَهْرَجَةً فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَدْ زَالَ الضَّرَرُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، وَإِذَا زَالَ جَمِيعُ جِهَاتِ الضَّرَرِ انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِالْمَعْنَى دُونَ الْمُسَمَّى ، وَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِهِ ، وَفِي السَّتُّوقَةِ لَمْ يَقَعْ الْقَضَاءُ بِهَا فَبَقِيَ الْمُسَمَّى وَاجِبًا .
673 - 673 - إذَا قَالَ لِرَجُلٍ : آجِرْهُ دَارِي هَذِهِ بِعَبْدٍ ، فَأَجَّرَهَا بِعَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ قَالَ : تَزَوَّجْ لِي فُلَانَةَ عَلَى عَبْدٍ ، أَوْ اخْلَعْ امْرَأَتِي عَلَى عَبْدٍ .
فَخَلَعَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تُشْبِهُ الْمُعَاوَضَةَ وَالْعَقْدَ عَلَى الْمَالِ مِنْ وَجْهٍ ، وَتُشْبِهُ الْعَقْدَ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ مِنْ وَجْهٍ ، أَمَّا شَبَهُهَا بِالْمَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَنَافِعَ تَصِيرُ مَالًا بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا ، وَتُشْبِهُ الْعَقْدَ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَارًا فَسَكَنَهَا لَا يُوجِبُ الْأَجْرَ ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِدَارٍ لَمْ يَجِبْ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ ، فَلَوْ قُلْنَا : إنَّهُ يَجُوزُ عَلَى حَيَوَانٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ؛ لَأَلْحَقْنَاهُ لِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَأَبْطَلْنَا شَبَهَهُ بِالْمَالِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَيُوجَبُ مِنْ الشَّبَهَيْنِ .
أَوْ نَقُولُ : لَمَّا أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الْأَصْلَيْنِ غَلَّبْنَا جِهَةَ الْمَالِيَّةِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّحْوِيلَ وَالنَّقْلَ إلَى غَيْرِهِ ، فَصَارَ كَالْمَالِ وَالْحَيَوَانِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَالسَّلَمِ .
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَالْبُضْعُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَلَا يُشْبِهُ الْعَقْدَ عَلَى الْأَمْوَالِ بِوَجْهٍ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يُؤَدِّ إلَى إبْطَالِ شَبَهِهِ بِالْمَالِ ، فَجَوَّزْنَا عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْمَالِ ، وَإِنَّمَا لَا تُضْمَنْ بِالْغَصْبِ ، لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ ، وَالْحَيَوَانُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، بِخِلَافِ الْبُضْعِ وَالدَّمِ الْعَمْدِ ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ .
كِتَابُ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ 674 - إذَا كَفَلَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمْ شَاءَ بِنَفْسِ الْأَوَّلِ ، وَأَيُّهُمْ دَفَعَ بِنَفْسِهِ إلَيْهِ بَرِيءَ هُوَ وَصَاحِبَاهُ .
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ ، وَكَفَلَ بِهِ آخَرُ فَدَفَعَهُ أَحَدُهُمْ إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ صَاحِبُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُمْ الْتَزَمُوا تَسْلِيمًا وَاحِدًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا اشْتَرَكُوا فِي الضَّمَانِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَجِبَ تَسْلِيمُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ كَالْآذِنِ لِصَاحِبِهِ فِي تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ ، فَإِذَا وَفَّاهُ أَحَدُهُمْ بَرِئُوا جَمِيعًا مَا لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى التَّسْلِيمِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ضَمِنَ غَيْرَ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَنْفَصِلَ الْخُصُومَةُ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ ضَمِنَ غَيْرَ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ فَلَا يَبْرَأُ بِتَسْلِيمِ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ كَمَا لَوْ كَفَلَ كُلُّ وَاحِدٍ دَيْنًا عَلَى حِدَةٍ .
675 - 675 - وَإِذَا كَفَلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَأَدَّى أَحَدُهُمْ شَيْئًا مِنْهُ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى ثُمَّ رَجَعَا عَلَى الثَّالِثِ بِثُلُثِ مَا أَدَّى ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى .
وَلَوْ اشْتَرَيَا مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ ، وَضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ الثَّمَنَ عَنْ صَاحِبِهِ ، أَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ، فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ ، .
إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ الْجِهَةُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ الْكَفَالَةُ ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَصْلًا وَبَعْضُهَا كَفَالَةً ، فَإِذَا كَانَتْ الْجِهَةُ وَاحِدَةً اسْتَوَيَا فِيهِ ، فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ صَاحِبِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِمَا ، وَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ الْجِهَةُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ مَضْمُونٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِالْكَفَالَةِ ، إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ لَكَانَ بَعْضُهُ أَصْلًا وَبَعْضُهُ كَفَالَةً ، وَالْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ ، فَاسْتَوَيَا فِيهِ ، فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَصَاحِبِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَاكَ جِهَتَانِ بَعْضُهُ بِالْأَصْلِ وَبَعْضُهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْ صَاحِبِهِ ، فَإِذَا أَدَّى شَيْئًا وَقَعَ عَنْ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الْفَرْعِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى النِّصْفِ ، إذْ لَوْ جَعَلْنَا بَعْضَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لِيَرْجِعَ عَلَى شَرِيكِهِ لَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّي ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ، فَجَعَلْنَاهُ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفْسِهِ ، فَإِذَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَقَعَ عَنْ شَرِيكِهِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ حَيْثُ يَجْعَلُ أَدَاءَ بَعْضِ الْمَالِ عَنْ
صَاحِبِهِ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ أَدَاءَهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَالِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِالْكَفَالَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ حَيْثُ لَهُ أَدَاءُ الْبَعْضِ عَنْهُ وَأَدَاءُ الْجَمِيعِ فَإِذَا أَدَّى بَعْضًا رَجَعَ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ وَالدَّيْنُ ، لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيمَا دُونَ النِّصْفِ لَكَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَجْعَلَ عَنْهُ ، فَيَقُولُ : إنْ جَعَلْتَهُ عَنْ كَفَالَتِهِ عَنِّي جَعَلْتُهُ عَنْ كَفَالَتِي عَنْك حَتَّى أَرْجِعَ عَلَيْكَ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْهُ فَوَقَعَ الْأَدَاءُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَجْعَلَ صَاحِبَهُ أَدَّاهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا النِّصْفُ فَوَقَعَ عَنْ صَاحِبِهِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ .
676 - 676 - الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ .
وَالْوَكَالَةُ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُوَكِّلِ لَا يَجُوزُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْوَكَالَةِ إيجَابَ حَقٍّ لِنَفْسِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ، وَهُوَ تَنْفِيذُ إقْرَارِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ أَوْ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ، وَإِيجَابُ الْحَقِّ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَا الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ حَقٍّ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَحَمُّلُ حَقٍّ مَضْمُونٍ عَنْهُ وَتَحَمُّلُ الْحَقِّ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ .
677 - 677 - إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ الْمُدَبَّرُ ، فَكَفَلَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى عَنْ الْمَوْلَى بِمَالٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى ، فَاخْتَارَ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ وَيَتْبَعُونَهُ بِدَيْنِهِمْ بَعْدَ الْمُعْتَقِ .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْعَبْدِ أُمُّ وَلَدٍ فَعَتَقَتْ ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَفَالَةِ يَسْتَسْعِيهَا مَعَ غُرَمَائِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْبِضُ رَقَبَتَهُ وَصِيَّةً ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْبِضُ رَقَبَتَهُ وَصِيَّةً ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَجَبَتْ السِّعَايَةُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَصَارَ بَقَاءُ تِلْكَ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ كَبَقَاءِ الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ ، وَإِذَا بَقِيَ الرِّقُّ صَارَ هَذَا دَيْنًا وَجَبَ عَلَى الرَّقِيقِ ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ .
وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبِضُ رَقَبَتُهَا وَصِيَّةً ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَسْعَى لِغَرِيمٍ وَلَا لِوَارِثٍ ، فَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَى عِتْقِهَا ، إذْ لَا يَجِبُ اسْتِبْقَاءُ الرِّقِّ فِيهَا فَعَتَقَتْ ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَيْهَا بِالْكَفَالَةِ ، وَعَلَيْهَا دَيْنُ نَفْسِهَا ، وَصَارَتْ كَحُرَّةٍ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهَا دُيُونٌ ، فَاشْتَرَكُوا جَمِيعًا فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ .
678 - 678 - إذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ وَلَمْ يُؤَدِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالدَّيْنِ ، حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .
وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالثَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ طَلَبَ الْمَكْفُولِ لَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَوَجَّهَنَا عَلَيْهِ طَلَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِمَالٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْبَائِعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ سَاقِطٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا لَهُ الرُّجُوعَ لَمْ يُؤَدِّ إلَى أَنْ يَتَوَجَّهَ طَلَبَانِ بِمَالٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَجَازَ .
679 - 679 - وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا خَلِيطًا لَهُ أَنْ يَنْقُدَ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْهُ فَنَقَدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ غَلَّةً أَوْ بَهْرَجَةً لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا بِمِثْلِ مَا أَعْطَى .
وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْمَأْمُورِ كَفِيلٌ عَنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ رَجَعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِحَقِّهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْخَلِيطِ وُجُوبَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّي ، لَا بِمَا يَمْلِكُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِمَّتِهِ ضَمَانٌ قَبْلَ الْأَدَاءِ بِمِلْكِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْقُدَ أَلْفًا فَنَقَدَ مِائَةً وَأَبْرَأهُ مِنْ الْبَاقِي أَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَدَلَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يُؤَدِّي لَا بِمَا يَمْلِكُ ، وَقَدْ أَدَّى الزُّيُوفَ وَالْغَلَّةَ فَرَجَعَ بِمَا أَدَّى ، كَمَا لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْهُ فِي الْوَزْنِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يَمْلِكُ ، لَا بِمَا يُؤَدِّي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَالُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ يَمْلِكُ عَلَيْهِ بَدَلَهُ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ تِسْعمِائَةٍ وَقَبَضَ مِائَةً رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ وَهُوَ الْأَلْفُ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يَمْلِكُ وَقَدْ مَلَكَ الْأَلْفَ بِمَا ضَمِنَ ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ ، كَمَا لَوْ أَدَّى أَقَلَّ مِنْ الْوَزْنِ .
680 - 680 - إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ مِنْ الْمَالِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ فَهُوَ بَرِيءٌ .
وَلَوْ أَبْرَأَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ كَانَ الْمَالُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ وَهَبَ الْمَالَ مِنْ الْكَفِيلِ أَوْ الْأَصِيلِ فَأَبَيَا الْقَبُولَ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِلتَّمْلِيكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَادَفَ عَيْنًا لَا يُفِيدُ التَّمْلِيكَ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : أَبْرَأْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ ، لَمْ يَمْلِكْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ ، وَفِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الْحَقِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ، وَفِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ فِي الْأَصْلِ بِفَسْخِ الْكَفَالَةِ إسْقَاطٌ دُونَ التَّمْلِيكِ ، فَإِذَا قَالَ لِلْكَفِيلِ : أَبْرَأْتُك ، حُمِلَ عَلَى فَسْخِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى تَمَحَّضَ إسْقَاطًا وَلَهُ فَسْخُ الْكَفَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : فَسَخْتُ الْكَفَالَةَ مِنْ الْأَصْلِ ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى فَسْخِ الْكَفَالَةِ صَارَ صَرِيحَ إسْقَاطِ الْحَقِّ ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَعْتَقَ عَبْدَهُ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّهُ لَوْ أَخَذَ عَنْ الْكَفِيلِ فَرَدَّ الْأَصِيلَ بَقِيَ حَالًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إسْقَاطًا مِنْ الْأَصْلِ فَارْتَدَّ بِالرَّدِّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَصِيلُ ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ قَوْلُهُ : أَبْرَأْتُك عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ الَّذِي وُجُوبُهُ وَإِسْقَاطُهُ مِنْ الْأَصْلِ ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ ، وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ الثَّمَنِ بَاطِلٌ ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ إسْقَاطًا مِنْ الْأَصْلِ جَعَلْنَاهُ إسْقَاطًا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ، وَالتَّمْلِيكُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَالْبَيْعِ .
وَأَمَّا الْهِبَةُ فَهِيَ لَفْظُ تَمْلِيكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَادَفَ عَيْنًا تُفِيدُ الْمِلْكَ ، وَالتَّمْلِيكُ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ .
إذَا وَهَبَ الطَّالِبُ الْمَالَ لِلْكَفِيلِ فَقَبِلَهُ رَجَعَ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ ، وَكَذَلِكَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ أَبْرَأَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَادَفَ عَيْنًا لِمِلْكٍ أَفَادَ الْمِلْكَ ، فَقَدْ مَلَّكَهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِالْهِبَةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ ، وَلَوْ مَلَكَهُ بِالْأَدَاءِ لَرَجَعَ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَادَفَ عَيْنًا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ ، فَصَارَ فَسْخًا لِلْكَفَالَةِ ، وَإِسْقَاطًا لَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
682 - 682 - إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا .
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ كَفَلَ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَنَّهُ كَفَلَ لَهُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَجَلَ إذَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ صَارَ صِفَةً لِلثَّمَنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : بِعْتُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : قَبِلْتُ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ ، فَقَدْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِعَقْدٍ غَيْرِ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ ، فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَفَالَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ مُلْحَقٌ بِالْعَقْدِ ، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الْعَقْدِ ، وَاخْتَلَفَا فِي شَرْطِهِ يُلْحَقُ بِهِ ، فَلَمْ يَثْبُتْ الشَّرْطُ وَبَقِيَ الْعَقْدُ .
683 - 683 - وَإِذَا كَفَلَ الْمَرِيضُ بِمَالٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مِنْ ثُلُثِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفَلَ فِي الصِّحَّةِ لَزِمَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ .
وَلَوْ أَقَرَّ بِالْهِبَةِ أَوْ الْعِتْقِ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَأَضَافَهُ إلَى حَالِ الصِّحَّةِ كَانَ مِنْ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْكَفَالَةِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ ؛ لِأَنَّهُ يُقْرِضُ الشَّيْءَ مِنْ ذِمَّتِهِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي ، فَصَارَ كَإِقْرَاضِ الْعَيْنِ ، وَفِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يُؤَدِّي ، فَقَدْ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الْأَصْلِ : شَبَهًا بِالْمُعَاوَضَةِ مِنْ وَجْهٍ ، وَشَبَهَ التَّبَرُّعِ مِنْ وَجْهٍ ، فَلِشَبَهِهَا بِالتَّبَرُّعِ قُلْنَا : إذَا كَفَلَ فِي حَالِ الْمَرَضِ كَانَ مُحْتَسَبًا مِنْ الثُّلُثِ ، وَلِشَبَهِهَا بِالْمُعَاوَضَةِ قُلْنَا : إذَا قَالَ : كَفَلْتُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ صُدِّقَ وَلَزِمَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فَيَكُونُ فِيهِ تَوْفِيرُ حَظِّهِ مِنْ الشَّبَهَيْنِ .
وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالْهِبَةُ فَتَمَحَّضَ تَبَرُّعًا ، فَإِذَا وَهَبَ فِي الْحَالِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ فَقَدْ فَعَلَ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْدِئَهُ فَيَفْعَلَهُ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ ، فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى التَّقْدِيمِ ، فَجُعِلَ كَالْمُوجَبِ فِي الْحَالِ ، فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ .
684 - 684 - لَا يُحْبَسُ الْوَالِدَانِ فِي دُيُونِ الْوَلَدِ .
وَيُحْبَسَانِ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي تَوْجِيهِ الْحَبْسِ عَلَيْهِ إيجَابُ عُقُوبَةٍ عَلَى الْأَبِ ، لِأَجْلِ مَالِ ابْنِهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مَالَهُ لَا يُقْطَعُ ، وَكَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ لَا يُقْتَلُ .
وَأَمَّا فِي النَّفَقَةِ فَلَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ لَأَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالصَّبِيِّ إلَى أَنْ يَمُوتَ جُوعًا ، فَفِي حَبْسِهِ تَوْجِيهُ عُقُوبَةٍ عَلَى بَدَنِهِ ، لِأَجْلِ رُوحِ الصَّبِيِّ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُؤَدَّبُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
كِتَابُ الصُّلْحِ 685 - إذَا تَهَايَآ فِي غَلَّةِ الدَّارَيْنِ فَفَضَلَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةُ غَلَّةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ صَاحِبُهُ فِيهَا .
وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ إذَا فَضَلَتْ الْغَلَّةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةً عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ شَرِيكُهُ شَارَكَهُ صَاحِبُهُ فِيهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الدَّارِ الْوَاحِدِ يَقَعُ تَمْيِيزًا وَقِسْمَةً وَاسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ فَلَا يَكُونُ مُنَاقَلَةً ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا لَا يُرْجَعُ عَلَى شَرِيكِهِ فِي نَصِيبِهِ بِشَيْءٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَوْجَبَ بِعَقْدِهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ هُوَ مِنْ بَدَلِ الْمَنَافِعِ مِثْلَ مَا يَسْتَوْفِي صَاحِبُهُ ، فَوَجَبَ الْمُضِيُّ عَلَى عَقْدِهِ ، فَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي غَلَّةِ الدَّارَيْنِ ، لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ عَلَى غَلَّةِ الدَّارَيْنِ تَقَعُ مُنَاقَلَةً وَلَا تَقَعُ اسْتِيفَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَهَايَآ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا رُجِعَ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ بِحَقِّهِ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ نَقَلَ حَقَّهُ أَعْطَى إلَى مَا أَخَذَهُ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِيهِ ، فَسَوَاءٌ أَخَذَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ .
وَإِنْ تَهَايَآ فِي الْخِدْمَةِ عَلَى عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَاشْتَرَطَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَعَامَ جَارِيَتِهِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا .
وَإِنْ اشْتَرَطَا الْكِسْوَةَ لَمْ يَجُزْ ، إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ شَيْئًا مَعْلُومًا أَوْ كَانَتْ كِسْوَةً مِثْلَهَا مَعْرُوفَةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّعَامَ الْمَشْرُوطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا لَا يَبْقَى وَلَا يَسْلَمُ إلَى صَاحِبِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَصَارَ إبَاحَةً ، وَالْإِبَاحَةُ تَقْبَلُ مِنْ الْجَهَالَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ عَقْدُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : كُلْ مِنْ مَالِي مَا شِئْتَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ أَنَّ رُفْقَةً خَلَطُوا الدَّرَاهِمَ لِيَشْتَرُوا الْمَأْكُولَ جَازَ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدٌ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْكُلُ الْآخَرُ فَجَازَ اشْتِرَاطُ
الطَّعَامِ .
وَفِي الْكِسْوَةِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُهَايَأَةِ فَصَارَ مُشْتَرِطًا تَمْلِيكًا ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ ، فَإِذَا بُيِّنَ صَارَ مَعْلُومًا فَجَازَ ، فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَجَبَ أَلَّا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ ثَوْبٌ مَوْصُوفٌ بِثَوْبٍ مَوْصُوفٍ لَا يَجُوزُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ ، الْجَوَابُ مَا بَيَّنَّا .
687 - 687 - إذَا صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ دَمَ الْعَمْدِ يُوجِبُ الْمَالَ مِنْ وَجْهٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَحَدَ الْأَوْلِيَاءِ إذَا صَالَحَ وَعَفَا يَنْتَقِلُ حَقُّ الْآخَرِينَ إلَى الْمَالِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ وَاحِدًا وَعَفَا عَنْ بَعْضِ الدَّمِ انْتَقَلَ الْبَاقِي مَالًا ، وَالْقَاتِلُ إذَا صَالَحَ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَنْ الدَّمِ عَلَى مَالٍ لَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، فَصَارَ يَتَمَلَّكُ مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ بِمَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجُعْلُ فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا عَلَى مَالٍ اُعْتُبِرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، كَالْهِبَةِ ، فَقَدْ شُرِطَ الْجَنِينُ بَدَلًا عَنْ غَيْرِ مَالٍ فَجَازَ ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ .
أَوْ نَقُولُ الدَّمُ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ الْعِوَضُ فِيهِ حُكْمًا ، وَيَنْتَقِلَ إلَى الْمَالِ ، فَجَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، حَتَّى لَا يَجُوزَ عَلَى الْجَنِينِ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ .
وَأَمَّا الْخُلْعُ فَالْبُضْعُ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الْمِلْكِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ مَالًا بِنَفْسِهِ ، وَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ حُكْمًا ، وَبِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمَرِيضِ فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ .
أَوْ نَقُولُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْحَمْلِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ بِدَلَالَةِ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ .
وَالنِّكَاحُ وَالصُّلْحُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشُّرُوطِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مِنْهَا مُتَعَلِّقًا اسْتِحْقَاقُهُ بِالْوِلَادَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخُلْعُ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَالْأَخْطَارِ ، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِيهِ مِمَّا يَقِفُ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى
شَرْطٍ وَهُوَ الْوِلَادَةُ فَجَوَّزْنَاهُ .
688 - 688 - إذَا صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ حُرٍّ وَهُوَ يَعْرِفُهُ كَانَ عَفْوًا وَلَا دِيَةَ لَهُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ كَانَ الدَّمُ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الدَّمِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَادَ إلَى مَا بِإِزَائِهِ وَبِإِزَائِهِ الدَّمُ ، وَالدَّمُ إذَا سَقَطَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ ، كَمَا لَوْ عَفَا ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى إبْطَالِ الْعَفْوِ لَمْ يَعُدْ الْقِصَاصُ .
وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ إنَّمَا رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ الدَّمِ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلَّمَ لَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ، فَإِذَا لَمْ تُسَلَّمْ عَادَ إلَى مَا بِإِزَائِهِ ، لِأَنَّ الْمَالَ إذَا سَقَطَ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ عَادَ الدَّيْنُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا قَتَلَتْ أَمَةٌ رَجُلًا خَطَأً وَلَهُ وَلِيَّانِ فَوَلَدَتْ فَصَالَحَ الْمَوْلَى أَحَدَ الْوَلِيَّيْنِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْأَمَةِ بِحَقِّهِ مِنْ الدَّمِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلنِّصْفِ الْبَاقِي ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ حِصَّةُ الْآخَرِ عَلَى الْمَوْلَى .
وَلَوْ صَالَحَ عَلَى نِصْفِ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُخْتَارًا لِإِمْسَاكِ نِصْفِ الْأَمَةِ .
[ وَالْفَرْقُ ] لِأَنَّ حَقَّ الْمُصَالَحِ سَقَطَ بِالِابْنِ عَنْ نِصْفِهِ ، وَحَقَّ الْآخَرِ ثَبَتَ فِي نِصْفِ الْأَمَةِ فَهُوَ مُخْتَارٌ إمْسَاكَ نِصْفِهَا ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ : اخْتَرْتُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ إمْسَاكُ شَيْءٍ مِنْ الْأَمَةِ ، إذْ حَقُّ الْآخَرِ ثَابِتٌ فِي نِصْفِ الْبَاقِي ، وَهُوَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ كَانَ لَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا ، فَلَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ .
690 - 690 - إذَا صُولِحَ مَنْ دَعْوَاهُ عَلَى عِدْلٍ زُطِّيٍّ لَمْ يَرَهُ ، ثُمَّ صَالَحَ الْقَابِضَ الْآخَرَ فَرَدَّهُ عَلَى الثَّانِي بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ .
وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْعَيْبِ إذَا كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِلثَّانِي الْحَقَّ مِنْ الْحِمْلِ الَّذِي وَجَبَ حَقُّهُ فِيهِ ، وَإِيجَابُ حَقِّ الْغَيْرِ فِيهِ آكَدُ فِي الْبَيْعِ مِنْ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَلَوْ رَدَّهُ فَرَضِيَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ خِيَارُ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَبْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي أُوجِبَ حَقُّ الثَّانِي فِيهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَبَتَ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَفِي بَدَلِهِ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يُوجَبْ الْحَقُّ فِيهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَبْ الْحَقُّ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي وَجَبَ حَقُّهُ فِيهِ لَمْ يَصِرْ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ مِنْ الرَّدِّ فَبَقِيَ حَقُّهُ ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا آخَرَ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّهُ لَمَّا صَالَحَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَهُ تَمَّتْ الصَّفْقَةُ الْأُولَى فِيهِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ مُصَالَحَةِ الثَّانِي وَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ وَتَمَّتْ الصَّفْقَةُ لَمَا جَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ غَيْرُهُ ، وَتَمَامُ الصَّفْقَةِ يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، كَمَا لَوْ رَآهُ وَقَبَضَهُ ، أَوْ نَقُولُ بِالصُّلْحِ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ خِيَارِ الْعَيْبِ ، كَمَا لَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ .
691 - 691 - إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَهَا ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ بَاعَهُ بِهَا عَبْدًا فَهُوَ جَائِزٌ ، وَهَذَا إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ .
وَلَوْ قَالَ : صَالَحْتُك مِنْهَا عَلَى عَبْدٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا بِإِزَائِهِ بَدَلًا مَضْمُونًا فَصَارَ قَوْلُهُ : بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمَا تَدَّعِيه ، إقْرَارًا بِأَنَّ مَا يَدَّعِيه مَضْمُونٌ ، فَكَانَ إقْرَارًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَفْظُ الصُّلْحِ ، لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِإِزَائِهِ وَهُوَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ بَدَلٌ مَضْمُونٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَإِذَا لَمْ يَقْتَضِ بَدَلًا مَضْمُونًا لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُ فِي الصُّلْحِ إقْرَارًا بِأَنَّ مَا بِإِزَائِهِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
692 - 692 - إذَا صَالَحَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى عَبْدٍ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ وَقَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً .
وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَقْدَ الصُّلْحِ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جَازَ ، فَلَمْ يَعْلَمْ كَمْ لَاقَى الْعَبْدُ مِنْ الدَّيْنِ وَكَمْ حَطَّ ، فَلَا يَصِلُ إلَى الْإِخْبَارِ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلَا حِرْزٍ فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَبْنَاهُ عَلَى الْحَطِّ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاعْتِيَاضِ فَأَمْكَنَهُ الْإِخْبَارُ عَنْ رَأْسِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ وَلَا حِرْزٍ ، فَجَازَ أَنْ يَعْقِدَ مُرَابَحَةً .
693 - 693 - إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ ( وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ) لِأَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ فَصَالَحَاهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَبَضَاهَا لَمْ يَجُزْ .
وَلَوْ كَانَتْ الْأَلْفُ وَالْمِائَةُ دِينَارٍ لِوَاحِدٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ بَدَلًا عَنْ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ دِينَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِسُقُوطِ حَقِّهِ إلَّا بِسَلَامَةِ بَعْضِ الْأَلْفِ لَهُ فَكَانَ فِيهِ قِسْمَةُ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ فَكَانَ رِبًا ؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الْأَلْفَ أَقَلَّ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَا لِوَاحِدٍ ، لِأَنَّهُ لَا يَقْسِمُ الْأَلْفَ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ، بَلْ يَجْعَلُ الْأَلْفَ مُسْتَبْقَاةً ، وَالْمِائَةُ يَبْرَأُ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ هَكَذَا لِيَصْلُحَ الْعَقْدُ فَجَعَلْنَاهُ كَذَلِكَ .
694 - 694 - إذَا طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فِي جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا فَصَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى أَنْ قَبِلَ الْمَبِيعَ مِنْهُ مَعَ الْعَيْبِ وَثَوْبًا مَعَهَا وَيَرُدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مِنْ الْبَائِعِ .
وَلَوْ طَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ فَقَدْ أَلْحَقَ الْعَبْدَ بِعَقْدٍ قَائِمٍ فَالْتَحَقَ بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا مَوْجُودَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ ، فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ بَقِيَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا صَالَحَ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ وَثَوْبًا مَعَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ وَثَوْبًا مَعَهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ ، فَلَمْ يَصِرْ مُلْحَقًا بِعَقْدٍ قَائِمٍ فَالْتَحَقَ بِهِ فَصَارَ إنَّمَا جَعَلَ الثَّوْبَ بَدَلًا عَمَّا فَاتَ مِنْ الْمَبِيعِ ، فَلَمَّا اسْتَحَقَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ مَوْجُودٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّ .
695 - 695 - إذَا ادَّعَى فِي دَارِ دَعْوَى ، فَصَالَحَهُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً ، فَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ أَنْ يَخْرُجَ بِالْعَبْدِ مِنْ الْمِصْرِ إلَى أَهْلِهِ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْمِصْرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي مُقَابَلَةِ الْخِدْمَةِ بَدَلٌ مُسْتَقِرٌّ وَهُوَ رَدُّ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا لِلْمُسْتَأْجِرِ السَّفَرَ بِهِ لَجَازَ أَنْ يَلْزَمَ الْمُؤَجِّرَ أَضْعَافُ قِيمَةِ مَا أَخَذَ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى رَدِّهِ ، فَيُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ السَّفَرُ بِهِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ ، فَلَا يُؤَدِّي جَوَازُ السَّفَرِ بِهِ إلَى إلْزَامِ غُرْمٍ لَمْ يَرْضَ بِهِ .
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُصَالَحُ بِخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ الْخِدْمَةِ مَالٌ مُسْتَقِرٌّ ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَمْ تُؤَدِّ إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ فَجَازَ كَمَا قُلْنَا فِي الرَّهْنِ ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ : مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِي كَانَ مُتَأَهِّبًا لِلسَّفَرِ وَيُخَاصِمُ ، فَصَالَحَ عَلَى الْخِدْمَةِ ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ رَضِيَ بِإِخْرَاجِهِ ، فَكَأَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ ، فَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ .
696 - 696 - إذَا صَالَحَ مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ .
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالِ جَازَ الصُّلْحُ وَوَجَبَ الْمَالُ .
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى مَالِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ بَعْدَ الصُّلْحِ مَعَ الشَّفِيعِ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ فَلَمْ يَسْتَفِدْ بِالصُّلْحِ حَقًّا لَمْ يَكُنْ ، وَالصُّلْحُ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّمُ ، لِأَنَّ مِلْكَ الْقَاتِلِ فِي الدَّمِ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحَ الدَّمِ لِلْمَوْلَى ، فَإِذَا صَالَحَ زَالَتْ الْإِبَاحَةُ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ ، فَلِذَلِكَ جَازَ الصُّلْحُ ، وَإِذَا صَحَّ الصُّلْحُ وَالدَّمُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْمَالِ بِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ الْعِوَضَ .
وَفِي الشُّفْعَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ مَالًا ، وَلَا يُسْقِطُ حَقًّا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، فَلَا يَصِحُّ أَخْذُ مَالٍ عَلَيْهِ .
وَفِي الْكَفَالَةِ لَا يَنْتَقِلُ مَالًا وَلَا يُسْقِطُ حَقًّا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ كَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ .
كِتَابُ الْإِكْرَاهِ 697 - إذَا أُكْرِهَ فَقِيلَ لَهُ لِأَقْتُلَنك أَوْ لَتَشْرَبَنَّ هَذَا الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ هَذِهِ الْمَيْتَةَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ كَانَ آثِمًا .
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ حَتَّى قُتِلَ لَا يَكُونُ آثِمًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَظْرَ فِي الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْحَظْرُ يَرْتَفِعُ بِالْإِكْرَاهِ ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى : { إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } فَصَارَ مُبَاحًا ، فَقَدْ امْتَنَعَ عَنْ أَكْلٍ مُبَاحٍ حَتَّى قُتِلَ فَأَثِمَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالُ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِحَقِّ الْمَالِكِ ، وَحَقُّهُ يَبْقَى مَعَ الْإِكْرَاهِ فَيَبْقَى الْحَظْرُ ، فَصَارَ يَمْتَنِعُ عَنْ الْمَحْظُورِ حَتَّى قُتِلَ ، فَكَأَنَّ مَأْمُورًا ، كَمَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الزِّنَى أَوْ قَتْلِ إنْسَانٍ .
698 - 698 - وَلَوْ أَكْرَهُوهُ عَلَى هِبَةِ جَارِيَةٍ لِرَجُلٍ وَدَفْعِهَا إلَيْهِ فَوَهَبَ وَدَفَعَ وَأَعْتَقَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ جَازَ عِتْقُهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ .
وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا عِتْقٌ صَادِرٌ عَنْ إكْرَاهٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْلَا الْإِكْرَاهُ وَإِلَّا لَمَا قَدِرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ فَنَفَذَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَادِرٌ عَنْ الْإِكْرَاهِ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْهِبَةِ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَمْلِكَهُ ، وَالْمِلْكُ تَسْلِيطٌ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ ، فَكَأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُكْرَهًا فَلَمْ يَجُزْ ، وَفِي الْعِتْقِ جُعِلَ كَأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الْعِتْقِ مُكْرَهًا فَأَعْتَقَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
699 - 699 - لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا لَهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ جَازَ الْبَيْعُ بِالْكُلِّ .
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَازَ إقْرَارُهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَجُزْ بِالْأَلْفِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ هُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ ، فَصَارَ رَاضِيًا بِذَلِكَ الْقَدْرِ ، فَجَازَ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ، وَإِذَا جَازَ فِي جُزْءٍ جَازَ فِي الْجَمِيعِ ، إذْ لَوْ جَوَّزْنَا فِي بَعْضِهِ لَفَرَّقْنَا الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ أَجَازَ الْعَقْدَ فِي نِصْفِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فَهُوَ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ ، فَجَازَ إقْرَارُهُ بِهَا ، وَجَوَازُ إقْرَارِهِ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يَمْنَعُ بُطْلَانَهُ فِي الْبَاقِي ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةٍ فَرَدَّ إقْرَارَهُ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَادَّعَى الْأَلْفَ لَزِمَهُ الْأَلْفُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
700 - 700 - لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا .
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ جَازَ إقْرَارُهُ بِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي بَابِ الْبِيَاعَاتِ جُعِلَتْ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ ، وَالْبَيْعُ يَقْتَضِي ثَمَنًا فَصَارَ كَأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بِجِنْسِ الدَّرَاهِمِ إكْرَاهًا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِجِنْسِ الدَّنَانِيرِ ، وَصَارَ كَأَنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا فَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ ، سَوَاءٌ بَاعَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقْرَارُ ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا جُعِلَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي كَوْنِهِمَا ثَمَنًا ، وَالْإِقْرَارُ لَيْسَ بِثَمَنٍ ، فَلَمْ يُجْعَلَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَقَدْ عَدَلَ عَمَّا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ ، فَصَارَ مُخْتَارًا فِي الدَّنَانِيرِ فَلَزِمَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ : بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ ، فَقَالَ : قَبِلْتُ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ ، وَلَا يُجْعَلُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ ، وَشَهِدَ آخَرُ بِأَنَّهُ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا ، كَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً عَلَى قِيمَتِهَا بِدَرَاهِمَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : اشْتَرَيْتُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْبَائِعُ : بِعْتُهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ ، وَلَوْ كَانَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ ، وَالْجَوَابُ مَا بَيَّنَّاهُ .
701 - 701 - إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ ، فَبَاعَ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إنَّ الْمَالِكَ أَجَازَ أَحَدَ الْبَيْعَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَاسَخَتْهُ الْبَاعَةُ ثُمَّ أَجَازَ أَحَدَ الْبُيُوعِ جَازَ الْكُلُّ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، ثُمَّ بَاعَهُ الْآخَرُ مِنْ آخَرَ ، وَالثَّالِثُ مِنْ رَابِعٍ ، وَأَجَازَ صَاحِبُهُ أَحَدَ الْعُقُودِ لَمْ يَجُزْ جَمِيعُ الْعُقُودِ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَا أَجَازَاهُ وَكَذَلِكَ الْغَاصِبُ إذَا بَاعَ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ مِنْ آخَرَ ، وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَأَجَازَ أَحَدَ الْبَيْعَيْنِ بَطَلَ الْآخَرُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُكْرَهِ عَقَدَ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ ، إلَّا أَنَّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْبَائِعُ حَقُّ الْفَسْخِ فِيهِ ، فَإِذَا أَجَازَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ ، فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْعَقْدِ فَنَفَذَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ وَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي الثَّالِثُ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَائِعُ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ جَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَاصِبُ إذَا بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا عَقَدَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ ، فَقَدْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ عُقُودًا ، فَإِجَازَةُ وَاحِدٍ لَا تُوجِبُ إجَازَةَ الْآخَرِ ، كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ وَجَارِيَتَهُ فَأَجَازَ بَيْعَ الْجَارِيَةِ وَلَمْ يُجِزْ بَيْعَ الْغُلَامِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَقَدَ لِنَفْسِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ بَدَلَهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ إجَازَتِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَقْدُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ ، وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَإِذَا رَضِيَ بِهِ وَأَجَازَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَصَارَ
كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَجَازَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَاصِبُ ، لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ كُلَّهَا وَقَعَتْ لِصَاحِبِ الْمَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا أَجَازَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ بَدَلُهُ فِي مِلْكِهِ ، فَأَيُّ وَاحِدٍ تَوَلَّاهُ وَأَجَازَهُ جَازَ وَبَطَلَ مَا سِوَاهُ ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى شَيْئَيْنِ لَهُ فَأَجَازَ الْعَقْدَ عَلَى أَحَدِهِمَا .
702 - 702 - وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُكْرَهِ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ حَتَّى تَنَاسَخَتْهُ الْأَيْدِي ثُمَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَخِيرَ أَعْتَقَهُ ، ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ تَجُزْ إجَازَتُهُ ، وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمْ شَاءَ .
وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ لَا غَيْرُ .
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمَالِكُ سَلَّطَ الْأَوَّلَ إلَى التَّصَرُّفِ حَتَّى بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ فَصَارَ يَتَصَرَّفُ بِتَسْلِيطِهِ وَإِذْنِهِ فَيَبِيعُهُ مِنْ الثَّالِثِ بِإِذْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيطِ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعُهُ مِنْ الثَّانِي بِإِذْنِهِ وَتَسْلِيطِهِ فَصَارَ الْآخَرُ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ 703 - فَإِذَا ضَمِنَ أَحَدُ الْبَاعَةِ لَمْ تَجُزْ الْبُيُوعُ الْمَاضِيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَجَازَتْ الْعُقُودُ الَّتِي بَعْدَهَا وَلَوْ أَجَازَ أَحَدَ الْبُيُوعِ جَازَتْ الْعُقُودُ الَّتِي قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ أَنَّ التَّضْمِينَ يَتَمَحَّضُ تَمْلِيكًا ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى إسْقَاطِ حَقٍّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ الْبَدَلَ لِمَا نَقَلَ الْمَالِكُ فِيهِ إلَيْهِ ، فَصَارَ هَذَا تَخْصِيصًا لَهُ بِالتَّمْلِيكِ ، فَاخْتَصَّ بِهِ ، وَلَمْ يَجُزْ مَا قَبْلَهُ ، كَمَا قُلْنَا فِي الْغَاصِبِ إذَا بَاعَ ثُمَّ أَجَازَ لَمْ تَجُزْ الْبُيُوعُ الْمَاضِيَةُ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ نَفَاذُهُ مِنْ جِهَةِ الَّذِي أَجَازَ لَهُ ، فَكَأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لَهُ فَنَفَذَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَأَمَّا الْإِجَازَةُ فَيَتَمَحَّضُ إسْقَاطُ الْحَقِّ ، فَإِذَا أَجَازَهُ فَقَطْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ ، وَقَدْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ عُقُودًا ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ نَفَاذِهِ لِعَدَمِ رِضَاهُ ، فَإِذَا رَضِيَ جَازَ الْجَمِيعُ .
إذَا أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ ، فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ ، وَلَوْ قَبَضَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَقَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ لِئَلَّا يَتَمَلَّكَ عَلَيْهِ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ ، أَوْ لِكَيْ لَا يُفَوِّتَ مِلْكَهُ عَلَيْهِ إلَّا بِرِضَاهُ ، فَلَمْ يَكُنْ مُسَلِّطًا لِلْمُشْتَرِي عَلَى التَّصَرُّفِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَلَوْ نَفَّذْنَاهُ لَأَزَلْنَا مِلْكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ خِيَارًا ، وَإِنَّمَا سَلَّطَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالْعِتْقِ وَإِكْرَاهُهُ عَلَى التَّسْلِيطِ عَلَى الْعِتْقِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَهُ ، كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى نَفْسِ الْإِعْتَاقِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَهُ ، فَصَحَّ التَّسْلِيطُ فَعَتَقَ .
أَوْ نَقُولُ الْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ عِتْقِهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ، وَخِيَارُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ بَاقٍ فَبَقِيَ الْمَانِعُ فَلَمْ يَجُزْ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نُفُوذِهِ عَدَمُ الْقَبْضِ ، فَإِذَا وُجِدَ زَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ .
705 - 705 - إذَا أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى حَصَلَ عِتْقُ عَبْدِهِ أَوْ طَلَاقُ امْرَأَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا بِيَدِ رَجُلٍ ، فَطَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ ، ضَمِنَ الْمُكْرَهُ نِصْفَ الْمَهْرِ ، وَقِيمَةَ الْعَبْدِ .
وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ هَذَا أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَطَلَّقَ الْمَرْأَةَ ، ثُمَّ رَجَعُوا ، فَإِنَّهُمْ لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ تَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِهِ مِنْ الشَّهَادَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ يُجْعَلُ الْمُكْرَهُ كَالْمُبَاشِرِ فَيُنْقَلُ الْعَقْدُ إلَيْهِ وَلَا يُجْعَلُ فِي الشَّهَادَةِ كَذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْقَتْلِ ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الشُّهُودِ إذَا رَجَعُوا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْقَاضِي أَلَّا يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ ، فَلَمْ يَكُونُوا مُلْجَئِينَ فَلَا يَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّ الْفِعْلَ يُنْقَلُ إلَيْهِ فَصَارَ مُبَاشِرًا بِنَفْسِهِ تَفْوِيتَ مِلْكِ غَيْرِهِ فَغَرِمَهُ ، وَفِي الشَّاهِدِ تَسَبَّبَ وَلَمْ يُبَاشِرْ ، فَإِذَا لَمْ يُبَاشِرْ إتْلَافَ مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَغْرَمْ .
706 - 706 - لَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى الْبَيْعِ ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ ، فَبَاعَهُ وَدَفَعَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ شَيْءٌ .
وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ لَهُ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِدَفْعِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَوَهَبَهُ وَدَفَعَهُ ، فَقَالَ لَهُ : قَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ فَخُذْهُ ، فَأَخَذَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَهَلَكَ عِنْدَهُ ، كَانَ الَّذِي أَكْرَهَهُ ضَامِنًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْبَيْعِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْبَيْعِ التَّمْلِيكُ وَالْمِلْكُ فِي الْبَيْعِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْعَقْدِ إكْرَاهًا عَلَى الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ ، فَصَارَ مُسَلِّمًا بِاخْتِيَارِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْهِبَةُ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الْمِلْكِ لَهُ وَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَبْضِ عَلَى الْعَقْدِ ، فَصَارَ إكْرَاهُهُ عَلَى الْعَقْدِ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ فَكَانَ مُكْرَهًا عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ .
707 - 707 - لَوْ أَكْرَهَ رَجُلَيْنِ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى تَبَايَعَا وَتَقَابَضَا عَبْدًا ، ثُمَّ أُكْرِهَ الْمُشْتَرِي بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى قَتَلَ الْعَبْدُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْمُكْرَهِ ، وَلَكِنَّ الْبَائِعَ يُضَمِّنُ الْمُكْرَهَ قِيمَتَهُ .
وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُمَا بِالْحَبْسِ عَلَى الْبَيْعِ ، وَأُكْرِهَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا فَلِلْبَائِعِ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْتُلَ الَّذِي أَكْرَهَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْحَبْسِ لَا يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ فَلَمْ يُوجِبْ هَذَا الْفِعْلُ ضَمَانًا عَلَى الْمُكْرَهِ حَتَّى يَجِبَ لَهُ حَقُّ مِلْكٍ فِيهِ ، فَلَمْ يَصِرْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ ، فَجَازَ أَنْ يَقْبِضَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرَهِ ، فَقَدْ وَجَبَ لِلْمُكْرَهِ حَقُّ مِلْكٍ فِيهِ ، فَصَارَ شُبْهَةً ، وَالشُّبْهَةُ تَدْرَأُ الْقِصَاصَ ، وَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ إذَا قَتَلَ الْمَغْصُوبَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَلَا يَلْزَمُنَا .
كِتَابُ الْحَجْرِ 708 - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا قَالَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ : هَذَا أَخِي أَوْ عَمِّي لَمْ يَأْخُذْ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ ، وَلَا يُوجِبُ نَفَقَتَهُ فِي مَالِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ .
وَلَوْ قَالَ : هَذَا ابْنِي أَوْ هَذَا أَبِي صَدَّقَهُ الْقَاضِي ، وَفَرَضَ لَهُ نَفَقَتَهُ فِي مَالِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ نَسَبَ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا لَهُمْ النَّفَقَةَ بِإِقْرَارِهِ لَأَوْجَبْنَاهَا بِقَوْلِهِ ، وَإِيجَابُ الْحَقِّ فِي مَالِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا ثَبَتَ النَّسَبُ بِقَوْلِهِمَا فَإِذَا أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ بِقَوْلِهِمَا لَمْ نُوجِبْهَا بِقَوْلِهِ ، وَلَا بِقَوْلِ الْأَبِ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَاهَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ .
709 - 709 - إذَا بَلَغْتِ الْمَرْأَةُ مُفْسِدَةً فَاخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ جَازَ الْخُلْعُ ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ ، فَإِذَا صَارَتْ مُصْلِحَةً لَمْ تُؤْخَذْ بِذَلِكَ .
وَالْأَمَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ لَا يَجِبُ الْمَالُ فِي الْحَالِ ، فَإِذَا أُعْتِقَتْ أُخِذَتْ بِذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمَةَ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْغَيْرِ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أُعْتِقَتْ خَلَصَ الْحَقُّ لَهَا ، وَزَالَ الْمَانِعُ فَلَزِمَهَا الْمَالُ ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا مَحْجُورَةٌ لِحَقِّ نَفْسِهَا ، فَلَمْ يَنْفُذْ قَوْلُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَصَارَتْ كَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا أَقَرَّتَا بِمَالٍ وَاخْتَلَعَتَا أَنْفُسَهُمَا مِنْ الزَّوْجِ بِمَالٍ ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَبَرِيءَ الْمَجْنُونُ لَا يَلْزَمُهُمَا الْمَالُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
710 - 710 - إذَا أَمَرَ الْمُصْلِحُ مُفْسِدًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ، فَبَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ جَازَ بَيْعُهُ وَقَبْضُهُ .
وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ وَهُوَ مُصْلِحٌ ، ثُمَّ فَسَدَ ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ وَهُوَ مُصْلِحٌ فَقَدْ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ ، وَبِقَبْضٍ تَتَعَلَّقُ عُهْدَتُهُ بِهِ ، فَإِذَا قَبَضَ بَعْدَ الْحَجْرِ فَقَدْ قَبَضَ قَبْضًا لَمْ تَتَعَلَّقْ الْعُهْدَةُ بِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ قَبْضُهُ بِأَمْرِهِ ، فَلَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْحَجْرِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ لَا يَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُ بِهِ وَبِقَبْضٍ لَا يَتَعَلَّقُ عُهْدَتُهُ بِهِ ، وَقَدْ قَبَضَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ، فَصَارَ قَبْضُهُ وَاقِعًا بِأَمْرِهِ فَأَجْزَأَهُ .
711 - 711 - إذَا بَاعَ الْمَحْجُورُ مَالَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ، فَرُفِعَ إلَى الْقَاضِي أَجْزَأَهُ وَنَهَى الْمُشْتَرِيَ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ ، فَإِنْ دَفَعَ لَهُ لَمْ يَبْرَأْ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنًا آخَرَ إلَى الْقَاضِي .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ وَنَهَاهُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ ، فَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُهُ ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ مَرَّةً أُخْرَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَحْجُورَ هُوَ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ ، فَإِذَا نَهَاهُ الْقَاضِي فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ عَنْ التَّصَرُّفِ لِفَسَادِهِ ، وَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ حُقُوقَهُ لِفَسَادِهِ ، كَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
لَيْسَ كَذَلِكَ الْمُوَكِّلُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِهِ ، فَوَجَبَ لَهُ قَبْضُهُ ، فَصَارَ الْمُوَكِّلُ بِالنَّهْيِ يَبْطُلُ حَقُّهُ ، وَلَيْسَ إلَيْهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُوَكِّلِ ، كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ ، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ وَيَصِحُّ قَبْضُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ 712 - إذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى مِثْلِ مَا شَرَطَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ الرِّبْحِ ، فَإِنْ كَانَا عَلِمَا جَمِيعًا مَا شَرَطَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ الرِّبْحِ فِي مُضَارَبَتِهِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهِ فَهَذِهِ الْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ أَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ .
وَلَوْ بَاعَ مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا بِمِثْلِ مَا بَاعَهُ فُلَانٌ ، وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِمَا بَاعَهُ وَالْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ جَازَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُسْتَوْجِبِ لِلْبَدَلِ ، لِيَدْرِيَ بِمَاذَا يُطَالِبُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا آبِقًا عَنْ صَاحِبِهِ ، وَهُوَ فِي يَدِهِ جَازَ ، لِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى قَبْضِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهِ وَالْمُسْتَوْجِبُ هُوَ الْمُشْتَرِي فَإِذَا عَلِمَهُ فَقَدْ وَجَدَ مَعْرِفَةَ مَنْ اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَتِهِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَجَازَ .
وَفِي الْمُضَارَبَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَوْجِبٌ الرِّبْحَ ، رَبُّ الْمَالِ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَالْمُضَارِبُ بِالْعَمَلِ ، فَاحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَتِهِمَا جَمِيعًا ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمَاهُ لَمْ يَجُزْ .
713 - 713 - إذَا دَفَعَ الْمَرِيضُ مَالًا مُضَارَبَةً إلَى إنْسَانٍ مُضَارَبَةً فَاسِدَةً فَعَمِلَ وَجَبَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَيُخَاصِمُ الْمُضَارِبَ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَرِيضُ شَيْئًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِالثَّمَنِ وَلَا يُضَارِبُهُ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنَافِعِ ، فَصَارَ وُجُوبُهُ بِبَدَلٍ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُمْ فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ نَاقِلًا حَقَّهُمْ ، فَصَارَ مُؤْثِرًا بَعْضُ الْغُرَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ ، فَلَمْ يَجُزْ ، وَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَنُ ، لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ نُقِلَ حَقُّهُمْ نِصْفَيْنِ إلَى عَيْنٍ ثَبَتَ حَقُّهُمْ فِيهِ ، وَلَهُ حَقُّ النَّقْلِ فَانْقَطَعَ حَقُّهُمْ عَنْ الثَّمَنِ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ .
714 - 714 - إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا فَجَنَى عَبْدُهُ جِنَايَةً خَطَأً لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَدْفَعَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَبْدًا ، فَجَنَى خَطَأً فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا خُصَّ بِنَوْعٍ اخْتَصَّ بِهِ ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى ذَلِكَ النَّوْعِ ، فَدَلَّ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ لَا بِفَكِّ الْحَجْرِ ، وَقَدْ أُمِرَ بِالتِّجَارَةِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِغَيْرِهَا ، وَالدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ فِعْلُهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَأْذُونُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِفَكِّ الْحَجْرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ كَانَ إذْنًا فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ ، فَصَارَ يَتَصَرَّفُ بِفَكِّ الْحَجْرِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ ، وَهَذَا مِنْ التَّكَسُّبِ فَجَازَ كَالْحُرِّ .
715 - 715 - إذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ - مَا عَمِلَ فِي الْمَالِ - أَجْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ ، فَعَمِلَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ ، فَرَبِحَ فَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ، وَلَا أَجْرَ لَهُ .
وَلَوْ دَفَعَ أَرْضًا مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الْخَارِجِ ، وَأَجْرَ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَعَمِلَ عَلَى هَذَا فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْمُزَارَعَةِ شَرْطُ الْأَجْرِ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ ، وَشَرْطٌ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ أَيْضًا بَعْضُ الْخَارِجِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ مُزَارَعَةً ، وَالْأَوَّلُ إجَارَةٌ ، فَقَدْ أَدْخَلَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَكَانَ فَاسِدًا فَاسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ .
وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّمَا اشْتَرَطَ لَهُ الْأَجْرَ بِإِزَائِهِ لِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْمُدَّةِ ، وَالرِّبْحُ مُشْتَرَطٌ بِإِزَاءِ الْعَمَلِ ، وَهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ ، فَفَسَادُ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْآخَرِ ، فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً ، فَكَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْمُضَارَبَةَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الشَّرِكَةِ ، وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ إذَا لَحِقَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ بَطَلَ الشَّرْطُ ، وَجَازَ الْعَقْدُ ، كَمَا لَوْ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا ، فَإِنَّ شَرْطَ الْوَضِيعَةِ فَاسِدٌ كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ ؛ لِأَنَّهَا أُجْرِيَتْ مَجْرَى الْإِجَارَاتِ ، وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ إذَا لَحِقَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ أَفْسَدَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
716 - 716 - إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ : اسْتَدِنْ عَلَيَّ ، كَانَ مَا اسْتَدَانَهُ وَمَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
وَلَوْ قَالَ : اسْتَدِنْ عَلَى نَفْسِك ، كَانَ مَا اشْتَرَاهُ الْمُضَارِبُ بِالدَّيْنِ لَهُ خَاصَّةً ، دُونَ رَبِّ الْمَالِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ : اسْتَدِنْ عَلَيَّ ، فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِدَيْنٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَوُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الشِّرَاءِ عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ وَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَيَكُونُ الشِّرَاءُ وَاقِعًا عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : اسْتَدِنْ عَلَى نَفْسِك ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْمُضَارِبِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الشِّرَاءِ ، عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ فِي الْمَالِ حَتَّى وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ اشْتَرَى شَيْئًا فَإِنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لَهُ ، لَا لِلْمُضَارَبَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
717 - 717 - وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً .
قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ : الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعٌ ، رُبْعٌ عَلَى الْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَبَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ ، وَالْفِدَاءُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا .
وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ، عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الزِّيَادَاتِ : لِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى الْمُضَارِبِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُضَارِبِ الرِّبْحُ قَبْلَ حُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَنْقُصَ قِيمَتُهُ فَيَفُوتُ الرِّبْحُ وَالنَّفَقَةُ لِإِتْلَافِ رُبْعِ الْعَيْنِ ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِإِزَاءِ النَّفَقَةِ فَبَقِيَ الْمِلْكُ لِرَبِّ الْمَالِ ، فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفِدَاءُ ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ يُقَابِلُ الْعَيْنَ ، فَلَوْ مَلَّكْنَاهُ الرُّبْعَ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ رُبْعَ الْفِدَاءِ ، لَمْ يُؤَدِّ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ رِبْحٌ قَبْلَ حُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ يُقَابِلُهُ ، وَهَا هُنَا يَمْلِكُهُ بِضَمَانٍ يُقَابِلُهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ بِمَعْنًى يُضَمُّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَوَجَبَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، كَالثَّمَنِ لَوْ اشْتَرَى بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا ثُمَّ تَلِفَ الْأَلْفُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَوُجُوبُهُ بِمَعْنًى لَا يُضَمُّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، كَذَلِكَ هَذَا 718 - فَإِنْ فَدَيَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ خَرَجَ الْعَبْدُ كُلُّهُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَرُبْعُهُ مِلْكُ الْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ .
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَرَبِحَ فَصَارَ أَلْفَيْنِ ، فَاشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفَيْنِ فَتَلِفَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ ، فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَغْرَمُ أَلْفًا وَخَمْسمِائَةٍ ،
وَيَغْرَمُ الْمُضَارِبُ خَمْسِمِائَةٍ ، وَيَدْفَعُهَا إلَى الْبَائِعِ ، وَأَخَذَ الْعَبْدَ ، فَيَكُونُ رُبْعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً ، وَيَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِدَاءَ لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً ، وَفِي يَدِ الْمُضَارِبِ مِقْدَارُ مَا يَفْدِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ ، وَلَوْ فَدَى كَانَ مُتَطَوِّعًا فَقَدْ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بِمَا لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ الْمُضَارَبَةِ ، فَانْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا لَوْ اقْتَسَمَا الْمَالَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الثَّمَنِ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَفِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ مِقْدَارُ الثَّمَنِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ ، فَقَدْ وَقَعَ التَّمْيِيزُ بِمَا هُوَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ، فَلَمْ يَرْفَعْ الْعَقْدَ ، فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ ، وَرُبْعٌ بَدَلُ مَا نَقَدَ مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً ، فَسُلِّمَ لَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا .
كِتَابُ الشُّرْبِ 719 - إذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عَلَيْهِ أَرَضُونَ ، وَلَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ كَانَ أَصْلُهُ بَيْنَهُمْ ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَاخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ فَإِنَّ الشُّرْبَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ .
وَلَوْ كَانَتْ سَاحَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ عَلَيْهَا مَمَرُّهُمْ ، اخْتَلَفُوا فِيهَا فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ، دُونَ عَدَدِ دُورِهِمْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَصَرُّفَ صَاحِبِ الْأَرْضِ الْكَثِيرَةِ فِي الشُّرْبِ أَكْثَرُ مِنْ تَصَرُّفِ صَاحِبِ الْأَرْضِ الْقَلِيلَةِ ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْآخَرُ ، فَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَدٌ فِي الشُّرْبِ بِأَرْضِهِ ، وَأَرَاضِي كُلِّ قَوْمٍ مُخْتَلِفَةٌ ، فَحُقِّقَتْ يَدُهُ فِي الشُّرْبِ بِقَدْرِهَا ، فَكَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّرِيقُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ الصَّغِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِطْرَاقِ نَحْوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ ، فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي التَّصَرُّفِ ، وَهُوَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَوَيَا فِي الْمُسْتَحَقِّ ، كَدَارٍ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِيهَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
720 - 720 - نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقْسِمُوا لِكُلِّ رَجُلٍ شِرْبًا مُسَمًّى ، فَقَدِمَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ ، فَإِنْ كَانُوا أَوْفَوْهُ حَقَّهُ وَجَازُوهُ وَأَنَابُوهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُهُ .
بِخِلَافِ الدَّارِ بَيْنَ قَوْمٍ وَبَعْضُهُمْ غَائِبٌ ، فَمَيَّزُوا نَصِيبَ الْغَائِبِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ نَقَضْنَا الْقِسْمَةَ فِي الشُّرْبِ لَأَعَدْنَا مِثْلَهَا ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ لَهُ فِي الثَّانِي مِثْلُ مَا وَقَعَ لَهُ فِي الْأَوَّلِ ، وَهُوَ يَوْمٌ مِنْ كَذَا يَوْمٍ ، فَلَمْ يَكُنْ فَائِدَةٌ فِي الْقِسْمَةِ فَتُرِكَ .
وَأَمَّا فِي الدَّارِ فَمِنْ حَيْثُ يَفْسَخُ الْقِسْمَةَ لَمْ يُعِدْ مِثْلَهَا ، لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ قِسْمُهُ جَانِبًا آخَرَ فَجَازَ أَنْ تُعَادَ الْقِسْمَةُ .
721 - 721 - إذَا بَاعَ شِرْبًا بِأَمَةٍ وَقَبَضَهَا ، فَوَطِئَهَا رَجُلٌ بِشُبْهَةٍ ، فَأَخَذَ الْعُقْرَ أَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَأَخَذَ الْأَرْشَ ، ثُمَّ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا ، وَالْمَهْرُ وَالْأَرْشُ لَهُ .
وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَمَاتَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ قِيمَةَ الْأُمِّ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ الْعُقْرُ وَالتَّضْمِينُ يُوجِبَانِ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهَا إلَيْهِ ، وَالْأَجْزَاءُ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ لِوَاحِدٍ وَالْيَدُ لِآخَرَ فَمَلَكَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا ، فَكَانَ بَدَلُهَا لَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهَا ، وَالْوَلَدُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْأُمِّ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَغْرُورَ يَسْتَحِقُّ رَقِيقًا ، وَالْوَلَدُ يَكُونُ حُرًّا فَانْتِقَالُ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ لَا يُوجِبُ فِي الْوَلَدِ الْمِلْكَ ، فَلَمْ يَمْلِكْ الْوَلَدَ ، فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ فَسُلِّمَ إلَيْهِ .
722 - 722 - نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ لَهُمْ عَلَيْهِ أَرَضُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْضٌ مَعْلُومَةٌ ، فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَسُوقَ شِرْبَهُ إلَى آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ النَّهْرِ شِرْبٌ فِيمَا مَضَى ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَ طَرِيقٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِجَنْبِ دَارِهِ دَارًا أُخْرَى فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ وَاحِدًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الشُّرْبِ يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ حَقًّا زَائِدًا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ يُقَسَّمُ الشِّرْبُ عَلَى قَدْرِ الْأَرَاضِي ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسُوقَهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى لِيَسْتَوْجِبَ بِهِ حَقًّا زَائِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّرِيقُ ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ حَقًّا زَائِدًا ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ تُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ، فَإِذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارِ وَاحِدًا فَلَمْ يَسْتَوْجِبْ بِهِ حَقًّا زَائِدًا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنُ الدَّارَيْنِ مُخْتَلِفًا فَهُوَ يَسْتَوْجِبُ زَائِدًا لَا يُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ 723 - لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا .
وَكُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ لِأَجْلِ الْمَرَارَةِ وَالشِّدَّةِ ، وَلَا فِعْلَ لَهُ فِيهَا ، وَإِنَّمَا يُجْرِيهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ نَفْسُ الْبَيْعِ إعَانَةً عَلَى مَحْظُورٍ فَجَازَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السِّلَاحُ ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِأَجْلِ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ فِعْلِ الْمُشْتَرِي ، فَصَارَ بِتَمْلِيكِ السِّلَاحِ مُعِينًا لَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَحْظُورِ ، وَالْإِعَانَةُ عَلَى الْمَحْظُورِ مَحْظُورٌ فَكُرِهَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السِّلَاحَ لَوْ كَانَ مِلْكًا لَهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ ، وَتُزَالُ يَدُهُ ، فَلَأَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ أَوْلَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَمْرُ ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ لَوْ كَانَ فِي يَدِ مَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ؛ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلًّا ، لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ خَلًّا مَا لَمْ يَصِرْ خَمْرًا ، فَإِذَا مَلَكَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ ذَلِكَ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَتَّخِذُ خَمْرًا .
724 - 724 - إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْجُوعِ ، وَمَعَ رَفِيقِهِ طَعَامٌ ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ قِتَالُهُ بِالسِّلَاحِ ، وَيُقَاتِلُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْبِئْرِ مَاءٌ ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْبِئْرِ عَنْ الْبِئْرِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّعَامَ مِلْكٌ لَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ مِلْكِهِ وَيُقَاتِلَ ، وَلَوْ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } ، وَإِذَا كَانَ هُوَ شَهِيدًا كَانَ ذَاكَ ظَالِمًا لَهُ ، فَكُرِهَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ ، وَقَدْ اُضْطُرَّ فِي إحْيَاءِ نَفْسِهِ إلَى مَالِهِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ السِّلَاحِ .
وَأَمَّا الْمَاءُ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ ، فَإِذَا مَنَعَهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الْمَنْعِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ ، لِأَنَّ هَذَا حَقُّهُ ، فَإِذَا مُنِعَ عَنْ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلَاحِ ، كَمَا لَوْ قَاتَلَهُ عَلَى مَالٍ .
كِتَابُ الرَّهْنِ 725 - الرَّهْنُ بِضَمَانِ الدَّرْكِ لَا يَصِحُّ ، وَلَا يَتْلَفُ عَلَى الضَّمَانِ وَلَوْ رَهَنَ مِنْهُ شَيْئًا بِعَشْرَةٍ يُقْرِضُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَتَلِفَ تَلِفَ عَلَى الضَّمَانِ وَلَوْ كَفَلَ بِضَمَانِ الدَّرْكِ جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْحَالِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَلْحَقَهُ دَرْكٌ أَوْ لَا يَلْحَقُهُ ، فَقَدْ رَهَنَهُ بِغَيْرِ مَالٍ مَضْمُونٍ ، فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا كَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ ، وَأَمَّا مَا يُقْرِضُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَهُوَ مَضْمُونٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بِإِزَائِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَهُوَ مَقْبُوضٌ عَلَى ضَمَانِ الْعَشَرَةِ ، فَصَارَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ عَلَى السَّوْمِ .
وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ فَهُوَ ضَمَانٌ بِمَا يُسْتَحَقُّ ، وَالْكَفَالَةُ بِضَمَانٍ غَيْرِ حَاصِلٍ فِي الْحَالِ جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : مَا بَايَعْتُ فُلَانًا فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
726 - 726 - لَوْ رَهَنَ دَابَّتَيْنِ فَقَتَلَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ الْمَقْتُولَةِ .
وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ انْتَقِلْ مَا فِي الْمَقْتُولِ إلَى الْقَاتِلِ ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ هَدَرٌ .
بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ } فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ ، وَلَوْ مَاتَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدَانِ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ هَدَرًا ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَبْدًا أَجْنَبِيًّا تَعَلَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِرَقَبَتِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا ، فَقَامَ مَقَامَ الْمَقْتُولِ ، وَانْتَقَلَ مَا فِيهِ إلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ أَجْنَبِيٌّ .
إذَا رَهَنَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً وَشَجَرَةً مُثْمِرَةً دَخَلَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ فِي الرَّهْنِ .
وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً وَشَجَرَةً مُثْمِرَةً لَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ وَالثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ لَمْ نُدْخِلْ الثَّمَرَةَ وَالزَّرْعَ فِي الْعَقْدِ لَأَبْطَلْنَا الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ لَهُ اتِّصَالًا بِعَيْنِ الرَّهْنِ ، وَاتِّصَالُ غَيْرِ الرَّهْنِ بِعَيْنِ الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ لِلْإِشَاعَةِ ، فَمِنْ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ نُبْطِلُهُ فَنُدْخِلُهُ .
وَفِي الْبَيْعِ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ لَمْ يُبْطِلْهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُتَّصِلٌ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ .
728 - 728 - إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَالْتَقَيَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ يُكَلَّفُ الْبَائِعُ إحْضَارَ الْمَبِيعِ أَوَّلًا ، ثُمَّ نُكَلِّفُ الْمُشْتَرِيَ إحْضَارَ الثَّمَنِ .
وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا لِرَجُلٍ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ، فَالْتَقَيَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي رَهَنَهُ فِيهِ ، فَطَلَبَ دَيْنَهُ فَقَالَ : أَحْضِرْ الرَّهْنَ وَخُذْ دَيْنَك ، فَلَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُحْضِرَ الرَّهْنَ ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا نَوَى رَهْنَك .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى إحْضَارِ الْمَبِيعِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ التَّسْلِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ .
وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ رَاضِيًا بِحِفْظِهِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى إحْضَارِهَا لَأَدَّى إلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ التَّسْلِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَلِأَنَّ فِي الْبَيْعِ مِلْكَ الْمَبِيعِ بِإِزَاءِ الثَّمَنِ ، فَمِلْكٌ قَابَلَ مِلْكًا ، وَتَسَلُّمٌ قَابَلَ تَسْلِيمًا ، وَإِحْضَارٌ قَابَلَ إحْضَارًا ، فَمَا لَمْ يُحْضِرْ أَحَدُهُمَا الْمَبِيعَ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى إحْضَارِ الثَّمَنِ .
729 - 729 - وَلَوْ رَهَنَ عِنْدَ إنْسَانٍ رَهْنًا وَجَعَلَهُ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيه بِالنَّقْدِ إلَّا بِوَكْسٍ فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ جَازَ ، فَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ : أَحْضِرْ الثَّمَنَ حَتَّى أُعْطِيَك دَيْنَك لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَيُقَالُ : أَدِّ الدَّيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ وَدَفَعَهُ إلَيْك .
وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ ، فَقُضِيَ بِقِيمَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَ دَيْنِهِ مِنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُحْضِرَ الْقِيمَةَ إلَى الرَّاهِنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيمَةَ تَخْلُفُ الْعَيْنَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ ، فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ ، فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ ، ثُمَّ تَلِفَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ ، وَسَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ ، فَصَارَتْ الْقِيمَةُ كَالْعَيْنِ ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ بَاقِيًا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُفُ الْعَيْنَ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ ، وَسَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِهِ ، فَبَاعَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، ثُمَّ تَلِفَتْ الْخَمْسمِائَةِ لَمْ يَسْقُطْ جَمِيعُ الدَّيْنِ ، فَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُلَاقِيًا لِلثَّمَنِ ، فَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ .
730 - 730 - إذَا رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفٍ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَزَادَهُ الرَّاهِنُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا ، فَمَاتَتْ الْأُمُّ بَقِيَ الْوَلَدُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا ، وَالْعَبْدُ الزِّيَادَةُ بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا ثُمَّ زَادَهُ الْعَبْدُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ، وَالْعَبْدَ الزَّائِدُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ صَارَ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفِكَاكِ ، لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ حِصَّةً لَوَجَبَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّاهِنُ الْوَلَدَ مَجَّانًا ، وَسَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِمَوْتِ الْأُمِّ ، فَدَلَّ أَنَّ الْأُمَّ ذَهَبَتْ بِالْحِصَّةِ ، وَبَقِيَتْ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ فَإِذَا أُلْحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْتَحَقَ بِمَا فِي الْوَلَدِ مِنْ الضَّمَانِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ مِنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الضَّمَانِ ، فَلَمْ يَصِرْ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ ، فَصَارَتْ الزِّيَادَةُ لَاحِقَةً بِأَصْلِ الرَّهْنِ وَهِيَ الْجَارِيَةُ ، فَصَارَ نِصْفُ الدَّيْنِ فِي الْجَارِيَةِ وَنِصْفُهُ فِي الزِّيَادَةِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ انْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا ، فَصَارَ فِي الْوَلَدِ رُبْعُ الدَّيْنِ وَفِي الْأُمِّ رُبْعُهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأُمُّ بَاقِيَةٌ فَالْتَحَقَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَقْدِ فَلَحِقَتْهَا فَانْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ نِصْفَيْنِ : نِصْفٌ فِي الزِّيَادَةِ ، وَنِصْفٌ فِيهَا ، فَلَمَّا وَلَدَتْ انْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا .
وَأَمَّا إذَا زَادَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ فَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مُلْحَقَةٍ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ فَاتَ وَهِيَ الْأُمُّ ، وَإِنَّمَا بَقِيَ نِصْفُ الضَّمَانِ فِي الْوَلَدِ فَقَدْ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالضَّمَانِ ،
فَلَحِقَ مَنْ لَهُ الضَّمَانُ ، إذْ الْمُرْتَهِنُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِحِصَّةِ الْأُمِّ بِالْمَوْتِ ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْفِكَاكِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ ، وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ لَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ رَهْنًا مَعَ الْأُمِّ .
731 - 731 - إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَقَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ ، ثُمَّ زَادَهُ جَارِيَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي قَضَاهُ زُيُوفًا ، أَوْ مُسْتَحَقَّةً كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُلْحَقَةً بِالْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ ، وَلَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَالزِّيَادَةُ رَهْنٌ بِالْأَلْفِ كُلِّهِ ، فَجَعَلَ فِي الزِّيَادَاتِ الزُّيُوفَ وَالْمُسْتَحَقَّةَ فِي الرَّهْنِ سَوَاءً .
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ ، ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَنَ مُسْتَحَقًّا أَوْ رَصَاصًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ فَيَحْبِسَهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ ، وَلَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فَجَعَلَ الْمُسْتَحَقَّةَ كَالسَّتُّوقَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّيُوفِ ، وَفِي الرَّهْنِ سَوَّى بَيْنَهُمَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْمَقْضِيِّ شَرْطٌ فِي سَلَامَةِ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ سَلَامَةُ الْمَقْضِيِّ لَهُ ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الزِّيَادَةِ بِبَعْضِ الضَّمَانِ جَائِزٌ ، وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَحِينَ زَادَ حُكْمُهُ فَإِنَّ نِصْفَ الدَّيْنِ مَقْضِيٌّ ، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لَاحِقَةً بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ .
732 - 732 - إذَا رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاعْوَرَّتْ وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعَوَرِ فَالْوَلَدُ يَلْحَقُ بِالْجَمِيعِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الْوِلَادَةَ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْعَوَرِ .
وَلَوْ زَادَ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ الْعَوَرِ فَالزِّيَادَةُ تَلْحَقُ الْبَاقِي فَتَكُونُ الْجَارِيَةُ الْعَوْرَاءُ وَالزِّيَادَةُ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ .
وَلَوْ لَمْ تَعْوَرَّ وَلَكِنَّهُ قَضَى نِصْفَ الدَّيْنِ ثُمَّ زَادَ أَوْ وَلَدَتْ فَالزِّيَادَةُ وَالْوَلَدُ يَلْحَقَانِ الْبَاقِيَ مِنْ الدَّيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ صِحَّةَ الزِّيَادَةِ : بِالضَّمَانِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ جَمِيعُ الرَّهْنِ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ ، لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الزِّيَادَةَ بِقَبْضٍ مُبْتَدَأٍ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِهَا وُجُوبُ الضَّمَانِ كَالْأَصْلِ ، وَإِذَا كَانَتْ صِحَّتُهَا بِالضَّمَانِ لَحِقَتْ مَا فِيهِ الضَّمَانُ وَنِصْفُ الضَّمَانِ فَاتَ بِالْعَوَرِ فَلَحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْبَاقِيَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ لِأَنَّ وُجُوبَ حَقِّ الْإِمْسَاكِ فِي الْوَلَدِ بِالْعَقْدِ لَا بِالضَّمَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ حِينَ يَحْدُثُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا حَتَّى لَوْ تَلِفَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ بَاقٍ الْتَحَقَ بِالْجَمِيعِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ الرَّهْنِ بِالِاعْوِرَارِ أَنَّ مَا فَاتَ بِالْعَوَرِ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ ، وَمَا دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ ، وَلَا يَنْحَلُّ الْعَقْدُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا مِنْ عَقْدِ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ عَيْنِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ ، وَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ فَصَارَ مُتَمِّمًا الْعَقْدَ فِيهِ فَلَا يُوجِبُ انْحِلَالَهُ ، فَلَحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْجَمِيعَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَضَاهُ بَعْضَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا قَضَاهُ انْحَلَّ الْعَقْدُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ بَعْضِ الدَّيْنِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ عَمَّا بِإِزَائِهِ ، وَلَا يُوجِبُ تَتْمِيمَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى جَمِيعَ الدَّيْنِ انْحَلَّ الرَّهْنُ فَلَا
يَلْحَقُ الْوَلَدَ مَا انْحَلَّ الْعَقْدُ عَنْهُ ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَصِحَّتُهَا بِالضَّمَانِ ، وَمَا انْحَلَّ زَالَ الضَّمَانُ عَنْهُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الْوَصَايَا 733 - إذَا قَالَ : ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ .
وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ .
وَلَوْ قَالَ : ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ .
وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ " بَيْنَ " لَفْظُ اشْتِرَاكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إدْخَالُهُ عَلَى الْوَاحِدِ ، فَإِذَا قَالَ : بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، فَقَدْ أَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ ، فَلَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا نِصْفُهُ ، فَلَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَوْلُهُ : لِفُلَانٍ فَلَيْسَ بِلَفْظِ اشْتِرَاكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ لِوَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظِ اشْتِرَاكٍ ، فَقَدْ أَوْجَبَ الْجَمِيعَ لِلْأَوَّلِ ، وَالْوَاجِبُ لِلثَّانِي مُزَاحَمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَصِحُّ وُجُودُ الْمُزَاحَمَةِ مِنْ الْمَيِّتِ ، فَلَمْ يُوجَدْ نُقْصَانًا فِي الْجَارِيَةِ لِلْأَوَّلِ فَاسْتَحَقَّ الْجَمِيعَ .
734 - 734 - إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا فَلَهُ ثُلُثٌ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ غَنَمُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، وَكَذَلِكَ الْعُرُوض كُلُّهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَرِينَةُ الْإِرْثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْإِرْثُ وَتَسْقُطُ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِرْثُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمِيرَاثَ فِي الْمَالِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : { إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ مَالًا فَقَدْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَقَدْ عَقَدَ عَقْدًا لَهُ مِثَالٌ فِي الشَّرْعِ ، فَانْصَرَفَ إلَى مَا لَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرْعِ ، وَمَا مِثْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ إيجَابِ الْحَقِّ فِي الْمَالِ ، وَهُوَ الْمِيرَاثُ يُرَاعَى مَالُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْغَنَمِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قَرِينَةُ الْإِرْثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْإِرْثَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ ، فَإِذَا أَضَافَ إلَى نَوْعٍ خَاصٍّ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ الْحَقَّ فِي مَعْدُومٍ ، فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِالْغَنَمِ فَقَدْ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ ، فَصَارَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَوْجُودُ دُونَ الْحَادِثِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ اخْتَصَّ بِالدَّيْنِ الْمَوْجُودِ عَلَيْهِ دُونَ الدَّيْنِ الْحَادِثِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : بِثُلُثِ مَالِي ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِمَا يُتَمَوَّلُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَرَفْعِ غَلَّاتِهِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْإِذْنَ الْمَوْجُودَ وَالْحَادِثَ جَمِيعًا كَذَلِكَ هَذَا .
إذَا أَوْصَى فَقَالَ : لِفُلَانٍ شَاةٌ مِنْ مَالِي ، وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ ، وَيُعْطَى لَهُ قِيمَةُ شَاةٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَهُ قَفِيزُ حِنْطَةٍ فِي مَالِي أَوْ ثَوْبٌ مِنْ مَالِي .
وَلَوْ قَالَ : لَهُ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي أَوْ قَفِيزٌ مِنْ حِنْطَتِي ، ثُمَّ مَاتَ ، وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ وَلَا حِنْطَةٌ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْمِيرَاثَ فِي الْمَالِ ، فَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ فَقَدْ عَقَدَ عَلَى مَالِهِ عَقْدًا لَهُ مِثَالٌ فِي الشَّرْعِ فَجَازَ إيجَابُ الْقِيمَةِ فِي مَالِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : شَاةً مِنْ غَنَمِي ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْحَقَّ فِيهِ نَوْعٌ خَاصٌّ ، فَإِذَا أَوْجَبَ فَقَدْ عَقَدَ عَقْدًا لَيْسَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، فَكَانَ إيجَابَ مَجْهُولٍ فَلَمْ يَجُزْ .
وَفَرَّقَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْعَجَمِيُّ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا قَالَ : شَاةٌ مِنْ مَالِي ، لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الْمَالِ فَلَغَا ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِشَاةٍ ، وَلَا شَاةَ لَهُ فَيُعْطَى قِيمَةَ شَاةٍ ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ : شَاةٌ مِنْ غَنَمِي ؛ لِأَنَّ فِي تَخْصِيصِ أَغْنَامِهِ فَائِدَةٌ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَدْفَعُوا مِنْ غَنَمٍ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ فَلَمْ يُلْغَ ذِكْرُ الْغَنَمِ فَاخْتَصَّ بِمَا خُصَّ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ صَارَ ذَلِكَ وَصِيَّةً بِمَعْدُومٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ إذَا قَالَ : وَصَّيْت لِفُلَانٍ بِالْأَلْفِ الَّتِي لِي فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الصُّنْدُوقِ شَيْءٌ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
736 - 736 - إذَا أَوْصَى فَقَالَ : أَوْصَيْتُ بِسَالِمٍ لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِسَالِمٍ لِفُلَانٍ آخَرَ فَالْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَلَوْ قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ .
كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْعَبْدِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وَصِيَّةً لَهُ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ اشْتِرَاكًا لَأَلْغَيْنَا ذِكْرَ الْوَصِيَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ اللَّفْظِ مَعَ إمْكَانِ إعْمَالِهِ ، فَجُعِلَ نَقْلًا لِمَا أَوْجَبَ لِلْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي رُجُوعًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ ، حَيْثُ لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ الْوَصِيَّةَ لَهُ ، إنَّمَا أَوْجَبَ لِلثَّانِي مِثْلَ مَا أَوْجَبَ لِلْأَوَّلِ ، فَكَانَ إشْرَاكًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِثُلُثِي لِفُلَانٍ آخَرَ ، كَانَ إشْرَاكًا .
كَذَلِكَ هَذَا .
وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ هُوَ لِفُلَانٍ ، فَقَدْ ذَكَرَ الْعَقْدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ، وَنَقَلَهُ إلَى الثَّانِي فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَحِلِّ الْأَوَّلِ لَا عَقْدٌ وَلَا عَبْدٌ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : رَجَعْتُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَوْصَيْتُ بِسَالِمٍ لِفُلَانٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصِحَّةُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِذِكْرِ فُلَانٍ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِهَذَا الْعَبْدِ ، لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُبَيِّنَ الْمُوصَى لَهُ ، فَإِذَا قَالَ : أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ لَمْ يَذْكُرْ مَا أَوْجَبَ بِهِ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَصِرْ فَاسِخًا لَهُ وَلَا رَاجِعًا ، فَبَقِيَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ فَاشْتَرَكَا فِيهِ .
737 - 737 - إذَا قَالَ : الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ قَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ ، كَانَ رُجُوعًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : فَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ .
وَإِنْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ وَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ آخَرَ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَدْ حَرْفٌ يُبْدَأُ بِهِ فِي الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } وَقَالَ { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ } فَقَدْ ابْتَدَأَ نَقْلُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي فَكَانَ رُجُوعًا ، وَقَوْلُهُ فَقَدْ إبْقَاءٌ لِلصِّلَةِ ، وَوُجُودُ حَرْفِ الصِّلَةِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : قَدْ أَوْصَيْتُ .
وَأَمَّا إذَا قَالَ : وَقَدْ أَوْصَيْتُ .
فَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ ، وَلَا يَكُونُ الثَّانِي مَعْطُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ ، فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُهُ لِلثَّانِي رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ ، فَصَارَ اشْتِرَاكًا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَوْصَيْتُ بِهِ لَهُمَا ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
738 - 738 - وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَهُ كَانَ رُجُوعًا .
وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : إذَا أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ قَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ بِذَلِكَ الْعَبْدِ لِفُلَانٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا قَالَ : لَمْ أُوصِ فَقَدْ نَفَى وَصِيَّتَهُ لَهُ ، وَلَهُ نَفْيُهَا فَصَارَ فَاسِخًا لَهَا ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا ثُمَّ جَحَدَ الْوَكَالَةَ صَارَ عَازِلًا ، كَذَلِكَ هَذَا فَصَارَ الرُّجُوعُ فِي ضِمْنِ نَفْيِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : رَجَعْتُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : اشْهَدُوا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكِ نَفْيًا عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ ، وَالْأَمْرُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَقَدْ وُجِدَ مَا كَانَ أَمْرًا بِكَذِبٍ ، فَلَمْ يَعْمَلْ ، فَاسْتَوَى وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
739 - 739 - وَإِذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ ، وَدَفَعَ إلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ ، وَأَجَازَ حِصَّةَ الْوَصِيَّةِ ، وَدَفَعَهَا فَسُرِقَتْ لَمْ يَرْجِعْ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً ، وَالْمُقَاسَمَةُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَتْ الْوَصَايَا لِلَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِآدَمِيٍّ وَقَسَّمَ وَأَخْرَج نَصِيبَهُمْ ثُمَّ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِمْ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ، وَتَبْطُلُ قِسْمَتُهُ .
وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصَايَا إذَا كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْوَصِيُّ يَنْفَرِدُ بِتَنْفِيذِهِ ، فَيَنْفَرِدُ بِقِسْمَتِهِ ، فَصَحَّتْ الْقِسْمَةُ ، فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِمْ ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِآدَمِيٍّ لَمْ يَنْفَرِدْ الْوَصِيُّ بِتَنْفِيذِهِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِقِسْمَتِهِ ، فَلَمْ تَصِحَّ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِمْ ، فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ، وَلِأَنَّ الْوَصَايَا إذَا كَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَالْحَقُّ فِيهِ لِلْمَيِّتِ ، وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فَنَفَذَتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا كَانَتْ الْوَصَايَا لِآدَمِيٍّ فَالْحَقُّ فِيهِ لِآدَمِيٍّ ، وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ ، فَلَمْ تَنْفُذْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ ، فَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ .
740 - 740 - إذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ فَقُتِلَ الْعَبْدُ ، فَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا آخَرَ يَخْدُمُهُ .
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مِنْ إنْسَانٍ فَقُتِلَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ ، وَلَا يَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ عَبْدًا آخَرَ يَخْدُمُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَصِيَّةِ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ يُشْتَرَى جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا وَيَخْدُمَ فُلَانًا صَحَّ ، فَلَمْ يَبْطُلْ مَا كَانَ بِانْتِقَالِهِ إلَى الْقِيمَةِ ، وَبَقِيَ الْعَقْدُ بِبَقَاءِ خَلَفِهِ ، كَالْمَبِيعِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى عَبْدٍ يُشْتَرَى لَا يَجُوزُ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ مَا كَانَ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الْعَيْنِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ لَا الْمَنْفَعَةُ ، فَسَرَى إلَى الْبَدَلِ ، وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَلَيْسَ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الْمَنْفَعَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ مُدَّةِ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ مَعْلُومًا ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِالْعَيْنِ لَمْ يَسِرْ إلَى الْبَدَلِ .
741 - 741 - إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ وَلَا لِلْوَرَثَةِ ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَلَهُمْ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ فَإِذَا اجْتَمَعَا فَلَهُمَا اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فَإِذَا اجْتَمَعَا فَلَهُمَا الِاسْتِيفَاءُ .
وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي وَلَا إذَا اجْتَمَعَا قَبْلَ إجَازَةِ الْمُشْتَرِي وَرِضَاهُ ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ ، وَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْمُضَارَبَةِ إذَا قُتِلَ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْتَصَّ ، وَلَا إذَا اجْتَمَعَا ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقُتِلَ لَيْسَ لِلْمَوْلَى وَلَا لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَقْتَضُوا وَلَا إذَا اجْتَمَعُوا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ جَوَازُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَالْمَرْهُونِ وَالْمُشْتَرَكِ عَلَى رِضَا الْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُوصَى لَهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ يَنْتَهِي عَقْدُ الْوَصِيَّةِ ، فَيَصِيرُ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ مُسْتَوْفِيًا جَمِيعَ حَقِّهِ ، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالْقَتْلِ ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْهُونِ قَتْلُهُ يَكُونُ دُخُولًا فِي الِاسْتِيفَاءِ ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بِقَتْلِهِ يَنْتَهِي مِلْكُهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَاتَ ، فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ عَلَى رِضَا الْمُوصَى لَهُ ، وَالْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ فَأَوْقَفْنَا ، فَإِذَا تَرَاضَيَا
وَاجْتَمَعَا فَقَدْ اجْتَمَعَ صَاحِبُ الْمَالِ وَصَاحِبُ الْحَقِّ فَجَازَ أَنْ يَقْتُلَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الْأُخَرِ ؛ لِأَنَّا مِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ اسْتِيفَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى رِضَا الْآخَرِ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ، وَفَوَاتُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ سَقَطَ حَقُّهُ ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ رِضَاهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ، فَمِنْ حَيْثُ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ يُبْطِلُهُ ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ إذَا قُتِلَ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ فَيَسْقُطُ رِبْحُهُ ، وَفِي عَبْدِ الْمُكَاتَبِ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُكَاتَبِ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا قُتِلَ يَبْطُلُ حَقُّ غُرَمَائِهِ بِتَلَفِ الْعَيْنِ ، فَمِنْ حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى رِضَاهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَلَا نُوقِفُ ، فَاسْتَوَى وُجُودُ رِضَاهُ وَعَدَمُهُ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ، كَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا ، فَصَارَ هَذَا قَتْلًا لَمْ يُوجِبْ الْقَوَدَ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ .
742 - 742 - إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَق عَنْهُ نَسَمَةً فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ عَنْ نَفْسِهِ ، جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ .
وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْوَصِيُّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا عَنْ نَفْسِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَارِثَ يَتَصَرَّفُ بِحَقِّ الْمِلْكِ ، وَلِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَبِيعَ فِي الدَّيْنِ ، وَلِلْوَارِثِ حَقُّ مِلْكٍ فِي أَمْلَاكِ الْمَيِّتِ ، فَصَارَ تَصَرُّفُهُ بِحَقِّ الْمِلْكِ فَمُخَالَفَتُهُ جِهَةَ الْأَمْرِ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ ، دَلِيلُهُ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ لَا بِحَقِّ الْمِلْكِ ، فَمُخَالَفَةُ جِهَةَ الْأَمْرِ يَمْنَعُ تَصَرُّفَهُ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِأَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا لِلْبِدْعَةِ لَمْ يَقَعْ ، كَذَلِكَ هَذَا .
743 - 743 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِي عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ، وَإِنْ أَجَازَ مَوْلَاهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَيُكْرَهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، وَلَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يَجُزْ تَعَلُّقُ الْعُهْدَةِ بِهِ ، وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ وَبَاعَ خَرَجَ هُوَ عَنْ الْعُهْدَةِ ، وَإِذَا خَرَجَ هُوَ عَنْ الْعُهْدَةِ تَعَلَّقَتْ الْعُهْدَةُ بِالْآمِرِ فَمِنْ حَيْثُ يَجُوزُ تَعَلُّقُ الْعُهْدَةِ بِهِ فَجَوَّزْنَاهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ تَعَلَّقَتْ الْعُهْدَةُ بِهِ ، وَخَرَجَ الْعَاقِدُ عَنْ الْعُهْدَةِ ، فَوَجَبَ تَعَلُّقُ الْعُهْدَةِ بِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ ، وَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْعُهْدَةِ بِمَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ فَلَوْ جَوَّزْنَا وِصَايَتَهُ إلَى الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، لَكَانَ إذَا بَاعَ لَمْ تَتَعَلَّقْ الْعُهْدَةُ بِهِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا لَا تَتَعَلَّقُ الْعُهْدَةُ فِيهِ بِأَحَدٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ عَلَى الْوَرَثَةِ فَلَوْ جَوَّزْنَا الْوِصَايَةَ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ ، لَكَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَمْنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَلَى الْآمِرِ لَا عَلَى غَيْرِهِ ، وَقُدْرَةُ الْآمِرِ عَلَى مَنْعِ الْوَكِيلِ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ حُرًّا .
744 - 744 - إذَا كَانَ الْوَارِثُ كَبِيرًا غَائِبًا ، وَالْمُوصَى لَهُ كَبِيرٌ حَاضِرٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْمُوصَى لَهُ وَأَعْطَاهُ مِنْ الْمَالِ حِصَّتَهُ ، وَقَبَضَ نَصِيبَ الْوَارِثِ ، ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَضْمَنَهُ .
وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ غَائِبًا فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَارِثَ وَأَعْطَاهُ حِصَّتَهُ ، وَأَمْسَكَ حِصَّةَ الْمُوصَى لَهُ وَمَيَّزَهُ ، وَتَلِفَ فِي يَدِهِ ، فَلِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَمْلِكُ الشَّيْءَ عَلَى طَرِيقِ الْخَلَفِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُبْتَدَأً ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ، فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمَيِّتِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَلِيِّ عَلَيْهِ ، وَلَا يَجُوزُ قَبْضُهُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ ، فَإِذَا تَلِفَ تَلِفَ مِنْ الْجَمِيعِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ يَدِ الْوَرَثَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَارِثُ إذَا كَانَ غَائِبًا ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ الشَّيْءَ عَلَى طَرِيقِ الْخَلَفِ عَنْ الْمَيِّتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرُدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَالْوَصِيُّ يَقُومُ بِمَالِ الْمَيِّتِ فَجَازَ قَبْضُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَقَبَضَ نَصِيبَهُ ، ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ ، لَا يَرْجِعُ فِي حِصَّةِ الْوَصِيِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ ، كَذَلِكَ هَذَا .
745 - 745 - الْوَصِيُّ إذَا احْتَالَ بِدَيْنٍ مِنْ غَرِيمٍ أَمْلَأَ مِنْهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ احْتَالَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّ أَبْسَطُ يَدًا فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ بَاعَ مَالَهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ وَارِثِهِ لَا يَجُوزُ ، وَالْوَصِيُّ لَوْ بَاعَ مَالَ الْمَيِّتِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْ وَارِثِ نَفْسِهِ جَازَ ، فَجَازَ أَلَا يُجْعَلَ تَبَرُّعًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ مِنْ الْوَصِيِّ ، وَيُجْعَلَ تَبَرُّعًا مِنْ الْمَرِيضِ .
746 - 746 - إذَا كَانَ الْوَارِثُ ابْنَيْنِ وَالْمَالُ أَلْفَيْنِ أَوْ الْوَرَثَةُ ثَلَاثَ بَنِينَ وَالْمَالُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِالثُّلُثِ دَفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَخٌ لَهُ رَابِعٌ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ لَهُ مَا فِي يَدِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لَا يَصِحُّ بِالْوَصِيَّةِ ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ وَبَقِيَّةُ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذَا الْقَدْرُ وَهُوَ الْأَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَقَرَّ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ دَفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ بِالْأَخِ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ ، وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مِنْ الْوَرَثَةِ إلَّا هَذَا الِابْنَ وَهَذِهِ الْأَلْفَ فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
=========================ج5..................................
ج5555555555.......
كتاب : الفروق
المؤلف : أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي
747 - 747 - وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ فَلَا حُكْمَ لِلْقَبُولِ وَالرَّدِّ فِي حَيَاتِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى إلَيْهِ كَانَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ فِي حَالَ حَيَاتِهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ إيجَابُ الْحَقِّ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُرَاعَى ثُلُثُ مَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، فَلَوْ جَعَلْنَا الْإِيجَابَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالتَّمْلِيكَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَكَانَ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِخَطَرٍ ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَإِذَا كَانَ الْإِيجَابُ عِنْدَ الْمَوْتِ رُوعِيَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِإِذْنِهِ ، وَإِذْنُهُ وُجِدَ بِالْعَقْدِ وَلَوْ جَعَلْنَا الْإِيجَابَ بِالْعَقْدِ وَالتَّسْلِيطَ عَلَى التَّصَرُّفِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَكَانَ تَعْلِيقًا بِتَسْلِيطٍ عَلَى التَّصَرُّفِ بِخَطَرٍ ، وَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ وَكِيلِي .
فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَإِنْ كَانَ الْإِيجَابُ عِنْدَ الْعَقْدِ كَانَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ .
748 - 748 - إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَهَبَ شَيْئًا مِنْهُ فِي مَرَضِهِ .
فَقَبِلَ ثُمَّ رَدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَهُ ذَلِكَ .
وَلَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْد الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَقَدْ مَلَكَهَا وَلَهُ حَقُّ مِلْكٍ فِيهَا ، وَإِذَا رَدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ أَعَادَهَا إلَى حَقِّ مِلْكِ الْمَيِّتِ ، فَهُوَ بِالرَّدِّ يُعِيدُهَا إلَى مِلْكِ الَّذِي اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْهُ ، فَجَازَ كَمَا لَوْ قَبِلَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَرَدَّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَلَكَهَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا ، وَحَقِيقَةُ الْمِلْكِ كَانَ ثَابِتًا لِلْوَاهِبِ فِيهِ ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَرُدُّهُ إلَى حُكْمِ مِلْكِهِ ، وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةُ مِلْكٍ ، فَلَمْ يُعِدْهُ إلَى الْمِلْكِ الَّذِي اسْتَوْجَبَهُ فَلَمْ يَجُزْ ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى إنْسَانٍ آخَرَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ حَالَةً يَصِحُّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ فِيهَا ، وَإِذَا كَانَ وَقْتًا لِلْقَبُولِ كَانَ وَقْتًا لِلرَّدِّ ، كَحَالَةِ الْحَيَاةِ وَالصِّحَّةِ فِي الْهِبَةِ مِنْ الصَّحِيحِ .
وَأَمَّا إذَا وَهَبَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَرَدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهَذِهِ حَالَةٌ لَا تَصِحُّ لِقَبُولِ هِبَةٍ وُجِدَتْ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلْقَبُولِ لَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلرَّدِّ ، فَصَارَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً ، فَإِنْ أَتَى بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا .
749 - 749 - إذَا أَوْصَى بِجَارِيَتِهِ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِهِ لِإِنْسَانٍ فَوَهَبَ لَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْجَارِيَةُ وَثُلُثُ الْأَلْفِ لِلْمُوصَى لَهُ .
وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى جَارِيَةٍ فَوَهَبَ لَهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالْأَلْفُ لِلْبَائِعِ وَلِلزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا أُلْحِقَ بِالْعَقْدِ اقْتَضَى أَنْ يُمْلَكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْلِكُ الْأَصْلَ ، وَالْمَبِيعُ قَدْ مُلِكَ بِالضَّمَانِ فَلَوْ أَلْحَقْنَا الْكَسْبَ بِالْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَمْلِكَهُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَلَكَ الْأَصْلَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَلَا يُلْحِقُهُ بِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّا لَوْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْعَقْدِ يُمْلَكُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمْلَكُ الْأَصْلُ ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْأَصْلِ مِنْ الثُّلُثِ فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَقْدِ عَلَى الْأَصْلِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ : أَنَّ الْكَسْبَ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ ، فَلَمْ يَجُزْ إلْحَاقُهُ بِهِ ، لِأَنَّ لِلزِّيَادَةِ حُكْمَ الْأَصْلِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُ الْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ ، فَجَازَ إلْحَاقُهُ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ الْكَسْبَ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جُعِلَ كَالْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ ، لِأَنَّ الْكَسْبَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي بَابِ الْبَيْعِ لَا يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ ، وَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ كَالْمَوْجُودِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ كَالْمَوْجُودِ فِي إلْحَاقِهِ بِالْعَقْدِ .
750 - 750 - إذَا أَوْصَى بِأَحَدِ عَبْدَيْهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ مَاتَ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ ، فَأَيُّ عَبْدٍ عَيَّنُوهُ لَهُ كَانَ لَهُ .
وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدٌ عَبْدَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفْسَ الْإِعْتَاقِ يُوجِبُ الْحَقَّ ، إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى الْعَيْنِ ، فَإِذَا مَاتَ سَقَطَتْ ذِمَّتُهُ ، فَانْتَقَلَ إلَى الْعَيْنِ فَعَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، فَلَوْ خَيَّرْنَا الْوَرَثَةَ فِي التَّعْيِينِ لَخَيَّرْنَاهُمْ فِي تَعْيِينِ الْعِتْقِ الْمُوَقَّفِ فِي نِصْفِ حُرٍّ وَنِصْفِ عَبْدٍ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابُ الْحَقِّ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ ، وَلِلْمَيِّتِ حَقٌّ فِيهِ ، فَلَوْ خَيَّرْنَا لَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَ تَمْلِيكِهِ فِي التَّمْيِيزِ وَهَذَا جَائِزٌ .
751 - 751 - وَلَوْ أَعْتَقَهُمَا الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ عَيَّنَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمَا عَتَقَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ .
وَلَوْ أَعْتَقَ الْمُوصَى لَهُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ ، ثُمَّ عَيَّنَ الْوَرَثَةُ لَهُ ذَلِكَ الْعَبْدَ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فَلِلْوَرَثَةِ خِيَارٌ فِي صَرْفِ مِلْكِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ أَعْتَقَ عَبْدًا ، وَلِلْغَيْرِ فِيهِ خِيَارٌ فِي صَرْفِ عِتْقِهِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ ، فَلَمْ يُعْتَقْ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُمَا فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ خِيَارٌ فِي صَرْفِ الْعِتْقِ عَنْهُمَا ، فَصَارَ مُعْتِقًا مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ ، فَنَفَذَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَوَقَفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَعْتَقْتُكُمَا .
752 - 752 - إذَا قَالَ : أَوْصَيْت لِابْنَيْ فُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي ، فَإِذَا لَيْسَ لَهُ إلَّا ابْنٌ وَاحِدٌ فَلَهُ نِصْفُ الْمَالِ .
وَلَوْ قَالَ : أَوْصَيْت لِابْنَيْ فُلَانٍ عَمْرٍو وَخَالِدٍ بِثُلُثِ مَالِي .
فَإِذَا لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ غَيْرَ عَمْرٍو كَانَ الثُّلُثُ كُلُّهُ لَهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ " لِابْنَيْ فُلَانٍ " لَفْظُ اشْتِرَاكٍ وَالِاشْتِرَاكُ قَدْ صَحَّ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لِفُلَانٍ ابْنٌ آخَرُ فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الثُّلُثَ ، وَإِذَا صَحَّ الِاشْتِرَاكُ كَانَ لِلْمَوْجُودِ نِصْفُهُ ، كَمَا لَوْ قَالَ : ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ .
وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَلِلْبَاقِي نِصْفُ الثُّلُثِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ " عَمْرٍو وَخَالِدٍ " ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ لَفْظَ اشْتِرَاكٍ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ لِفُلَانٍ ابْنٌ آخَرُ فَسُمِّيَ خَالِدًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ، فَقَدْ أَوْجَبَ الْجَمِيعَ لِعَمْرٍو وَأَشْرَكَ فِيهِ مَنْ لَا يَصِحُّ إشْرَاكُهُ فَلَمْ يُزَاحِمْهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، فَبَقِيَ الْجَمِيعُ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ : أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ ، فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِلْحَيِّ كَذَلِكَ هَذَا .
753 - 753 - إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَتِهِ عَلَى أَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا لِوَرَثَتِهِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي ، ثُمَّ وَضَعَتْ الْجَارِيَةُ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَالْوَلَدُ لِلْوَرَثَةِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ وَاسْتَثْنَى الْخِدْمَةَ لِوَرَثَتِهِ لَا يَجُوزُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَنَعَ دُخُولَ الْجَنِينِ فِيهِ ، وَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا وَالْوَلَدُ عَيْنٌ ، وَتَوْرِيثُ الْأَعْيَانِ جَائِزٌ ، فَلَوْ جَوَّزْنَا الِاسْتِثْنَاءَ لَمَلَّكْنَا الْوَرَثَةَ عَيْنًا ، وَهَذَا جَائِزٌ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخِدْمَةُ ، لِأَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مَنَعَ دُخُولَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعَقْدِ ، وَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا ، وَالْخِدْمَةُ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ فِي الْعَقْدِ وَتَوْرِيثُ مَا لَيْسَ بِعَيْنٍ فِي الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يُوَرَّثْ عِنْدَ الْخِدْمَةِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
754 - 754 - وَلَوْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ وَلَبَنِهَا يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ ، وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ فِي ثَانِي الْحَالِ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِهِ .
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ وَعَبْدِهِ يَجُوزُ ، وَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَحْدُثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَقِفُ بِعَقْدِهِ مَنَافِعَ عَقَارِهِ عَلَى اسْتِغْلَالِ غَيْرِهِ وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَقَارَهُ عَلَى غَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصُّوفُ وَاللَّبَنُ ، لِأَنَّهُ يَقِفُ بِعَقْدِهِ مَنَافِعَ حَيَوَانِهِ مِنْ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ عَلَى حَالِ اسْتِغْلَالِ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَيْنَ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ وَقَفَ مَا لَا يَتَأَبَّدُ ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَبْقَى بِخِلَافِ الْعَقَارِ .
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ غَلَّةِ الْعَبْدِ وَخِدْمَتِهِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ : أَنَّ الْخِدْمَةَ جُعِلَتْ فِي الْحُكْمِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ثَمَنًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا ، وَالْمَوْجُودُ بِالْمَوْجُودِ جَائِزٌ ، كَذَلِكَ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللَّبَنُ وَالصُّوفُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُمَا بِحَالٍ ، فَصَارَ مَعْدُومًا ، وَتَمَلِّي وَتَمِيلك الْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ .
755 - 755 - وَلَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ مَوْجُودَةٌ فَمَا يَحْدُثُ فِيهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ ، مَا لَمْ يَقُلْ : أَبَدًا .
وَفِي الْغَلَّةِ يَدْخُلُ فِيهَا الْمَوْجُودُ وَالْحَادِثُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الثَّمَرَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ } وَأَرَادَ بِالثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَ دُونَ الْحَادِثِ ، فَإِذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً انْصَرَفَ اللَّفْظُ إلَى حَقِيقَتِهِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِاللَّفْظِ خَرَجَ الْمَجَازُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَلَّةُ ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ اسْمِ الْغَلَّةِ يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَكَّلَ وَكِيلًا بِدَفْعِ غَلَّاتِهِ كَانَ وَكِيلًا فِي الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ فَدَخَلَا جَمِيعًا فِي الْأَمْرِ فَتَنَاوَلَهُمَا .
756 - 756 - إذَا أَوْصَى إلَى إنْسَانٍ فَلَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيَّةَ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي ، ثُمَّ بَاعَ وَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ صَارَ قَابِلًا لِلْوَصِيَّةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ بَعْدَ الْعِلْمِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيجَابَ قَدْ تَمَّ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ هُوَ وَلَا وَارِثُهُ عَلَى إبْطَالِهِ ، فَوَجَبَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ ، إلَّا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى قَبُولِهِ فَإِذَا تَصَرَّفَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَالْقَبُولِ صَارَ رَاضِيًا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ بَاعَهُ صَارَ مُخَيَّرًا بِالْبَيْعِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَمْ يَتِمَّ مِنْ قِبَلِ الْمُوَكِّلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِمُوجِبِهِ إبْطَالَهُ وَعَزْلَهُ ، فَلَمْ يَصِرْ بِفِعْلِهِ مُجْبَرًا ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ ، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ ، لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَمْ يَتِمَّ كَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
كِتَابُ الْمَأْذُونِ 757 - إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا أَدَّيْتَ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ ، وَجَعَلَهُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ .
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا : طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ .
لَمْ يُجْعَلْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ إخْبَارًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : افْعَلْ وَلَك كَذَا .
تَحْتَمِلُ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، كَقَوْلِهِ : احْمِلْ هَذَا الشَّيْءَ وَلَك دِرْهَمٌ ، أَوْ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَك دِرْهَمٌ ، فَإِذَا حَمَلَ أَوْ خَاطَ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ ، وَيُحْتَمَلُ مَعْنَى الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ : افْعَلْ ذَلِكَ وَأَنْتَ جَالِسٌ أَوْ قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَالَ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْعِتْقِ اقْتَضَى حُصُولَ الْمَالِ قَبْلَ الْعِتْقِ ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ جُعِلَ شَرْطًا ، وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلَمْ يُقَدَّمْ ذِكْرُ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ الْمَالِ ، فَحُمِلَ عَلَى الْإِخْبَارِ ، وَلَمْ يُجْعَلْ أَدَاءَ الْمَالِ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ بِسَبَبٍ آخَرَ .
858 - 858 - إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فَقَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ حَجَرْتُ عَلَيْهِ رَأْسَ الشَّهْرِ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَصِيرُ مَحْجُورًا .
وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا ثُمَّ قَالَ : عَزَلْتُك رَأْسَ الشَّهْرِ كَانَ مَعْزُولًا إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ الْعَزْلَ فَقَدْ خَصَّ الْإِذْنَ بِوَقْتٍ فَصَارَ كَتَخْصِيصِهِ بِنَوْعٍ ، فَلَوْ خَصَّ بِنَوْعٍ عَمَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ ، كَذَلِكَ إذَا خَصَّ بِوَقْتٍ عَمَّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ .
وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَقَوْلُهُ عَزَلْتُك رَأْسَ الشَّهْرِ تَوْقِيتٌ لِلتَّوْكِيلِ بِشَهْرٍ فَصَارَ تَخْصِيصُهُ بِوَقْتٍ كَتَخْصِيصِهِ بِنَوْعٍ ، وَقَدْ خَصَّ بِنَوْعٍ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا يَعْدُوهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا خَصَّ بِوَقْتٍ اخْتَصَّ بِهِ وَلَا يَعْدُوهُ .
759 - 759 - إذَا قَالَ الْقَاضِي لِعَبْدِ الْيَتِيمِ : اتَّجَرَ فِي الْبُرِّ وَلَا تَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ ، فَإِنِّي قَدْ حَجَرْتُ عَلَيْك أَنْ تَعْدُوَهُ إلَى غَيْرِهِ ، كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ .
وَلَوْ عَقَدَ عَقْدًا فِي غَيْرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَرُفِعَ إلَيْهِ فَأَبْطَلَهُ ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ نَفَذَ إبْطَالُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَيْسَ بِقَضَاءٍ ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَبْطَلْت كُلَّ عَقْدٍ يُعْقَدُ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ مَا لَمْ يَعْقِدْ فِيهِ بَعْدَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِعَقْدٍ فَيُبْطِلُهُ بَعْدَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَضَاءً كَانَ إذْنًا بِأَنْ يَعْقِدَ وَيَتَّجِرَ ، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ يَعُمُّ وَلَا يَخُصُّ ، كَمَا لَوْ وُجِدَ عَنْ الْمَالِكِ .
وَإِذَا عَقَدَ عَقْدًا وَاحِدًا فِي غَيْرِ مَا أَمَرَهُ فَأَبْطَلَهُ كَانَ إبْطَالُهُ قَضَاءً ، لِأَنَّهُ أَبْطَلَ شَيْئًا مَوْجُودًا ، وَالْقَضَاءُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ ، وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ قَضَاءً لَا إذْنًا ، وَالْقَضَاءُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ فَاخْتَصَّ وَنَفَذَ فَإِذَا رَجَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ قَضَاؤُهُ ، فَكَانَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ .
760 - 760 - صَبِيٌّ مَحْجُورٌ بَاعَ عَبْدًا فَضَمِنَ عَنْهُ إنْسَانٌ الدَّرَكَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ، ثُمَّ قَبَضَ الْعَبْدَ مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَالضَّمَانُ جَائِزٌ ، وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالثَّمَنِ .
وَلَوْ قَبَضَ الْعَبْدَ ثُمَّ ضَمِنَ الْمُشْتَرِيَ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ ضَمِنَ مَا يَقْبِضُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَمَا يَقْبِضُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ فِي التِّجَارَةِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فِي الشَّرْعِ بِالْإِذْنِ جَازَ أَنْ يَصِيرَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ قَالَ : ادْفَعْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ، فَإِنَّ الضَّمَانَ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا ضَمِنَ بَعْدَمَا قَبَضَ الْعَبْدَ مِنْ الْمُشْتَرِي ، لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا قَبَضَ وَمَا قَبَضَ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ بِالْإِذْنِ مَضْمُونًا فَقَدْ ضَمِنَ غَيْرَ مَضْمُونٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ ، كَرَجُلٍ دَفَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَضْمَنُهَا ؟ إنَّ الضَّمَانَ لَا يَصِحُّ كَذَلِكَ هَذَا .
761 - 761 - لَوْ أَمَرَ الْمَوْلَى قَوْمًا أَنْ يُبَايِعُوا عَبْدَهُ ، وَالْعَبْدُ لَا يَعْلَمُ بِأَمْرِ الْمَوْلَى جَازَ بَيْعُهُ مِنْهُمْ إذَا بَايَعُوهُ .
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ : اشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ ، فَذَهَبَ وَاشْتَرَى وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْأَمْرِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَأْذُونِ لِحَقِّ مَنْ يُعَاقِدُهُ لَا لِحَقِّ الْعَبْدِ ، لِأَنَّ عَقْدَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ ، وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ الطَّلَبُ بِضَمَانِهِ إلَى حَالَةِ الْعِتْقِ ، وَإِذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْإِذْنِ لِحَقِّهِمْ وَعَلِمُوا جَازَ ، كَمَا لَوْ عَلِمَ الْكُلُّ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْوَكَالَةِ ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إذْنِ صَاحِبِهِ فِي الْبَيْعِ لِحَقِّ الْوَكِيلِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُهْدَةُ بِهِ ، وَيَثْبُتَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمُقْتَضَاهُ عَلَى الْآمِرِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْعُهْدَةُ بِالْعَاقِدِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ كَانَ عَقْدًا بِغَيْرِ إذْنٍ فَلَمْ يَجُزْ .
762 - 762 - وَإِذَا أَشْهَدَ الرَّجُلُ أَهْلَ سُوقِهِ أَنَّهُ حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَمْ يَصِرْ مَحْجُورًا إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ بِالْحَجْرِ .
وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْمَحْجُورِ فِي التِّجَارَةِ بَيْنَ يَدَيْ أَهْلِ سُوقِهِ فَبَايَعُوهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ كَانَ مَأْذُونًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِذْنَ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ نَوْعُ حَقٍّ لِلْعَبْدِ وَفِي الْحَجْرِ إبْطَالُ حَقِّهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ حَتَّى يَتْبَعَ مِلْكَ الْمَوْلَى ، فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ ضَمَانٌ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَبِالْحَجْرِ يَبْطُلُ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ اُحْتِيجَ إلَى عِلْمِهِ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ كَالْوَكِيلِ .
وَلَيْسَ هَذَا كَالْإِذْنِ ، لِأَنَّ الْإِذْنَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ ، لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُهُمْ إذَا عَاقَدُوهُ وَكَانَ مَحْجُورًا ، فَإِنَّ الضَّمَانَ يَتَأَخَّرُ إلَى حَالَةِ الْعِتْقِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ لِلْعَبْدِ ، فَجَازَ إذَا عَلِمُوا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ .
763 - 763 - إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْجَارِيَةِ الْمَأْذُونَةِ دُيُونٌ فَوَلَدَتْ بِيعَ وَلَدُهَا مَعَهَا فِي الدَّيْنِ .
وَلَوْ وَلَدَتْ أَوَّلًا ثُمَّ لَحِقَهَا دَيْنٌ لَا يُبَاعُ وَلَدُهَا .
وَلَوْ وُهِبَتْ لَهَا هِبَةً أَوْ اكْتَسَبَتْ كَسْبًا قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْ جَمِيعِ اكْتِسَابِهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُبَاعُ فِيهِ ، فَجَازَ أَنْ يَسْرِيَ إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ إذَا وَلَدَتْ أَوَّلًا ، فَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ ثَابِتًا فِي الْأُمِّ وَقْتَ الْوِلَادَةِ ، فَتَأَخَّرَ الْحَقُّ عَنْ الْوِلَادَةِ ، وَالْحَقُّ الْمُتَأَخِّرُ لَا يَنْفُذُ فِي الْوِلَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ .
أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَسْبِ وَالْوَلَدِ إذَا تَقَدَّمَا عَلَى الدَّيْنِ : أَنَّ الْعَبْدَ بِالْعَقْدِ يَلْزَمُ أَكْسَابه ضَمَانًا ، وَيُوجِبُ الْحَقَّ فِيهَا ، وَهُوَ يَمْلِكُ إيجَابَ الْحَقِّ فِيهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا جَازَ ، فَجَازَ ثُبُوتُ دَيْنِهِ فِيهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ ، لِأَنَّهُ بِإِيجَابِ الدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهَا يَلْزَمُ الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ قَبْلَ الدَّيْنِ ضَمَانًا ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَابِ الْحَقِّ فِيهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ بَيْعَهُ أَوْ رَهْنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ ، فَصَارَ كَوَلَدِ غَيْرِهَا ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَابِ الْحَقِّ فِي وَلَدِ غَيْرِهَا ، كَذَلِكَ هَذَا .
764 - 764 - إذَا جَنَتْ أَمَةٌ جِنَايَةً ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يُدْفَعْ وَلَدُهَا مَعَهَا وَلَا تَثْبُتُ الْجِنَايَةُ فِي الْوَلَدِ .
وَالْمَأْذُونَةُ إذَا رَكِبَتْهَا الدُّيُونُ فَوَلَدَتْ بِيعَ وَلَدُهَا مَعَهَا .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهَا ، وَإِنَّمَا تَجِبُ مَجْهُولَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ، وَعَاقِلَتُهَا مَوْلَاهَا فَوَجَبَتْ عَلَى الْمَوْلَى ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَقُّ فِي الْأُمِّ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ ، لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ فِي رَقَبَتِهَا ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالْحَقُّ إذَا تَعَيَّنَ فِي الْأُمِّ سَرَى إلَى الْوَلَدِ كَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ .
765 - 765 - الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا اشْتَرَى وَبَاعَ فَرَكِبَتْهُ الدُّيُونُ ، فَوَهَبُوهَا مِنْ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا وَهَبُوهُ مِنْهُ .
وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ وَالْكَفِيلُ بِالثَّمَنِ إذَا وُهِبَ مِنْهُ الْمَالُ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رُجُوعَ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ لَا لِحَقِّ نَفْسِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الضَّمَانِ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ ، وَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَقَدْ زَالَ حَقُّهُمْ زَالَ الرُّجُوعُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْكَفِيلُ ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الرُّجُوعِ لَهُمَا لِحَقِّ أَنْفُسِهِمَا لَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، لِأَنَّ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِضَمَانٍ مُنْعَقِدٍ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ نَفْسُ الْكَفَالَةِ تُوجِبُ ضَمَانًا عَلَيْهِ يُثْبِتُ لَهُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ ثُبُوتُ رُجُوعِ الْوَكِيلِ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَقَدْ مَلَكَ مَا عَلَيْهِ بِالْهِبَةِ فَصَارَ كَالْمِلْكِ بِالْأَدَاءِ ، وَلَوْ أَدَّى لَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
766 - 766 - عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِرَجُلَيْنِ ، وَفِي يَدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ الْأَلْفَ مِنْ يَدِهِ وَأَتْلَفَهُ ، فَرَفَعَ إلَى الْقَاضِي ، فَقَضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَدْفَعْ حَتَّى أَبْرَأَهُ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ مِنْ دَيْنِهِ سَلَّمَ الْأَلْفَ كُلَّهُ لِلْآخَرِ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَارًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَتَيْنِ ، فَقَضَى الْقَاضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِهَا ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا تَرَكَ دَعْوَاهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْآخَرِ إلَّا النِّصْفُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَعَيَّنَ فِي نِصْفِ الدَّارِ ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَثْبَتَ الْجَمِيعَ لِنَفْسِهِ وَالْعَيْنُ ضَاقَتْ عَنْ جَمِيعِهِمَا ، فَصَارَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفَهُ ، فَإِذَا تَرَكَ أَحَدُهُمَا الدَّعْوَى لَمْ يَسْتَحِقَّ الْآخَرُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَرِيمَانِ ، لِأَنَّ حَقَّهُمَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ، وَالذِّمَّةُ تَسَعُ الْحُقُوقَ كُلَّهَا فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ فِي ذِمَّتِهِ ، وَتَعَذُّرُ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهِ لَا يُسْقِطُهُ فَبَقِيَ حَقُّهُ بِكَمَالِهِ ، فَإِذَا أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ، وَقَدَرَ الْآخَرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ دُيُونِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ .
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى بِنِصْفِ الدَّارِ فَقَدْ فَسَخَ عَقْدَهُ فِي بَعْضِهِ ، وَلِلْقَاضِي اجْتِهَادٌ فِي فَسْخِ الْعُقُودِ وَإِجَازَتِهَا ، فَإِذَا فَسَخَ انْفَسَخَ ، فَلَا يَعُودُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ .
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي إبْطَالِ الدَّيْنِ وَلَا اجْتِهَادٌ لَهُ فِيهَا ، فَلَمْ يُبْطِلْ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ عَمَّا اسْتَوْجَبَهُ فَبَقِيَ جَمِيعُ دَيْنِهِ إلَّا أَنَّهُ نُقِضَ لِأَجْلِ الْمُزَاحَمَةِ ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمُزَاحَمَةُ بِالْهِبَةِ فَسَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْآخَرِ ، كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ سَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْآخَرِ ، كَذَلِكَ هَذَا .
767 - 767 - الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا رَكِبَتْهُ الدُّيُونُ فَبَاعَ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ مَوْلَاهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ .
وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَبَاعَ شَيْئًا مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ عَبْدَهُ وَمَا فِي يَدِهِ بِقَضَاءٍ دَيْنًا وَيَمْلِكَهُ بِالْفِدَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى جَمِيعَ دَيْنِهِ مَلَكَ جَمِيعَ الرَّقَبَةِ ، وَمَا فِي يَدِهِ فَهُوَ بِالْفِدَاءِ يَنْقُلُ حَقَّهُمْ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْبَدَلِ ، فَسَلَّمَ لَهُ مَا فِي يَدِهِ بِالْفِدَاءِ لَا بِالشِّرَاءِ فَجَازَ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ .
وَأَمَّا فِي الْمَرِيضِ فَالْوَارِثُ لَا يَمْلِكُ مَالَ مُوَرِّثِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ قَضَى جَمِيعَ دَيْنِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْوَرَثَةُ بِالْفِدَاءِ صَارَ تَمْلِيكُهُ بِالشِّرَاءِ ، وَفِي الشِّرَاءِ مِنْهُ تَخْصِيصٌ لَهُ بِالْعَيْنِ ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْعَيْنِ مِمَّا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ بِهِ ، فَإِذَا فَعَلَهُ فِي الْمَرَضِ كَانَ وَصِيَّةً ، وَلَا وَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ فَلَمْ يَجُزْ .
768 - 768 - إذَا كَانَ عَلَى الْمَأْذُونِ دِينٌ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ جَازَ إقْرَارُهُ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ الْغُرَمَاءِ .
وَلَوْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْعَيْنِ أَوْلَى .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَجْرَ الْمَرِيضِ آكَدُ مِنْ حَجْرِ الْمَأْذُونِ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَأْذُونَ بِمُحَابَاةٍ قَلِيلَةٍ جَازَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِالْمُحَابَاةِ الْكَثِيرَةِ أَيْضًا ، فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ إقْرَارُهُ عِنْدَ ضَعْفِ الْحَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ عِنْدَ مَوْتِهِ .
769 - 769 - وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَقَالَ لِرَجُلٍ : أَقْرَرْتُ لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَنَا مَحْجُورٍ عَلَيَّ ، وَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ : كُنْت مَأْذُونًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ .
وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا بَلَغَ فَقَالَ : أَقْرَرْت لَك وَأَنَا صَبِيٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : لَا بَلْ أَقْرَرْتُ وَأَنْتَ بَالِغٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَالِ الْحَجْرِ يُوجِبُ الْمَالَ ، إلَّا أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ الْحُرِّيَّةِ فَقَدْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَادَّعَى تَأْخِيرَهُ إلَى غَايَةٍ ، فَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى دَعْوَى الْأَجَلِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، قَدْ أَجَّلْتنِي فِيهَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَالَ : أَقْرَرْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَالِ الصِّبَا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، فَلَمْ يُقِرَّ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ لَوْ وُجِدَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ ، كَذَلِكَ إذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ .
فَصْلٌ 770 - إذَا اشْتَرَى الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَبْدًا فَأَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ .
وَلَوْ أَنَّ حُرًّا اشْتَرَى لِغَيْرِهِ عَبْدًا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَأَجَازَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَابِ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ بِعَقْدِهِ إذَا كَانَ مَحْجُورًا ، فَإِذَا عَقَدَ عَقْدًا لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهِ ، فَوَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى ، فَإِذَا أَجَازَهُ جَازَ .
وَفِي الْأَجْنَبِيِّ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى إيجَابِ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ بِعَقْدِهِ ، فَلَمَّا وَجَدَ الْعَقْدُ نَفَاذًا نَفَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي ، فَصَارَ يُجِيزُ الْعَقْدَ بَعْدَ نُفُوذِهِ ، فَلَمْ تَعْمَلْ إجَازَتُهُ ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، ثُمَّ أَجَازَهُ لَمْ تَعْمَلْ إجَازَتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
771 - 771 - الْمَأْذُونُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَ شَيْئًا مِمَّا فِي يَدَيْهِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ جَازَ ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي إذَا بَاعُوا مَالَ الْيَتِيمِ وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ وَشَرِيكُ الْعَنَانِ وَالْمُفَاوِضُ إذَا بَاعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ جَازَ .
فَإِنْ بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ مَوْلَاهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ إذَا بَاعَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلْمُضَارَبَةِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إذَا بَاعَ مَا فِي يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَمْ يَجُزْ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَالِ الْمَرِيضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَلِكَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَا فِي يَدِ الْمَأْذُونِ ، وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ وَصَارَ الْمُضَارِبُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرِيضُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَرَبِّ الْمَالِ وَسَائِرِ النَّاسِ لَا تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِمْ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ مَعَ هَؤُلَاءِ عَلَى وَجْهِ نَقْلِ الْحَقِّ مِنْ مِلْكِ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فَإِنْ نَقَلَ الْجَمِيعَ لَا تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فَجَازَ ، وَقَامَ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ نَقَلَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ لَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ ، فَإِذَا بَلَغَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فَلَمْ يَجُزْ ، وَأَمَّا إذَا بَاعُوا مِنْ الْأَجَانِبِ فَلَا تَلْحَقُهُمْ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِمْ ، فَلَمْ يَكُنْ جَوَازُ تَصَرُّفِهِ بِحَقِّ النَّقْلِ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ التِّجَارَةِ ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ تَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ جَازَ .
وَأَمَّا الْمَأْذُونُ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْقَاضِي فَجَوَازُ تَصَرُّفِهِمْ لَيْسَ هُوَ عَلَى وَجْهِ النَّقْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمْ التُّهْمَةُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ وَإِنَّمَا لَهُمْ حَقُّ التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ
الِاحْتِيَاطِ ، وَالِاحْتِيَاطُ مَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ التُّجَّارِ ، وَهَذَا أُخِذَ عَلَيْهِ عِنْدَ التِّجَارَةِ ، فَإِذَا بَاعَهُ بِهِ وَهُوَ مِمَّا يَكُونُ تَنَاوَلَهُ تَلْحَقهُ شَيْئًا وَلَمْ تَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ جَازَ ، وَإِذَا ظَهَرَ الْغَبْنُ وَهُوَ لَيْسَ يَأْخُذُ ثَمَنَهُ ، فَصَارَ تَارِكًا لِلِاحْتِيَاطِ فَلَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ بِغَبْنٍ كَثِيرٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ ، لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِفَكِّ الْحَجْرِ ، فَصَارَ كَالْحُرِّ الصَّحِيحِ .
كِتَابُ الدِّيَاتِ وَالْجِنَايَاتِ 772 - إذَا ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّتْ فَقَالَ الضَّارِبُ : اسْوَدَّتْ مِنْ مَرَضٍ جَدَّ فِيهَا بَعْدَ ضَرْبِي وَكَذَّبَهُ الْمَضْرُوبُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ مَعَ يَمِينِهِ .
وَلَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَصَارَتْ مُنَقِّلَةً ، فَقَالَ الْمَضْرُوبُ : إنَّمَا صَارَتْ مُنَقِّلَةً مِنْ ضَرْبِك ، وَقَالَ الضَّارِبُ : إنَّمَا صَارَتْ مُنَقِّلَةً مِنْ شَيْءٍ آخَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّوَادَ إذَا وُجِدَ عَقِيبَ الضَّرْبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ ، فَإِذَا قَالَ : إنَّهُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ ، فَقَدْ ادَّعَى خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّجَّةُ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تَصِيرُ مُنَقِّلَةً بِنَفْسِهَا ، لِأَنَّ الْمُنَقِّلَةَ أَنْ تَنْقُلَ الْعَظْمَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُنَقِّلَةً بِفِعْلٍ آخَرَ ، فَصَارَ الضَّارِبُ يَدَّعِي وَالظَّاهِرُ مَعَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَالْمَضْرُوبُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ .
773 - 773 - إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا ، وَادَّعَى الْمَوْلَى الْخَطَأَ فَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيِّ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ، وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا لَزِمَهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اسْتِحْسَانًا .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْعَمْدِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ فَفِي زَعْمِ الْقَاتِلِ أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ وَلَوْ صَدَّقْنَا الْوَلِيَّ فَأَوْجَبْنَا الدِّيَةَ لَنَقَلْنَا الْقِصَاصَ إلَى الْمَالِ ، بِقَوْلِ الْوَلِيِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْعَمْدِ ثُمَّ أَرَادَ الْوَلِيُّ أَخْذَ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ ، لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ لَنَقَلْنَا الْقِصَاصَ إلَى الْمَالِ بِقَوْلِ الْقَاتِلِ ، وَهَذَا جَائِزٌ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ فِي شُبْهَةٍ .
774 - 774 - إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي السَّفِينَةِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى سُكَّانِ السَّفِينَةِ وَرُكَّابِهَا وَكُلِّ مَنْ فِيهَا ، وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي الْمَحَلَّةِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ دُونَ السُّكَّانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْيَدِ ثَبَتَتْ عَلَى السَّفِينَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَغْرَمُ بِالْغَصْبِ ، وَيُمْكِنُ نَقْلُهَا وَتَحْوِيلُهَا ، فَقَدْ ثَبَتَ لَهُمْ حَقِيقَةُ الْيَدِ فِيهَا فَاخْتَصُّوا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّ الْقَتْلِ ، فَاخْتَصُّوا بِتَحَمُّلِ الْقَسَامَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَحَلَّةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا أَوْ تَحْوِيلُهَا حَتَّى قُلْنَا لَا يَغْرَمُ الْعَقَارُ ، بِالْغَصْبِ وَصَاحِبُ الْيَدِ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الدَّارِ بِإِسْكَانِهِ فِيهَا ، فَلَمْ يَخْتَصُّوا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّ الْقَتِيلِ ، فَلَمْ يَخْتَصُّوا بِتَحَمُّلِ الْقَتْلِ .
وَفَرْقٌ آخَرُ : أَنَّ تَدْبِيرَ الْمَحَلَّةِ وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ إلَى أَرْبَابِ الْخُطَّةِ وَالسُّكَّانُ كَالْمُتَصَرَّفِينَ مِنْ جِهَتِهِمْ ، فَصَارُوا كَالْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ ، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّفِينَةُ ، لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ إلَى السُّكَّانِ وَالْمَلَّاحِينَ دُونَ الْمُلَّاكِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجْرِي بِأَمْرِهِمْ وَهُمْ الْمُتَصَرِّفُونَ فِيهَا ، فَاخْتُصُّوا بِتَحَمُّلِ مَا يَجِبُ فِيهَا ، وَلِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَحَلِّ السَّفِينَةِ ، بِدَلِيلِ أَنَّا لَوْ عَلَّقْنَا الْحُكْمَ بِالْمَحَلِّ لَأَبْطَلْنَاهُ ، لِأَنَّ الْبَحْرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قَهْرِ أَحَدٍ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَحَلِّهَا حُكْمٌ ، صَارَ الْحُكْمُ لِلسَّفِينَةِ ، وَالسُّكَّانُ هُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِالتَّصَرُّفِ فِي السَّفِينَةِ ، فَاخْتُصُّوا بِتَحَمُّلِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَحَلَّةُ ، لِأَنَّ لِمَكَانِ الدَّارِ حُكْمًا وَهُوَ دَارُ الْإِسْلَامِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ ، وَحُكْمُهَا مُعَلَّقٌ بِأَهْلِ الْخُطَّةِ ، وَالْحُكْمُ
إذَا عُلِّقَ بِجِهَةٍ فَمَا لَمْ تَنْقَطِعْ تِلْكَ الْجِهَةُ لَا يُنْقَلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا كَالْغَصْبِ .
775 - 775 - إذَا قَطَعَ الرَّجُلُ مَفْصِلًا مِنْ أُصْبُعِ رَجُلٍ ، وَاقْتَصَّ مِنْهُ وَبَرِئَ ، ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا بَاقِي أُصْبُعِ صَاحِبِهِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ .
وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ وَبَرِئَ ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا قَطَعَ ذِرَاعَ صَاحِبِهِ مِنْ تِلْكَ الْيَدِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الذِّرَاعِ ، لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِوُجُوبِ تَقْدِيرٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ ، وَلَمْ يَرِدْ ، فَلَمْ تُوجَدْ الْمُسَاوَاةُ ، فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ .
وَفِي الْأُصْبُعِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْدِيرٍ ، لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَفْصِلَيْنِ ثُلُثَا الدِّيَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ بَدَلٌ مَعْلُومٌ ، فَاسْتَوَيَا فِي أَنْفُسِهِمَا لِاسْتِوَاءِ بَدَلِهِمَا وَصِفَتِهِمَا ، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا .
776 - 776 - أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْقَفَ أَحَدُهُمَا دَابَّتَهُ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَأَصَابَتْ إنْسَانًا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ دِيَتِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْتَفِقَ بِالْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ نِصْفَ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْسِمْ أَيْضًا فَهُوَ بِالْإِيقَافِ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَا يَغْرَمُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبِئْرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ حَفْرُ الْبِئْرِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُشْتَرَكِ ، لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ يَهْدِمُ الْأَرْضَ ، فَصَارَ هَدْمُ السُّفْلِ كَهَدْمِ الْعُلْوِ ، وَهَدْمُ الْعُلْوِ جِنَايَةٌ ، كَذَلِكَ السُّفْلُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ فَغَرِمَ مَا تَلِفَ بِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِلْكٌ ، وَإِذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِالْحَفْرِ وَالْحَفْرُ نِصْفُهُ فِي مِلْكِهِ وَنِصْفُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَغَرِمَ نِصْفَهُ ، وَلَمْ يَغْرَمْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ .
777 - 777 - إذَا رَمَحَتْ دَابَّةٌ وَهِيَ تَمْشِي فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَصَاحِبُهَا رَاكِبٌ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاكِبِ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ بِنَفْسِهِ .
وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ : إذَا رَكِبَ مُشْرِكٌ وَسَاقَ دَابَّتَهُ وَسَيَّرَهَا فِي مُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَنَفَحَتْ الدَّابَّةُ وَصَاحِبُهَا رَاكِبُهَا فَنَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِيَدِهَا فَقَتَلَتْ مُسْلِمًا لَمْ يُغَسَّلْ وَجُعِلَ كَأَنَّ الْمُشْرِكَ بَاشَرَ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي إتْلَافِهِ ، وَكَوْنُهُ شَهِيدًا مُتَعَلِّقٌ بِوُجُوبِ سَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ يَقَعُ التَّلَفُ بِتِلْكَ الْجِهَةِ لَا بِمُبَاشَرَتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى هَذَا الْكَافِرُ بِنَارٍ فَذَهَبَتْ يَمِينًا وَشِمَالًا فَأَحْرَقَتْ مُسْلِمًا لَمْ يُغَسَّلْ ، لِكَوْنِهِ مُتَسَبِّبًا .
وَأَمَّا فِي الضَّمَانِ فَإِنَّمَا يَجِبُ لِكَوْنِهِ مُتْلِفًا ، وَلَمْ يُوجَدْ إتْلَافٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَوْقَدَ نَارًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَأَحْرَقَتْ مِلْكَ جَارِهِ لَمْ يَضْمَنْ ، وَلَمْ يُجْعَلْ مُبَاشِرًا ، كَذَلِكَ هَذَا ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ .
مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ ) 778 - إذَا أُغْمِيَ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لِلْقَوْمِ الِاسْتِخْلَافُ .
وَإِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَانْصَرَفَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدُ فَقَدَّمَ الْقَوْمُ رَجُلًا جَازَ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْصِرَافُ عَقِيبَهُ وَقَدْ بَقِيَ عَلَى مَكَانِهِ بَعْدَ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَلَمْ يَنْصَرِفْ وَمَكَثَ سَاعَةً فِي مَكَانِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، كَذَلِكَ هَذَا .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَانْصَرَفَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ وَقَدْ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ لِتَصِحَّ صَلَاةُ الْقَوْمِ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ صَارَ كَالْإِذْنِ لَهُمْ فَوَقَعَ اسْتِخْلَافُهُمْ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ جَازَ ، فَكَذَلِكَ الْقَوْمُ .
مَسْأَلَة 779 - لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَ رَجُلًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَفَعَلَ غَيْرُهُ فَأَجَازَ الْمُوَكِّلُ جَازَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ .
وَلَمْ يَجُزْ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ يُجَوِّزَانِ تَدْبِيرَهُ ، وَقَدْ وُجِدَ تَدْبِيرُهُ .
وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى تَدْبِيرٍ ، بَلْ عُلِّقَ بِقَوْلِهِ ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ ، فَإِذَا قَالَ غَيْرُهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالطَّلَاقِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَهُ ، فَلَمْ يَقَعْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق